الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عرض مختصر لكتاب جديد

محمود يوسف بكير

2022 / 9 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


والكتاب هو للاقتصادي الفرنسي المعروف توماس بيكيتي الذي اشتهر جدا بعد كتابه الموسوعي "رأس المال في القرن الواحد والعشرين" والذي سبق أن كتبنا عنه. أما الكتاب الجديد فهو بعنوان "تاريخ مختصر للمساواة" وقد صدر بالفرنسية في العام الماضي ثم تمت طباعته بالانجليزية هذا العام وهو أقل حجما بكثير من كتابه الأول حيث تصل عدد صفحاته إلى ٣٠٠ صفحة أما الأول فيصل إلى ٧٠٠صفحة. والكتاب الجديد يختلف في نهجه التاريخي المبسط عن كتب بيكيتي السابقة ذات النهج الاقتصادي التحليلي والتاريخي، كما أنه يتسم بالنزعة التفاؤلية عكس كتابي بيكيتي السابقين عن اللامساواة والتي أشتهر من خلالهما كرائد من رواد الفكر الاقتصادي المناهض لللامساواة. والحقيقة أن البعض قد يختلف مع بيكيتي في تفائله الزائد في هذا الكتاب ولكني أقر بإنه ليس هناك أسهل من أن يكون الانسان متشائما وأن الأصعب دائمآ أن يكون متفائلا، وأتذكر هنا ما قاله الرئيس الأخير للاتحاد السوفييتي جورباتشوف والذي توفي من يومين بأن السياسي المتشائم يكون من الأفضل له أن يستقيل، وهي جملة ذات دلالة كبيرة كما أرى حيث يعني بها جورباتشوف بأن السياسي المتشائم لن ينجز شيئا وسوف يجد دائمآ ما يبرر به فشله. وعودة إلى كتاب بيكيتي الذي أستند في تفائله على تطورات تاريخية هامة جدا كما سوف نبين وبأكبر قدر من الاختصار وببعض التوضيحات الإضافية من جانبنا لضمان إيصال أفكار الكاتب للقراء بشكل واضح. وفي الكتاب يوضح بيكيتي من خلال عرض مقتضب للخطوط العريضة لكتبه السابقة بأن اللامساواة بالفعل زادت بشكل هائل في معظم أنحاء العالم بدءا من ثمانينات القرن الماضي وحتى الآن، ولكنه يرى أن الأحوال يمكن أن تتجه لما هو أفضل كما حدث من قبل عبر التاريخ. وهنا تبرز الفكرة المركزية التي كانت وراء النظرة المتفائلة لبيكيتي وهي أن مسيرة التقدم للبشرية على مختلف الأصعدة كانت حافلة بالثورات والنضال ضد الظلم والأزمات الاقتصادية الخانقة والحروب وكل أنواع المشاكل الاجتماعية والسياسية، بمعنى أن العدالة الاجتماعية والتقدم الذي تشهده الإنسانية ليست مكتسبات مجانية وإنما هي حصاد للكفاح والاجتهاد الإنساني حتى أصبح لدينا الآن معايير كمية ونوعية تبين بشكل دقيق لا يدع مجالًا للشك أوجه التحسن في نمط الحياة وما حدث من تحسن في توزيع الدخل والثروة في كل المجتمعات تقريبًا. وفي هذا يتحدث بيكيتي عن أن الحربين العالميتين الأولى والثانية والكساد الكبير الذي ضرب العالم في ثلاثينات القرن المنصرم نتج عنهم جميعا إنخفاض كبير في فجوة الدخل والثروة في الغرب في الفترة ما بين ١٩١٤ و ١٩٨٠وكان السبب في هذا فرض نظام للضرائب التصاعدية على كل من الدخل والثروة وإعلاء مبدأ دولة الرفاهة للجميع ومنح الجميع فرص متساوية في التعليم والثقافة والرعاية الصحية والمواصلات ودخل معقول للمتقاعدين ومنح للعاطلين عن العمل وغيرها من المزايا حيث لعبت الضرائب التصاعدية دورا كبيرا في توفير الموارد المالية اللازمة للحكومات لتقديم كل هذه الخدمات لمحدودي الدخل كما أدت إلى تقلص التركيز الهائل للثروة والنفوذ الاقتصادي على مستوى القمة لصالح من هم في الأسفل، والأهم من كل هذا كان وجود نوعًا من القبول العام لهذا العقد الاجتماعي الجديد في المجتمعات الغربية.
أما بالنسبة لحالة عدم اللامساواة المستشرية حاليًا في كل المجتمعات والتي أصبحت تشمل كل أوجه الحياة كما كتبنا مرارا خاصة في مجتمعاتنا العربية فإن بيكيتي يقترح حلولا عديدة لها في الكتاب منها تمويل الانتخابات من خلال الأموال العامة وليست الخاصة لضمان عدم سيطرة رأس المال على السلطة وهي مرض عضال وقديم في عالمنا العربي وهو أسوأ بمراحل مما نعايشه في الغرب حيث لا يقتصر هذا التحالف الجهنمي على المال والسلطة فقط ولكنه يمتد ليشمل الدين كما كتبنا مرارا وهو ما يعني أن مقترح بيكيتي لا يصلح لنا. كما يقترح بيكيتي فرض ضريبة عالمية على الثروة تصل إلى 2% على كل الافراد الذين تزيد ثرواتهم عن 10 مليون يورو، هذا بالإضافة إلى إحكام تطبيق نظم الضرائب التصاعدية، كما يقترح إشراك العمال في إدارة الشركات الكبيرة، وأيضا مراجعة الاتفاقات الدولية لضمان أن تحركات الأموال الدولية سوف تضمن دائما الحفاظ على البيئة وليس الاضرار بها، وضمان أن تعمل على تخفيف فجوة الدخل والثروة بين الشمال والجنوب وإلغاء الكثير من ديون الدول الفقيرة وغيرها من المقترحات التي يصعب تصور إمكانية تطبيقها في ظل الظروف الاقتصادية القاتمة التي يمر بها العالم حاليًا. وبالطبع فإن بيكيتي يعلم هذا ولكنه يؤمن مثلنا بإن النضال السلمي للأحزاب الاشتراكية الديموقراطية ومنظمات المجتمع المدني والنقابات المهنية والاعلام الحر كفيلة بتحقيق هذه الإصلاحات كما حدث من قبل وكما يعلمنا التاريخ.

‏‏‏ محمود يوسف بكير
مستشار اقتصادي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مساواة ام عدالة اجتماعية
منير كريم ( 2022 / 9 / 1 - 22:50 )
الدكتور بكير المحترم
شكرا على عرضك الممتاز للموضوع
المساواة الاقتصادية مستحيلة وتؤدي الى بول بوت وكوريا الشمالية
المصطلح الافضل العدالة الاجتماعية
الفروق الهائلة بالدخول هي ظاهرة تلازم الراسمالية ولكن يمكن مكافحتها باسلوب ديمقراطي عبر قوانين وتشريعات هذا في البلدان المتحضرة اما في بلداننا حيث الراسمالية متخلفة فلا حل لذلك لان الحكومات هي جزء من الاثرياء وثرواتهم كلها عبر النهب والفساد
الثري جدا في الدول المتحضرة يستثمر امواله في البلد فيفيد ويستفيد والثري عندنا يهرب امواله
مع التحية


2 - over population
على سالم ( 2022 / 9 / 2 - 02:59 )
دكتور محمود شكرا للمقال الهام , انها دائما الدائره الجهنميه الا وهى معضله الفقر والحرمان والبؤس وايضا الغنى والبحبوحه والرفاهيه ؟ الانظمه الاقتصاديه العالميه منذ البدايه وهى تفكر فى هذه المعضله الازليه وسبل الحلول لها , نحن نعيش فى عالم اكيد ظالم وقاسى ولايلتفت الى الجائع , بعيدا عن هذه الاشكاليه فأنا اعتقد ان اهم كارثه يشهدها العالم هى التفجر السكانى الرهيب ومايتبعه من ازدياد الهوه بينهم وبين الاغنياء , من المحزن ان العالم الاسلامى فى مقدمه الدول التى تشهد تفجر سكانى مروع والانظمه الفاسده الغبيه هناك لاتستطيع التعاطى مع هذه المشكله المعقده , دعنى اقول لك انه منذ منتصف التسعينات وحتى الان غرق فى البحر الابيض المتوسط مايزيد عن خمسين الف مسلم عرباوى وافريقى جائع , كلهم يمتطوا قوارب بدائيه خشبيه غير مؤهله للاابحار فى اعالى البحار ويكون مصيرهم الغرق ويكونوا طعام للااسماك المتوحشه , احس دائما بالاشفاق على دوله ايطاليا بسبب انها فى وجه المدفع وتستقبل سنويا الاف مؤلفه من الجوعى والمشردين والذين يحلموا بالحياه السعيده والسكن الصالح والغذاء الجيد ؟ معضله كبيره حقا


