الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
تغيير العالم يأتي من أوكرانيا
سامي البدري
روائي وكاتب
(Sami Al-badri)
2022 / 9 / 2
مواضيع وابحاث سياسية
تغيير العالم يأتي من أوكرانيا
في الحرب الروسية – الأوكرانية، لا تقل رغبة الولايات المتحدة الأمريكية، في تغيير العالم، عن رغبة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، فيها.
فلاديمير بوتين شن حربه على أوكرانيا في مسعى منه لتغيير العالم وإجباره على قبول عودة روسيا كقطب عالمي، موازٍ ومساوي، في النفوذ، للولايات المتحدة، والولايات المتحدة استثمرت إمكانيات كبيرة، سياسية وعسكرية، من أجل تصفية الاتحاد الروسي وتفكيكه واخراجه من ميزان القوى الدولية إلى الأبد.
ليست حرب أطماع روسية في المزيد من أراضي (مستعمرة الاتحاد السوفيتي السابق)، وليست حرب دولة قوية للإطاحة برئيس جار (مشاغب)، بل هي حرب عالمية من أجل إعادة رسم العالم ونظامه العام، ايديولوجياً وسياسياً وأمنياً.
فلاديمير بوتين، وبحسابات مستعجلة، سعى، من حرب (تأديبية) سريعة، في عمق القارة العجوز، لاستعادة هيبة روسيا السوفيتية، وأمريكا، كزعيمة لحلف ناتو دول الاتحاد الغربي، أرادت استغلال خطأ بوتين وتحويل أوكرانيا إلى مقبرة لجميع الأحلام الروسية، الحالية والمستقبلية، في العودة إلى ميزان القوى الدولي ومنافستها على تفردها في زعامته.
لم يستدرج الرئيس الروسي، لا فلودمير زيلينسكي، الرئيس الأوكراني المشاغب، ولا حلف الناتو إلى هذه الحرب، بل إن قرار اجتياح أوكرانيا تقف خلفه، حسابات تاريخية – سياسية، لاستعادة هيبة روسيا السوفيتية، كقطب دولي منافس لأمريكا، ووقوع الحرب فتح شهية الولايات المتحدة الأمريكية (بالذات) لتهشيم الحلم الروسي الكبير (في العودة إلى خارطة الصراع الدولية كقطب كبير ومنافس) وتهميش دور روسيا إلى الأبد، بل وتحويلها إلى دولة منبوذة، وهذا ما أوضحه نسق العقوبات الأمريكية – الأوربية المحكم، والهادف لأن يكون طويل الأمد ويتعدى حدود زمن الحرب الأوكرانية ونتائجها.
منذ القذيفة الأولى لهذه الحرب، فتحت الولايات المتحدة، ومن خلفها أوربا، سلال وعودها ومخازن أسلحتها المتطورة للرئيس الأوكراني (فلوديمير زيلينسكي) من أجل حثه على الصمود ومقاومة الزحف الروسي، ليس بقصد رد العدوان الروسي طبعاً ولا من أجل الحفاظ على وحدة التراب الأوكراني، بل من أجل توريط فلاديمير بوتين في حرب اللا نصر واللانهاية، وحتى آخر جندي أوكراني، كما قال الأمريكي نعوم تشومسكي.
إنها حرب تغيير العالم، برغبة مسبقة من قبل الرئيس الروسي الذي أشعلها، وباستثمار أمريكي – أوربي، ما دام القدر قد جاد بها ووقعت.
الرئيس الروسي، وبقصر نظر وسوء حساب، تخيل أن حرب اجتياح أوكرانيا لن تكلفه أكثر من مسافة وصول دباباته إلى كييف، العاصمة، واسقاط نظام الرئيس زيلينسكي وتنصيب حكومة موالية له، تحيل أوكرانيا، خلال أشهر، وبمشورة منه، إلى جدار برلين جديد يفصل ويحمي الاتحاد الروسي من الأطماع (الامبريالية) الأمريكية - الأوربية ويؤمن لبوتين، ولمن سيخلفه في الحكم، عودة روسيا كند وقطب دولي بحجم الرأس الأمريكي.
ما فات الرئيس الروسي هو إن لكل حرب طرفان، وليس طرف واحد يملي رؤية انتصاره، وخاصة إذا ما كان الطرف الثاني يقع على حدود (أوربا الغربية) وتحسبه هذه، الجانب الثاني من جدار برلين الفاصل أيضاً. وكذلك فإن لكل حرب رؤيتان، والرؤية الأولى هي رؤية الرئيس بوتين، الذي يرى أن من حقه أن يسترد حق بلده الذي كان لها وأغتصب منها، ورؤية من وجد في هذه الحرب فرصة استثماره المثالية، في تلقين الرئيس الروسي درساً، لأنه لا يريد أن يخضع لمنطق التأريخ الذي فتت الاتحاد السوفيتي السابق، ويفكر بالتمرد عليه.
