الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا نحتاج إلى ثورة فعليّة و كيف يمكن حقّا أن ننجز ثورة ( جزء 1 من الخطاب الأوّل ) من كتاب - الثورة الشيوعيّة في الولايات المتّحدة الأمريكيّة : ضروريّة و ممكنة ...

شادي الشماوي

2022 / 9 / 2
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


لماذا نحتاج إلى ثورة فعليّة و كيف يمكن حقّا أن ننجز ثورة ( جزء 1 من الخطاب الأوّل ) من كتاب -
الثورة الشيوعيّة في الولايات المتّحدة الأمريكيّة : ضروريّة و ممكنة ...
الماويّة : نظريّة و ممارسة
عدد 42 / جوان 2022
شادي الشماوي
الثورة الشيوعيّة في الولايات المتّحدة الأمريكيّة : ضروريّة و ممكنة ...
خطابات ثلاثة لبوب أفاكيان ، رئيس الحزب الشيوعيّ الثوريّ ، الولايات المتّحدة الأمريكيّة

( ملاحظة : الكتاب برمّته متوفّر للتنزيل من مكتبة الحوار المتمدّن )
-------------------------------------------------------

مقدّمة الكتاب 42

في مستهلّ هذه المقدّمة ، نعرّج قبل كلّ شيء على الثلاث نقاط المسترسلة في العنوان الذى إصطفيناه للكتاب 42 ، العدد 42 من " الماويّة : نظريّة و ممارسة " ، فقد عمدنا إلى ذلك عمدا عامدين بحثا منّا عن تجنّب التعسّف على الواقع الموضوعي و إضافة مرغوب فيها إلى ضروريّة و ممكنة . الثورة الشيوعيّة في الولايات المتّحدة الأمريكيّة بالفعل ضروريّة و ممكنة كما ترشح ذلك أعمال بحثيّة علميّة مستندة إلى التحليل الماديّ الجدليّ العميق للمجتمع و تناقضاته و إمكانيّات و مسارات تطوّره في عصر الإمبرياليّة و الثورة الإشتراكية و المصالح العميقة للجماهير ليس فقط في الولايات المتّحدة بل عالميّا أيضا ، أي المصالح الأساسيّة للإنسانيّة . و هذا ما تبيّنه بجلاء أعمال بوب أفاكيان ، خطاباتا و بحوثا و دستورا ، التي يقوم عليها هيكل هذا الكتاب و فصوله . إلاّ أنّ هناك بُعدٌ آخر لا يزال غائبا بصفة ملموسة ألا وهو بُعدُ المرغوبيّة بمعنى أن تكون هذه الثورة فضلا إلى ضرورتها و إمكانيّتها مرغوب فيها جماهيريّا و شعبيّا . القيادة و الحزب الطليعي و البرنامج و الإستراتيجيا و طريق الثورة و ما إلى ذلك متوفّرين في الأساس كعنصر ذاتيّ و الوضع الموضوعيّ متفجّر و قابل للتفجّر اكثر و يحتمل حلّين راديكاتليّين ، كما يقول بوب أفاكيان ، إمّا حلّ رجعيّ و إمّا حلّ ثوريّ يمكن إنتزاعه إنتزاعا – حين ينشأ وضع ثوريّ تستغلّه الطليعة الشيوعيّة لتقود الجماهير الشعبيّة لصناعة التاريخ بالإطاحة بالنظام و الدولة القائمين و بناء نظام و دولة جديدين و غايتهما الأسمى الشيوعيّة على الصعيد العالميّ - شرط أن تصبح الثورة الشيوعيّة مرغوب فيها من قبل الجماهير الشعبيّة التي ينبغي أن يرتقى وعيها الطبقي و الشيوعي فتغدو ثوريّة و تبذل قصارى جهدها لإنجازها . و هذه المرغوبيّة في الثورة الشيوعيّة – الإشتراكية حاليّا في هذا البلد الإمبريالي – هي محور نضالات الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتّحدة الأمريكيّة و مهمّته المركزيّة راهنا . و خطابات بوب أفاكيان و كتاباته تتنزّل في هذا الإطار .
قبل سنوات في العدد التاسع من " الماويّة : نظريّة و ممارسة " الذى إخترنا له من العناوين عنوان " المعرفة الأساسيّة لخطّ الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية ( من أهمّ وثائق الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية ) "، صغنا مقدّمة عرّفنا بفضلها بإختصار بهذا الحزب و بالصراعات العالميّة حينها و نعتقد أنّ بضعة فقرات من تلك المقدّمة لا تزال مفيدة اليوم في التعريف بهذا الحزب بشكل مقتضب :
" الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية حزب ماركسي - لينيني - ماوي تأسّس أواسط السبعينات من القرن العشرين و تعود جذوره إلى الستينات و السبعينات أي هو نتيجة الصراع الطبقي فى الولايات المتحدة الأمريكية و الصراع الطبقي على النطاق العالمي لا سيما النضال ضد التحريفية المعاصرة عالميا و الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى فى الصين و تأثيرها المزلزل عالميا كثورة داخل الثورة و قمّة ما بلغته الثورة البروليتارية العالمية فى تقدّمها نحو الشيوعية.
تأسّس الحزب الشيوعي الثوري الأمريكي فى خضمّ صراع طبقي محتدم فى البلاد و عالميّا سنة 1975 و جاء ثمرة نضالات عدّة مجموعات ثورية أهمّها " الإتّحاد الثوري" و إمتدادا لنضالات الستينات و السبعينات على شتى المستويات ، على أنّه تحوّل نوعي بإعتبار تبنّى المبادئ الشيوعية الثورية الحقيقية ووسائل النضال البروليتارية الثورية و غاية الثورة البروليتارية العالمية ، تحقيق الشيوعية من خلال الثورة المسلّحة المتبوعة بالحرب الأهلية لتحطيم دولة البرجوازية الإمبريالية و إرساء دولة إشتراكية كقلعة من قلاع الثورة البروليتارية العالمية تعمل على السير صوب تحقيق الشيوعية على النطاق العالمي .
وقد شهد هذا الحزب فى مساره عدة صراعات الخطين منها نذكر على وجه الخصوص الصراع الكبير حول الموقف من الصين بعد إنقلاب هواو - دنك عقب وفاة ماو تسى تونغ سنة 1976 حيث عدّ البعض من القادة و الكوادر أنّ الصين لا تزال على الطريق الإشتراكي فى حين أكّدت الأغلبية إستنادا لدراسات على مختلف الأصعدة أنّ الصين شهدت تحوّلا من صين إشتراكية إلى صين رأسمالية و بالتالى وجب القطع معها و فضحها عالميّا . و خرج الخطّ الشيوعي الثوري الماوي منتصرا ما جعل أنصار دنك سياو بينغ يستقيلون من الحزب أو يطردون منه .
و مثّل ذلك حدثا جللا بالنسبة للبروليتاريا العالمية إذ أنّ الحزب الشيوعي الثوريّ الأمريكي وقد حسم الموقف لصالح الشيوعية الثورية و الماوية و الدفاع عن إرث ماو تسى تونغ و الثورة البروليتارية العالمية صبّ جهوده نحو إعادة البناء الثوري للأحزاب و المنظمات بإتّجاه الإعداد للموجة الجديدة من الثورة البروليتارية العالمية على شتّى المستويات. و للتاريخ نذكّر بأنّه بمعيّة الحزب الشيوعي الثوري الشيلي صاغا مشاريع وثائق كانت بمثابة أرضية منذ 1981 لتوحيد الماركسيين - اللينينيين الحقيقيين [ الماويّين ] بدعم هام من الحزب الشيوعي لسيلان لتنتهى هذه النضالات و النقاشات التي شملت الكثير من المنظمات و الأحزاب الأخرى عبر العالم إلى تشكيل الحركة الأمميّة الثوريّة على قاعدة الندوة الثانية و بيان 1984 و إلى إصدار مجلّة " عالم نربحه " منبرا فكريا للنواة السياسية الساعية لإعادة بناء قيادة عالمية جديدة للحركة الشيوعيّة العالميّة. و بموجب تطوّر الصراعات الطبقية عالميّا و بفعل الصراع الداخليّ للحركة الأمميّة الثورية حصلت قفزة نوعيّة أخرى فى 1993 بإعلان تبنّى الحركة جميعها للماركسية - اللينينية - الماوية علما للثورة البروليتارية العالميّة ... "
( إنتهى المقتطف )
و حدث إنشقاق صلب الحركة الأمميّة الثوريّة التي نشطت موحّدة من 1984 إلى تقريبا 2006 و إنقسمت الماويّة إلى إثنين ( أنظروا كتاب " الماويّة تنقسم إلى إثنين " ، العدد 13 من " الماويّة : نظريّة و ممارسة " ) و أنتج الحزب الشيوعي الثوري أعمالا عدّة خائضا صراع الخطّين داخل الحركة الماوية و الحركة الشيوعيّة العالميّة تجدون أهمّها في عدّة كتب بمكتبة الحوار المتمدّن وهي موثّقة في فهارس كتب شادي الشماوي كملحق لهذا الكتاب 42 . و إلى ذلك لزاما علينا أن نذكر أبرز كتابين مطوّرين للماركسية – اللينينيّة – الماويّة : الخلاصة الجديدة للشيوعية / الشيوعيّة الجديدة لمهندسها بوب أفاكيان " إختراقات الإختراق التاريخي لماركس و مزيد الإختراق بفضل الشيوعية الجديدة خلاصة أساسيّة " ( الكتاب 35 ) و " الشيوعية الجديدة – علم وإستراتيجيا و قيادة ثورة فعليّة ، و مجتمع جديد راديكاليّا على طريق التحرير الحقيقي " ( الكتاب عدد 38 ) . و من يتطلّع إلى التعرّف على بوب أفاكيان فعليه ، على سبيل المثال لا الحصر ، بسيرته المعروضة في هذين الكتابين .
و نكتفى بهذا مدخلا و ندعو القرّاء للتمعّن مليّا في مدي أهمّية ظفر ثورة إشتراكية هدفها الأسمى الشيوعيّة على الصعيد العالمي و تحرير الإنسانيّة من كافة ألوان الإستغلال و الإضطهاد في قلب الغول الإمبريالي الأمريكي ، بالنسبة للحركة الشيوعية العالميّة و للبروليتاريا العالميّة و لجماهير الإنسانيّة ...
و محتويات هذا الكتاب 42 ، العدد 42 من " الماويّة : نظريّة و ممارسة " ، فضلا عن هذه المقدّمة :
الفصل الأوّل - الخطاب الأوّل : لماذا نحتاج إلى ثورة فعليّة و كيف يمكن حقّا أن ننجز ثورة
I - وحدها ثورة فعليّة بوسعها أن تحدث التغيير الجوهريّ الذى نحتاج إليه ؛
إضطهاد السود و غيرهم من ذوى البشرة الملوّنة
إضطهاد النساء و العلاقات الجندريّة الإضطهاديّة
حروب الإمبراطوريّة و جيوش الاحتلال و الجرائم ضد الإنسانيّة
شيطنة المهاجرين و تجريمهم و ترحيلهم و عسكرة الحدود
تحطيم الرأسماليّة – الإمبرياليّة للكوكب
- كيف يمكننا أن ننجز حقّا ثورة ؛II
ملاحق الخطاب الأوّل (4) ( حسب التسلسل التاريخيّ و هي من إقتراح المترجم و قد سبق نشرها )
-1- بصدد إمكانية الثورة
- ردّ جريدة " الثورة "
- رفع راية بعض المبادئ الأساسيّة :
- إستنتاجات جديدة و هامّة :
* بعض النقاط الحيويّة للتوجه الثوري - معارضة للموقف الطفولي و تشويهات الثورة
- 2-" بصدد إستراتيجيا الثورة "
- مقاومة السلطة و تغيير الناس من أجل الثورة :
- التعلّم من رئيس حزبنا ، بوب آفاكيان ، و نشر معرفة و تأثير قيادته ذات الرؤية الثاقبة ، و الدفاع عن هذا القائد النادر و الثمين و حمايته :
- ترويج جريدة حزبنا " الثورة " بأكثر قوّة و شمولية :
- 3 - مزيد من الأفكار عن " بصدد إمكانية الثورة "
- 4 - كيف يمكننا الإنتصار – كيف يمكننا فعلا القيام بالثورة
- لماذا نحتاج إلى ثورة فعليّة
- ما نحتاج القيام به الآن
- كيف يمكننا أن نلحق بهم الهزيمة
الفصل الثاني - الخطاب الثاني : أمل من أجل الإنسانيّة على أساس علميّ و القطيعة مع الفرديّة و الطفيليّة و الشوفينيّة الأمريكيّة
1- لا أمل مقابل لا ضرورة مستمرّة
2- مشكل الفرديّة / الأنانيّة
- الفرديّة الخبيثة و الفرديّة الغافلة
- الفرديّة ، هراء الانتخابات البرجوازية و وهم " التقدّم بلا ألم "
- الطفيليّة و الشوفينينّة الأمريكيّة و الفرديّة
- سياسات الهويّة و الفرديّة
- الفرديّة و " اللامبالاة "
3- المصالح الخاصّة و المصالح العامة – التمييز بين المصالح الطبقيّة و أعلى مصالح الإنسانيّة
4- مقارنة بين وجهة نظر الشيوعيّة و مقاربتها و وجهة نظر الرأسماليّة و مقاربتها لمذهب الفرديّة و الشخصيّة الخصوصيّة
5- وجهات نظر متباينة بشأن معنى الحياة و الموت : ما الذى يستحقّ الحياة و الموت من أجله ؟
- كسر قيود الفرديّة الطفيليّة
6- لا ضرورة مستمرّة و الأمل على أساس علميّ : عالم مختلف راديكاليّا و أفضل بكثير ممكن حقّا ، لكن ينبغي النضال من أجله !
هوامش
الفصل الثالث - الخطاب الثالث : شيء فضيع أم شيء تحريريّ حقّا : أزمة عميقة و إنقسامات متعمّقة و إمكانيّة حرب أهليّة مرتقبة – و الثورة التي نحتاج بصفة إستعجاليّة ؛
أساس ضروريّ و خارطة طريق أساسيّة لهذه الثورة
...
ملاحق الخطاب الثالث ( 5 )
1- ثورة حقيقيّة ، تغيير حقيقي نكسبه – المزيد من تطوير إستراتيجيا الثورة
- النضال ضد الفاشيّة الآن و النضال المستقبلي الشامل
- إلحاق الهزيمة ب " التطويق و السحق " و التقدّم بالنضال الثوري
- " عدد من جريدة الثورة خاص بالجولة الوطنيّة تنظّموا من أجل الثورة – ماي 2019 : 5-2-6 : 5 أوقفوا ؛ 2 خياران و 6 نقاط إنتباه
2- سنة جديدة ، الحاجة الملحّة إلى عالم جديد راديكاليّا – من أجل تحرير الإنسانيّة جمعاء
3- بيان و نداء للتنظّم الآن من أجل ثورة فعليّة
هذه الثورة ليست مجرّد " فكرة جيّدة " – إنّها عمليّا ممكنة
4- هذا زمن نادر حيث تصبح الثورة ممكنة – لماذا ذلك كذلك و كيف نغتنم هذه الفرصة النادرة
- أوّلا ، بعض الحقائق الأساسيّة
- لماذا يعدّ هذا الزمن زمنا تصبح فيه الثورة ممكنة حتّى في بلد قويّ مثل هذا
- ما يجب القيام به لإغتنام هذه الفرصة النادرة للقيام بالثورة
- خاتمة
5- لماذا العالم مضطرب جدّا و ما الذى يمكن فعله لتغييره تغييرا راديكاليّا – فهم علميّ أساسي
- مثال توضيحي لهذه العلاقات و الديناميكيّة الأساسيّتين : لماذا لا يزال السود مضطهَدين بعدُ بخبث ؟
- يتوفّر الآن أساس تحرير كافة الناس المضطهَدين و كافة الإنسانيّة
- من أجل التغيير الجوهريّ للمجتمع ، ينبغي إفتكاك السلطة
- هذه الثورة ممكنة و الحاجة إليها ملحّة
الفصل الرابع - دستور المجتمع البديل : دستور الجمهورية الإشتراكية الجديدة فى شمال أمريكا ( مشروع مقترح )
تقديم : حول طبيعة هذا الدستور و هدفه و دوره
يشمل هذا الدستور مدخلا و ستّة أبواب :
الباب الأوّل : الحكومة المركزية .
الباب الثاني : الجهات و المناطق و المؤسسات الأساسية .
الباب الثالث : حقوق الناس و النضال من أجل إجتثاث الإستغلال و الإضطهاد كافة .
الباب الرابع : الإقتصاد و التطوّر الإقتصادي فى الجمهورية الإشتراكية الجديدة فى شمال أمريكا .
الباب الخامس : تبنّى هذا الدستور .
الباب السادس : تنقيحات هذا الدستور .
----------------------------------------
بمثابة الخاتمة : التنظيم من أجل ثورة فعليّة : سبع نقاط مفاتيح
ملحق الكتاب 42 : فهارس كتب شادي الشماوي
--------------------------------------------------------------------------------------------------
++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
+++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++

الفصل الأوّل - الخطاب الأوّل
+++++++++++++++++++++++++++++

لماذا نحتاج إلى ثورة فعليّة و كيف يمكن حقّا أن ننجز ثورة
خطاب لبوب أفاكيان - 2018
https://revcom.us/avakian/Bob-Avakian-why-we-need-an-actual-revolution-and-how-we-can-really-make-revolution-en.html

سيحلّل هذا الخطاب و يتعمّق أكثر في ما تقدّمت به وثيقة " كيف يمكننا الإنتصار – كيف يمكننا فعلا القيام بالثورة " ( بيان للحزب الشيوعي الثوريّ ) التي توفّر خطوطا عريضة حيويّة ينبغي تبنّيها و التحرّك بناءا عليها من قبل كلّ من يتطلّع إلى و يرغب في أن يكون جزءا من إنشاء عالم دون الفظائع التي تتعرّض لها جماهير الإنسانيّة بصفة مستمرّة . و في إرتباط بذلك ، عند الحديث عن ما " نحن " في حاجة إلى القيام به ، لا أتحدّث فحسب عن أولئك منّا الذين هم بعدُ منخرطون في النضال و إنّما جميع أولئك الذين يحتاجون لأن يكونوا جزءا من هذه الثورة .
و سيشمل هذا جزئين إثنين :
I - وحدها ثورة فعليّة بوسعها أن تحدث التغيير الجوهريّ الذى نحتاج إليه ؛
II- كيف يمكننا أن ننجز حقّا ثورة ؛
و لنمرّ فورا إلى جوهر الموضوع .
------------------------------------------------

I- وحدها ثورة فعليّة بوسعها أن تحدث التغيير الجوهريّ الذى نحتاج إليه

في 2012 ، في خطاب " ثورة – لا شيء أقلّ من ذلك ! " ، تكلّمت عن الجريمة الشنيعة في حقّ رامرلى غراهام التي جدّت سابقا في تلك السنة ذاتها – غراهام الذى قُتل بطلقات نار وهو في منزلهم الخاص في البرونكس ، على يد شرطة مدينة نيويورك . و لم يتجاوز عمره 18 سنة . هل عليّ أن أطلعكم على " العرق ط الذى ينتمى إليه ؟ ! لقد ظلّت والدته تردّد : " يجب وضع حدّ لهذا ! " و كان والده يردّد مرارا و تكرارا " لماذا قتلوا إبنى ؟ ! " ، " لماذا قتلوا إبنى ؟ ! " ، " لماذا قتلوا إبنى ؟ ! " . عندها توحّدت شرطة نيويورك بصوت عال حول زميلهم الخنزير الذى قتل رامرلى بدم بارد ، و عنّفت و وبّخت عائلة رامرلى و أعزّائه ما بيّن مرّة أخرى الحقيقة المريرة و مفادها أنه على النحو الذى بُنيت عليه هذه البلاد ، و بالنسبة إلى السلط القائمة في هذه البلاد ، إنسانيّة السود لم تكن لها أبدا أهمّية -–لم تتمّ قط معاملتهم على أنّهم بشر و إنّما فقط على أنّهم أشياء تُستغلّ و تضطهد و تُقمع . و بعد سنوات ستّ و مع تواصل جرائم القتل بدم بارد على يد الشرطة فى سلسلة لا تنقطع ، سأقول مجدّدا ما قتله حينها : كمّ مرّة أخرى يجب أن يحدث هذا ؟ كم مرّة أخرى ، لمّا تقترف الشرطة جريمة أخرى من هذه الجرائم الفظيعة ، سيكون علينا أن نستمع إلى الشرطة تطلق هذه الكلمات التى تزيد إستعار النار و تجعل الجرح أكثر إيلاما بعدُ : " قتل مبرّر ، إستعمال للقوّة مبرّر " ؟! كم مرّة أخرى ؟ !
رامرلى غراهام ... نيكولاس هايوارد الإبن ... تامير رايس ... أريك غارنار ... داريوس بيناكس ... أوسكار غرانت ... مانوال دياز ... جوال أسفيدو ... لاكان ماك دونالد ... آيانا ستانلي جنسن ... سندرا بلاند ... جاك سان ... رونى دافيس ... كايكل برون ... فريدي غراي ... موريس غرانت الإبن ... هاريس أوغستس ... و تستمرّ القائمة طويلة و طويلة جدّا – الآلاف و الآلاف ، لا سيما من السود و اللاتينو ( اللاتينيّون – أصولهم من أمريكا اللاتينيّة ) و السكّان الأصليّين لأمريكا [ الهنود الحمر – المترجم ].
ولئن كان هذا هو الشيء الوحيد الذى يقترفه هذا النظام ، سيكون ذلك أكثر من سبب كاف لمسحه من على وجه الأرض!
إلاّ أنّ هذا ليس سوى جزء من الفظائع التي لا تحتمل التي ما إنفكّ يقترفها هذا النظام و التي تتسبّب في قدر كبير من العذاب غير الضروري لجماهير الإنسانيّة . لذا ، لنعد إلى " لماذا " – و ما الذى يتطلّبه وضع حدّ حقّا لكافة هذه الفظائع .
لماذا يتعرّض السود و اللاتينو ( اللاتينيّون ) و السكّان الأمريكيّون الأصليّون إلى القمع الإبادي الجماعي و السجن الجماعي و عنف الشرطة و القتل ؟
لماذا توجد إهانة بطرياركيّة و يوجد تجريد من الإنسانيّة و إخضاع لكافة النساء في كلّ أنحاء العالم ، و قمع لهنّ على أساس الجندر أو التوجّه الجنسيّ ؟
لماذا توجد حروب الإمبراطوريّة و جيوش الاحتلال و الجرائم ضد الإنسانيّة ؟
لماذا هناك شيطنة للمهاجرين و تجريمهم و ترحيلهم و عسكرة الحدود ؟
لماذا يقع تحطيم بيئة كوكبنا ؟
هذه المسائل هي تلك التي نطلق عليها " أوقفوا الخمسة " – وهي تناقضات عميقة محدّدة لهذا النظام ، مع كلّ العذابات و التدمير الذين تتسبّب فيهم ، و التي يجب أن نحتجّ عليها و أن نقاومها مقاومة شديدة و بتصميم حقيقيّ على إيقافها ، لكن لا يمكن وضع نهاية تامة لها إلاّ بوضع نهاية لهذا النظام نفسه .
و إلى جانب كلّ هذا ، لماذا نحيا في عالم حيث أقسام كبرى من الإنسانيّة تعيش في فقر مدقع ، ب 2.3 مليار إنسان يفتقرون إلى مراحيض و لو تقليديّة و أعداد كبيرة يعانون من أمراض يمكن الشفاء منها ، و ملايين الأطفال يموتون كلّ سنة جرّاء هذه الأمراض و جرّاء الجوع ، بينما 150 مليون طفل مضطرّون عبر العالم إلى الإنخراط في عمل أطفال إستغلاليّ بلا رحمة ، و يقوم الاقتصاد العالمي برمّته على شبكة واسعة من معامل هشّة تشغّل أعدادا كبيرة من النساء اللواتى تتعرّضن بصفة منهجيّة إلى الهرسلة و الهجوم الجنسيّين ، عالم أين 65 مليون لاجئ غادروا ديارهم بسبب الحرب و الفقر و القمع و إنعكاسات ارتفاع حرارة الكوكب ؟
لماذا هذه هي حال الإنسانيّة ؟
هناك سبب جوهريّ : الطبيعة الأساسيّة للنظام الرأسمالي – الإمبريالي الذى نعيش في ظلّه و الطريقة التي بسبب طبيعته عينها ، يقترف بإستمرار الفظائع تلو الفظائع . و بمعنى أساسيّ ، لدينا خياران : إمّا أن نعيش مع كلّ هذا – و الحكم على الأجيال المستقبليّة بالشيء ذاته أو أسوأ ، إن كان لديها مستقبل أصلا – أو القيام بالثورة !
لكن ما هو الأساس العلمي لقول إنّ هذا النظام هو مصدر كلّ هذا ، يعنى قول أنّ كلّ هذا مبنيّ في أسس هذا النظام ، و بالتالى من غير الممكن التخلّص من هذه الفظائع بواسطة إصلاحات تدخل على هذا النظام و بدلا من ذلك يجب الإطاحة به ؟
لنعد إلى " أوقفوا الخمسة ".



إضطهاد السود و غيرهم من ذوى البشرة الملوّنة

لقد تأسّس هذا النظام في هذه البلاد على الإبادة الجماعيّة و على العبوديّة . و من البداية ، وقعت معاملة الأمريكيّين من أصل أفريقي / الأفرو- أمريكيّين و السكّان الأصليّين لأمريكا على أنّهم " منبوذين " ، صنف من الناس أدنى من البشر و لا يستحقّ نفس الحقوق و الفرص التي يتمتّع بها المعمّرون الأوروبيّون لهذه الأرض . لقد زُرع تفوّق البيض في أسس و في كلّ مؤسّسة من مؤسّسات البلاد . و قد تمّ تحقيق وحدة " الولايات المتّحدة " من خلال " التوافق " المخطوط في الدستور المؤسّس و الذى مأسس العبوديّة ؛ و لأجيال كان عمل العبيد يُنتج قسطا كبيرا من ثروة هذه البلاد .
و مثلما قلت في كتاب " الأساسي من خطابات بوب أفاكيان و كتاباته " 1.1 :
" لم تكن الولايات المتحدة مثلما نعرفها اليوم لتوجد لولا العبودية ."
ثمّ عندما أصبح من غير الممكن التحكّم في النزاعات التي كانت نوعا ما قبلا تحت السيطرة بفعل " التوافق " التأسيسي ، إندلعت الحرب الأهليّة بين ولايات الجنوب العبوديّة و ولايات الشمال التي كانت تعتمد بصفة متصاعدة على إستغلال الرأسماليّين للعمل المأجور . لكن بُعيد نهاية الحرب الأهليّة ، تمّت هندسة " توافق" آخر مثّل تواصلا لل" توافق" الأصليّ في ظلّ الظروف الجديدة : فقد وقع تجميع البلاد ثانية على قاعدة إعادة تأكيد تفوّق البيض و تعزيزه – و جماهير السود التي كانت لا تزال بصفة طاغية في الجنوب كانت تتعرّض للإخضاع و الإرهاب و تعتبر " مواطنين من صنف ثاني " ، و يقع إستغلالها في ظروف شبيهة بالعبوديّة ( و أحيانا في ظروف عبوديّة تامة ) من أصحاب المزارع و الملكيّات الأخرى من البيض ؛ و تعرّضت الأرض و نمط عيش شعوب السكّان الأصليّين إلى مزيد من النهب عبر الغزو المسلّح و التمزيق بالقتل و الحصار في محميّات و إبادة جماعيّة ثقافيّة ، ما أفرز فقرا و إضطهادا و قمعا مستمرّين لا يزال يعانى منهم السكّان الأصليّون لأمريكا إلى يومنا هذا .
في ظلّ العبوديّة ، كانت الفرق و المليشيات المسلّحة التي نظّمها ملاّكو العبيد تهاجم العبيد الذين يتمرّدون أو يحاولون مجرّد الفرار و ترعب جماهير السود ككلّ . و إثر العبوديّة ، مع الميز العنصريّ لجيم كرو ، كان الكلو كلوكس كلان إلى جانب مدراء الشرطة المحلّيين هم الذين نهضوا بدرجة كبيرة بهذا الدور . و اليوم ، في الظروف التي تجد فيها جماهير السود نفسها في غيتوات أحياء داخل المدن ، الدور الذى كان ينهض به حرّاس العبوديّة ثمّ نهضت به الكلو كلوكس كلان و مدراء الشرطة المحلّين ، تنهض به الآن قوى شرطة مدنيّة مدجّجة بالسلاح . و هذا جزء كبير من الدور العام للشرطة – الذى كما قلت في " الأساسي من خطابات بوب أفاكيان و كتاباته " 1:24 :
" دور الشرطة ليس خدمة الناس و حمايتهم . إنّه خدمة النظام الذى يحكم الناس و حمايته . فرض علاقات الإستغلال و الإضطهاد ، و ظروف الفقر و البؤس و الخزي الذى دفع إليها هذا النظام الناس وهو مصمّم على إبقائهم فيها . إنّ القانون و النظام اللذان تطبقهما الشرطة مع كلّ العنف و القتل هما القانون و النظام اللذان يفرضان كلّ هذا الإضطهاد و الجنون ."
أيّام العبوديّة ثمّ الميز العنصري لجيم كرو إثر الحرب الأهليّة ، إستغلّ المضطهدون بخبث السود و أرهبوهم و قتلوا بعنف أولئك الذين كانوا يرون أنّهم يشكّلون تهديدا أو ّأنّهم " لا يكتفون بالبقاء في أماكنهم " إلاّ أنّهم لم يقتلوا أو يسجنوا قسما كبيرا من السكّان السود لأنّهم كانوا يحتاجون إلى عملهم كأساس و مصدر حيويّ لكسب الرباح من مزارع القطن و الاقتصاد عامة في الجنوب ( وفى البلاد ككلّ ). و اليوم ، بأعداد كبيرة من السود مركّزين في أحياء داخل المدن وقد نُقلت عديد المصانع و المؤسّسات الرأسماليّة الأخرى من داخل المدن ، قتلت الشرطة آلاف السود في العقود القليلة الأخيرة و صارت الشرطة تلعب دورا مفتاحا في الحفاظ على جماهير السود في وضع حيث يُسلب الشباب خاصة أيّ مستقبل لائق في ظلّ هذا النظام و يُدفع بالآلاف للتقاتل و الملايين هم إمّا سجناء و إمّا بطريقة أخرى تحت سيطرة ما يسمّى ب" نظام العدالة ".
و لأنّ تفوّق البيض جزء محدّد جدّا لهذه البلاد ، ليس الأفرو- أمريكيّون و السكّان الأصليّون لأمريكا وحدهم بل الناس ذوى البشرة الملوّنة عامة هم الذين يتعرّضون إلى الميز العنصريّ و الإهانة و العنف و ينسحب هذا الآن بطرق حادة جدّا على الذين تمتدّ جذورهم إلى المكسيك و السلفادور و أنحاء أخرى من أمريكا الوسطى و الكراييب ، وهذا وثيق الإرتباط بشبكة هيمنة و إستغلال إمبرياليّى الولايات المتّحدة التي دفع تدميرها لهذه البلدان العديد من الناس إلى الهجرة إلى الولايات المتّحدة ذاتها .
إنّ تفوّق البيض و الرأسماليّة كانا متشابكين تماما و وثيقي " التداخل " خلال كامل تطوّر هذه البلاد وصولا إلى يومنا هذا؛ و محاولة حقيقيّة لوضع نهاية لتفوّق البيض بينما يتمّ الحفاظ على الرأسماليّة سيمزّق كامل مصنع البلاد . تفوّق البيض و الرأسماليّة – من غير الممكن تجاوز و في النهاية القضاء على الواحد دون الإطاحة و في نهاية المطاف القضاء على الآخر .
إضطهاد النساء و العلاقات الجندريّة الإضطهاديّة

ليس تفوّق البيض متشابكا تماما و " متداخلا " وثيق التداخل مع تطوّر الرأسماليّة في هذه البلاد فحسب و إنّما تفوّق الذكور أيضا متشابكا و وثيق " التداخل " مع كامل التطوّر التاريخي للإنقسام بين مستغِلِّين و مستغَلّين ، مضطهِدين و مضطهَدين عبر العالم بما في ذلك النظام الرأسمالي – الإمبريالي المسيطر على العالم اليوم . فقبل آلاف السنين ، مع تطوّر المجتمعات انسانيّة على نحو عني أنّ وسائل الإنتاج ( الأرض و الحيوانات المدجّنة و الأدوات و ما إلى ذلك ) لم تعد الملكيّة المشتركة بين الناس بل صارت ملكيّة خاصة - و مع " تقسيم العمل " ، أضحت النساء مسؤولات عن تنشأة الأطفال و صار الرجال يسيطرون على ملكيّة وسائل الإنتاج هذه و يريدون تمرير هذا إلى ورثتهم ( الذكور ) ( و ليس إلى ورثة شخص آخر ) – و أدّى هذا إلى سيطرة الأسرة البطرياركيّة ، مع إمتلاك الرجل للسلطة على زوجته ( أو زوجاته ) و أطفاله و النساء في المجتمع عامة تابعين للرجال ، مع كلّ العنف و الإرهاب في آن معا ذهنيّا و جسديّا ، الذين إستخدما لتعزيز هذا و كامل إيديولوجيا و ثقافة تفوّق الذكور و كره النساء ( النظرة إلى النساء على أنّهنّ كائنات أدنى و كريهة هدفها الأساسي هو خدمة الرجال ) الذين برّروا و وطّدوا هذه اللامساواة و هذا الإضطهاد . و كان هذا الإضطهاد البطرياركي مرتبطا بالعلاقات القمعيّة و العقابيّة بين الناس بما فى ذلك العلاقات الحميميّة التى تمضى و تتحدّى العلاقات الجندريّة " التقليديّة ".
و من الحيويّ أن يوجد نضال مصمّم ضد هذا الإضطهاد الفظيع ، في كلّ تمظهراته لكن لأجل أن نقضي قضاءا مبرما على كلّ هذا و نتجاوزه – في المجتمع ككلّ و ليس فقط في بلد واحد و إنّما بالنسبة إلى الإنسانيّة قاطبة – من الضروريّ أن نلغي الملكيّة الخاصة لوسائل الإنتاج و نحوّلها إلى ملكيّة مشتركة بين جميع الناس و أن نعوّض الأسرة البطرياركيّة التقليديّة بعلاقات و منها العلاقات الحميميّة تعقد بحرّية و تكون خالية من كافة بقايا الإضطهاد . و هذا طبعا غير ممكن في ظلّ الرأسماليّة . فقط عبر الثورة يمكننا أن نطيح بهذا النظام و نجتثّ كافة العلاقات الإستغلاليّة و الإضطهاديّة المتجسّدة في هذا النظام و سيكون ممكنا في نهاية المطاف أن نضع نهاية للتقسيم الأساسي الذى يجعل نصف الإنسانيّة تابعا و مهيمنا عليه من طرف النصف الآخر ، و كافة العنف و العذابات المتّصلة بهذا . و من هنا ، في المجتمع الإشتراكي الجديد الذى سينشأ عن الإطاحة بالرأسماليّة ، الهدف ( مثلما حدّده " دستور الجمهوريّة الإشتراكيّة الجديدة في شمال أمريكا " [ متوفّر باللغة العربية بمكتبة الحوار المتمدّن ، ترجمة شادي الشماوي ، ضمن كتاب " الثورة البروليتارية فى أشباه المستعمرات والمستعمرات الجديدة و فى البلدان الإمبريالية – تركيا و الولايات المتحدة الأمريكية " ، العدد العاشر من " الماويّة : نظريّة و ممارسة " ] ) يجب أن يكون تخطّى " كافة " القيود التقليدية " المتجسّدة فى الأدوار و التقسيمات الجندرية التقليدية و فى كافة العلاقات الإضطهادية المرتبطة بذلك ، فى جميع مجالات المجتمع و تمكين النساء تماما مثل الرجال ، من المساهمة و المشاركة فى كلّ مظهر من مظاهر النضال من أجل تغيير المجتمع و العالم ، فى سبيل إجتثاث العلاقات الإضطهادية و الإستغلالية كافة و القضاء عليها و تحرير الإنسانية جمعاء. "

حروب الإمبراطوريّة و جيوش الاحتلال و الجرائم ضد الإنسانيّة

شنّ الغارات و أشكال أخرى من النزاع العنيف بين مختلف الناس يمكن أن نعثر عليها في المجتمعات الإنسانيّة الأولى ، قبل زمن سحيق في القدم لكن ظهور المجتمعات المنقسمة طبقيّا و الحضارات القائمة على الغزو و العبوديّة و غيرها من الأشكال الأخرى من الإستغلال و الإضطهاد ، أدّى لآلاف السنوات إلى الحروب التي تتسبّب في الموت و التدمير على نطاق واسع . و قد كان ذلك كذلك عندما تطوّر إنتاج و تبادل السلع ( الأشياء المنتجة للتبادل بدلا من الإستعمال المباشر من قبل منتجيها ) على نطاق واسع و تطوّرت وسائل النقل التي سمحت بتبادل السلع و بإنشاء أسواق تبادل نشيطة ، على أراضي شاسعة و ممتدّة و متنامية الإمتداد . و حينها خيضت الحروب لكسب الأسواق و الطرق التجاريّة و كذلك مصادر المواد الأوّليّة و لإستعباد و إستغلال الشعوب التي تمّ غزوها .
و مع تطوّر الرأسماليّة طوال القرون العديدة الماضية ، أضحى الإنتاج و التبادل السلعيّين منتشرا جدّا و أضحى طريقة معمّمة حسبها يتمّ إنجاز الإنتاج ( و التبادل ) . ( إن فكّرتم في هذا ، تلاحظون أنّ كلّ الأشياء التي تستخدمونها أو تقريبا كلّها، لا تنتجونها بأنفسكم – تتبادلون شيئا ، على وجه الضبط المال / النقد لإقتنائها من مصدر آخر . و هذا ما يقوم بع الناس عبر العالم قاطبة الآن ؛ هذا ما عمّمته الرأسماليّة ). و الرأسماليّة قد ربطت أكثر فأكثر الأشياء مع بعضها البعض ، في ظلّ هيمنتها ، إلى نظام عالمي شامل ز بيد أنّ هذا النظام الرأسمالي - الإمبريالي يتميّز بإنقسامات عميقة : بين مختلف الطبقات و مجموعات الناس صلب كلّ بلد ؛ و بين عدد قليل من البلدان الرأسماليّة – الإمبريالية و البلدان التي يهيمن عليها هؤلاء الإمبرياليّين بصفة خاصة في العالم الثالث ( أمريكا اللاتينيّة و أفريقيا و الشرق الوسط ) ؛ و إنقسامات بين البلدان الإمبرياليّة ذاتها ، و تتمحور نزاعاتها إلى درجة هامة حول التحكّم في المستعمرات في العالم الثالث و شعوب المستعمرات و إستغلالهما. ( و لوقت في القرن الماضيّ ، حينما وُجدت بلدان إشتراكيّة ، أوّلا في الإتّحاد السوفياتي و تاليا كذلك في الصين ، وُجد نزاع بين القوى الإمبرياليّة و تلك البلدان الإشتراكيّة التي سعى الإمبرياليّون إلى عزلها و خنقها وتحطيمها).
و قد أفضى كلّ هذا إلى حربين عالميّتين في القرن الأخير ، قُتل خلالها عشرات الملايين من البشر بمن فيهم أعداد ضخمة من المدنيّين. و منذ نهاية الحرب العالميّة الثانية في 1945 ، أفضت الإنقسامات التي تميّز العالم ، في الإطار العام لسيطرة النظام الرأسمالي – الإمبريالي ، إلى حروب مستمرّة حروب أطلقت خلالها القوى الإمبرياليّة العنان لعنف كبير ضد المقاتلين من أجل التحرّر من الإمبرياليّة في بلدان العالم الثالث – على غرار الحرب في الفيتنام أين تسبّبت الولايات المتّحدة في قتل عدّ ملايين من الفيتناميّين و سمّمت قدرا كبيرا من أراضي ذلك البلد بفعل أسلحة كيميائيّة ( جرائم حرب و جرائم ضد الإنسانيّة التي واصلها الإمبرياليّون في الولايات المتّحدة في كافة أنحاء العالم بما في ذلك اليمن كأحد بلدان الشرق الأوسط أين يعانى بسبب إلقاء القنابل وعمليّات أخرى على يد العربيّة السعوديّة و الإمارات العربيّة المتّحدة ، بدعم من الولايات المتّحدة و تسليحها و مساعدتها ، يعانى مليون إنسان عدد كبير منهم أطفال و يموت الكثيرون جرّاء مرض الكوليرا الرهيب ، و يواجه ثمانية ملايين إنسان ، أكثر من ربع السكّان ، الجوع ) – و هناك حروب بين مختلف القوى المضطهِدة بما في ذلك الحروب أين تتقاتل القوى الإمبريالية بصفة غير مباشرة أي عبر " وكلاء " مثل الحرب التي دمّرت سوريا لسنوات و خلالها دعّمت الولايات المتّحدة و سلّحت و ساعدت فصائل متباينة . و بينما قد تفضى حرب عالميّة جديدة –خاصة متى إستخدمت خلالها ذخائر من الأسلحة النوويّة بيد الولايات المتّحدة و روسيا و الصين و بعض البلدان الأخرى، قد تفضى إلى دمار و موت واسعي النطاق ، و قد تفضى حتّى إلى إضمحلال العنصر البشريّ – قد جرى تلافيها إلى حدّ الآن ، طالما أنّ النظام الرأسمالي – الإمبريالي يواصل الهمينة على العالم ، و يتواصل وجود الإنقسامات العميقة التي يجسّدها ذلك و يعزّزها ، يظلّ قائما خطر إندلاع حرب أكثر تدميرا بكثير من أيّ خطر واجهته الإنسانيّة قبلا .
و فقط عبر الإطاحة بهذا النظام بما في ذلك مراكز سلطته الأكبر في البلدان الإمبريالية ذاتها – إطاحة تنجز كذلك بهدف منع الإمبرياليّين من شنّ حرب دمار شامل – فقط على هذا النحو يمكننا أن نتقدّم بإتّجاه هدف تجاوز الإنقسامات بين البشر التي تجسّد الإستغلال و الإضطهاد و تؤدّى إلى نزاع عنيف و في نهاية الأمر تحقّق طموحات الكثيرين من أجل عالم خال من الحروب .
شيطنة المهاجرين و تجريمهم و ترحيلهم و عسكرة الحدود

لقد أُرسيت حدود هذه البلاد أوّلا عبر الحرب و توسّعت بصفة متكرّرة بواسطة الغزو المسلّح للأراضي خاصة بواسطة حروب ضد السكّان الأصليّين و حرب ضد المكسيك أواسط القرن التاسع عشر . و قد أفرزت هذه الحرب إستيلاء الولايات المتّحدة على نصف التراب المكسيكي و السيطرة عليه ؛ و قد خيضت هذه الحرب من جانب الولايات المتحدة بهدف توسيع العبوديّة و المناطق الممارسة فيها . و منذ نهاية القرن التاسع عشر ، توسّعت إمبراطوريّة الولايات المتّحدة ليس بوضع اليد على بلدان كمستعمرات أو شبه مستعمرات ( مثل الفليبين و كوبا و برتوريكو و غوام ) فحسب بل كذلك عبر الغزوات و غيرها من الوسائل ، مركّزة حكّاما مرتبطين و يأتمرون بأمر الولايات المتّحدة . و اليوم ، تملك الولايات المتّحدة قوّاتا عسكريّة و فرق " مخابرات " مركّزة في أكثر من مائة بلد حول العالم ، وهي تقدّم الدعم العسكريّ و غير ذلك من المساعدات الأخرى إلى حكومات أنظمة قمعيّة غاشمة ، و تحافظ عليها كجزء من إمبراطوريّة الولايات المتّحدة . و معوّلة على جيشها و أيضا على قوّتها الإقتصاديّة كوسيلة قسر ، لا تواصل إمبريالية الولايات المتّحدة في السيطرة السياسيّة فحسب و إنّما تستغلّ كذلك كذلك و تنهب البلدان عبر العالم الثالث . و مرّة أخرى ، كانت بلدان أمريكا اللاتينيّة و خاصة المكسيك و السلفادور و أنحاء أخرى من أمريكا الوسطى و الكاراييب – تعتبرها الولايات المتّحدة بشكل متغطرس على أنّها " حديقتها الخلفيّة " – كانت أهدافا خاصة لكلّ هذا . فلم تنظّم الولايات المتّحدة بصفة متكرّرة غزوات عسكريّة و إنقلابات للإطاحة بالحكومات هناك و دعم الدكتاتوريّات الإجراميّة بفرق موتها المتعطّشة للدماء و ترويع الناس وحسب ، بل فرضت " إتفاقيّات " إقتصاديّة جعلت هذه البلدان تنزف أكثر و شدّدت من بؤس الجماهير الشعبيّة هناك . ( مثلا ، على عكس الأكاذيب التي يُطلقها دونالد ترامب ، النافتا [ إتفاق التجارة الحرّة لشمال أمريكا ] الذى طبخته رئاسة بيل كلينتن ، قد قد أفضى إلى " إلحاق الضرر " بالولايات المتّحدة في حين أنّ أفضى عمليّا إلى إفلاس عدد كبير من المزارعين في المكسيك و فاقم من عدد الفقراء بيأس هناك و مثّل عاملا هاما في دفع عدد من المكسيكيّين إلى الهجرة إلى الولايات المتّحدة . و ترامب لا يسعى إلاّ إلى جعل هذا أسوأ حتّى ).
لكافة هذه الأسباب ، إلى جانب عوامل أخرى كإرتفاع حرارة الكوكب و الأزمة المصاحبة لشحّ المياه في عدد من البلدان ، هناك عشرات ملايين اللاجئين في عالم اليوم ، مدفوعين إلى مغادرة ديارهم و بلدانهم و البحث عن اللجوء السياسي أو كمجرّد وسيلة للبقاء على قيد الحياة ، في الولايات المتّحدة ( و في البلدان الرأسماليّة في أوروبا ). و إعتبارا لكلّ هذا ، من النفاق و القسوة إلى درجة عالية أن تتحدّث حكومة الولايات المتّحدة و بالخصوص نظام ترامب / بانس ، عن " حقّ البلدان في تأمين حدودها ! " – و تصرخ ب " بناء جدار " لأجل ذلك – فما بالك بالتنديد بجماهير المهاجرين من بلاد كالمكسيك على أنّهم مغتصبون و متاجرون في المخدّرات و إتّخاذ إجراءات وحشيّة من مثل فصل الأطفال و حتّى الصغار جدّا في السنّ عن أوليائهم إن حاولوا دخول الولايات المتّحدة دون الوثائق المطلوبة ، حتّى لو كانوا يبحثون عن اللجوء السياسي من القمع و العنف .
و هنا مجدّدا ، في حين يحتاج النضال المصمّم و الجماهيري إلى أن يُخاض ضد هذه التحرّكات اللاإنسانيّة للولايات المتّحدة ( و حكومات إضطهادية أخرى ) ، يجب أن يكون واضحا أنّه لا يمكن أن يوجد حلّ لوضع جماهير المهاجرين و اللاجئين في ظلّ النظام الرأسمالي – الإمبريالي . و الحلّ الوحيد يكمن في الثورة و الإطاحة بهذا النظام – ثورة تهدف ليس إلى مجرّد إلغاء الإضطهاد و الإستغلال و الفقر و البؤس في بلد واحد بل هدفها الأساسي هو إلغاء كلّ هذا عبر العالم ، و القضاء على كافة الحدود التي تنشأ جدرانا بين شتّى مكوّنات الإنسانيّة .

تحطيم الرأسماليّة – الإمبرياليّة للكوكب

يُعَدّ ذات واقع انّ ارتفاع حرارة الكوكب أحد الأسباب الكبرى للماذا يوجد اليوم عدد أكبر ن اللاجئين ( 65 مليون ) من أي وقت مضى منذ الحرب العالميّة الثانية مؤشّرا قويّا على حدّة أزمة البيئة التي تتفاقم شدّتها بسرعة متزايدة . فالأدلّة العلمية طاغية : تمثّل أزمة البيئة تهديدا حقيقيّا جدّا و متناميا للحضارة الإنسانيّة ؛ و النشاط الإنساني – و بوجه خاص إنتاج و إستعمال النفط و الوقود الأحفوريّ – هو أهمّ عوامل إشتداد الأزمة . و الإختلاط المتسارع لصفائح الجليد و أجزاء مفاتيح أخرى من الأرض بما فيها المحيطات بتبعات رهيبة على أنواع النباتات و الحيوانات التي هي أيضا حيويّة لوجود الإنسان – و كلّ هذا يمكن أن يتواصل و حتّى أن يتسارع أكثر و المجتمع الإنساني تحت سيطرة النظام الرأسمالي - الإمبريالي . و بالرغم من الندوات و الإتّفاقيّات التي تزعم معالجة هذه الأزمة ، لم يتغيّر الوضع إلى أحسن لوقوع هذه الندوات و الإتّفاقيّات تحت سيطرة بلدان هي أكبر المساهمين في هذه الأزمة ؛ و بالرغم من الكلام و حتّى قطع بضعة خطوات لتطوير مصادر طاقة بديلة للوقود الأحفوريّ ؛ بالرغم من كلّ هذا ، تفرض ذات طبيعة النظام الرأسمالي – الإمبريالي على الرأسماليّين المتنافسين و المتحكّمين في الإستثمارات بمليارات الدولارات ، و تندفع حكومات القوى العظمى العالميّة خاصة دفعا إلى التنافس من أجل الأسواق و اليد العاملة الرخيصة و المواد الأوّليّة و منها الوقود الأحفوريّ و من أجل السيطرة على أماكن إستراتيجية من العالم . و يؤدّى هذا ليس إلى نزاعات إقتصاديّة و سياسيّة و حسب بل بصفة متكرّرة إلى حروب تكون هي ذاتها ذات تأثير مدمّر للبيئة . و الجدير بالملاحظة هو أنّ جيش الولايات المتّحدة هو أكبر مؤسّسة مستهلكة للنفط في العالم .
و لجعل الأشياء أسوأ حتّى ، وضع هذا النظام الرأسمالي – الإمبريالي الآن في السلطة في الولايات لمتّحدة نظام ترامب/ بانس الفاشيّ و هذا النظام الفاشيّ مصمّم على تمزيق الإتفاقيّات العالميّة و التنصّل من الضوابط التي توفّر حماية و لو دنيا و غير كافية للبيئة ، و مصمّم على إطلاق العنان لقوى يمكن لتأثيرها على البيئة ، إذا تواصل ذلك ، أن تؤدّى عمليّا إلى تدمير الحضارة الإنسانيّة .
بداهة ، لا نملك سوى أرض واحدة كمنزل للإنسانيّة و لا يمكن لهذه الأزمة البيئيّة أن تعالج في نهاية المطاف معالجة جوهريّة إلاّ على صعيد عالميّ. لكن يمكن أن تُتّخذ خطوة كبرى أولى أو تُحقّق قفزة كبرى بإفتكاك السلطة من النظام الرأسمالي- الإمبريالي في أعتى معاقله ، و جعل هذا مصدرا للإلهام و قاعدة دعم لشعوب العالم في نهوضها للإطاحة و القضاء على كافة أنظمة و علاقات الإستغلال و الإضطهاد و النهب و التدمير للبيئة و للبشر الذى لا يمكن أن يستمرّ وجودهم و يزدهروا إلاّ من خلال تفاعل عقلانيّ و مخطّط له مع بقيّة الطبيعة .
من كلّ ما تقدّم ، يبرز بحدّة كبيرة أنّنا نعيش ضمن عالم غير متكافئ بشكل كبير – عالم حيث بضعة عشرات من المليارديرات يملكون أكثر ثروة من نصف البشريّة الفقير ، و عدد ضئيل من الطبقات الحاكمة في عدد صغير من البلدان يهيمنون و يضطهدون و يتحكّمون في مصير جماهير الإنسانيّة بتبعات هي بعدُ شنيعة و قد تمسى في قترة ليست طويلة كارثيّة . و في جميع ما سلّطت عليه الضوء – بالنظر إلى العالم الذى نعيش فيه و الواقع تحت سيطرة الرأسماليّة – الإمبرياليّة – نشاهد إنعكاسات نظام قائم على الملكيّة الخاصة و مراكز منافسة رأس المال تستحوذ على الثروة التي تُنتج إجتماعيّا من خلال شبكات إنتاج يشترك فيها عدد ضخم – في نهاية الأمر مليارات – من الناس عبر العالم قاطبة و يضطرّ هؤلاء الناس إلى العمل ضمن علاقات إنتاج و ظروف إستغلال تجردهم من إنسانيّتهم . و ليس الجشع ببساطة هو الذى يحرّك هؤلاء الرأسماليّين للبحث بلا توقّف عن طرق تزيد في إستغلال الناس – إنّه لأمر واقع أنّه إذا لم يقوموا بذلك أو إذا قام بذلك بعض الرأسماليّين الآخرين بنجاح أكبر ( أي بطرق أقسى حتّى ) ، حالئذ سيواجهون أفق ليس التراجع فحسب و إنّما عمليّا السقوط لتأكلها الحيتان الرأسماليّة الأخرى . إنّ التملّك الخاص للثروة المنتجة إجتماعيّا و الفوضى – التنافس و التنازع المحمومين – هي التي تنجم عن ها و التي تكمن في نهاية المطاف وراء و تحرّك كافة الفظائع المتركّزة في " أوقفوا الخمسة " و الظروف التي تتعرّض إليها جماهير الإنسانيّة .
الحلّ يكمن في تعويض هذا النظام من الملكيّة الخاصة بنظام حيث الثروة المنتجة إجتماعيّا هي كذلك مملوكة إجتماعيّا ( بحكم يمثّل فعليّا جماهير الشعب بدلا من طبقة مستغِلّين رأسماليّين ) و هذه الثروة تُستخدم على أساس التخطيط الواعيّ في خدمة مصالح الجماهير في المجتمع و في آخر المطاف ، العالم قاطبة . ( كيف يمكن القيام بهذا جرى تفصيله في " دستور الجمهوريّة الإشتراكية الجديدة في شمال أمريكا " ) . هذا هو الإختلاف الجوهريّ بين المجتمع و العالم الحاليّين – مع نظام الرأسماليّة – الإمبرياليّة نحن مجبرون على العيش في ظلّه – و العالم الذى يمكن أن نحصل عليه . و الجسر بين هذين العالمين هو ثورة ، ثورة فعليّة . و لنكن نزهاء : هذا طريق صعب و شاق إلاّ أنّه لا وجود لطريق آخر وضع نهاية ، في آخر الأمر ، للفظائع الناجمة بلا توقّف عن هذا النظام . و مهما كان هذا عسيرا فهو ممكن – إذا سلكنا هذا الطريق السليم بنظرة و مقاربة صحيحتين و بأهداف و مناهج صحيحين و بإستراتيجيا و خطّة صحيحتين . و من هنا ، هذا ما سأتعمّق فيه في ثنايا هذا الخطاب .
أوّلا، لنعد إلى المسألة الحيويّة لما تعينه الثورة . في مطلع وثيقة " كيف يمكننا الإنتصار - كيف يمكننا فعلا القيام بالثورة " يقع توضيح هذا توضيحا كبيرا :
" لا تعنى الثورة الفعليّة محاولة إحداث بعض التغييرات فى إطار هذا النظام – بل تعنى الإطاحة بهذا النظام و إنشاء نظام مختلف جذريّا و أفضل بكثير . " .
و " الجذريّة / الراديكاليّة " تعنى المضيّ إلى الجذور – إجتثاث النظام القديم من جذوره و تعويضه بنظام مختلف جوهريّا . و يفتح تمزيق حكم الرأسماليّة للمجتمع الطريق أمام القيام بذلك بإلحاق الهزيمة و تفكيك مؤسّساتها كقوى الشرطة و الجيش التي تفرض بعنف حكم هذا النظام و تاليا إنشاء مؤسّسات جديدة تخدم التغيير الراديكالي للمجتمع ( و في نهاية المطاف العالم ككلّ ).
كيف يمكن القيام بهذا موضوع حديثي في الجزء الثاني من هذا الخطاب ؛ و هنا أودّ أن أشدّد على نقطة مختلفة تماما عن مجرّد كسب بعض الإصلاحات في ظلّ هذا النظام . لقد كانت بعض التنازلات التي قدّمها الحكّام في قتال الجماهير ضد الظلم – على سبيل المثال ، قانون الحقوق المدنيّة ؛ وDACA الذى وفّر مؤقّتا مكانة قانونيّة لبعض المهاجرين الذين قدموا إلى هنا كأطفال ؛ و قرارات محاكم تركّز حقّ الإجهاض و زواج المثليّين – إنتصارات بُذلت لتحقيقها جهود جبّارة بيد أنّ المشكل هو أنّها و لا يمكنها إلاّ أن تكون إنتصارات جزئيّة تتعاطى مع بعض مظاهر الإضطهاد في ظلّ هذا النظام لا غير، و لا تلغى الإضطهاد ككلّ أو لا تلغى منبع هذا الإضطهاد – الذى هو النظام نفسه . و حتّى مثل هذه الإنتصارات الجزئيّة المُكتسبة ، طالما تواصل هذا النظام في السلطة ، ستوجد قوى عتيّة ستتحرّك لمهاجمة و تقويض و البح عن الإنقلاب على حتّى هذه المكاسب الجزئيّة .
إنّه لمن المهمّ للغاية كذلك فهم الإختلاف بين إمكانيّة أن يحسّن بعض الأفراد أو حتّى قسم ما من المضطهدين ظروفهم و فهمهم ( أو " نجاحهم " في ظلّ ) هذا النظام ، و الواقع هو أنّه بالنسبة إلى جماهير المضطهَدين الطريق الوحيد الذى يمكن أن يحرّرهم من ظروف إضطهادهم هو القضاء على هذا النظام الذى يبقيهم في هذه الظروف . طبعا ، يشير حكّام هذا النظام و ممثّلوه السياسيّون و الناطقون الرسميّون على الدوام إلى " قصص نجاح " أناس " تمكّنوا من صعود السلّم الاجتماعي " و هم في الأصل من صفوف الفقراء و المضطهَدين ليصبحوا أثرياء و ينالوا شهرة أو على الأقلّ ليحقّقوا " الحلم الأمريكي " الكبير للتحوّل إلى الطبقة الوسطى ! و يشبه هذا التوجّه إلى كازينو ألعاب حيث إلى درجة كبيرة معظم الناس الذين يلعبون يتمّ التلاعب بهم من قبل مصّاصي الدماء و يغرقونهم عميقا في ثقب بينما في كلّ مرّة يظهر كاسب يقع الإحتفاء به بضجّة كبرى ، عادة بقرع أجراس و صفّارات و ما إلى ذلك – و ذلك قصد جعل الناس يعتقدون أنّه إذا واصلوا اللعب قد يصبحوا هم أيضا من " الكاسبين " .
و يلمس هذا شيئا أهمّيته كبيرة : العلاقة بين افراد و المجتمع ( و العالم ) الأوسع الذين هم جزء منه . و طبعا كلّ شخص يوجد كفرد و في الوقت نفسه يُشكّل المجتمع ( العالم ) الأوسع الظروف التي يوجد فيها الأفراد و يتحرّكون و يشكّل نظرتهم و قيمهم . و حتّى تطلّعات الأفراد و " حاجياتهم المحسوسة " تتشكّل على هذا النحو . و لذكر مثال بسيط ، لا أحد في سبعينات القرن العشرين كان يشعر أنّه يحتاج أن ينكبّ بإستمرار على هاتفه الخلويّ – لأنّ الهواتف الخلويّة ما كانت موجودة أصلا حينها . إلاّ أنّه عندما تتوفّر للناس هواتف خلويّة ، يعرفون صعوبات كبرى في العيش دونها ، و جميعنا على علم بذلك !
و إليكم صيغة لمؤسّس الشيوعيّة ، كارل ماركس ، صيغة صارت مشهورة ب " الكلّ الأربعة " – وهي في منتهى الأهمّية. كتب ماركس أنّ الثورة الشيوعيّة تتطلّب و تعنى إلغاء كلّ الإختلافات الطبقيّة في صفوف الناس ؛ و إلغاء كلّ علاقات الإنتاج ( العلاقات الإقتصاديّة ) التي تقوم عليها هذه الإختلافات الطبقيّة ؛ و إلغاء كلّ العلاقات الإجتماعيّة المتناسبة مع علاقات الإنتاج هذه ؛ و تثوير كلّ الأفكار المتناسبة مع هذه العلاقات الاجتماعية . و ضمن رؤى ثاقبة مهمّة أخرى يمكن كسبها ، ما يرمى غليه ماركس هنا هو وجود فهم أنّه مرّة أخرى يوجد الناس كأفراد و فرديّتهم مهمّة و يجب إعطاءها الوزن الذى تستحقّ ، و عامة العلاقات الإقتصاديّة و العلاقات الإجتماعيّة المتناسبة معها هي التي تشكّل الأفكار السائدة ، و بهذا المعنى الجوهريّ و الشامل ، تشكّل الفراد و طموحاتهم .
