الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دراسة في نمطية الاسلوب العربي للحكم , وضرورة التغيير

رؤى الدرويش
باحثة بالشأن الاجتماعي

(Ruaa Al-darweesh)

2022 / 9 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


قد يأخذ المتابع للوضع العربي الراهن بكل ارهاصاته والمتغيرات التي مرت به, تساؤل عن طبيعة الحاكم العربي والكيفيات التي يستطيع الخروج بها من مواصفات سلوكية سيكلوجية افرزتها فترات الحكم العربي الاسلامي ما بعد الحكم الراشدي , او الحكام اللذين جاؤا تحت مسمى الثورات التحرريه والانقلابات العسكرية بلافتاتها الحالمه بانشاء وطن عربي حضاري .ولعل الصورة التي ترسمها رواية جلال الدين الاسيوطي في كتابة ( تاريخ الخلفاء) نقلا عن الذهبي, وهي ان طباطبا العلوي( مؤرخ عربي من اهل الموصل تولى نقابة الطالبيين العلويين في النجف وكربلاء) سأل المعز صاحب القاهرة عن نسب الفاطميين (فجذب المعز سيفه من غمده, وقال هذا نسبي , واخذ ينثر الذهب على الامراء والحاضرين , وقال هذا حسبي). هذه الصورة التي رسمت تاسيس الخط الاسلامي للحكم, تاخذ بعدا سوسيولوجيا يمهد الطريق لتكريس الغلبة عن طريق القوة في المخيال الاجتماعي.وليس بعيدا عن هذه الصورة ما حدوه الدارسون للحكم العربي الاسلامي , من انه (الحكم) مبني على القوة والقهروالسطوة والتسلط تارة وعلى الطاعة والاستعباد والتحكم تارة اخرى. حتى ان هاتين الوسيلتين اصبحتا ما يميز العلاقات الجمعية لمجتمعنا العربي الاسلامي عبر تحديد دور الانسان في تنفيذ الطاعة للفقية, اوطاعة شيوخ الافتاء.وعلى هذا خضعت المنطقة العربية, لنمطين من الحكم الاول اطاعة اولي الامر ,والثاني بالعجز والخوف اللذان ساقا المجتمع للروح الاستسلامية التي اوصلته حد تأليه الحاكم. ومن الطبيعي ان هذه الخاصيه هي ليست حكرا على المجتمع العربي بل تتعداه الى معظم شعوب الارض, حيث ان التجارب النفسيه لعالم النفس الامريكي الشهير( فيليب زمباردو) بجامعة ستانفورد...اختار سجن ستانفورد وستانلي ملجرام بجامعة هيل حول الطاعه ودرجة الانصياع للسلطه ( وجدوا ان الانسان الذي يتعرض للظلم والاضطهاد يستسلم حتى لو توافرت له فرص الخلاص) وهذا ما يجعل المجتمع شريكا في خلق الاستبداد والخضوع الكامل للحاكم. الحاكم المتماهي مع الله او مع وحدانيته حسب ما يقول عمرو ابو خليل وهو طبيب نفساني لما يؤكده طه عبد الرحمن الاستاذ في السوربون مغربي الاصل عندما يقول ان التعامل بين الحاكم والمحكوم هو عبودية ملكية تخلق الاستبداد الذي قسمه الى
1- المستبد الذي تستحوذ عليه رغبة التسيد الكلي لاستعباد الاخرين.
2- المستبد الذي يجعل تسيده فوق القانون منساقا لاهوائه
3-التسيد بمعنى الحاكم المحيط الذي يرتقي الى مرتبة التأليه والمعصوم الذي لا ينازعه في قرارته احد.
وعلى هذا النحو الذي خضعت له منطقتنا العربيه , يرى الباحثون في الشؤون السياسية والاجتماعية ان الحكام اعطوا انفسهم المواصفات التي ترسم لهم (وحدهم سيكلوجيا الحاكم العربي) ذو المواصفات التالية:
1-الحاكم الذي يمنح ذاته اهمية اعلى مما يستحق
2-المغالاة في تفخيم ذاته حد الهذيان الفكري
3-انعدام القدرة على تقييم مقدراته الجسمية والنفسيه والمعنوية والاجتماعية والمالية الى غيرها من المواصفات.
4- جنون العظمة وهي من امراض الذهان ( العصبية) والتي لا يدرك المريض انه مصاب بها ( والذهان هو عكس العصاب الذي يدرك المريض انحرافه عن السلوك الطبيعي للانسان)وليس بعيدا عن تلك المواصفات ما جاء باحدى الدراسات عبر صحيفة المدى والتي حددت سيكلوجيا الحاكم بما يلي ,( البرانويا ( الشك), الغطرسة الذوبان في السلطة حد اختزال المجتمع والوطن بشخصة, وكان شاوشسيكو مثالا حينما قال : لن يحدث تغيير في رومانيا الا اذا تحولت اشجار البلوط الى تين( وكانت النتيجة ان مسك الشعب به واعدمه), النرجسية الخبيثة ( شعور العظمة واضطراب الشخصية المعادية للمجتمع وقساوة القلب وتأليه الذات) ,التمذهب ( العقيدة) , والتصلب الفكري , تفضيل جماعته وابناء مذهبه وما يسمى (بالحول العقلي ) وفكرة الغالب والمغلوب والحاكم هو امتداد لحكم الخلافة والتي هي تكليف سماوي.