3 - الأستاذ منير كريم
محمود يوسف بكير ( 2022 / 9 / 2 - 06:45 )
أشكرك على إضافتك القيمة للمقال ،أتفق معك في أن مصطلح العدالة أدق من مصطلح المساواة الذي يمكن أن يفهم منه أن بيكيتي يطالب بالمساواة الكاملة وهذا مستحيل كما تفضلت وكما نقول دائمآ ولكن ما لاحظته من كل كتابات بيكيتي أن ما يقصده دائمآ هو العدالة الاجتماعية من خلال المساواة في منح الفرص للجميع وهو بالمناسبة ليس ماركسيا من زواية أنه لا يطالب بحلول عنيفة لمشكلة اتساع فجوة الدخل والثروة المتفاقمة على مستوى العالم خاصةً في عالمنا العربي كما ألمحت في تعليقك، والأسف وبحسب متابعتي لما يحدث في عالمنا العربي من معاناة للفقراء والطبقة المتوسطة وانفصال الحكام عن الواقع المرير الذي وصلنا إليه فإنني أعتقد أنه لم يعد أمام الناس سوى الحلول الماركسية، مع إطيب تحياتي


4 - الحلول الماركسية
د. لبيب سلطان ( 2022 / 9 / 2 - 08:15 )
تحية استاذ محمود وللحضور الكرام
ورد في تعليقكم انه لم يبقى لعالمنا العربي سوى الحلول الماركسية ربما لغياب حكومات ديمقراطية اصلاحية كما فهمت وبه تربطون الماركسية انها فكر انقلابي ايضا كما فهمت من اعلى تعليقكم في حين ان بيكيتي وكثير من رواد الأصلاح الأجتماعي يضعون الماركسية ضمن دعوات اقامة العدالة الأجتماعية وضمن برامج اصلاحية مثل فرض الضرائب المتصاعدة على الثروة والأرباح وهو اسلوب اصلاحي يطبق ماتطلبه الماركسية من دون تعريض المجتمع والأقتصاد لهزات التدميروالتسلط ولنا تجارب كثيرة عربيا وعالميا وعليه انا لا اتفق مع مقولتكم جعل الماركسية بشكلها التقليدي السوفياتي كما تفهم في عالمنا العربي تسيطر على الدولة والأقتصاد وقد جربت بعض النظم العربية التاميم ورأينا الخراب الأقتصادي والديكتاتورية فالماركسية ليست اداة لأدارة السلطة والدولة بل اداة للضغط الأجتماعي للأصلاح واقامة نظما اكثر عدالة اجتماعية وعداها ستكون نظاما مؤدلجا ذو بعد واحد كأي نظام ديكتاتوري رأيناه في العالم


5 - الأستاذ علي سالم
محمود يوسف بكير ( 2022 / 9 / 2 - 09:41 )
أشكرك على مداخلتك الهامة، الانفجار السكاني معضلة كبيرة في كثير من الدول الإسلامية الفقيرة ، وما يعقد حل هذه المشكلة أكثر هو انتشار قناعات دينية معينة تساهم في تعقيد المشكلة أكثر وأكثر، هذا ناهيك عما تفضلت بذكره من نظم الحوكمة البالية و الفساد وسؤ إدارة الموارد الاقتصادية المحدودة وهو ما يدفع الشباب للمغامرة بحياتهم بحثا عن حياة أفضل، مع أطيب التمنيات


6 - social liberalism
منير كريم ( 2022 / 9 / 2 - 09:42 )
تحية للزملاء الاعزاء
لقد قرأت معظم الكتاب الاول للاقتصادي الفرنسي توماس بيكيتي واعتقد انه يعالج التفاوت الكبير بالثروة في العالم الاول بطريقة الليبرالية الاجتماعية وقد كان موفقا بذلك
الماركسية فشلت في العالم الثالث ويكفي ان ننظر الى بقية الدول الشيوعية الان
اما نحن فالديمقراطية عندنا لم تثمر وحكامنا فاسدون فنحتاج الى خلطة سحرية تخرجنا من واقعنا المزري
متى تتوفر عندنا دول نظيفة وتنموية وحكام مستنيرون ؟
يجب دراسة تجارب كوريا الجنوبية وتايوان وسنغافورة وماليزيا وغيرها
شكرا لكم


7 - د. لبيب سلطان
محمود يوسف بكير ( 2022 / 9 / 2 - 10:08 )
شكرا على مساهمتك، لم أقصد أبدًا بتعليقي أنني من مؤيدي الحلول الماركسية العنيفة ولي مقالات وحوارات كثيرة عل الموقع تشهد بهذا، كما أنني ضد الاستبداد ونظم الحكم ذات الصوت الواحد والتي دمرت عالمنا العربي ولازالت. ما قصدته بتعليقي هو أن الاستبداد المتأصل والمستعصي عن الحل والفساد والفقر المتنامي والبطالة والعنوسة وتردي مستوى الخدمات العامة وظلامية المستقبل سوف يدفع الشباب يوما ما إلى اللجوء إلى الحلول الماركسية العنيفة، وإنا لا أتمنى هذا إبدأ لأي بلد ولكن عندما يتراجع المرء في مواجهته مع الظلم حتى يصل ظهره للحائط فإن أي خطوة جديدة له سوف تكون للأمام وللمواجهة العنيفة. مع تحياتي وتقديري


8 - الاستاذ منير كريم
محمود يوسف بكير ( 2022 / 9 / 2 - 10:29 )
لا أمل في الجيل الحالي من الحكام ، أملنا في جيل الشباب، مع تحياتي


9 - غير قابلة للتطبيق
عبد الحسين سلمان ( 2022 / 9 / 2 - 12:58 )
تحية للصديق العزيز الدكتور بكير

الماركسية غير قابلة للتطبيق لأنها مجموعة فرضيات وليس نظرية أضافة الى التجريد الذي فيها


10 - قل ولا تقل
قاسم علي فنجان ( 2022 / 9 / 2 - 14:20 )
تحية للكاتب المحترم
كان لدينا برنامج تلفزيوني يقدمه احد اساتذة اللغة العربية كان عنوانه (قل ولا تقل) اخذ صدى كبيرا في الشارع؛ وانا اقرأ بعض الردود على مقالك تذكرت هذا البرنامج فقلت هل نستطيع تطبيق ما كان يقوله مصطفى جواد مقدم البرنامج على هذه بعض تلك الردود لنجرب ذلك
لا تقل طبقات بل قل جماعات
لا تقل صراع طبقي بل قل تعارض مصالح
لا تقل امبريالية بل قل مجتمع صناعي
لا تقل اشتراكية بل شمولية
لا تقل مساواة بل قل عدالة اجتماعية

ملاحظة
كان الاقتصادي الكبير ابراهيم كبة قد قال بتلك المفارقات في دراساته عن تاريخ الفكر الاقتصادي الذي كتبه قبل ولادة بيكيتي
اشكر مجددا السيد الكاتب


11 - الصديق الاستاذ عبد الحسين سلمان
محمود يوسف بكير ( 2022 / 9 / 2 - 17:55 )
أتفق مع ما ذكرت وحتى لو قلنا على أي اجتهادات فكرية ذات غرض نبيل أنها تشكل نظرية فقد تعلمنا في الاقتصاد أن التنظير وحده لا يكفي للنجاح دون خطط محددة ومذكرة تنفيذية تحدد خطوات التطبيق العملي. وفي سياسات إدارة المخاطر المتعددة في البنوك ومن أهمها مخاطر الائتمان ومخاطر السيولة كنا في النظام الانجليزي نقيم هذه السياسات على مستوى التصمميم ومستوى التطبيق وكثيرا ما كنا نجد بعض السياسات ذات التصمميم الجيد ولكن عند تطبيقها كنا نكتشف ثغرات عديدة فنعود إلي تعديل التصميم، والسبب الرئيس في هذا هو التطورات التكنولوجية التي لا تتوقف. مع أطيب التحيات والتمنيات للصديق عبد الحسين سلمان


12 - الاستاذ قاسم علي فنجان
محمود يوسف بكير ( 2022 / 9 / 2 - 18:08 )
تحياتي أستاذ قاسم ، أعجبتني فكرة البرنامج الذي تحدثت عنه وجعلني أفكر في الثنائيات التي ذكرتها لأجد أن بعضها يمكن أن يكون مرادفا للآخر مثل الصراع الطبقي وتعارض المصالح ولكن بعضها الاخر لا يمكن أن يعني نفس الشيء مثل الاشتراكية والشمولية لأن الاشتراكية يمكن أن تكون ديموقراطية كما في أوروبا ولكن الشمولية لا يمكن أن تكون ديموقراطية ، مع الشكر والتقدير

اخر الافلام

.. مقتل 5 أشخاص جراء ضربات روسية على عدة مناطق في أوكرانيا


.. هل يصبح السودان ساحة مواجهة غير مباشرة بين موسكو وواشنطن؟




.. تزايد عدد الجنح والجرائم الإلكترونية من خلال استنساخ الصوت •


.. من سيختار ترامب نائبا له إذا وصل إلى البيت الأبيض؟




.. متظاهرون يحتشدون بشوارع نيويورك بعد فض اعتصام جامعة كولومبيا