الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عادة تكسير الصحون - رواية -جدار الصمت- دينا سليم حنحن

دينا سليم

2022 / 8 / 30
الادب والفن


عادة
تكسير صحون
رواية (جدار الصمت) لـ دينا سليم حنحن
بقلم: عبد الرزاق دحنون
قرأتُ خبرًا في صحيفة سورية من سنوات مضت، جاء فيه أن المواطن الكندي ينتابه الكثير من الحزن حين يشرف على الموت، ولم يتم بعد قراءة ألف رواية، مش ألف كتاب، ألف رواية. وأظن هذا المواطن الفطن على حق، لأن أحد فوائد قراءة الروايات أنها تُضيف إلى حياتنا حياة جديدة، لذا كلَّما قرأنا أكثر طالت حياتنا أكثر، فحق لهذا المواطن أن يحزن.
في هذا السياق أرسلت لي الروائية الفلسطينية دينا سليم، المقيمة في أستراليا نسخة الكترونية من روايتها "جدار الصمت"، قرأتها في جلسة واحدة، فأحالتني فور الانتهاء منها إلى المطبخ لأبحث عن صحون الخزف الصيني، لماذا وما الذي حدث؟ الظاهر أنني تفاعلت مع أحد مشاهدها المهمة، ومن وجهة نظري الشخصية، هو أجمل ما في الرواية، مع أن في الرواية مشاهد جميلة ومبتكرة أخرى إلا أن هذه المشهد طُبع في الذاكرة على عجل كأن مصورًا فوتوغرافياً محترفًا يستدعيك لتدخل دكانه وهو يُغريك بقوله الرقيق: صورة فورية سيدي تفضل.
نعم كان ذلك مشهدًا، على طرافته، محوريًا في الرواية ومؤثرًا، أو قُل صورة فنية ناجحة، ونادرة بكل تأكيد، لا يمكن نسيانها بسهولة، فهو من المشاهد الحياتية التي تُطبع في الذهن وتترك فيه أثرًا واضحًا. هل مشهد "تكسير صحون الشر" من التقاليد الحيَّة في أرض فلسطين؟ أسأل الروائية دينا سليم عن ذلك لأنني صادفت ما يُشبهه في رواية فلسطينية، تحكي ذلك في سياق آخر تمامًا، كتبها الصديق الشاعر الروائي إبراهيم نصر الله- أسعد الله أوقاته - بكل خير- وأظن المشهد يتكرر في كل مطابخ، ومنازل أهل بلاد الشام في لبنان، وسورية، وفلسطين، والأردن، وحتى العراق، بطرق وغايات مختلفة، ففي هذه الأقاليم عندما يُكسر مصادفة وبالخطأ، في أغلب الأحيان فنجان قهوة - وما أكثر ما يكسر- أو صحن فواكه من الخزف أو من البلور الصيني يُقال: انكسر الشر.
في مشهد الرواية الذي أثار إعجابي، وقد أحسنت الروائية دينا سليم تصويره، تعمد الأسرة الأم والأولاد - في غياب الأب - إلى إخراج صحون الخزف والبلور الصيني من المطبخ إلى حديقة المنزل، وتبدأ "عملية" رمي وتكسير الصحون على "جدار الصمت" ولا بدّ أن نسأل هُنا هل هذا لبّ الرواية؟ أُجيب: ممكن أن يكون الأمر كذلك من وجهة نظري، فرمزية المشهد تحمل دلالات عالية القيمة. وأعتقد أن مشهدًا واحدًا في الرواية يرفع من شأنها إذا أُحسن تقديمه. يُرافق تكسير الصحون صراخ طفولي مشحون بالغضب في وجهي الشر والشيطان معًا - وجهان لعملة واحدة - كي يخرجا من البيت الذي سكناه حتى يستكين ويأمن ساكنيه. يُكسّر الأطفال الصحون بشجاعة نادرة والفرح لا يُفارق ثغورهم، كأنها لعبة مُسلية، وحين يُسمع صوت تكسُّرها يضج الأولاد سرورًا، ويعلو صياحهم لعل الشيطان يخرج من منزلهم. ما أجمل أن يشارك الأطفال في طرد وصفد الشيطان. وفي ظنّي، لا يستطيع الشيطان الصمود طويلاً في معركته مع الأطفال الشجعان، سيُهزم سريعًا ويلوذ بالفرار. هذا لعمري من المشاهد الجميلة الموفقة والمُعبرة والذي يستحق الثناء والتقدير وأقول: أحسنتِ صُنعًا سيدتي الجميلة دينا سليم. ولو عدنا إلى المشهد الآخر - والشيء بالشيء يُذكر - في رواية "زمن الخيول البيضاء" نُصادف بطل الرواية في المطبخ يمسك أحد الصحون ويكسره، تسمع أمه تهشُّم الصحن فقول: انكسر الشر. أمسك بالثاني وكسره. فقالت أمه: انكسر الشر كمان مرة. والتفت إليه تسأله: ما بك هذا اليوم؟ وقبل أن تتم سؤالها كان واحدٌ آخر من عدة صحون صينية مُورَّدة يتناثر شظايا على الأرض. رأته يرفع صحنًا جديدًا فصرخت: الحق يا حاج إبنك قبل أن يُكسِّر لنا البيت.
كانت تلك واحدة من العادات المكلفة المؤدبة التي يُعلن فيها الشباب، في كثير من قرى منطقة بحيرة طبريا في شمال فلسطين زمن الخيول البيضاء، أنهم لم يعودوا قادرين على احتمال العزوبية أكثر مما احتملوها. فهل توقف الشباب عن تكسير صحون أمهاتهم في المطابخ، وتوقفت الروايات عند هذه الصحون المُكسَّرة؟ لا أعتقد ذلك. وأعتقد أكثر أن دينا سليم كسَّرت الكثير من الصحون في روايتها وكان ذلك ضرورة ملحة كي "تخرمش" فضاء روايتها لكسر رتابة جدار الصمت.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا