الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


احلام مشاكسة

ابتسام يوسف الطاهر

2006 / 9 / 27
الادب والفن


"لا ... غير معقول!" همست بصوت مسموع وهي تتراجع بضع خطوات للخلف، وفي عينيها دهشة وخوف وقلق. تمالكت مشاعرها وقالت معتذرة:
ـ اسفة جدا على تعطيلكم، لا اعتقد اني سأنجح بالاختبار فلابد ان اعود. قالت ذلك بآلية وهي تتطلع بفزع كمن يرى شبحا. أدارت ظهرها تستعجل الهرب. لكن صوتا جهوريا، كأنها سمعته من قبل سمرها مكانها.
ـ ياانسة.. ادخلي واجلسي ..اهدأي قليلا، فالموضوع ابسط من تصورك. قال ذلك بصيغة أمر وبنفس الوقت محاولا تهدئتها، معتقدا انه عرف سبب ارتباكها. حاولت ان تقول شيئا، لكنه سد عليها منافذ التهرب وقال بحزم:

. ـ اجلسي، وبعدها سيتقرر الامر. رجعت مرتبكة لم تستطع السيطرة على ارتعاشة يدها، احتقنت وجنتاها حتى شعرت بحمى.

جلست قبالته كان هناك اثنان احدهما على يمينه والاخر على شماله، لم تنظر لهما كأنهما غير موجودين. لم تستطع ان تحيد نظرها عنه. وجهه لوحته الشمس مما منحه شئ من الصرامة. شعره الكثيف الذي رده للخلف بفوديه اللذان خطهما الشيب اضاف بعض الجدية على محياه, فبدا اكبر من عمره ولو انه بدا لايتعدى الثلاثينات او بداية الاربعينات. عيناه السوداوان فيهما بريق ضاحك وشئ من التعب والحزن غلفه بشئ من السخرية الاتية من الثقة بالنفس، والتي تسبب ارباكا للمقابل.

"انه هو...بلى هو" فكرت بليلة الامس، وهي تستعيد ماحصل. لاول مرة تتذكر كل التفاصيل وكأنها تستعرض مشاهد من فيلم حفظته نصا. بالأمس اقتحم غرفتها بهدوء، أطل بهذا الوجه الذي لم تستطع الهروب منه، بتلك النظرات الساخرة لكنها كانت باسمة وفيها حب ولهفة. اقترب منها ببطء وعيناه تقتحمانها، تغازلانها وتمران على جسدها ووجهها وبالتحديد على عينيها اللتين لم تجدا مفرا وهو يطوقهما بنظراته. صار جسدها يرتعش خوفا ورغبة، شوقا ورفضا. كأنها كانت بانتظاره وبشوق لم تعرفه من قبل.

عيناها تسبحان بالدموع لم تعرف لهما ذلك الطعم من قبل، هو خليط من فرح وشوق والم. دموع كأنها نسائم تزيح ماتراكم من غيوم.

اخذ وجهها بين يديه فصارت كلها وجها يذوب بدفء تلك اليدين، اقتربت شفتاه منها، فراشة وصارت هي رحيقا، تملكها رعب ولكنه خوف لذيذ ان تبتلعها تلك الفراشة!.. فشعرت باختناق..

اين الهواء؟ حريق شب فيها! ثم رياح وامطار أطفأت ذلك اللهيب.. أجراس من بعيد يتعالى رنينها.. فتلاشت النيران وانسحب المطر والمكان، تنائت عنها النسائم وتعالى صوت الاجراس مقتربا.. مسحت جبينها المعروق واستيقظت مذعورة "أين انا..؟".

صارت الاجراس جرسا واحدا واضحا، انه التلفون! نهضت بصعوبة فمازالت خيوط تلك اللحظات تكبلها، شفتاها جافتان، وعيناها مغلقتان مشت بتثاقل، تطلعت لفراشه لم يزل كما هو.

"إذن لم يأت..لابد انه هو على التلفون، الحمد لله انه تذكر ان يتلفن قبل الفجر!".

رفعت السماعة بغضب، تمنت ان تقول له تصبح على خير وتغلقها مباشرة قبل ان ينطق بشئ، لتعود لتلك اللحظات التي مازالت تحيط بها، حاولت ان تنتزع النعاس عن صوتها، لكنه بدا كأنه آت من اعماق حلم بعيد.

هل رأيته من قبل لكي اراه بالمنام؟.. لماذا هو، أهي الصدفة؟" ربما مازالت تحت سيطرة ذلك الحلم.

لكنه امامها الان اختفت من نظراته تلك الرقة، ولم يعد بها ذلك الشوق، نظراته الان عبارة عن اسئلة امتحان، وهي ليس سوى بضعة اجوبة، على ضوئها يتقرر مصير مستقبلها القريب، مصير عملها، لكنها لم تعد بها رغبة ولا حماس للعمل هنا، اذن لم يعد هناك اهمية لتلك الاسئلة ولا لأجوبتها التي تهيأت لها منذ ايام.

ـ هل سيطول انتظارنا للجواب؟.

فزعت لصوته يخاطبها، لاتدري بم تجيب، فهي لم تسمع السؤال. نهضت حاسمة الامر..
- آسفة جدا.. لم اسمع السؤال، ولم تعد بي رغبة بالجواب.. اعتذر مرة اخرى، غيرت رايي لا اريد العمل هنا.

سارت نحو الباب متجنبة النظر له او لأي من الموجودين، وقالت بما يشبه الهمس.

"سلاما"

لندن 1992
*نشرت في مجلة (ادب فن) الالكترونية لصاحبها الشاعر كريم النجار








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض


.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل




.. كل يوم - رمز للثقافة المصرية ومؤثر في كل بيت عربي.. خالد أبو


.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : مفيش نجم في تاريخ مصر حقق هذا




.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : أول مشهد في حياتي الفنية كان