الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جدلية الإضمار والتلميح في الأعمال الأخيرة للفنان التشكيلي المغربي عبد الهادي مريد

عبد الجبار الغراز
كاتب وباحث من المغرب

(Abdeljebbar Lourhraz)

2022 / 8 / 29
الادب والفن


الفنان عبد الهادي مريد من الفنانين التشكيلين الشباب العصاميين المغاربة الذي نحتوا اسمهم في صخرة الفن المغربي المعاصر، وهو من مواليد 18مايو1979 بمدينة الدار البيضاء. وهو إطار بنكي يقطن حاليا بمدينة أكادير. شارك هذا الفنان في عدد من المعارض الفردية والجماعية داخل المغرب (معرض الصالون الوطني للفن المعاصر بالدار البيضاء، سنة 2013، ومعرض رؤى معاصرة سنة2015 وبالمعرض الجماعي "أرابيسك " سنة 2016 وآخر خلال هذه السنة الجارية بمتحف التراث الأمازيغي بمدينة أكادير. وشارك سنة 2018 بمعرض بالصالون المغربي للرسم والمطبوعات في دورته الأولى بمدينة الجديدة. كما شارك في معارض أخرى خارج المغرب (تونس (2002)، إيطاليا، (2006 و2011، هولندا (2015) وإسبانيا (2012 و2018)
اغتنت عصامية هذا الفنان، على مر سنين عمره التشكيلي واكتسبت، في النهاية، تجربة فنية رائدة تقاس، كقيمة فنية، بأعمال فنانين تشكيليين مغاربة لهم باع طويل في هذا الميدان، خضعوا لتكوينات وتخرجوا من أرقى الجامعات ومؤسسات الفنون الجميلة العمومية والخصوصية؛ ولا أدل على ذلك من أعماله الأخيرة الرائدة التي تميزت بنحت شخصية فنية لها فرادتها وأسلوبها الفني الذائق.
وقبل الشروع في تقديم قراءة تفاعلية لبعض أعماله الأخيرة، لا بأس في أن نقدم بشكل مقتضب تصوره للحياة وللفن.
يؤمن عبد الهادي مريد بأن للفن رسالة جمالية ينبغي على الفنان أن يؤديها على الوجه الأكمل. خطابها يجب أن يدعو صراحة إلى التحرر من قيود المجتمع وأعباء الروتين اليومي المثقل للنفس والمكبل لحريتها المنشودة. كما يؤمن أيضا بأن يكون للفنان موقفا محددا تجاه وضعيات حياتية يتخبط فيها الإنسان المعاصر.
يحرص الفنان عبد الهادي مريد على أن ينتج، عبر تناغمية اللون والإيقاع، خطابا فنيا تشكيليا فياضا بالمعاني والدلالات والرموز التعبيرية، ساعيا إلى أن يجعل من لوحاته الفنية إخفاء لأشياء لا ينبغي لها أن تتشكل إلا وفق متوالية لونية وإيقاعية ذات نكهات تجريدية شفيفة مستفزة لبصر المتلقي؛ مع دعوة هذا الأخير إلى الغوص والترحال في زمن اللوحة التشكيلي اللحظي الهارب دوما.. ترحال كان دائما زاده التأويل والقراءة الفاحصة لكل عناصر اللوحة.
فأعمال هذا الفنان الأخيرة والسابقة عنها هي دوما تصب في خانة إشباع ذائقة المتلقي، ومحاولة إرضائها، دون السقوط في خطابات مجانية رخيصة تبتغي الشهرة والبوز، كما صرح لنا ذات يوم. أعمال تروم إلى إنتاج طاقة داخلية استفزازية لعين المتلقي لحثها على التفكير والتأمل ونسج التأويل. كما أنها لا تنبني على مجرد التصوير المباشر لأجسام لها أحجامها وامتدادها الفيزيقي المتعين بل ترتكز بشكل كبير، على دينامية تعتمد جدلية الإضمار والتلميح، كاستراتيجية لونية وإيقاعية تؤطر أنفاس الفنان المتعددة؛ بحيث يغدو سند اللوحة وكأنه أرخبيل من الألوان والإيقاعات المتماوجة، يتشكل، هكذا فجأة، دون سابق تفكير في تيمة ما قد تستبد مسبقا بوجدان الفنان وتدعوه إلى العمل وفق شروطها هي.
