الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إتحاد المتوسط- نحو تحالف دفاعى وعصر جديد

عبدالجواد سيد
كاتب مصرى

(Abdelgawad Sayed)

2022 / 9 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


إتحاد المتوسط - نحو تحالف دفاعى وعصر جديد
إلى حسنى مبارك ،،،
إتحاد المتوسط مشروع قديم متجدد ، يستلهم جذوره من تاريخ الإمبراطورية الرومانية التىى شملت كل شواطئء المتوسط يوماً ما ، ويستلهم حاضره ومستقبله من التحديات التى تواجه الإقليم ، منذ إنتزاع محمد لجنوب المتوسط وتحويله لدار حرب ضد كفار الشمال ، وحتى تهديدات بوتين ، جنكيز خان ، بمحو حضارة القارة العجوز ، وتأرجح الحليف الأمريكى بين أوربا والصين ، إتحاد المتوسط حلم بتوحيد مهد الحضارة الإنسانية فى كيان واحد كبير، حلم بخلق عالم جديد من الحرية والعدل والرخاء.
كان طه حسين أول من غامر بطرق هذا الباب من أهل الجنوب ، عبر طه حسين عن رؤيته الأوربية لمستقبل الثقافة المصرية فى كتابه الشهير (مستقبل الثقافة فى مصر) الصادر سنة 1938م بعد حصول مصر على إستقلال معاهدة سنة 1936م وإلغاء الإمتيازات الأجنبية فى مونترو سنة 1937م ، والذى كان فى الأصل تقريراً عن التعليم كلفت به وزارة المعارف طه حسين بعد إرساله إلى باريس لتمثيلها وتمثيل الجامعة المصرية فى بعض المؤتمرات الدولية المعنية بمسائل التعليم ، وفى نفس التوقيت كان إهتمام الشباب المصرى بمستقبل مصر الثقافى والسياسى بعد معاهدة 1936 فى تزايد ملحوظ ، فقرر طه حسين أن يضع التقرير فى شكل كتاب لعله يكون أشمل وأوضح وأخلد فى التاريخ ، فتفرغ بعد العودة من أوربا ووضع الكتاب فعلاً فى نحو عشرة فصول أو يزيد ، وذلك فى شكل مقترحات لتطوير التعليم ثم عمد فى الفصول الأخيرة إلى شكل من فلسفة التاريخ ، فأوضح مدى إرتباط مصر بالعصر اليونانى الرومانى وبحضارة البحر المتوسط التى عاشت فيها لنحو ألف سنة ، مبرراً نجاح تجربة التحديث النسبية فى عصر أسرة محمد على بذلك الإرتباط القديم ، أى بسبب تلك الجذور المتوسطية اليونانية الرومانية ، ونصح فى ختام الكتاب صراحة ، أن تتبع مصر طريق الحضارة الأوربية بحلوها ومرها ، فى التعليم والثقافة والسياسة وكل شىء. ثم صدر الكتاب فعلا سنة 1938م وشاء القدر أن يكون ذلك الكتاب الصغير أهم ماكتب طه حسين.
بعد عقود تبع الرئيس المصرى الراحل حسنى مبارك ، طه حسين ، ولكن كسياسى يملك القدرة على التنفيذ وليس كمجرد منظر لفكرة أو حلم بعيد، وذلك فى مشروعه الكبير إتحاد المتوسط والذى تم الإعلان عنه فى باريس سنة 2008 ، فبعد حرب تحرير الكويت أخذت مصر زمام المبادرة فى إحياء فكرة الرئيس الفرنسى فرانسوا ميتران الداعية إلى إنشاء منتدى المتوسط، . وذلك بسبب التحديات التى واجهت مصر من تداعيات حرب تحرير الكويت، حيث عكست تلك الأزمة مدى وهم النظام الإقليمى العربى، فقد رفضت الكويت بشدة أن يكون لمصر أى دور فى أمن الكويت مستقبلاً وطالبت بخروج القوات المصرية فوراً بعد إتمام عملية التحرير ، كما تم التراجع عن وعود إعلان دمشق الإقتصادية بحجة إنخفاض أسعار النفط ، بالإضافة إلى الإدراك الذكى لنظام مبارك لضيق المجال الحيوى المصرى، والذى أصبح محصوراً فى عصر النفط ودول الخليج .
توجت الدعوة المصرية إلى منتدى المتوسط بعقد أول إجتماع وزارى لعشر دول متوسطية (عرفـت بمجموعة النواة) فى الإسكندرية فى يوليو 1994م بعد حوالى أربع سنوات من طرح المبادرة ، نتج عنه عدة لجان إجتمعت بالفعل فى القاهرة وبعض العواصم الأوربية لوضع تفاصيل المشروع على مختلف الجوانب السياسية والإقتصادية والثقافية. لكن المبادرات المتوسطية تجاوزت مشروع منتدى المتوسط فى الإجتماع الذى عقد فى برشلونة فى نوفمبر 1995م، والذى دعت إليه دول الإتحاد الأوربى بهدف العمل على إقامة مشاركة أوربية متوسطية. وقد قبلت مصر بالإنتقال من صيغة المنتدى التى إقترحتها عام 1991م، إلى صيغة المشاركة كما وردت فى وثيقة برشلونة 1995م. لكن مسار برشلونة لم يستمر طويلاً بدوره، وذلك بسبب غياب الظروف الموضوعية لتحقيق الأهداف المرجوة من هذه النسخة الثانية من نسخ الشراكة ألأورومتوسطية، ولذا فقد كان لابد من ظهور نسخة ثالثة أكثر وضوحاً وتفصيلاً وطموحاً من نسختى الشراكة الأورومتوسطية السابقتين، المنتدى وبرشلونة ، وكانت فرنسا ورئيسها ساركوزى هى الرائد مرة أخرى ، فبمجرد إعتلاء ساركوزى لكرسى الحكم فى فرنسا سنة 2007، أعلن عن رغبته فى إقامة إتحاد متوسطى تتحقق فيه الشراكة الكاملة على كافة الأصعدة بين دول شمال وجنوب المتوسط، ومن أجل تجنب التناقض بين أهداف ذلك الإتحاد الجديد وأهداف الإتحاد الأوربى، قررت كل دول الإتحاد الأوربى الإنضمام إلى مشروع إتحاد المتوسط المزمع إقامته، وبدا وكأن العالم يشهد إحياءً لعصر السلام الرومانى من جديد، ولكن ذلك الحلم قد ولد ضعيفاً بدوره، وذلك بسبب الإختلاف الحضارى الكبير بين الشمال والجنوب، وأيضاً بسبب إختفاء ساركوزى وحسنى مبارك، الراعيان الأساسيان للمشروع ، عن المشهد السياسى سريعا بعد ذلك ، ولذا فلم يستطع الإتحاد سوى الإعلان عن وجوده فى مؤتمر باريس فى يوليو 2008م، وذلك فى جلسة وحيدة شهدها رؤساء 42 دولة من دول المتوسط والإتحاد الأوربى برئاسة فرنسا ومصر، جلسة لم تتكرر بعد ذلك .
ومع ذلك فمازال إتحاد المتوسط قائماً بكل مؤسساته ولجانه، ومازلت فعالياته الثقافية قائمة فى كل مكان ، ولو بعيداً عن ضجيج الإعلام ، ًوكأنه فقط كان ينتظر الغزو الروسى الوحشى لأوكرانيا وتهديده لكل القارة العجوز، كى يعود لطرح نفسه من جديد ، كمشروع حضارى ضرورى للشمال الغنى قبل الجنوب الفقير، على أنه ليس مجرد تعاون ضد الإرهاب والهجرة غير الشرعية ، بل طاقة وأمن ودفاع ووجود.
كانت مشكلة الطاقة هى أولى المشاكل الكبرى التى واجهت أوربا من جراء الغزو الروسى لأوكرانيا حيث كانت تعتمد فى أكثر من نصف إحتياجات الطاقة على روسيا المعتدية ، والتى كان طبيعياً أن يتوقف الإعتماد عليها فوراً، ولم يكن هناك بديلاً سريعاً سوى دول الجنوب فى مصر والجزائر وإسرائيل، وبالفعل قامت رئيسة المفوضية الأوربية فندرلاين بزيارة مصر وإسرائيل وحثتهما على إنتاج مزيد من الطاقة وتصديرها لأوربا عبر محطات التسييل المصرية بأسرع وقت ممكن، كما أعلنت عن منح مصر حوالى مائة مليون يورو كمساعدة إقتصادية مبدأية، وبعد ذلك بزمن قصير، وقبل أيام قليلة فقط ، قام الرئيس الفرنسى ماكرون بزيارة الجزائر، فى مبادرة إنطوت على كثير من الإشارات والدلالات ، ففى مقابل أن تضخ الجزائر مزيداً من الغاز لفرنسا وللشركاء الأوربيين ، حمل ماكرون معه أهم مما حملت فندرلاين ، حمل معه ثمانية آلاف تأشيرة دراسية هدية لشباب الجزائر، هدية ثمينة من شأنها أن تساهم فى تحقيق المصالحة التاريخية الصعبة بين الشعبين ، وفى تلاحم الضفتين وتكامل الشمال والجنوب ، فأهم مايحتاجه الجنوب فى الواقع هو التخلص من جينات البربرية التى خلفتها غزوات العرب والأتراك فى العصور الوسطى ، وفصلته عن الشمال ، وخلقت منه ذلك الحزام المعتم الرهيب ، وأعجزته عن متابعة مسيرة العصر الحديث، أهم مايحتاجه هو الثقافة والتعليم ، إن هذا لايعنى أن الجنوب لايحتاج لمزيد من إستثمارات الشمال ، فالإقتصاد يظل أكبر محرك للتاريخ ، لكن تظل الثقافة والتعليم هما الأساس التى تبنى عليه الأمم كل شىْ.

ومع ذلك ، فقد نسى الإثنان ، ماكرون وفندرلاين ، أن يتنبآ بمجرى التاريخ ويحضرا معهما أهم شئء ، معاهدة دفاع مشترك بين الشمال والجنوب، فى إطار إتحاد المتوسط القائم فى إنتظار ، معاهدة دفاع مشترك يتعهد فيها كل من يريد البقاء داخل الإتحاد والتمتع بمزاياه أن يدافع عن أى شريك يتعرض للإعتداء ، ليتم بذلك تصحيح خطأ الإتحاد الأوربى الذى أغفل معاهدة الدفاع المشترك منذ تأسيسه وحتى اليوم ، وليتم أيضاً التعويض عن الشريك الأمريكى الذى إكتفى بدعم المال والسلاح ، وترك العالم يحترق ، وذهب يبحث عن الوهم الأوبامى فى الصين ، وذلك من خلال ظهير أكبر من الجغرافية والتاريخ يتعذرعلى جنكيز خان الحلم بالزحف عليه كما يحلم اليوم بالزحف على كل القارة العجوز، ذلك الظهير المفاجىء القادم من عمق التاريخ ، الجيش الموحد لإتحاد المتوسط ،،،








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -