الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خاطرة حول بعض فصول الشعوذة السياسية في ميزان مفارقات الحرية...! دستور الرئيس سعيد نفي للحرية و لشرطها الاجتماعي...!

عمران مختار حاضري

2022 / 9 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


خاطرة حول بعض فصول الشعوذة السياسية في ميزان مفارقات الحرية... !
* دستور الرئيس سعيد نفي للحرية و لشرطها الاجتماعي...!

* المعلوم "أن نظرية" الحرية تنقسم إلى ثلاثة اتجاهات رئيسية كبرى و هي: الماركسية و الوجودية و الكلامية ( علم الكلام ) المستحدثة و هذه الإتجاهات الثلاثة متأصلة في بحوث الفلسفة الألمانية و تحديداً تتميز الفلسفة الألمانية بنقدها ليبرالية عصر الأنوار التي حاولت الثورة الفرنسية تطبيقها تطبيقا شاملاً و إذا كانت نظرية الحرية تقدم على نقد الحرية الليبرالية فلا غرابة أن تستعيد بعض مواقف علم الكلام و الفلسفة الكلاسيكيين... لا شك أن قارىء شيلينغ و هيغل يتلمس تقاربا في تحليلاتهما و تحليلات سبينوزا و لايبنتز ... كل هؤلاء يضعون قضية الحرية الإنسانية في نطاق المطلق أي في نطاق مفهوم الله عند الكلاميين في الغرب كما في الشرق (عدى بعض الاستثناءات في العالم العربي على سبيل المثال، كالمعتزلة و الباطنية و بروز نزعات مادية) ...!
*لذلك كانت نظرية الحرية عند الألمان فلسفة كلامية بصفة عامة، إلا أنها فلسفة كلامية إنسانية تدور حول الإنسان لا حول الله...! و هذا ما انتبه له فيورباخ... كان هدف الفلاسفة الكلاسيكيين المحافظة على حرية الله المطلقة مع الإعتراف بوعي الحرية عند الإنسان...! أما بالنسبة ل هيغل فهو باعتقادي لا يناقض هذا التمشي الاطلاقي الكلاسيكي لكن يربط الحرية بالدولة و ضرورة إختيار الفرد مضمونا لا يمكن أن يكون سوى العقل أو مغزى التاريخ... لكن ماركس لا يؤله الدولة كما يفعل هيغل بل يضع محلها الطبقة، طبقة العمال الذين يمثلون الإنسان الإنساني الصرف، غير المقيد بالملكية و بالتقاليد و الأعراف... حيث هذا الإنسان الإنساني هو مضمون و ضامن حرية الفرد وإلى أن يتحقق ذلك، تبقى الحريات ناقصة و غير ناجزة و معركة تحرر متواصلة ...! هيغل يضع الحرية في بداية التاريخ بينما تضعها الماركسية في النهاية و معركة تحرر متواصلة في إطار اجتماعياتها و بصفة أعمق و أكثر شمولا ، علما أن ماركس يقبل نوعاً ما "بالتحديد المطلق للحرية لكن كمرحلة فقط في مسار الفرد البشري و يرفض أن يفصلها عن الذات الإنسانية التي تشكل وعاءها الوحيد في هذا الكون" ...! بالقضاء على الملكية الفردية و عندما يستوعب الإنسان العلوم و يتحكم في الطبيعة،،، و بالقضاء على الملكية يتحرر الإنسان من تحكم أخيه الإنسان و بامتلاك العلوم يتحرر من تحكم قوى الطبيعة...! و هكذا يتحرر من الفقر و الخصاصة و المرض و التطاحن الناتج عن انقسام المجتمع إلى ملاكين و مستخدمين...و من نافلة القول التذكير بأن المجتمع لا يتحرر كله دفعة واحدة وانما تفرز طليعة يلتقي فيها أرقى أنماط الإنسانية المتواجدة: العامل الصناعي المتحرر من قيود الملكية و العادات و المثقف الثوري المتحرر من التراث الموروث... و تلك الطليعة توحي بما سيكون عليه المجتمع الحر في المستقبل...بتنظيمها المبني على المبادرة و النقاش المتكافىء و النقد العلمي المتبادل و احتكام الجميع إلى الممارسة التي هي في الميدان الاجتماعي كالتجربة في العلم الطبيعي ، أي الفصل بين المعقول و اللامعقول ، بين المنطق العلمي و المنطق الزائف، بين طريق الحرية و طريق العبودية...!