فأعمال هذا الفنان الأخيرة هي اشتغال فني يمشي وفق لاشعور بنيوي يكون فيه هو حاضرا بالقوة أمام حضرة الصمت والغياب اللاإرادي والسكون المطبق؛ فتوقظ في الأعماق نفسا أمارة بالإبداع والشغب الفني الجميل، فوحدها الموسيقى هي من يكسر بلطف هامس هذا الصمت كفعل مصاحبة لهذا الوجد وتلك الحيرة الفنية المستبدة فجأة بالفنان لتعلن طغيانها وتسلطها الجميل عليه مدغدغة شعوره الوجداني الرهيف.
تتحد، إذن، لغة اللاشعور مع لغة التموج والانحناء والنتوء والخطوط ليرسما معا أفقا لَوْحِيّا يشي بالجمال والتناسق والتناغم وتفاعل كيماء اللون الساحر للعين. فمنذ الوهلة الأولى تأسرك اللوحة، ويبقى بصرك مشدودا أمام سحرها الخفي العجيب الأخاذ.
تأتي الفكرة ، من أعماق لا شعور هذا الفنان ، من مخيلته ،وكأنها ومضة ،عابرة للوجدان ، بدون سابق إعلام أو استئذان ، يلتقطها ساخنة حامية بدون أن يترك لها الفرصة في التسلل و الانعتاق منه ..يتركنا الفنان عبد الهادي مريد مشدوهين أمام حضرة اللوحة البادية للعيان بشخصنتها وجلالها المثير للوجدان والمستفز للبصر ، متسائلين في صمت سكوني عابر لكل خلايا وجداننا، وقد تملكته رهافة حس غامر: أهو الحدس الفني وقد تشخصن في شطحات هلامية لونية ، أم هو تلك العفوية التي انسابت كغدير رقراق في ثنايا روح هذا الفنان العصامي ؟
يحب الفنان عبد الهادي مريد أن يشتغل في مرسمه بكل حرية تاركا العنان لعفوية الإحساس ترسم، بدل اللوحة، هويتها اللونية المتفردة. هناك مواضيع مختلفة تشغله باله، ذات أبعاد إنسانية كونية، لكن يفضل أن تخرج من شرنقة المعتاد لتعانق نسمات قصائد الشعر الهائمة. فلوحاته الفنية بهذا المعنى، بقايا أرواح تائهة تبحث عن هويتها المفقودة وسط زحمة الحياة المعاصرة وما شاب هذه الأخيرة من ابتذال وتشوه خِلْقِيٍّ.
يعتمد الفنان التشكيلي عبد الهادي مريد على لغة فنية جد خاصة به وحده، يجسد لنا عبرها، وبانسيابية لونية تترك أثرها باد في اللوحة، فرادته وتميزه كذات فنية تعشق الغوص في متاهات أرواح قتلها اليأس وسقطت في أتون اللامعنى واللاجدوى من الانوجاد والبروز. أرواح تشكلت وتقمصت أجسادا هلامية بدت وكأنها خطوط تسابق الحياة بمسافات متقاربة أحيانا ومتباعدة أحايين كثيرة.. خطوط يغدق عليها الفنان عبد الهادي مريد بما جادت به قريحة ألوان ساخنة ذات دينامية وحركية تعيد لتلك الأرواح إيقاعها الحيوي المفقود. وتحت وصاية عين متشبعة بالثقافة البصرية، يسعى الفنان التشكيلي عبد الهادي موريد أن يمتص ظلال الفكرة، دون تقيد شبه تعاقدي بموضوع ما. فتغدو اللوحة توليفات لونية مستوحاة من الذاكرة واللاشعور، يحاول أن يجرها بعيدا عن الحافة حتى لا تسقط في مهاوي المعنى الرخيص والمبتذل.
الفنان عبد الهادي مريد يشق طريقه الفني بعزم وتباث ناسجا بخيوط الرمز معنى ممكنا يضفيه على عالمنا المعاصر. نرجو له التوفيق في أعماله المستقبلية القادمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرح يوسف مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير خرج بشكل عالمى وقدم


.. أول حكم ضد ترمب بقضية الممثلة الإباحية بالمحكمة الجنائية في




.. الممثل الباكستاني إحسان خان يدعم فلسطين بفعالية للأزياء


.. كلمة أخيرة - سامي مغاوري يروي ذكرياته وبداياته الفنية | اللق




.. -مندوب الليل-..حياة الليل في الرياض كما لم تظهر من قبل على ش