الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حبيب الهمامي يكتب عن نص -ورقات من دفاتر ناظم العربي- الكتاب الأول(1) للكاتب بشير الحامدي

بشير الحامدي

2022 / 8 / 29
الادب والفن


نص متابعة لمن يريد أن يقرأ فيه الكثير من الأفكار التي تعكس حبا كبيرا ومعرفة جيدة لكاتبه بصاحب كتاب "ورقات من دفاتر ناظم العربي" الكتاب الأول. فتحية لصديقي حبيب الهمامي الذي لم ألتقيه منذ أكثر من ثلاثين سنة.

إذا كان في القراءة متعة وراحة وترفيه...
فإن في الكتابة ألم ومعاناة...
يقول الكاتب على لسان إحدى شخصياته:
"نصي هذا هو زفرة الروح الأخيرة... هو ما بقي لي من حبر في ما تبقى لي من العمر... "
عند قراءة " ورقات من دفاتر ناظم العربي " رغم محاولة التعامل مع الأماكن والشخصيات والأحداث بحياد فإن تسلسل الأحداث وعلاقة الشخصيات فيما بينها وطريقة تعاملها اليومي ... وحتى الأماكن التي تظهر مألوفة... والزمن الذي يرجع بالذاكرة إلى أواخر السبعينات... كل ذلك يشعر القارئ أنه إحدى شخصيات النصّ..
ذاكرة من؟ ذاكرة "ناظم" ... أم ذاكرة الكاتب ... أم ذاكرة القارئ ... أم ذاكرتنا كلنا ؟
"عادت الذكرى بناظم لأواخر السبعينات ولأستاذ الفلسفة الذي درسه ذلك الرجل الأربعيني المغرم بالكتاب الأحمر والذي لا يكف عن ترديد قال الرئيس "ماو ...ولوفاء تلك الفتاة التي لا تكف عن مشاغبته وتشتيت تركيزه وهو يملي علينا بعض فقرات من كتب ماركس«و»هيجل«يقرؤها بالفرنسية ويترجمها فوريا للعربية"
ثم تتواتر الأحداث وتتسارع لتصبح رواية لوقائع حقيقية...
ويجد القارئ نفسه أمام ... ووسط شخصيات موجودة فعلا في الواقع... وعادت الذكرى بسي بوراوي لبعض الأحداث ... وردد بينه وبين نفسه:
التقارير تتحدث عن مجموعات من الملثمين والمخربين المأجورين واللصوص ولكن يبدو أن الحقيقة غير ذلك بالمرة فهؤلاء الذين رأيتهم ليسوا لصوصا ولا مخربين وحتى الشعارات التي سمعتها قبل أيام لما تنقلت تنفيذا لأوامر الرجل الكبير لوسط العاصمة ولبعض المدن الداخلية المنتفضة ولخطوط متقدمة حيث ترابط وحدات البوليس سمعت ورأيت أشياء أخرى غير التي تتحدث»عنها التقارير الأمنية..."
وربما هذا ما أراده الكاتب ... وما عناه بقوله على لسان أحد أبطال حكايته: فهويعتبر كل كتابة لا يتحول فيها الكاتب إلى كاتب سيناريو ... ومخرج ... وممثل في نفس الوقت ليست إلا كتابة ميتة بلا روح... إنشاء فاقدا لكل صلة بالحياة"
تتواتر الأحداث وتتسارع ليعيش القارئ واقعا حقيقيا ... بشخصيات أتى بها الكاتب من الذاكرة...
يقول الكاتب عبد الرحمان منيف على لسان طالع العريفي في "الآن وهنا ...أو شرق المتوسط مرة أخرى" ذاكرة الانسان أعجب و أخطر شيء في تكوينه ... لذلك يمكن أن تفوتني بعض الأمور الهامة أو أعطيها أهمية أقل أو أكثر مما تستحق"
في روايته " ورقات من دفاتر ناظم العربي " توفق الكاتب في نقل الوقائع "بتسلسل ... دون تداخل أو اضطراب... وخلال قراءته لحكاية ... أو رواية "ورقات "...سيتساءل القارئ:
هل أراد الكاتب التخفي والاختباء خلف"ناظم"وبقية الشخصيات... هل أفلح أم لم يفلح ... وفضح نفسه على لسانهم في عديد المناسبات... وكشف عن قناعاته التي يؤمن بها... والتي طالما رددها... ومازال يرددها اليوم أمام أصدقائه وعلى صفحته على "الفيسبوك " ؟ أم أنه تعمد إيصال وجهة نظره وقناعاته من خلال نصه... ومن خلال بطله "ناظم" تحديدا؟
يقول الكاتب من خلال شخصياته:
"الناس في أيامنا صاروا لا يجيدون التوغل كثيرا في المساحات العميقة أو لا يرغبون"
وفي موضع آخر:
"الناس تعودوا على الحياة الهادئة التي لا ترهق الجسم ولا العقل... ينامون ... يستيقظون ... يتناسلون ... يذهبون إلى العمل ويعودون... يتسمرون أمام الشاشات يتابعوه الأخبار والمسلسلات وإعلانات المواد الاستهلاكية... ويتركون الدولة تفكر لهم ... تخطط لهم ...توجههم ...وتدفعهم حيث يراد لهم أن يكونوا..."
وفي موضع آخر:
"ألا ترى أن الناس اليوم منشغلون بأشياء أخرى غير القراءة... ولا حاجة لهم بمعرفة تاريخ هؤلاء العبيد ... ولا حتى تاريخهم وحاضرهم هم..."
فهل أراد الكاتب التعريف بوجهة نظره وبقراءته وتحليله للواقع بطريقة مبتكرة تخرج القارئ من لا مبالاته وحياته الرتيبة... وتجعله معنيا ... وفاعلا في الأحداث ؟
عند قراءة رواية "ورقات من دفاتر ناظم العربي"... سيكتشف القارئ (ناظم) المناضل الذي يعطي دون حساب من صحته (كاد يفقد إحدى عينيه)...من وقته وشبابه (سنوات طويلة في السجن) ... من مستقبله (كان طالبا ناجحا ومتفوقا) يكتشف مناضلا لديه علاقات كثيرة في كل الأوساط... وعلاقات متينة بأغلب المجموعات السياسية المعارضة( Anti-Systeme)...
مناضلا يتقن عديد اللغات... ولديه ثقافة واسعة وإلمام بكل الأحداث والشخصيات السياسية والثقاقية...
وسيكتشف القارئ كذلك أسلوبا جديد افي الكتابة... فيه أثر وبصمة انسان مكافح ومناضل غير عادي... في المجالين السياسي والنقابي ...وفي المجال الثقافي...
"ورقات من دفاتر ناظم العربي "يمكن اعتبارها توثيقا نادرا للأحداث... أحداث عايشها الكاتب من خلال رؤيته للمشهد السياسي بجميع عناصره الظاهرة والخفية... رؤية شاملة للمشهد من جميع االجوانب والزوايا... كشاهد على العصر... وكفاعل...بتواجده الميداني ليلا نهارا ولمدة طويلة في ظروف صعبة... تحمل خلالها قساوة برد الشتاء في الاعتصامات خلال الأحداث الكبيرة...
" ورقات من دفاتر ناظم العربي " ... وإن كانت تمثل رؤية الكاتب للمشهد السياسي خلال فترة معينة ... يمكن اعتبارها وثيقة نادرة لما حدث برؤية مخالفة للسائد...
لا يخفي الكاتب المرارة والخيبة وهو يتحدث عن واقع ناظم ... عن واقعنا ... عن اليسار ... عن النخب السياسية... حتى أولئك الذين عرفهم (ناظم) قبل سنوات أثناء الأحداث الكبيرة... فقد صار لا يطيق مجالستهم ويستهجن أحاديثهم المعادة عن الثورة وعن الإيديولوجيات وعن الدين وعن الأحزاب السياسية عموما... ويستهجن تذمراتهم المكرورة التي لا تنتهي من الأوضاع... صار يستثقل حتى مجرد جلسة قصيرة معهم ... صار يمقت عجزهم وفشلهم وأكثر ما كان يدفعه للابتعاد عنهم هو تلك المعارك التي تدور بينهم للدفاع عن اصطفافاتهم السياسية التي تنتهي دائما إلى لا شيء ... لتتجدد في كل مرة"
وفي موضع آخر نجد الكاتب يتحدث بأسلوب رائع ... بليغ ... واضح عن الأحزاب اليسارية "القزمية" والتعبير له:
"لقد صرنا نتوهم أننا هنا ... والآن ... ونحيا...
كم صرنا ندع الأمور للمجهول...
كم صرنا نستوطن المجهول والعجز واللامبالاة فينا...
لقد صار كل شيء فينا لا يشبه سوى الموت والعدم...
كل شيء من حولنا يتحرك:
الأرض تغير قشرتها ... السماء تمطر ...الأشجار تثمر ...الطيور تهاجر ...الرياح تهب ... الشمس تشرق ... النمل لا يكف عن السعي ... النحل مستمر في بناء خلاياه ... الحيوانات تتناسل...
الكل من حولنا في حركته المعتادة...
نحن فقط متوقفون عن الحياة ... مستسلمون...
العدم فينا ... وليس في ما حولنا..."
وفي موضع أخر يتساءل القارئ مع الكاتب:
"-أين الديمقراطية في الأحزاب الديمقراطية ؟
-أين الثورية في الأحزاب الثورية ؟
-أين "الدامة" في منظمة "الخدامة" ؟
-أين الشعب في أحزابه المعلنة ؟
*ما الحرية ... ما الكرامة ... ما العدالة معطوفة على هذه المجموعات المعتلة المتوقفة عن الرؤية ... القابعة خارج التاريخ؟"
وفي موضع آخر ... يتحدث الكاتب بوضوح عن النخب السياسية:
"أجيال عاشت هذه الهزات ولكنها بقيت عمياء معطوبة...
جيلان أو ثلاثة أجيال عاشت هذه الهزات ولكن لا شيء في الحقيقة استطاعت أن تراه أو تزحزحه عن مكانه أو تحوّ ل اتجاهه...
كأن الزمن لم يتزحزح ولم يتقدّم قيد أنملة...نعم لكأن الزمن لم يتقدم قيد أنملة...
ولكن مازالت تلك الأحداث عالقة بالذاكرة ... وأتذكرها حدثا حدثا. أتذكر كل التفاصيل..."
هي ذاكرة الكاتب إذن...
فقد خاص غمار كل المحطات النضالية كتلميذ في أواخر السبعينات...ثم كسياسي ونقابي وحقوقي بجهته في بداية الثمانينات...ثم انتقل للعمل بالعاصمة ليواكب كل المحطات النضالية بالحضور الميداني كأحد الفاعلين الرئيسيين في المشهد السياسي والنقابي والحقوقي... وكأحد المفكرين بالكتابة ... وبالنقاش وبلورة مشاريع ومقترحات لكل المراحل المذكورة... وسواء اختلفنا أو اتفقنا مع الكاتب في رؤيته التي يلخصها دائما وفي كل المناسيات: في وجود أقلية تملك وتتحكم في كل شيء من قوة ونفوذ ومال وإعلام... مقابل أغلبية ليس لديها ما تملك ومحرومة من كل ظروف وإمكانيات العيش الكريم...
وكذلك في رؤيته لانتظام الأغلبية على قاعدة مصالحها فقط...
يقول الكاتب على لسان "الدكتور" :
"الناس اليوم استفاقوا ويجب أن نكون معهم ... لا يجب أن ننعزل عنهم...
يكفيهم فقط أن يفهموا أنه يجب أن يعملوا لصالحهم ويستخلصون الدروس التي تلزم من ماضيهم. "
إلى جانب متعة القراءة...
وسواء اختلفنا أو اتفقنا مع الكاتب في رؤيته ...يمكن اعتبار نص "ورقات" أوجاع لذاكرتنا ووثيقة قيمة كتبت بطريقة مبتكرة تجعل القارئ يعيش الأحداث وكأنه أحد أبطالها...
(1) "ورقات من دفاتر ناظم العربي" الكتاب الأول . نص في 160 ص للكاتب بشير الحامدي عن دار شامة للنشر بتونس كتاب أول من ثلاثية سيصدر جزآها المتبقيان لاحقا

حبيب الهمامي
قابس في 28 أوت 2022








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