الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقد الدولة _ دولة النقد ( البحث عن دولة حديثة ناقدة ) (١_٦)

وليد المسعودي

2022 / 9 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


نقد الدولة _ دولة النقد ( البحث عن دولة حديثة ناقدة ) (١_٦)


هادي العلوي .. الطريق السياسي للنقد




ومع المفكر والمؤرخ هادي العلوي نجد ان النقد السياسي للدولة اخذ ابعادا تتجاوز الحاضر لتصل الى الماضي التاريخي ايضا من أجل اعادة تكوين العقل العربي الاسلامي من وجهة نظر ماركسية ، حيث يرى ان الدولة يتجاذبها طرفان نقيضان بين الاقطاع والمشاع ، بين هيمنة الاقلية الإقطاعية التي تريد دمج المجتمع بالقوة ضمن قيم الدولة وبين المجتمع النافر من قيمها وسلطتها المطلقة من خلال وجود ما يسميه هادي العلوي ب " اللقاحية " ذات الاثر الجاهلي ما قبل الاسلام ، وهنا يشير الى نمط الانتاج الاسيوي القائم على وجود صراع مستمر بين الدولة والجمهور الكادح وليس كما هو الحال في اوروبا الرأسمالية بين العمال والرأسماليين ، وهذا تفسير تم تحريمه بشدة في زمن ستالين لمنع اي فهم حقيقي لنمط الانتاج الاسيوي او المجتمعات التي تعيش في الشرق .

والدولة الإقطاعية كوجود تاريخي قديم في المنطقة العربيّة الاسلامية ولكن لم تثبت جذورها اجتماعياً الا من خلال وجود الاجنبي بعد الاحتلال الاوربي ، اذ يرى ان نموذج العراق مشكل بريطانيا ضمن صورة علاقات إقطاعية كاملة في الريف تناهض بشكل اساس القيم المشاعية الموروثة . (١٢) ولم تتغير الأوضاع والقيم الاجتماعية مع وجود الدولة كمالكة لسلطة الانتاج والاقتصاد .

وكل دولة يهيمن عليها جماعة فكرية ، دينية مؤدلجة تعيش حياة المعارضة في بدايتها وما ان تستولي على السلطة تتحول بدورها من عقلية المعارضة الى عقلية السلطة ، فتبدأ برسم ملامح عقيدة الدولة ضمن اطارها الخاص بها ، هكذا هو واقع اكثر من استولى على السلطة والدولة في آن واحد بشكل تاريخي ومعاصر ، وكل فرقة دينية وفكرية تستولي على السلطة تفقّد حيويتها الابداعية لانها سوف تهتم باطار السلطة وهذا الاخير سوف يكون محددا ضمن موجهات ثابتة لا غير ، هكذا هو حال اكثر الدول التي تأسست بواسطة فرق فكرية ومعرفية مثلا يرى هادي العلوي ان القرامطة كانت تملك جهازا فكريا ولكنه توقف عن العمل عندما اسست دولتها في شرق شبه الجزيرة العربيّة في البحرين (١٣)
اذ ان الفرق كبير بين الدولة واللادولة ، بين المعارضة والسلطة والاخيرة لها قوالبها الاجتماعية الجاهزة ومتتالياتها الثابتة تلك التي تشي بعناصر المحافظة والجمود ، و هذه الطبيعة ما زالت ثابتة نسبيا حتى الازمنة الراهنة .


هذه الطبيعة ( اي طبيعة الدكتاتورية) ما زالت ثابتة نسبيا حتى الازمنة الراهنة (١٣) بالرغم من انعدام شرطية العقائد في صيرورة الدكتاتور ، وهنا يعطي العلوي مثالا صارخا عن " صدام حسين " كونه خارج اطار العقائد وشرطيتها في تكوين دكتاتوريته ، حيث لا يحده قيد عقائدي يضعه في شراكة مع الاخر ، ولكن بالرغم من وجود الدكتاتور هناك ايضا المجتمع الذي بدوره يصنع الدكتاتور ، وما ان تتضارب المصالح الاقتصادية بين الشعب والسلطة سرعان ما يفقد ذلك الدكتاتور البريق والهيبة ويظهر على حاله مع دولته العقائدية الزائفة وجهازه البيروقراطي في انفصال تام عن الشعب ومصيره .

وتختلف بالطبع الدكتاتورية من مجتمع الى اخر ، من مجتمع ديني الى مجتمع علماني ، من حيث ثبات العقائد والافكار ، ففي المجتمع الديني رغم حصول الدكتاتورية للمجتمع نفسه ، الا ان العقائد لا تتزحزح ، على عكس الدكتاتورية في في المجتمع العلماني ، فانها تعمل على زحزحة العقائد ولا يبقى الشعب متمسك بها ، والنماذج موجودة في الدول ذات النموذج " الاشتراكي " ، وهكذا تبقى المجتمعات المعلمنة تطور نفسها في صراع متواصل مع السلطة والافكار على عكس المجتمعات المتدينة فانها تتصارع مع السلطة وليس مع العقائد التي ظلت تعيد نفسها بين الظهور والاختفاء داخل الطبقات الارضية للمجتمعات العربية .

هل ان هادي العلوي يريد ان تصل مجتمعاتنا الى الحرية من خلال نقده للدولة بشكل تاريخي ومعاصر ؟

نقول ذلك صحيح جدا ولكن ليست الحرية هنا في التعبير عن الرأي والفكر والعيش بشكل حر فحسب بل الحرية في عدم الامتلاك ، واول من يمتلك الانسان هي الدولة بصفتها الحاكمة للبشر والمحددة لسلوكياتهم وتوجهاتهم ، هكذا كان هادي العلوي متأثرا ببعض المتصوفة الذين يرون في التصوف هو الاقتراب من الحرية في عدم الامتلاك المزدوجة للذات والاخر ، للمادة والروح. ، وبالتالي تأسيس جوهري لذوات " لقاحية " ترفض التسلط والقهر كوعي سياسي مثبت داخل اطر الدولة نفسها ، داخل العلاقة بين الحاكم والمحكوم ، بين السلطة والمعارضة ، وهذا التأسيس الجوهري لا يتحقق بالارتكان الى الفكر المترجم فحسب بل بالعودة الى التراث المشاعي الشرقي الرافض للقهر والتسلط من اجل بناء ماركسية لا تعاني من عقد التقديس سواء كان للماضي او الحاضر ، ورغم خطورة طرحه الا اننا نجده مثاليا في مجتمعات لا تسيطر على ذاتها اختلت فيها منظومة القيم والافكار والمبادئ طيلة عقود من هيمنة الدكتاتورية التي افرغت الناس من كل وعي رافض للقهر والتسلط ضمن حدود النسبي .


المصادر : _

١٢ _ سليمان ، خالد و جواد ، حيدر / هادي العلوي حوار الحاضر والمستقبل / دار الطليعة الجديدة / سوريا ، دمشق / الطبعة الاولى ، ص ٤٤_٤٥ .
١٣ _ المصدر ، نفسه ، ص ٤٩
١٤ _ يعيد هادي العلوي للدكتاتورية ارثها المعرفي الديني العقائدي ، فهي لا تعترف بوجود الاخر وتمثل حجابا عقليا له ما ان يقترب أي الاخر من السلطة سوف يلاقي القمع ، والحاكم او الامام لدى بعض الفرق كالاسماعيلية هو أس الدولة ولا يمكن ان يتعرض الى الاختراق . يراجع هنا / هادي العلوي المصدر ، نفسه ص ٤٩ )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا تعلق كل المبادلات التجارية مع إسرائيل وتل أبيب تتهم أر


.. ماكرون يجدد استعداد فرنسا لإرسال قوات برية إلى أوكرانيا




.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين: جامعة -سيانس بو- تغلق ليوم الجمعة


.. وول ستريت جورنال: مصير محادثات وقف الحرب في غزة بيدي السنوار




.. ما فرص التطبيع الإسرائيلي السعودي في ظل الحرب الدائرة في غزة