الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كارثة الأغلبية البرلمانية على الديمقراطية

يسري حسين

2006 / 9 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


طالبت وزيرة بريطانية سابقة , هي كلير شورت من الشعب البريطاني عدم التصويت للحزب الحاكم , الذي تنتمي إليه ودخلت تحت رايته الحكومة البريطانية التي إستقالت منها بسبب غزو توني بلير رئيس الوزراء للعراق .
حثت شورت البريطانيين على تشكيل البرلمان المقبل بطريقة إئتلافية , بحيث لا تكون هناك أغلبية لحزب واحد , تنجم عنها تأسيس ديكتاتورية وإنفراد مطلق للرأي الواحد .
عبرت الوزيرة السابقة , عن إحباطها مما جرى في بريطانيا خلال سنوات طويلة في عهد المحافظين ثم الأن . فقد سمحت الأغلبية للمرأة الحديدية مارجريت تاتشر , أن تصول وتجول , دون الرجوع للمعارضة التي كانت ضعيفة في البرلمان . وأعطت الأغلبية الكاسحة السيطرة المطلقة للحزب الحاكم وتَفرُد زعيمته بالحكم والإستحواذ على حق إصدار القرار دون مشاركة للمعارضة . أعطت الأغلبية الكاسحة لتاتشر فرصة تحويل المجتمع البريطاني من إشتراكية معتدلة إلى رأسمالية متطرفة . وأجازت عدد المقاعد الكاسحة في يد رئيسة وزراء مستبدة , التطرف السياسي بكل أشكاله . وجعل ذلك تاتشر لاترى سوى نفسها وتتصرف بطريقة مطلقة , مما أضر بالديمقراطية التي تعتمد على وجود معارضة قوية داخل البرلمان . ووصل الأمر بالمستبدة الديمقراطية ! إلى حد الجنون السياسي والعداء المبالغ فيه للوحدة الأوروبية مع الإنفراد بالحكم دون منافس . وأصبح وجودها يشكل خطورة على الحزب الحاكم بعد أن ظلت عل مقعد السلطة المطلقة لمدة 11 عاماً , قامت خلالها بتعميق تحالفها مع اليمين الأمريكي آنذاك بزعامة رونالد ريجان .
ولم تخرج تاتشر من الحكم إلا بعد التآمر ضدها من داخل حزبها نفسه . وقاد الهجوم المضاد وزير دفاع سابق في حكومتها هو اللورد هيزلتاين . وكان خرج من الحكومة إحتجاجاً على إنفراد المرأة الحديدية بقرار شراء صفقة طائرات أمريكية من واشنطن . وقد دعا الوزير السابق آنذاك إلى إنتخابات داخلية , إنتهت بخروج تاتشر من السلطة باكية ! .
وترى أن أغلبية برلمانية كاسحة ضارة بالديمقراطية الحقيقية . والدليل إنفراد سياسي شاب هو < توني بلير > بكل شئ في الحياة البريطانية , فقد فرض رأيه اليميني على السياسة وعمق من تحالفه مع الرئيس الأمريكي جورج بوش , وقادا معاً غزو العراق وقبل ذلك أفغانستان .
وكذب < بلير > على البرلمان البريطاني نفسه , وإدعى بوجود أسلحة دمار شامل في العراق , مستعدة للإنطلاق خلال 48 ساعة فقط لضرب قواعد لبريطانيا في قبرص . ولم يتمكن البرلمان الديمقراطي من فحص هذه الإدعاءات وصَوت بجانب دخول الحرب , إلا رجل شريف إسمه روبن كوك , كان وزيراً للخارجية ورفض التورط في هذه المهزلة . حتى < كلير شورت > نفسها صدقت إدعاءات < بلير > عن الأسلحة المدمرة العراقية والمستعدة للإنطلاق وصوتت لدخول الحرب ! . وعندما أدركت الخديعة إستقالت , لكن بعد فوات الآوان حيث زحفت الجيوش على البصرة وبغداد .
إدارة < بلير > هي التي أعطت إسرائيل الضوء الأخضر مع واشنطن للحرب على لبنان وتدمير بنيته التحتية وقتل المدنيين . فعل رئيس الوزراء ذلك في غياب البرلمان . ولوكان إنعقد لأيده بسبب أغلبية كاسحة تضمن هيمنة الحزب الحاكم وتأييد زعيمه بإستمرار , بدعوى الإلتزام الحزبي وعدم إعطاء الفرصة للمعارضة لتحقيق بعض النقاط ! .
والمعارضة الضعيفة العمالية في زمن تاتشر , والمحافظة في عهد < بلير > مكنت من طمس الديمقراطية , وهي في جوهرها الخلاق لصالح الحق والعدل معاً ومعارضة الحروب .
وقد سخرت تاتشر وبلير البرلمان لخدمة الحروب وشن العدوان والإعتداء على الشعوب الأخرى . وكانت المرأة الحديدية تصف < نيلسون مانديلا > , الزعيم الإفريقي بأنه إرهابي ! . وترى أن نظام جنوب إفريقيا العنصري ديمقراطي ! يستحق الدعم والمساندة .
وموقف تاتشر هو ذاته رأي < بلير > في < حماس > و < حزب الله > , فهما في إطار التصنيف الإرهابي , أما إسرائيل , الدولة المعتدية والمحتلة , فهي كيان مسالم وديمقراطي ! .
إن < كلير شورت > أعلنت عدم دخولها إنتخابات البرلمان المقبل في عام 2009 . وقد يفصلها الحزب الحاكم من صفوفه حيث دعت لعدم إنتخابه لحماية الفعل الديمقراطي , فبرلمان إئتلافي تتصارع فيه الأحزاب الكبيرة مع الصغيرة , هو ضمان لصمام الأمان ومناهضة هيمنة الرأي الواحد لزعيم , مهما بلغت درجة مهارته وخبرته السياسية .
ولوكان البرلمان البريطاني به معارضة قوية لعارض الحرب على ما يسمى بالإرهاب بهذا الشكل غير الديمقراطي , وأدان في الوقت نفسه حرب إسرائيل على لبنان وتدميرها البشع . إن الديمقراطية لا يمكن لها فرز الحروب والعدوان وإستخدام إسلوب التجويع لقمع شعب أخر مارس الديمقراطية ! . إن بريطانيا من خلال حكومتها مارست سياسة الضغط ومنع المعونات عن الشعب الفلسطيني , لأنه إختار حكومة < حماس > بإقتراع حر ومباشر . وقامت إسرائيل نفسها بإعتقال نواب من المجلس التشريعي ورئيسه ووزراء في حكومة منتخبة . ووقفت الديمقراطية البريطانية عاجزة عن إدانة هذه الأفعال الخرقاء ! .
إن الديمقراطية الغربية سقطت في محيط الأخطاء , وتلوثت تقاليدها بالعدوان وإشعال الحروب وإستعباد شعوب أخرى . إن الرأي العام البريطاني يتشابه مع الأخر في العالم الثالث , يستمع لأكاذيب الحاكم ويصدقه . إن بلير يقول أن قواته في العراق وأفغانستان تساند الديمقراطية والحرية , وتساعد على تأسيس حياة جديدة . لكن ما يقوله رئيس الوزراء البريطاني يتعارض مع الإعتداء على كرامة الإنسان في سجن < أبو غريب > ومعسكرات التعذيب في العراق مع قتل الأبرياء حتى وصل الرقم إلى مئة ألف شخص . أين الديمقراطية من هذا العنف والغزو والإستيطان في الأراضي الفلسطينية ؟ .
ويصفون إسرائيل بأنها دولة ديمقراطية ! . فما هي هذه الإنجازات ؟ .التي في مجملها تعتمد على تصفية شعب أخر , والإستيلاء على منازله وأرضه , ومن يعترض يواجه بالقتل والإغتيال والتدمير بطائرات الأباتشي وإف 16 ! .
لقد تورطت الديمقراطية الغربية في هذا الإثم , وهي لا ترى الجرائم التي ترتكبها في حقوق شعوب ضعيفة لا تملك الترسانة العسكرية التي لدى دول الغرب من أسلحة الفتك والدمار والقنابل العنقودية والصواريخ الذكية التي أستخدمت في ضرب لبنان .
هذا الموقف غير الديمقراطي , هو الذي يفجر ردود الفعل العنيفة , والعمليات الإنتحارية . إن الشعوب من حقها الرد على ديمقراطية بهذه الهمجية والتسلط .
وتعتقد < كلير شورت البرلمانية الممتازة , أن الأغلبية الكاسحة في البرلمانات ضارة بالديمقراطية . وهذا ما حدث في بيئات عريقة متمرسة على سماع الرأي الأخر . فما هو حالنا نحن تحت حكم أغلبية جاهلة وباطشة وفاسدة أيضاً و تستخدم كل الحيل للبقاء والإنفراد والنهب , دون خضوع لقانون أو شرع أو دستور , مما يترتب عليه ضعف جميع قوى المجتمع إلا هذه الأغلبية المستبدة , التي تتعملق وتنمو مثل الوحش المخيف , وتدعي أن ما تقوم به ديمقراطية ! . وإذا كان ما تقوله كذباً هو هذا الإدعاء , فما هي الديكتاتورية إذن ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نيويورك تايمز: صور غزة أبلغ من الكلمات في إقناع الآخرين بضرو


.. فريق العربية في غزة.. مراسلون أمام الكاميرا.. آباء وأمهات خل




.. تركيا تقرر وقف التجارة بشكل نهائي مع إسرائيل


.. عمدة لندن صادق خان يفوز بولاية ثالثة




.. لماذا أثارت نتائج الانتخابات البريطانية قلق بايدن؟