وبالنسبة للمستثمر الأمريكي – الأوربي، فإن الحرب حرب أوكرانيا المعتدى عليها، والتي من حقها أن تتحالف مع الشيطان من أجل أن تدافع عن شعبها ووحدة أراضيها، التي أعلن الرئيس الروسي صراحة عن نيته في سلخ أجزاء منها لصالح بلاده، وتفتيت الباقي في شكل جمهوريات مستقلة أو جيوب موالية له تحت مسمى الحكم الذاتي.
وككل حرب، فإن للحرب الأوكرانية سرديتان. سردية الولايات المتحدة وأوربا التي انتهت من أمر روسيا العظمى (الاتحاد السوفيتي السابق)، بعد أن تفتت وحول روسيا من قوة وفاعل دولي إلى مجرد فاعل إقليمي، لا يحق له (نفش ريشه) خارج حدود جمهوريات الاتحاد الروسي، الهامشية وغير الأوربية. وسردية الرئيس بوتين التي ترى أن تفتيت الاتحاد السوفيتي قد تم بتدبير، أمريكي – أوربي اجرامي ومتعسف، وأنه آن لروسيا أن تسترد وضعها الدولي (الذي كان لها)، عبر الجمهورية الأوكرانية، التي صنعتها بنفسها وبجزء كبير من أراضيها الأم، خلال فترة تأسيس الاتحاد السوفيتي السابق.
الحرب التي ظنها فلاديمير بوتين، عطلة تخييم أسبوعية لجنوده، في حقول عباد الشمس وقمح كييف، تلقفتها أمريكا وأوربا تلقف الكرة، من أجل تلقين بوتين، المتمرد على منطق التاريخ والجغرافيا، والأهم منطق الإرادة الغربية التي صفت الاتحاد السوفيتي السابق، درساً أكثر بلاغة وبلغة الحرب الحديثة، التي يبدو أنه يجهلها، وهي الحرب الاقتصادية، عبر فرض طوق الحصار والعقوبات الاقتصادية المشددة. والأهم هو، وقبلها، نزع أسلحة تهديده الاقتصادية ذاتها، بمقاطعة استيراد النفط والغاز الروسيان، وإحالتهما إلى مجرد هواء فاسد وماء آسن، بمقصد لغة الاقتصاد طبعاً.
إذن الحرب التي أرادها بوتين وسيلة لتغيير العالم، على قدر زاوية نظره، تحولت إلى حرب لتغيير العالم بالفعل، ولكن بمساحة تتعدى رؤية بوتين والاتحاد الروسي ذاته.
كان بمقدور الرئيس بوتين أن يكسب هذه الحرب، ولو معنوياً، عن طريق تقديمها بصيغة الاستعراض الخاطف (الضربة السريعة)، بدخول سريع لحدود الأقاليم المتنازع عليها، ومن ثم سحب قواته والعودة إلى داخل الحدود الروسية، وبهذا يوصل رسالته (جرة الأذن) لخصمه زيلينسكي ومن يقف خلفه. بوتين وككل دكتاتور عرفته الأرض، أخذته العزة بالإثم، وصعّب الأمر على نفسه، وبحسابات خاطئة، اعتماداً على رهان، سلاح النفط والغاز اللذين يغذي بهما حياة أوربا اليومية والاقتصادية، إضافة إلى رهان التلويح باستخدام السلاح النووي.
أمريكا وأوربا حرصتا، إلى الآن على الأقل، على عدم التدخل المباشر في هذه الحرب، لحرمان بوتين مبرر استخدام أسلحته النووية أو توسيعها لقصف عمق أوربا الغربي. هناك الطرف المعتدى عليه – أوكرانيا – ووحدها من يجب أن تكون ساحة الحرب ووحدهم جنودها من يجب أن يقاتلوا وحتى إنهاك بوتين كزعيم، قبل إنهاك الجيش والاقتصاد الروسيين.
أوربا هي التي أوقفت استيراد الغاز والنفط الروسيين، كخطوة أولى لحصار بوتين، فالبدائل كثيرة، ولو كلفت بعض الزيادة في الأسعار. ثم تدفقت صنوف الأسلحة الحديثة والدعم اللوجستي والاستخباري الأمريكي - الأوربي على الرئيس الاوكراني، لإقناعه بمواصلة الحرب حتى تركيع بوتين.
من سيربح الحرب في النهاية، مادامت هي ليست على أراضي دول حلف الناتو وليست بجنودها؟
على زيلينسكي وبوتين الإجابة على هذا السؤال، وكل من موقع مسؤوليته تجاه شعبه، قبل أن يتغير العالم بطريقة ينسيان معها حتى شكل وصيغة خارطته القديمة.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. بيان عاجل للحرس الثوري الإيراني بشأن العثور على جثة نيلفروشا
.. حزب الله يحسم الجدل بشأن تشكيل قيادة جديدة بعد مقتل حسن نصر
.. قراءة عسكرية.. حزب الله يطلق رشقة صاروخية كبيرة على شمال إسر
.. تأملات | رشيد حسن أبو جردة
.. تضرر مبان في حيفا بعد سقوط صواريخ من لبنان