الإنقسامات في صفوف الناس في مجتمع كهذا – بما في ذلك إنقسامات لامتساوية و إضطهاديّة بين الغنيّ و الفقير و بين ذوى البشرة البيضاء و غير ذوى البشرة البيضاء و بين الرجال و النساء و ما إلى ذلك – حقيقيّة و موضوعيّة . و ما ينفكّ سياسيّو الحزب الديمقراطي يقولون أشياء من مثل " ترامب يقسّم صفوفنا بدلا من توحيدها ". غير أنّ هذه الإنقسامات ليست ناجمة عن " الفكر الإنقسامي " لشخص كترامب . فهذا الأخير لا يفعل سوى إستغلال هذه الإنقسامات بحثا عن تكريس أجندته الفاشيّة لكن لا هو و لا أيّ شخص آخر تسبّب أو يمكن أن يتسبّب في هذه الإنقسامات – فهي متجذّرة في ذات طبيعة هذا النظام و سيه و متطلّباته كما تطوّر بها كلّ هذا تاريخيّا . للقضاء على هذه الإنقسامات لا بدّ من أن نقضي على هذا النظام .
من كلّ ما قد قيل إلى حدّ الآن ، يتعيّن أن يكون جليّا لماذا التغيّر الأساسي الذى نحتاج إليه لا يمكن أن تأتي به الانتخابات . طبعا ، أولئك الذين يهتمّون و يصمّمون على القيام بشيء بشأن الإضطهاد و الظلم يجرى بصفة مستمرّة بمفهوم أنّه من الحيويّ التصويت للديمقراطيّين لأنّ على الأقلّ يقولون إنّهم يهتمّون لذلك . و صار هذا أشدّ وطأة و إلحاحيّة حتّى مع صعود نظام ترامب / بانس الفاشيّ إلى سدّة الحكم و دعمه من قبل سياسيّى الحزب الجمهوريّ الذى بات هو نفسه حزبا فاشيّا في جوهره . من الحيويّ التصويت إلى الديمقراطيّين ، يقولون لنا ، لأجل القيام بشيء لتقليص حجم الأضرار التي قد يتسبّب فيها ترامب ( قادة الحزب الديمقراطي يرفضون قول إنّه ينبغي طرد ترامب من منصبه الآن ، و يؤكّدون على أنّ الحديث عن ذلك لا يفيد سوى ترامب ! ) لكن نظرا إلى طريقة إرساء النظام الإنتخابي من بداية هذه البلاد ، مع المعهد الإنتخابي بدلا من الإنتخاب الشعبي المباشر للرئيس ، و ولايات صغرى لها عدد متساوى من النواب / السيناتورات مع الولايات ذات عدد سكّان أكثف بكثير – كلّ هذا جزء من " الاتّفاق " مع ولايات العبيد و يمثّل اليوم تواصلا لإرث العبوديّة – و الطريقة التي يتمّ بها التلاعب بالإنتخابات للكنغرس عبر محو أصوات لا سيما السود و اللاتينو و كذلك " الغشّ " في المناطق ( مهيكلينهم بطرق مشوّهة جغرافيا كي يتركّز الناس الذين ينزعون إلى التصويت إلى الجمهوريّين يتوزّعون حسب المترشّحين ) – و إعتبارا لكلّ هذا ، بعيد عن أن يكون من الأكيد أنّ في إنتخابات نصف المدّة القادمة سيتمكّن الحزب الديمقراطي من دفع " موجته الزرقاء " ليعيد كسب الأغلبيّة بالكنغرس . و ما هي مقاربة الديمقراطيّين في سعيهم لبلوغ هذا؟ إلى درجة كبيرة مقاربتهم هي إدارة مترشّحين و حملات يأملون أن يؤثّروا في " المصوّتين لترامب " ، بما في ذلك مرشّحين يتبجّحون ب " خدمتهم " جيش الولايات المتّحدة ، منجزين ضربات جوّية بالقنابل و غير ذلك من وسائل التدمير الأخرى في الشرق الأوسط و أفغانستان . و الحقيقة هي أنّه ليس من الضروري فقط الإطاحة بهذا النظام لأجل وضع نهاية لما يتكثّف في " أوقفوا الخمسة " و الظروف الفظيعة التي تتعرّض لها جماهير الإنسانيّة في عالم يسيطر عليه هذا النظام الرأسمالي – الإمبريالي لكن حتّى أقلّ من الثورة حتّى من أجل منع نظام ترامب/ بانس من مزيد تعزيز حكمه و مزيد التكريس التام لبرنامجه الفاشيّ – من الضروريّ التعويل ليس على الحزب الديمقراطي و إنّما على الجماهير الشعبيّة لتجاوز " السياسة كالعادة " و لإنجاز تعبئة جماهيريّة غير عنيفة و مستمرّة لترحيل هذا النظام الفاشيّ .
في الواقع ، من أهمّ أدوار الحزب الديمقراطي دور " تطويق " و " تدجين " المعارضة . و على سبيل المثال ، زمن غزو الولايات المتّحدة العراق سنة 2003 ، عندما وُجدت مظاهرات جماهيريّة لمعارضة تلك الحرب ، لم يكن الحزب الديمقراطي في ذاته في موقع كسب أو حرف مسار هذه المعارضة لأنّ الديمقراطيّين ( مع بعض الإستثناءات ) صوّتوا في الكنغرس لهذه الحرب . لذا ، إستخدموا منظّمة " لنتجاز " كنوع من القوّة " المعارضة " هدفها الأساسي كان إعادة الناس الذين شعروا بالإغتراب نتيجة هذه الحرب و نتيجة دعم الحزب الديمقراطي لهذه الحرب ، إلى " السياسة كالعادة " – إعادتهم إلى الإطار و الحدود الذين أنتجوا هذه الحرب في المقام الأوّل . و مثال أحدث هو أنّ الحزب الديمقراطي و الذين إتذحدوا معه ، قاموا بالشيء نفسه في ما يتعلّق بالغضب و القرف الذين شعُر بهما تماما عشرات الملايين تجاه ترامب – و ببعض الطرق وضع الديمقراطيّون أنفسهم عمليّا " على يمين " ترامب لا سيما في تأكيدهم على أنّ المشكل الأساسي هو أنّ ترامب يقوّض الموقع الهيمنيّ لأمريكا في الألم بينما في الواقع ، تهدف تحرّكات نظام ترامب / بانس ، " أمريكا أوّلا " ، إلى توطيد هذه الهيمنة بطرق تمثّل تهديدا خطيرا للإنسانيّة .
و في حال وجود حاجة إلى مزيد الأدلّة عن ماهيّة الحزب الديمقراطي ، إليكم مثالين ساطعين آخرين . في مؤتمر الحزب الديمقراطي سنة 2016 ، الرئيس السابق للسي آي آي ، ليون باتيتا و جنرال البحريّة جون آلان ، قائد سابق لفرق الولايات المتّحدة في العراق و أفغانستان ، كانا من أبرز الذين أخذوا الكلمة ؛ و عندما ردّ البعض في المؤتمر منشدين " لا مزيد من الحروب ! " جوبهوا بمحاولات من المسؤولين عن المؤتمر لكتم أصواتهم ثمّ سحبوا إلى خارج المقرّ و مندوبو الحزب الديمقراطي السائدين يردّدون " الولايات المتّحدة ! الولايات المتّحدة ! الولايات المتّحدة ! " . و الأمر ببساطة بهذا القبح . و لنتذكّر أنّه لمّا نهض شباب سود في بلتيمور في تمرّد شرعي و عادل ضد قتل الشرطة لفريدي غراي ، ندّد باراك أوباما بهم على أنّهم " قطّاع طرق " – ويندّد قط بالشرطة التي قتلت فرادي غراي على أنّهم قطّاع طرق مجرمين !
و بوسعى مواصلة عمليّة التعداد – فهناك جبل من الأدلّة التي تبيّن الطبيعة العمليّة و دور الحزب الديمقراطي كأداة عظيمة الأهمّية بيد هذا النظام الإضطهادي الوحشيّ – لكن هناك مشكل أكثر أساسيّة حتّى . الحقيقة هي أنّ السياسيّين الحاكمين و أصحاب و مسيّرى وسائل الإعلام ذات عديد مليارات الدولارات ، من شتّى الأصناف و غيرهم من الذين يقبعون على قمّة المؤسّسات الكبرى لهذا المجتمع ، هم الممثّلون السياسيّون و الثقافيّون لهذا النظام . و حسبكم أن تنصتوا إليهم حينما يتكلّمون عن دور إمبراطوريّة الولايات المتّحدة في العالم -–إنّها مصالح" نا " ، إنّه جيش" نا " ، إنّهم حلفاؤ" نا " و هكذا. و الحقيقة الأعمق هي أنّه سيكون من غير الممكن بالنسبة لهم أن يكونوا أي شيء آخر عدا ممثّلين لهذا النظام و مسيّرين له. لهذا حتّى الجهود العنيدة لأناس لهم نوايا حسنة لتحويل الحزب الديمقراطي إلى قوّة إيجابيّة تنحو إلى أن تمنى بالفشل . و مجدّدا ، نعود إلى العلاقات الإقتصاديّة و سير النظام الإقتصادي و العلاقات الإجتماعيّة المرتبطة به و بكيف يحدّد هذا طبيعة النظام السياسي و الثقافة المهيمنة . و إن سار النظام السياسي فى تضارب مع هذه العلاقات الكامنة ، سيتوقّف المجتمع عن السير . لهذا السبب الجوهريّ ، الأحزاب السياسيّة التى لديها دور و تأثير كبيرين فى هذا المجتمع هي و لا يمكنها إلاّ أن تكون أحزاب الطبقة الحاكمة - ممثّلون للطبقة الرأسماليّة الحاكمة وأدوات لهذا النظام الإضطهادي بلا رحمة؛ و إداريّون وفارضون لإمبراطوريّة عالميّة من الإستغلال و النهب ، و هم مسؤولون عن الدمار و التحطيم الكبيرين للبلدان و الشعوب و يمثّلون تهديدا حقيقيّا جدّا و متناميا لوجود الإنسانيّة ذاته ، من خلال تحطيم البيئة و السحق النوويّ .
و إليكم حقيقة أخرى هامة جدّا لن ينطقوا بها : الشرطة و القوّات المسلّحة و " وكالات المخابرات " و المحاكم و هكذا – جميعها تمثّل دكتاتوريّة النظام الرأسمالي – الإمبريالي . فغالبا ما يقال لنا إنّ الدكتاتوريّة هي قائد قويّ جالس في برجه العاجي و يصدر الأوامر التي على الجميع تطبيقها . لكن جوهر الدكتاتوريّة هو إحتكار القوّات المسلّحة و العنف الذى تكرّسه المؤسّسات " الرسميّة " و المصرّح بانّها " شرعيّة " – و هذا بالضبط ما يزعمه هذا النظام ، أنّ العنف المستعمل بصفة متكرّرة من طرف مؤسّساته هنا و عبر العالم قاطبة عنف " شرعيّ " في حين أنّه في الواقع تماما غير شرعيّ يُفرض بواسطة القتل علاقات عنيفة من الإستغلال و الإضطهاد .
وبوسائل الإعلام و بغيرها من الطرق ، نتعرّض إلى غسل الأدمغة بصفة مستمرّة في ما يتّصل بالجيش و بما يسمّى ب " جماعات المخابرات " التابعة لهذه البلاد . و لنتقدّم مجدّدا بحقيقة فعليّة : إلى جانب جرائم الحرب الكبرى و الجرائم الكبرى ضد الإنسانيّة التىما ينفكّ يقترفها فارضو إمبراطوريّة الولايات المتّحدة ، و هذا يشمل قتل ملايين و ملايين الناس – في كوريا و الفيتنام أندونيسيا و غواتيمالا و جمهوريّة الدومينيك و الشيلي و الراق و ما إلى ذلك – تلتقط تجربة شخصيّة ل " الطبيعة الفاسدة " لجيش الولايات المتّحدة الأمريكيّة . ففي 1974 ، عند العودة ممّا كان حينها صينا ثوريّة ، إشتراكية حقيقة و خلال توقّف في اليبان ، إتّجهت إلى دورة مياه في مطار طوكيو – و كانت الجدران مغطّاة بتصريحات جنود الولايات المتّحدة تقول أشياء من قبيل " فرج الأنثى اليابانيّة جيّد لكن لا وجود في أيّ مكان كان لفرج أنثى يقرب في جودته من فرج الكوريّات ! " . و ما كان ذلك نوعا من التجاوزات بل كان نموذجا معبّرا عن عقليّة جيش الولايات المتّحدة . و أذكر أنّي قرأت أنّه إبّان الغزو الأوّل للعراق سنة 1991 ، كان الطيّارون يشاهدون لساعات أفلام برنوغرافيّة ل " يستعدّوا " لإنجاز ضرباتهم الجوّية بالقنابل . و اليوم بعدُ ، قواعد جيش الولايات المتّحدة حول العالم محاطة بدور دعارة أين تحوّل النساء إلى " خادمات " لجنود الولايات المتّحدة و يسجّل جيش الولايات المتّحدة أحد أعلى النسب في التهجّم الجنسيّ المؤسّساتي على النساء .و إنّها لحقيقة هامة أنّ أيّ جيش يمثّل إنعكاسا للنظام الذى يقاتل من أجله – و بالتأكيد أنّ هذا صحيح بشأن الجيش الإمبريالي للولايات المتّحدة .
و حديثا ، تعرّضنا إلى وابل من الهراء الذى يعظّم فرق البحريّة على أنّهم أبطال بوجه خاص . حسنا ، ما من شيء بطوليّ في ما يتعلّق بالمشاركة في آلة القتل و التدمير و الإخضاع المُمَكننة و الرقميّة التي يمثّلها جيش الولايات المتّحدة أو في مهام ينجزها بعنف و يفرض إملاءات النظام الذى يخدمه هذا الجيش . ما هو البطولي حقّا و ما يمثّل خدمة عظيمة للإنسانيّة هو الوقوف ضد هذا النظام و جرائم حربه و جرائمه ضد الإنسانيّة التي لا تنتهى – و لمّا يحين الوقت ، المضيّ ضد القوّة العنيفة المستخدمة للحفاظ على هذا النظام و إلحاق الهزيمة بها .
و نتعرض أيضا إلى تعظيم لا نهاية له للشرطة في القنوات التلفزيّة و في الأشرطة التلفزيّة و السينمائيّة و في " الثقافة الشعبيّة " ككلّ فيما يقع تصوير السود و اللاتينو و خاصة الشباب في الغيتوات و أحياء داخل مدن هذه البلاد مرارا و تكرارا على أنّهم فاسدون و حيوانات دون مستوى البشر. و من كلّ هذا يقصدون تعويد الناس لا سيما أولئك من الطبقة الوسطى على مساندة أو على الأقلّ عدم معارضة السجن الجماعي لهؤلاء الشباب و العنف و القتل المقترفين بإستمرار من طرف الشرطة خاصة ضد الذين هم بعدُ مضطهَدين بخبث في ظلّ هذا النظام ، و الذين ينحدرون أيّة فئة من فئات المجتمع و يتجرّؤون على التمرّد على هذا النظام خاصة بالطرق التي لا تنحصر في " الإحتجاج العادي " المنمّط .
و تاليا ، هناك " وسائل إعلام " الطبقة الحاكمة . وهي مثل قناة فوكس ( بالكاد أستطيع نطقها ) " أخبار " التي تمثّل الفئة الفاشيّة من الطبقة الحاكمة – و التي تهدف إلى فرض دكتاتوريّة رأسماليّة سافرة دون حكم القانون و بعدوانيّة سافرة تجاه أقسام أخرى من الطبقة الحاكمة ذاتها يراها هؤلاء الفاشيّين عدّوة ، و إلى توخّى سياسة القمع الخبيث للمهاجرين و السود و المسلمين و النساء و المثليّين جنسيّا – كلّ الذين يعدّون إخضاعهم و تجريمهم أساسي في البرنامج الفاشي ل " جعل أمريكا عظيمة من جديد " و الكذب و التشويه الممنهجين للواقع هو وظيفة و مهمّة وسائل الإعلام هذه . و من الجهة الأخرى ، هناك جريدة " النيويورك تايمز " و " الواشنطن بوست " و السى أن أن والأم بى سى و ما شابه التي تمثّل الفئة " السائدة " ضمن الطبقة الحاكمة و التي تدافع عن حكم " الضوابط " و " المبادئ و السيرورات الديمقراطية " التي تجسّد عمليّا و تيسّر الدكتاتوريّة الرأسماليّة بيد أنّها في الوقت نفسه تلبس هذه الدكتاتوريّة قناعا مضلّلا للجماهير الشعبيّة . و وسائل الإعلام هذه " السائدة " تقول شيئا من الحقيقة أحيانا – كلّما يشعرون بأن ذلك يخدم مصالح الطبقة الحاكمة – و يكذبون و يشوّهون الواقع معظم الأحيان كلّما يرون أنّ ذلك يخدم تلك المصالح .
و إحتدّت الإختلافات و النزاعات بين مختلف هذه الفئات من الطبقة الحاكمة مع صعود نظام ترامب / بانس الفاشيّ إلى سدّة الحكم . لكن ، حتّى مع هذه الإختلافات ، يمثّلون جميعا نفس النظام الرأسمالي – الإمبريالي و تحديدا إمبراطوريّة الولايات المتّحدة الإستغلاليّة . و مثلما كتبت في مؤلَّفى " الشيوعية الجديدة – علم وإستراتيجيا و قيادة ثورة فعليّة ، و مجتمع جديد راديكاليّا على طريق التحرير الحقيقي " ، وسائل الإعلام هذه " ليست وسائل لمدّ الناس بالمعلومات حول الأشياء الهامة في المجتمع و في العالم – و ليست بالتأكيد " موضوعيّة " إن كان ذلك يعنى تقديم الواقع تماما كما هو فعلا و لا هي " صحافة حرّة " بمعنى أنّها غر مرتبطة ب أو تحت تحكّم مصالح قويّة . في الواقع هي آلة دعاية تابعة للطبقة الرأسمالية – الإمبريالية . "
و يزعم كلّ ممثّلي هذا النظام التحدّث باسم الشعب و يؤكّدون أنّ ما يقومون به و كيف يسير هذا النظام في تناغم مع " إرادة الشعب " . أجل " إرادة الشعب " – بالضبط كما شكّلها هذا النظام ! – بطبيعة و ديناميكيّة العلاقات الاقتصادية و العلاقات الإجتماعيّة و بـاثير النظام السياسي و الثقافة السائدة التي تخدم تعزيز هذه العلاقات الإقتصاديّة و الإجتماعيّة .
لذا كيف يمكن تغيير كلّ هذا بمعنى جوهريّ إن كان هذا العدد الكبير من الناس بمن فيهم الذين يتعذّبون عذابا فظيعا في ظلّ هذا النظام ، و إلى هذه الدرجة وقع غسل عقولهم و هم أسر هذا القدر الهائل من الهراء ؟ هذا شيء سأتعمّق فيه بصورة أتمّ في الجزء الثاني من هذا الخطاب ، لكن كنقطة أساسيّة للفهم و التوجّه، من المهمّ الإقرار بأنّ الناس يمكن أن يتغيّروا بطرق إيجابيّة راديكاليّة – و قد حصُل هذا في عديد المناسبات عبر التاريخ بما فيها في التاريخ الأحدث لهذه البلاد و على نحو كبير في ستّينات القرن العشرين – غير أنّ هذا لا يمكن أن يحدث إلاّ بالقطيعة مع و الخروج عن إطار هذا النظام ، إلاّ بمعنى جوهري بالإطاحة بهذا النظام و المضيّ صوب التغيير الشامل للمجتمع و في نهاية المطاف للعالم ككلّ .
هذه السنة توافق الذكرى الخمسين لأحداث 1968 و حتّى ممثّلو هذا النظام و المدافعون عنه ليس بوسعهم ببساطة تجاهل دلالة تلك السنة و النهوض و التمرّد و التحدّى النضالي و التجذّر الإيجابيّين جدّا الذين ميّزوا ذلك و ميّزوا تلك الفترة ككلّ. و مع ذلك ( كما يمكن رؤية ذلك في سلسلة قناة السى أن أن عن 1968 ) ، إنّهم يحاولون مجدّدا فرض توجيه كلّ هذا إلى داخل إطار مصالح الطبقة الحاكمة و سياسيّي الطبقة الحاكمة و خاصة الانتخابات الرئاسيّة لتلك السنة . وهناك " تقدّميّون" يؤكّدون على أنّ " اليسار " إرتكب خطأ شنيعا سنة 1968 بعد تقديمه المساندة للمترشّح الديمقراطي للرئاسة ، هوبار همفرى – و يزعمون أنّ ذلك سمح لرتشارد نكسن بكسب الانتخابات و تقديم الدعم و الدفع ل " اليمين " في " إطلاق عنانه " ضد الحركات " التقدّميّة " و مكاسب ستّينات القرن العشرين . و يكشف هذا النقد عن عدم القدرة المفزعة أو الرفض لدى هؤلاء " التقدّميّين " رؤية و التفكير في أبعد من حدود العلاقات الرأسماليّة و الحكم الرأسمالي ، حتّى في محاولة لتحليل نوع الوضع الذى وُجد سنة 1968 حينما كانت أعداد كبيرة من الناس على وجه التحديد تتحدّى و تقطع مع هذه الحدود . و مع 1968 و لعدّة سنوات تالية ، وجدت أعداد كبيرة من الناس في هذه البلاد و منهم ملايين الشباب من الطبقة الوسطى و كذلك جماهير الفقراء و المضطهَدين ، الذين كان يدفعهم للتحرّك كره مبرّر تماما لهذا النظام و كذلك طموحات لعالم مغاير راديكاليّا و أفضل – و قد بلغ هذا مدى عميقا حتّى إلى صفوف القوّات المسلّحة ذاتها – كان فهم معظمهم يتميّز بشعور ثوري شرعي و عادل على أنّه كان يعوزه العمق و الأساس العلمي المكين . و الإخفاق الحقيقي لوقتها كان يتكثّف في عدم وجود طليعة ثوريّة تملك أساس و منهجا علميّين و توجّها و إستراتيجيا برنامج يمكن أن تعطي تعبيرا منظّما للشعور الثوريّ الجماهيري و تقود محاولة فعليّة للقيام بالثورة .
و هذا هو التحدّى أمامنا الآن . و اليوم و خاصة بفضل العمل الذى أنجزته و القيادة التي ما فتأت اوفّر طوال عقود منذ ستّينات القرن العشرين ، لدينا فعلا منهجا و مقاربة علميين للثورة أكثر تطوّرا و ذلك مع الشيوعيّة ؛ لدينا المقاربة و المخطّط الإستراتيجيّين للقيام بهذه الثورة ؛ و لدينا " دستور الجمهوريّة الإشتراكية الجديدة في شمال أمريكا " كرؤية شاملة و " مخطّط ملموس " لمجتمع جديد راديكاليّا و تحريريّا يهدف إلى تحرير الإنسانيّة قاطبة . لكن لنكن صرحاء : لا نملك بعدُ الجماهير الشعبيّة التي تكسب إلى جانب الثورة و تندفع نح العمل في سبيلها لا سيما الشباب الذين مثّلوا على الدوام القوّة المحرّكة لأيّة ثورة ؛ و بالرغم من إمتلاكنا لأساس إسناد هو منظّمة ثوريّة يمكن أن تبنى ة تتوسّع لتصبح قوّة طليعيّة قادرة عمليّا على قيادة الثورة طوال كامل المسار ، و ما لا نملكه بعدُ هو الكادر الضروريّ لقيادة جميع المستويات في كافة أنحاء البلاد ؛ و هذا الكادر لن يملك التصميم فحسب بل أيضا الخلفيّة العلميّة لقيادة الجماهير التي يجب أن تتقدّم للقيام بالثورة . و بينما تقدّم بعضنا أثناء ستّينات القرن العشرين و حافظوا على و فعلا عمّقوا حماسهم الثوريّ و خلفيّتهم العلميّة ، فإنّ عديد الآخرين تخلّوا عن الثورة ؛ و رغم وجود تام لعشرات الملايين في هذه البلاد الذين يمقتون الظلم و المذلاّت التي يعانى منها الناس في ظلّ هذا النظام ، و الذين يمكن أن يستيقظا على إمكانيّة عالم مختلف جذريّا و أفضل ، بعدُ عدد كبير جدّا قد تقدّموا إلى صفوف الثورة و تطوّروا و تدرّبوا كقادة ثوريّين . هذا ما يحتاج فعله كلّ الذين لا يقبلون بالحياة يوما آخر في ظلّ وحشيّة هذا النظام ، وهم يزخرون حماسا شديدا للإطاحة بهذا النظام و إنشاء عالم مغاير راديكاليّا ، هذا ما سنحتاجه جميعا لنعمل بنشاط نحو : بناء صفوف الثورة – أوّلا ، بالآلاف و تاليا مع تطوّر الأشياء بإتّجاه نقطة حيويّة ، الملايين – كقوّة منظّمة و تتدرّب على التحوّل إلى قادة لهذه الثورة يكون بوسعهم تمكين هذه الملايين من أن تكون في موقع قتال ، تماما ، و بفرصة حقيقيّة للظفر ، لمّا يحين الوقت .
و هذه ليست ثورة من أجل الثأر – هدفها الأسمى ليس إستغلال الإنسانيّة و إضطهادها لتتوفّر فرصة التحوّل إلى مستغِلّين و مضطهِدين – إنّها ثورة شيوعيّة هدفها ليس أقلّ من وضع نهاية لكلّ علاقات الإستغلال و الإضطهاد و كلّ الإخضاع و التدمير المرتبطين بهما و ذلك عبر العالم قاطبة .
و تاليا ( عقب إستراحة قصيرة ) ، سنمرّ إلى المسألة الكبرى : كيف يمكننا حقّا أن ننجز ثورة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أون سيت - تغطية خاصة لمهرجان أسوان الدولي في دورته الثامنة |


.. غزة اليوم (26 إبريل 2024): أصوات القصف لا تفارق آذان أطفال غ




.. تعمير - مع رانيا الشامي | الجمعة 26 إبريل 2024 | الحلقة الكا


.. ما المطلوب لانتزاع قانون أسرة ديموقراطي في المغرب؟




.. سيارة جمال عبد الناصر والسادات تظهر فى شوارع القاهرة وسط أكب