الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجمعيات الأهلية في سورية

ميشال شماس

2006 / 9 / 27
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


في الخمسينات من القرن الماضي أُتيح للسوريين تشكيل جمعيات أهلية وأحزاب سياسية بشكل واسع، وفي كثير من الأحيان، لم يكن تشكيل جمعية ذات نفع عام أو حزب سياسي، أكثر من علم وخبر يقدم إلى الجهات الإدارية لأخذ العلم ليس إلا.وكان ذلك بفضل قانون الجمعيات رقم 47 لعام 1953، الذي ألغي بموجب المادة /5/من القانون رقم 93 النافذ حاليا ًالذي صيغ استناداً إلى القانون المصري رقم 384لعام 1956، الذي جرى تغييره أكثر من مرة في مصر كان أخرها عام 2002 بقانون حديث ومتقدم نسبياً، بينما حافظ المشرع السوري على القانون 93 بعد أن أدخل بعض التعديلات عليه في العام 1969 بالمرسوم التشريعي رقم /224/ إلا أنه مع ذلك بقى قانوناً سيئاً ومتخلفاً سمح بتدخل واسع للدولة في عمل الجمعيات وضيق كثيراً على عملها خاصة على عمل الجمعيات السياسية، وأتاح لوزير الشؤون الاجتماعية والعمل حل أي جمعية بقرار مبرم غير قابل لأي طريق من طرق المراجعة والطعن أمام القضاء، خلافاً لأحكام المادة 28من الدستور السوري فقرة 4 منه: ( حق التقاضي وسلوك سبل الطعن والدفاع أمام القضاء مصون بالقانون)
وبالرغم من سياسة التضييق هذه التي تمارس ضد الجمعيات السياسية أو تلك التي تعمل في مجال حقوق الإنسان وحظر نشاطها، إلا أنه لوحظ مع ذلك في السنوات الأخيرة ازدياداً ملحوظاً في عددها، علماً أن بعض تلك الجمعيات لايضم سوى عدداً محدوداً من الأشخاص، وبعضها الآخر لاينضوي في عضويتها إلا رئيسها وزوجته، حتى أن بعض الناشطين في مجال حقوق الإنسان أسس عدة منظمات برئاسته وعضويته فقط.. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو كيف تؤمن هذه الجمعيات مصادر التمويل لتغطية أجور العاملين فيه ومصاريف الأنشطة الضعيفة التي تقتصر أصلاً على العمل الصحفي وإصدار البيانات. في ظل ضعف الإمكانات المادية وانعدامها في اغلب الأحيان، والحظر المفروض عليها، وما يقال عن اعتمادها على تمويل خارجي ؟
في ظل هذه الظروف القاسية، أخذ البعض يتحدث عن تلقي بعض هذه الجمعيات أموالاً ومساعدات خارجية وتحديداً أميركية مما أثار ردود فعل متباينة في الشارع السوري، ليس لأن التمويل الخارجي منبوذاً أو لأنه محظوراً بقوة القانون، بل لأن هذا التمويل سواء كان مرتبطاً بالقوى الخارجية التي تقدم هذا التمويل أم لا، إلا أنه سوف يفسر بغياب الشفافية والقانون المنظم لذلك على أن التمويل مرتبط دوماً بمصالح خارجية، على اعتبار أن تلك القوى الخارجية خاصة الأمريكية منها لها أجنداتها ومصالحها الخاصة في المنطقة. فأي عملية تمويل خارجية لجمعيات ومنظمات وحركات داخل سورية هي‮ ‬بالضرورة لا تتطابق تماماً‮ ‬ومقياس العمل الوطني،‮ ‬وقد يخرجه من الحدود الجغرافية لتتوسع المعادلة بحيث تصبح تلك الجمعيات الممولة جزء من معادلة أكبر، وهنا‮ يكمن الخطر، إذ يصبح في هذه الحالة لكل دولة بعيدة أو قريبة من‮ ‬يمثلها في‮ ‬الساحة الوطنية، كما حدث ومازال يحدث في لبنان والعراق والسودان، وهذا الأمر ما لا يقبله أي سوري بالمطلق.
