الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحن جيل آخر مهزوم

مازن كم الماز

2022 / 8 / 31
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


بالأمس تحدثت مع صديقي يوسف ، من الداخل السوري ، كنا معًا في تنظيمات يسارية سورية مختلفة ، كنا أصدقاء و جيران و رفاق تقاسمنا ضحكاتنا و أحزاننا و شبابنا و غضبنا و أحلامنا و اليوم نلتقي من جديد بفضل التطورات المذهلة في الاتصالات … صدمني "رفيقي السابق" بترديده الدائم لعبارات إسلاموية ، ذكره الدائم لله و رسوله ، بقي رفيقي في سوريا الأسد ، فقد أخاه و زوج أخته منذ سنوات ، و مع ذلك هاهو رفيقي "يرتد" مع كل المرتدين نحو خرافاتنا الميتة لنطلق النار على رؤوسنا و ننام من جديد على نفس هدهدة شيوخنا و أحاديثهم المهترئة المكرورة … في سوريا الأسد كما في سوريا "الحرة" , يصبح ترديد كلام الله و رسوله مدخلًا لازمًا و ضروريًا للتواصل بين البشر … قريبتي من وسط نصف محافظ سابقًا تفاجئني هي الأخرى بصور زفاف ابنتها بمولد نبوي بينما الشيوخ و ذوي الذقون الطويلة يتصدرون الاحتفال و يستبدلون الأغاني الفرحة بكلامهم الممل و المفزع ، يجري هذا في عقر النظام الأسدي ، في وسط دمشق المحافظة ، في حي الشيخ محي الدين ، الكافر الزنديق محي الدين بن عربي المدفون في تلك المقبرة التي تطل على دمشق من فوق قاسيون حيث النسوة ما زلن يلبسن الملايات السوداء الطويلة و الفضفاضة و حيث شيوخ السنة المرتبطين بالنظام يمارسون أكثر مما سبق تخاريفهم على رؤوس الأشهاد و أمام أعين النظام و أجهزته الأمنية في تناغم عجيب تعود بداياته إلى انقلاب الأسد الأب الذي تصالح و استوعب البرجوازية الدمشقية السنية و ربطها بنظامه و معها جزء مهم من رجال الدين السنة الشوام و غير الشوام … في الخارج يتبلد البشر أكثر فأكثر ، رغم مسحة التواضع المفاجئ التي تتوقف فجأة عن ترديد وعود الحرية و غيرها و تنحسر أكثر إلى نقاشات و هذيانات و ترهات أقل حدة و ثقة بالنفس و بالجماهير و بالثورة و بالمستقبل و حيث إغراء السوق الثقافية النيو ليبرالية يزيغ العيون و القلوب فتنطلق منافسات جادة للغاية في التنافس على موقع الضحية في نظر الغرب و مؤسساته النيو ليبرالية و ما يترتب على هذا الموقع من كرامات و إغداقات النيو ليبرالية و تجري ملاحقة الرجل الأبيض بأعبائه التي يتنكر لها و استدرار عطفه و محاولات إقناعه بفوائد تسليم السلطة في دمشق للمعارضة نصف الليبرالية نصف الإسلامية و يتبارى الجميع مع أشباح عفلق و خير الله طلفاح و عبد الناصر و سيد قطب في الترويج لآخر هذياناتنا الجمعية العصابية حتى المذبحة ، و يقتل هؤلاء الناشطون و اللاعبون ، يقتلون الشهداء و الأحلام الساذجة لطفولتنا الثورية مرة تلو أخرى بتحويلهم و تحويلنا إلى مادة للاستثمار و الربح و التكسب و كطريق محتملة إلى السلطة … و إسلاميونا هم أكبر المهزومين لكنهم رغم ذلك لا يهزمون أبدًا ، هزموا أول مرة في معركتهم مع الأسد الأب في الثمانينيات و ساعدوه بذلك في التخلص من آخر المؤسسات و النقابات المستقلة ، من آخر معاقل المعارضة و المقاومة المحتملة و كرروا هزيمتهم مع الابن لكن هذه المرة تسببوا هم و خصمهم العنيد بخراب أعم و أشمل و إن بنفس انعدام أي حس بالمسؤولية أو بالحاجة لأية مراجعات أكثر من الهراء المعتاد مع كل هزيمة على الطريق إلى هزائم أخرى فأخرى ، لكننا جميعًا مهزومون ، و لا يقلل من ألم و فداحة هزيمتنا أننا جميعًا مهزومون اليوم … يهزم البشر ، هذا جزء من لعبة الحياة نفسها ، و لا ضير في الهزيمة نفسها ، ما دمت قاتلت بكل ما تملك في سبيل ما تريد ، لكننا لم نفعل ، ترددنا ، ساومنا ، ضحكنا على أنفسنا و على الآخرين ، قبلنا بأن نصمت عن قتلة و جلادين طالما توهمنا أنهم سيقومون عنا بكل الأعمال القذرة و الدموية التي كنا نشعر بضرورتها دون أن نملك الجرأة للقيام بها مباشرة ، ساهمنا في خلق وحوش و أطلقناهم في العالم و زودناهم بفتاوى قتل و ذبح و إبادات جماعية بانتظار انفلات الجنون العام و الذي نساهم فيه بكل غباء و إصرار من يرى الهاوية و يندفع إليها بلا تردد متوهما فيها سرابه المنتظر ، الذي طال انتظاره ، و كما فعل من قبلنا ، استحالت الحرية و العدالة الخ الخ ، على أيدينا ، مرةً أخرى ، إلى سجون و أكاذيب و جلادين و قصور ، إلى تفاهة و هراء و عجز ، بل و ما هو أسوأ ، إلى متاجرة بالأحلام و الدماء و الخراب يستر نفسه بالصراخ و البكاء ، عله يستر بذلك عوراته و سوءاته التي انفضحت أمام الملأ متوهمين أن أحدًا لن يراها و أننا قادرين على مواصلة بيع الوهم الذي قتلناه بأيدينا و دفناه ثم بكينا عليه و نعيناه و دماؤه و دماء الآلاف ما تزال تلطخ أيدينا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فاتح مايو 2024 في أفق الحروب الأهلية القادمة


.. اعتداء واعتقالات لطلاب متظاهرين في جامعة نيو مكسيكو




.. مواجهات بين الشرطة الأميركية وطلاب متظاهرين تضامناً مع غزة ب


.. Colonialist Myths - To Your Left: Palestine | أوهام الاستعما




.. تفريق متظاهرين في تل أبيب بالمياه واعتقال عدد منهم