*لكن و في المقابل ، فإن الوجودية تنطلق من الحرية و منها فقط...! منذ تأسيس المذهب الوجودي على يد كير كرغارد حتى سارتر الذي يقول:" أن الإنسان محكوم عليه أن يكون حرا"...! تقر الوجودية الحرية كظاهرة طبيعية بديهية تماماً كما تقرها الليبرالية، غير أنها تنقل ميدان الحرية من المجتمع إلى نفس الفرد، فتقف وقفة دائمة حيث تبدأ الليبرالية مسيرتها نحو تغيير النظام المجتمعي طبقا لتوجهاتها ،،، و كذلك تعويض مفارقات الحرية عند التطبيق بمفارقات لفظية" صادرة عن وضع الفرد موضع التساؤل" و من هنا كان الأدب الوجودي لفظيا يدور في ذهن الفرد المثقف"...! ناهيك إن المذهبين الماركسي و الوجودي يلتقيان في انتقاد الطابع الشكلي و السطحي للحريات الليبرالية لتغييب سياق اجتماعيات الحرية، لكنهما في نفس الوقت يدعوان و بخاصةً الاتجاه الماركسي إلى حرية أكثر عمقا و شمولا و عدلا...!
* أما المتصوفة و الفقهاء بصفة عامة، فهم يقرون أن الحرية في مفهومها إلهية ، "و أن يكون الإنسان حرا يعني أن يريد الحرية التي أرادها له الله في حكمته" ، كما بينها الشرع ...!
*و في سياق مفارقات الحرية و محاولة استنطاق اتجاهاتها الرئيسية ،حري بنا تونسيا، التنبيه إلى أن رؤية الرئيس قيس سعيد من خلال مشروعه الشعبوي اليميني المحافظ و التي لا تمثل بديلاً لا سياسياً و لا طبقيا عن قطب بقايا النظام القديم كما قطب الاسلام السياسي الإخواني،،، و التأكيد على أنها، لا تخرج عن سياقات هذا الإتجاه الفقهي الإسلامي المقاصدي المحافظ كما تجسد في دستوره الذي يكرس الحكم الفردي المطلق الغير خاضع للمراقبة و المسائلة و يلغي مدنية الدولة و عدم التنصيص على دمقرطة التعليم و عصرنته و إلغاء جل الهيئات الدستورية و تغييب التنصيص على قيم الحداثة الحقيقية التي عمادها العقل و الحرية و حقوق الإنسان الكونية...و إلغاء السلط و اعتبارها مجرد وظائف...! و ادراج كلمة" نظام ديمقراطي" عوضا عن مجتمع ديمقراطي اتساقا مع نوع من التحيلية السياسية في التوجه الشعبوي ... و إلغاء اللامركزية و السلطة المحلية و الأخطر تغييب المسألة الاقتصادية والاجتماعية العامل الأساسي في اندلاع الثورة و محاولة الدوس على شعارها المركزي في الشغل و الحرية و الكرامة الوطنية...! بالتالي مشروع الرئيس سعيد هو "ثورة في الإسلام السياسي" بأدوات جديدة و مستحدثة ، باءعادة تسييس الدين على أسس نيوليبرالية يعني إعادة الأسلمة لا تكمن بالضرورة في الشعارات التقليدية التي يرفعها الاسلام السياسي ، إنما هي قناة و جسر عبور ل" خصخصة الدولة" و الاقتصاد و القضاء على ما تبقى من دولة الرعاية الاجتماعية المدمرة أصلا ... و التسويق لنمط من التدين في سياق عملية برجزة داخلت عملية الأسلمة كالسياحة الحلال و التجارة الحلال و إنتشار الجمعيات الخيرية" في مقاربة شبيهة ب "إسلام السوق" و ب تيار المحافظين الجدد في الولايات المتحدة الأمريكية ... و هكذا يخرج الخطاب الإسلامي من المساجد ليباع و يسوق له في السوق الكبير...! لهذه الاسباب و غيرها تم تفخيخ الدستور المتدثر بحداثة شكلانية مزيفة و فقه الآيات و جزمة الجنرالات،،، و يستبطن مخاطر ارتدادية على الهامش النسبي و المحدود في الحريات و بعض المكاسب التحديثية النسبية و الجزئية التي فرضتها نضالات اجيال... إضافة إلى الحفاظ على نفس الخيارات القديمة المتازمة التي ثار ضدها الشعب و اعتماد نفس المنوال التبعي الريعي الخدمي البنكي و الامعان في المديونية الخارجية و التقشف و الخصخصة و تفكيك ما تبقى من بعض المكاسب الجزئية في الرعاية الصحية و الاجتماعية و التعليم العمومي التي جرى و يجري تدميرها قصديا لفائدة لوبيات الاستثمار الخاص...! و الحفاظ على نفس الاتفاقيات المشينة و المنتهكة للسيادة و الانخراط الطوعي في سياسات صندوق النقد الدولي الكارثية كآلية للاستعمار الجديد و الامعان في سياسة التجهيل و التفقير و التجويع و تحويل المواطنين إلى متسولين نسقيين و مجرد ذرات تائهة في صحراء النيوليبرالية التبعية... بالتالي مشروع الرئيس سعيد كحاكم بأمره، هو ثورة مضادة داخل الثورة المضادة و صراع داخل نفس المنظومة النيوليبرالية التبعية على مذبح شهوات الحكم... و تنكر للشعب و انتظاراته و للوطن و سيادته... و دون هذا و ذاك هو في تماه و اتساق مع هكذا اتجاه فقهي مقاصدي موغل في المحافظة ، مرر في دستوره ما لم تقدر على تمريره حركة النهضة الإخوانية و توابعها و هذا ما تبلور في بعض فصول الدستور الفاقد للشرعية و المشروعية و بخاصةً الفصل الخامس منه الذي ينص صراحة على الانتماء للأمة الإسلامية و على التزام الدولة ب مقاصد الاسلام/ الشريعة فيما يطلق عليها " الكليات الخمس" حيث " حفظ الدين و العرض و النفس و المال،،، فقط حرص على تعويض العقل ب " الحرية" ليس انتصارا للحرية كقيمة إنسانية و ضرورة حياتية في مفهومها الليبرالي حتى ، لكن بصفة رئيسية، تماهيا مع الاتجاه الفقهي المقاصدي المحافظ كما أشرنا و ربما أيضا يلامس مقاربة هيغل الذي يقر مبدأ "الحرية الحرة" و هذه الحرية المطلقة هي الإله و في سياق آخر يعتقد أيضا أن:"الحرية هي المطلق و المطلق هو العقل المجسد في التاريخ و في الدولة... يعني أن يكون الإنسان حرا هو أن يقبل ضرورة الحرية ، أي أن يستوعب منطق التاريخ و يتماهى مع هدف الدولة ، بالتالي يبدأ كلا التحليلين بالحرية المطلقة و ينتهي بالتماهي مع الشرع أو مع الدولة القائمة و هذا يلتقي مع كافة تمثلات الاسلام السياسي فضلا عما نلاحظه عيانيا من مؤيدي الرئيس سعيد الشعبوي النيوليبرالي التبعي المحافظ من الدهماء كما من بعض النخب في ظاهرة تحيل على "الداروينية الاجتماعية" حيث البقاء للأصلح داخل المنظومة النيوليبرالية التبعية الرثة كما تحيل على ظاهرة " اليسار الهيغلي" حيث هيغل الذي انبهر بالثورة الفرنسية لكن لما فشلت و تم السطو عليها من تيار الثورة المضادة عاد هيغل ليدعم بونابرت معللا ذلك بضرورة دعم الدولة و التماهي مع أهدافها مبررا "أنها مجسدة للعقل و التاريخ و أن كل ما هو واقعي ، عقلاني و كل ما هو عقلاني واقعي "...!
*كما يتحتم الإشارة إلى أن رؤية الرئيس سعيد المقاصدية المحافظة لا تنسجم مع بعض المتصوفة أمثال علال الفاسي و حسن حنفي اللذان يقران بنفس المفهوم الاطلاقي "للحرية الحرة" المتجسدة في الإله غير أنهما لا يرفضان الحريات الليبرالية ، كبعض الفقهاء المحافظين الذين يتماهى مع رؤيتهم الرئيس سعيد و مريدوه من فاقدي البوصلة و البسطاء الذين يعانون الاستلاب ، و فقدان الثقة بالنفس و عدم القدرة على الحد الأدنى من التفكير العلمي،،، فعادة من يشعر بالضعف و الهزيمة و الوهن في داخله يبحث عن مصدر قوة خارجية ليتوهم أنه وجدها في الزعيم الملهم المنقذ الأوحد....!
*المهم من هذا العرض هو التأكيد على مسألة اجتماعيات الحرية و أنها معركة تحرر مستمرة في سياق التطور التاريخي... و في سياق التحرر الوطني و الانعتاق الاجتماعي بأفقة الإشتراكي ...و أن دستور الرئيس سعيد مناف للحرية و العقل و التاريخ وأن الحرية مهمة نضالية و معركة تحررية و ضرورة حياتية و ليست بحثا أكاديمياً لكن البحث فيها و في مفارقاتها يبقى وسيلة للاحتفاظ بها على رأس جدول الأعمال الأطياف الديموقراطية الاجتماعية التقدمية الوطنية الناهضة و ضرورة توفير شرطها الاجتماعي حيث يكون النضال من أجل الحرية بالتوازي مع النضال من أجل الديمقراطية الاجتماعية بما تعنيه من عدالة اجتماعية منشودة في كافة مفرداتها...!
صحيح أن الشعب التونسي لم يجني من ثورته ، غير خيبة الأمل...لكن معركة التحرر متواصلة و بعض من الحرية مع الألم ، أفضل من عبودية واهمة متدثرة بشعارات حداثية مشوهة زائفة و بفقه الآيات و قمع الحريات...!
عمران حاضري
2/9/2022








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تطبيق يتيح خدمة -أبناء بديلون- لكبار السن الوحيدين ! | كليك


.. تزايد الحديث عن النووي الإيراني بعد التصعيد الإسرائيلي-الإير




.. منظمة -فاو-: الحرب تهدد الموسم الزراعي في السودان و توسع رقع


.. أ ف ب: حماس ستسلم الإثنين في القاهرة ردها على مقترح الهدنة ا




.. متظاهرون مؤيدون لفلسطين يلاحقون ضيوف حفل عشاء مراسلي البيت ا