ولهذا السبب أكد القائمون على تلك الجمعيات ومازالوا يؤكدون ليل نهار أنهم يعتمدون في تغطية نشاطاتهم على تمويل ذاتي، وأنهم يرفضون أي تمويل خارجي خاصة ذلك التمويل الذي يأتي من الإدارة الأمريكية.؟ وفي هذا الإطار أكد المحامي خليل معتوق في تصريح لإيلاف :" رفضه تقبل أي مبلغ من أي جهة إلا بعد صدور قانون للجمعيات في سورية. وأضاف: انه في ظل هذه الظروف الحالية لايمكن قبول أية مساعدات حتى شرعنة عمل المنظمات الحقوقية في سورية ".
ومن هنا يمكننا القول أننا أصبحنا في حاجة ملحة إلى إعادة النظر كلياً بقانون الجمعيات الحالي والاستفادة من القانون السابق رقم 47 الصادر عام 1953 الذي رغم قدمه كان قانوناً عصريا وديمقراطياً في حينه. نريد قانوناً جديداً يسمح بحرية قيام الجمعيات والمنظمات السياسية وتلك التي تعنى بحقوق الإنسان من أجل تطوير مجتمعنا السوري،‮ ‬حيث أن التنمية السياسية هي‮ ‬قرينة بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية والعدالة الاجتماعية،‮ ‬وهي‮ ‬الجزء الأصيل من تنمية مجتمعية مستدامة عامة،‮ ‬لذلك فإنه بدون ضمان حرية الآراء والاتجاهات والتيارات وتعددها داخل المجتمع من خلال مؤسسات سياسية،‮ ‬نحكم بذلك على المجتمع بالجمود،‮ ‬وبالتالي‮ ‬تعطيل العملية التنموية بمختلف وجوهها،‮ ‬وإذا أردنا خلق آلية ديناميكية لتعدد الإرادات والفعل‮ ‬يجب أن نعمل على إيجاد قوى سياسية ديمقراطية قادرة على تسير المجتمع إذا ما وصلنا إلى مرحلة تداول السلطة، وهذا الأمر يقتضي من الحكومة أياً كانت الحكومة التي تحكم أن تقدم كل دعم مادي ومعنوي لتلك الجمعيات‬ بما يمكنها من تأدية دورها في‮ ‬المجال الوطني‮، ‬وأي‮ ‬جمعية تسعى إلى تحقيق أهدافها وبرامجها لابد أن تتمتع بشيء من التمكين المادي‮ ‬والذي‮ ‬يأخذه وبصورة مباشرة إلى التمكين السياسي،‮ ‬وكلما كان هذا الدعم سخياً‮ ‬كلما كانت قادرة على تحقيق أهدافها وبرامجها الوطنية والاجتماعية الطموحة،‮ ‬ولا تحتاج بذلك إلى أي تمويل أو دعم خارجي‮ ‬الذي‮ ‬في‮ ‬الغالب ‬ما‮ ‬يقدم ضمن أهداف معينة قد تتعارض مع المصلحة الوطنية،‮ ‬وهناك بعض الجهات تقدم مثل هذا الدعم لتحقيق أجندات معينة ولابد من التنبه إلى حساسية هذا الموضوع‮. ‬وهذا لا‮ ‬يعني‮ ‬التشكيك في‮ ‬نزاهة القائمين على تلك الجمعيات، ‬ولكن الضرورة تقتضي وضع ضوابط احترازية لكي‮ ‬لا تكون هناك ثغرات تنفذ من خلالها بعض الجهات الخارجية التي‮ ‬قد تستغل حاجة الجمعيات إلى الدعم المالي‮ ‬مما‮ ‬يؤدي‮ ‬إلى نتائج سلبية‮.‬ طبعاً هذا لايعني رفض المعونات والمساعدات التي تأتينا من الخارج، سواء كانت موجهة للحكومة أو للجمعيات والمنظمات ، وذلك بما لايتعارض ومصالح البلاد العليا، من خلال قوانين وآليات عمل واضحة وشفافة.
فلنعمل جميعاً من أجل أن يصدر قانون ديمقراطي ينظم عمل الجمعيات، بما يؤدي إلى جذب جمهور المواطنين بمختلف انتماءاتهم وتياراتهم الفكرية والسياسة والدنية والعرقية للاهتمام بالشأن العام ورؤية القضايا الخاصة، بالتلازم والترابط مع المصلحة الوطنية العامة، وتطور البلاد وتقدمها وازدهارها.
- نشر على موقع الاختلاف ثروة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نادين الراسي.. تتحدث عن الخيانة الجسدية التي تعرضت لها????


.. السودان.. إعلان لوقف الحرب | #الظهيرة




.. فيديو متداول لحارسي الرئيس الروسي والرئيس الصيني يتبادلان ال


.. القسام: قنصنا جنديا إسرائيليا في محور -نتساريم- جنوب حي تل ا




.. شاهد| آخر الصور الملتقطة للرئيس الإيراني والوفد الوزاري في أ