وضمن هذه التوصيفات لاجواء الحكم العربي الاسلامي , والتي استمرت بتاثيراتها حتى زمننا المعاصر , تشكلت السلطات العربية التي رسمتها معاهدة سايكس بيكو على انقاض الامبراطورية العثمانية بعد الحرب الاولى..ولناخذ العراق كنموذج نقرأ من خلاله نوع الحكم الذي تشكل ما بعد الحرب العالمية الاولى على وفق الارادة الاستعمارية البريطانية التي وضعت الخارطة الجغرافية له والمتشكله من الولايات الثلاث ( الموصل- بغداد-البصرة)وعين له ملكا كان قد حكم بلاد الشام لفترة سنتين الا انه لم يلق ارتياحا منهم, فاعادته بريطانيا ملكا على العراق, هو الملك فيصل الاول عام 1921 , تمثلت فترة الملك فيصل ببعض المنجزات التي تعمل وفق مفهوم العراق كدولة لها من المؤسسات العسكرية والتربوية والاقتصادية ما يؤهلها ان تساير الدول الشرقية حديثة التشكل . و بعد وفاة الملك 1933 ومجيء الملك غازي عن عمر 23 عام , أُعيدت الصراعات بين القيادات العسكرية التي تندرج سلوكياتها ضمن التوصيات التي ذكرناها انفا. فكان انقلاب بكر صدقي 1936 ضد حكومة ياسين الهاشمي, وكذلك انقلاب رشيد عالي الكيلاني 1941 والذي في وقتها قرر المجلس النيابي عزل الوصي عبد الاله في مايس 1941 بالاجماع , واعاده بالاجماع بعد شهر من الانقلاب , لتتشكل لنا صوره عما كان عليه المجلس الذي يخضع لرغبات القادة العسكريين بشكل كامل . رحيل الملك غازي 1939 بحادث اعتقد في حينها انه محاولة اغتيال ( بسبب مواقفه العربية الراغبة في تشكيل الدول العربية الحديثة , وما تبناه من افكار قومية ) ادخل العراق بفوضى النزاعات المبنية على التصورات الشخصية لزعماء توارثوا الحكم منذ تاسيس العراق كدولة الى حيث نهاية الحكم الملكي 14 تموز 1958.انتقل الحكم من ملكي دستوري الى جمهوري يعمل بدساتير مؤقتة توضع حسب اهواء السلطة ورؤاها السياسية.. يرى الكثير من الباحثين ان فترة الحكم الجمهوري في العراق من احلك الفترات التي مرت على هذا البلد, بتسلسل الانقلابات التي بدأت 1958 بقيادة عبد الكريم قاسم, انقلاب 1963 بقيادة عبد السلام عارف , انقلاب 1968 وتولي حزب البعث العربي الاشتراكي بقيادة احمد حسن البكر ونائبة صدام حسين. هذه الانقلابات العسكرية التي حصلت اوصلت للحكم رجال اتسموا بروح الشقاوة ,العنف القمعي ,النزعة الاستبدادية , احتقار الشعب والخوف منه, اندفاعهم المغامر في القتال وخوض المعارك بسرعة وطيش , وتحولهم الى دكتاتوريين , وبحكم الطريقة التي جائت بهم الى السلطة, نراهم قليلي الخبرة في المجال السياسي والمؤهلات التي تجعلهم مقبولين من لدن السياسيين والمجتمع العراقي , مما جعلهم يفرضون سلطاتهم , ويعملون للتخلص من العناصر الكفوءه حولهم واستبدالها بالاتباع!!!
واستمر هذا الشكل من الحكم والتسلط الى حيث 2003 ودخول الجيش الامريكي وانهائه حكومة صدام حسين وحل تشكيلات الدولة العسكرية والامنية والاقتصادية, واضعا العراق بين مخالب تنظيمات حزبية كانت تسمى بالمعارضة, والتي انشغلت بتقاسماتها للسلطة مع غيرها وتوزيع الثروات فيما بينهم دون الاهتمام بمعاني الادارة الفاعلة الراغبة في تكوين دولة عصرية حديثة ,تميزت هذه التنظيمات ببروز النزعة النفعية في سلوك افرادها وضعف الشعور بالالتزامات الاجتماعية, تمحوروا حول كيفية الحصول على مكاسب فردية من زعامة وسيطرة وثراء . الى حيث خلق المنافسات الحادة التي اصابت المجتمع العراقي بسيل من الدماء ، جراء الحروب الطائفية التي استمرت عدة سنين منتجة حركات طائفية متطرفة , كان للعامل الاقليمي والدولي دورا كبيرا في صنعها وتحويل الارض العراقية مسرحا لصراعاتها الايديولوجية او البراغماتية الراغبة في جعل العراق بلدا مستهلكا لمنتجاتها ومهيمنه عليه اقتصاديا. لحين وقوع العراق في مأساة الهيمنة الداعشيه 2014 والتي لازال البلد يعاني منها ويقدم شبابه ضحايا لاجرامها ولروحها السادية ورؤيتها العقيدية التي بدأنا الحديث عنها في اول مقالنا هذا.
وبعد هذا وما حصل من ثورة شبابية تشرينية . هل يمكن اغفال هذا التاريخ الماساوي لحكام حكموا المجتمع بالقوة والقهر وفرض الطاعة ؟؟
ام ان من الضروري دراسة احوال الحكم والمتسلطين ووضع سلوكهم السيكولوجي امام من سيقود البلد , ليعتبر من هذه الفترات العصيبة , وياخذ مطالب الثوار والمجتمع في عين الجد الساعي لبناء عراق مدني حديث.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصطفى البرغوثي: الهجوم البري الإسرائيلي -المرتقب- على رفح -ق


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. تطورات في ملفي الحرب والرهائن في غزة




.. العراق.. تحرش تحت قبة البرلمان؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. إصابة 11 عسكريا في معارك قطاع غزة خلال الـ24 ساعة الماضية




.. ا?لهان عمر تزور مخيم الاحتجاج الداعم لغزة في كولومبيا