الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فْشِي شْكَلْ

عبد الله خطوري

2022 / 8 / 29
الادب والفن


عبارة:(فْشي شْكَلْ)في اللسان المغربي معادل لكل ما هو غريب خارج عن جادة المألوف المتداول بين الناس في تواصلاتهم المعتادة، وغالبا ما نجد الصيغة يُقذف بها على عواهنها ضمن مقامات وسياقات مختلفة لا ضابط لها في وجه مخاطَب غير مستأنَس بخطابه أو في وجه غائب بقصد إقصاء فكرته أو طريقة مقاربته الأشياء.قد نجد للعبارة مرادفات أُخَرَ تُوازيها في العربية مثل اشتقاقات(فلسفة/سفسطة/إِبهام/إِلغاز/جدل/مُعقد...)؛ وقد تتعدى تركيبة(فْشِي شْكَلْ)المُحَوَّرَة من العبارة العربية:(في شكلٍ آخرَ)دلالةَ المغايرة والاختلاف المقترنة عادة بطريقة الكلام والتعبير وطرح الأفكار ومناقشتها، لتشمل في التداولات الاجتماعية نعتا عاما يشمل سلوك شخص ما أو وصفا لشخصيته بصفات الغرابة والشذوذ عن المألوف...

نُقل عن جون سيرل أن( ميشيل فوكو) أخبره أن(جاك ديريدا)يستخدم نوعا من"إرهاب الغموض"أثناء كتابة نصوصه وفي مقابلاته المتلفزة، لهذا فإنَّ أي محاولة لانتقاد فلسفته القابعة خلف ذلك الغموض ستؤول في نهاية المطاف إلى الفشل، لأنَّ هذا النوع من الإبهام في طرح الأفكار وصياغتها وتقديمها يُؤسس لآفاق غير مُتوقعة وغير آعتيادية وغير مُستقرة، ولهذا غالبًا ما تكون أفكار من هذا النوع غير محبذة من طرف الكثيرين من المتلقين في الواقع المعيش المشترك بين الناس.وهذا الغموض نفسه يُخَوِل ل(ديريدا)أن يقول ما يشاء وأن يتجاوز كل الانتقادات الموجهة إليه بعبارة واحدة مختزلة:"تُونَابَّا كُومْبغِيTu n as pas compris/أنت لم تفهمْ"، إنها عبارة كفيلة بأن تجعل من(دريدا)أو من يشبهه ممن يعتمد"إرهاب الغموض" في الكتابة فيلسوفًا عميقًا غريبا وعصيًّا على الفهم..ولفظة(عميق/العميقون)آنتقلت حاليا من دلالة معجمها الى دلالات أخرى في آستعمالات المراهقين، يطلقونها على مَن يتصنع الاختلاف عن المجموع العام، لتُشْحَن بمفارقة الإطراء والقدح في آن واحد..فلان عميق.. يعني فيما يعني عدم التواصل مع الآخرين والانعزال عنهم والانطواء والاختلاف مما يُدخلنا في خانة ما يمتاز به عادة هذا السن الحساس من خصائص وسمات يجب أن تقف عند حدها عند بلوغ سن من النضج معين وإلا هذا(الفشي شكل/العميق)سيتحول بالضرورة الى تجليات لوعكات صحية نفسية وآضطرابات في النمو الطبيعي لمراهق لا يريد(بوعي أو غير وعي)أن يكبر وينضج ويفقه دلالة الذكاء الاجتماعي وما يتطلبه من مهام وآنضباط وتحمل للمسؤوليات...
وكم صادف مسارنا الدراسي غير الهين عبر أسلاك التعليم كلها مصادفات حوادث سير من مثل هذا القبيل لعبت دورا سلبيا في سيرورة النمو الطبيعي لدى المتعلمين، كان لها الأثر الوخيم على مستوى علاقاتهم بمُدرسيهم ومواد تدريسهم، إما لكون هؤلاء المدرسين لم يكونوا فاهمين لطبيعة منجزهم التعليمي التربوي فهما كاملا أو لمحاولتهم تقديم محاور المنهاج في صيغة العسير على الفهم ممارسين نوعا من التعالي المعرفي يحميهم من مناورة المناورين المرتقبة، ويجعلهم في معزل عن صلف"بْسَالَا"التلاميذ(1)من باب احْرصْ أن لا تضع رأسك في النخال كي لا تنقبك مناقير الدجاج الذي يجب، في كل الأحوال، تدجينه داخل خَمَمَتِه وتطويقه ومحاصرته في محابسه وممارسة العنف سلطة المعرفة المتعالية عليه اتقاء شره المفترض، مما فوت علينا، حينئذ، مناسبات عديدة كان يمكن أن نستفيد منها لتحسين علاقاتنا مع مواد علمية محضة مثل الرياضيات والفيزياء والعلوم، وأخرى إنسانية كالفلسفة واللغات وغيرها من المواعيد التي تم إفلات قنصها لبلاهة هذا النزوع المريض وقصور رؤيته..مثل هذا الانطباع، يمكن أن يستمر ترسيخه لدى متعلمينا في العصور الراهنة في علاقتهم للأسف بنزوعات تمثلات أستاذية مازالت تغرف من حوض ثقافة"الاستعصاء"درءا وخوفا وتوجسا من تعالقات ملتبسة بالمتعلمين،فتعرض نفسها وعَرْضها المعرفي(غير التربوي أكيد)أمام التلاميذ بصيغة"لو بيزاغْ فشي شكل/الغريب المستعصي على الأفهام"..وتماشيا مع سنن وطبيعة هذا السيناريو غير السوي، يجب أن يُنَوَّمَ جيش هؤلاء المحدقين المتربصين ويُغَطَّسوا في لجج غيبوبات مفتوحة الأشداق والمقل، كي تبقى الذوات الماسكة بزمام المعرفة ونواصي الفهم والإفهام في معزل عن مناوشات المناوشين..إنها بصيغة أخرى نوع من الحماية ضد الآخر/المعَلَّم(بصيغة آسم المفعول)الذي لا يفهم وإذا فهم لا يحسن الفهم،ويجب أن تظل خيوط اللعبة مستمرة كذلك لئلا يختلط الحابل بالنابل..وغير خفي أن هذا السمت المرتبك، بقدر ما عزز ويعزز السلطة المتوهمة لمدرس لبيب ذكي فطن حصيف ألمعي عارف بكل شيء، بطريقة متحذلقة(أستاذ واعر باللسان المغربي تعني مدرسا حصيفا محترفا متقنا متمكنا متميزا لا يشبه غيره)تخلق له نوعا من الحماية، كما يزعم نظرُه، بقدر ما تربك عملية سيرورة المكتسبات تجعلها معقدة مشوبة بكثير من الغبش والالتباس إلى درجة تتحول فيها عبارة ديريدا المقيدة بلحظة ما"أنت لم تفهم" الى نظيرة لها أكثر صفاقة وبشاعة في إطلاقها:"أنت لا تفهم"..

_1_..البسالة لفظة في اللسان المغربي تنزاح عن الدلالة المعجمية العربية، تعني قلة الاحترام لا الشجاعة،وبالتالي تنتقل من معنى المدح الى القدح...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ


.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث




.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم


.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع




.. هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية