الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو نظام دولي يضمن الحرية والتطور المستقل لكل دولة

سعيد مضيه

2022 / 9 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


باتريك لورنس كاتب ومحلل سياسي دائم الانتقاد لسياسات اميركيا الدولية ولنظام الأبارتهايد في إسرائيل. أحدث كتبه " الزمن لم يعد يسمح: الأميركيون بعد القرن الأميركي". والقرن الأميركي هو نظام القطب الواحد الذي أعلنه المحافظون الجدد برئاسة ديك تشيني وبول وولفوويتز عام 1992، اي مباشرة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. اعجب باترك لورنس بمضمون خطاب بوتين مؤخرا امام مؤتمر الأمن الدولي. كتب لورنس: " تأكيد بوتين بأن هذا النظام الدولي الجديد سوف يستقر على ’التطور الحر المستقل القائم على الهوية والتقاليد والقيم المتميزة لكل شعب‘، ما هو إلآ إعادة الإقرار بمرافعة برودسكي ضد الموقف الأميركي[الكاوبويز] ما بعد الحرب الباردة". جاء ذلك في المقال التالي المنشور على موقع " كونسورتيونم نيوز"في 22 آب / أغسطس 2022:
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في خطابه الذي ألقاه أمام مؤتمر موسكو للأمن الدولي، وهو مؤتمر تستضيفه الحكومة الروسية كل عام، شرح بالتفصيل فكرة عن عالمنا تنطوي على أهمية بالغة. قال بوتين:
الحالة الدولية تتغير بصورة دينامية وتتشكل الخطوط العريضة لنظام دولي متعدد الأقطاب . عدد متنام من الدول شرعت تختار دربا يفضي الى الحرية والتطور المستقل قائم على الهوية والتقاليد والقيم المتميزة.
ذلك العالم متعدد الأقطاب ، البازغ كان واضحا لشعوب عدة منذ زمن – على اقل تقديرمنذ العام 1989 ، عندما هدم الألمان جدار برلين. ومنذ لك الحين ، وأنا على قناعة بأن الانتصارات التي حققتها شعوب آسيا وإفريقيا بعد العام 1945، أثناء "حقبة الاستقلال"، قد حطمت النير الكولنيالي وراح معظم البشرية يتطلعون للنظام الدولي الجديد، الذي وصفه بوتين، وتبنى أسسه. اما الولايات المتحدة وحلفاؤها فقد ردوا بقمع تطلعات الشعوب بتدشين الحرب الباردة.
قمْع تطلعات الشعوب كانت من أبرز سمات الحرب الباردة. عندما قسم الغرب المجتمع الدولي ضمن كتل ، كانت النتيجة ان أرغم الغرب بقية البلدان على اختيار هذا الجانب أو ذاك. والحصيلة ان هوية ما قد فرضت: بات بمقدور مراسلي الميديا أن يكتبوا عن "سينغافورة الموالية للغرب"، او "سوهارتو، الحليف القوي للولايات المتحدة."
لو رجعنا أكثر للوراء ، فقد برزت حركة عدم الانحياز، التي تبلورت بالتدريج في خمسينات القرن الماضي ليتم الإعلان الرسمي عنها عام 1961 في مؤتمر بلغراد ، حيث كان جوزيف بروز تيتو رئيس يوغوسلافيا، وكانت في حينه حركة مقاومة للخيارات القاسية للحرب الباردة. أبدا لم ينضب النبض الدافع للحركة، إذ ما زالت الحركة حية، حقا – لكن انقسام شرق-غرب ترك أثره الرهيب عبر السنين.
هذا النابض بالذات هو الذي استعاد تدحرجه في نوفمبر 1989؛ أعيد فتح النافذة المطلة على عالم متعدد الأقطاب. وتلك النافذة بالذات هي التي شرع الأميركيون إغلاقها من جديد خلال السنوات الاحتفالية في عقد التسعينات، وذلك بإصرارهم على أن يتبع الاتحاد الروسي ، وكل دول ما بعد الحرب الباردة، المثال الأميركي. كتب الشاعر جوزيف برودسكي ، الذي عاش في نيويورك في تلك الأثناء، الى صديقه فاكلاف هافل وكان حينئذ رئيس جمهورية تشيكوسلوفاكيا الخارجة من نظام الاشتراكية ومن حلف وارصو، ان الأميركيين يمثلون دور الكاوبوي مع الهنود الحمر ، وهم يحاولون من جديد تجربة روتين ’ تماما مثلنا‘. وجدت روسيا وبقية العالم نفسها مضطرة لإيجاد طريقها الى القيم الكونية التي تقر بها أميركا ، كما كتب برودسكي، لكن "توجب عليها ان تجد طريقها بأسلوبها الخاص: كل أمة لها أسلوبها ، وليس بتوجيه من الكاوبويز، يمتطون الجياد ويمتشقون السلاح."
تقف روسيا عند الطرف الأمامي لهذه الحركة التاريخية. وتزداد ثقتي بأن روسيا سوف تدفع العالم، بالتعاون مع قادة الدول غير الغربية – جين بينغ، أجل ، لكن ليس الرئيس الصيني وحده-من أجل نظام عالمي دائم متعدد القطبية باعتبار ذلك المبدأ المحوري.
أقول هذا لأسباب ليست قليلة ؛ تأكيد بوتين بأن هذا النظام الدولي الجديد سوف يستقر على " التطور الحر المستقل القائم على الهوية والتقاليد والقيم المتميزة لكل شعب"، ما هو إلآ إعادة الإقرار بمرافعة برودسكي ضد الموقف الأميركي[الكاوبويز] ما بعد الحرب الباردة.
بالرجوع أكثرالى الوراء ذكرتني ملاحظات بوتين بالمبادئ الخمس التي طرحها شو إن لاي ، رئيس وزراء الصين في منتصف عقد الخمسينات من القرن الماضي، والتي شكلت القاعدة التي قامت عليها المبادئ العشر لحركة عدم الانحياز التي فصلها مؤتمر بلغراد عام 1961. هذا هو البئر الذي منه استقي ثقتي.
واصل بوتين خطابه أمام مؤتمر الأمن الدولي وقال:
"ان هذا السيرورات الموضوعية تلقى المعارضة من قبل نخب الغرب الكونية، التي تثير الفوضى وتلهب النزاعات الجديدة طويلة الأمد وتنهج ما يدعى سياسة الاحتواء، التي تبلغ في الحقيقة مستوى تخريب جميع الخيارات البديلة المستندة الى التطور المستقل. بذا فهم يسعون بأقصى طاقتهم للقبض على سلطة الهيمنة التي تنزلق شيئا فشيئا من بين أيديهم؛ وهم يبذلون المحاولات للا حتفاظ بالبلدان والشعوب في قبضة ما هو من حيث الجوهر النظام الكولنيالي الجديد."
لغة بوتين القوية تلك : " النخب المعولمة" ، " نظام كولونيالي جديد"؛ اما الجمهور المصغي لبوتين فيضم عددا من ممثلي المستعمرات السابقة ذات هويات معلنة بصفتها أعضاء في " العالم الثالث" أو " الجنوب العالمي"، ممن يرغب بوتين الارتباط المباشر معهم مباشرة.
تتضح ، بالنسبة لمحلل سياسي مثلي ، اكتب عن هيمنة الغرب ونوايا التخريب التي تضمرها الولايات المتحدة وحلفاؤها باعتبار ذلك حقيقة النظام الدولي الجديد؛ اما ما يقوله رئيس إحدى أقوى بلدان العالم، بنفس اللغة فهو شيء آخر. وهذا يؤكد حدسي ان بوتين قد تحول الى زاوية أخرى في التفكير.
اؤرخ لهذا التحول عندما أعلن في بيان مشترك مع الرئيس الصيني في الرابع من شباط بمناسبة الألعاب الشتوية في بيكين – عشرين يوما قبل ان تستأنف روسيا التدخل في أكرانيا. فالبلاغ المشترك الصادر عن الرئيسين بصدد دخول العلاقات الدولية حقبة جديدة والتطور المستدام بالكرة الأرضية بيان هام وبارز.
يبدو هاما توقيت صدور الإعلان؛ وكما كتبت في مناسبات متعددة ، تخلت قيادة الصين عن أي إحساس بالعلاقة مع الولايات المتحدة بعد مبارزتهم الكارثية مع مسئولين أميركيين في أنكوريج قبل أحد عشر شهرا؛ من كل ما حدث تباعا قرر جي ومجلس وزرائه بوضوح ان الصين تفضل المضي في طريقها الخاص والتوقف عن الاهتمام بتلطيف دولة تبقى قوية لكنها محشورة بالماضي.
وكما أقرأ الأشياء توصل بوتين لنفس الحكم تقريبا في 4 شباط/ فبراير. فقد أسفرت عن لاشيء جميع الجهود التي بذلتها روسيا للتحدث بمعقولية مع الولايات المتحدة وحلف الناتو ، باستثناء الصد والهذر الخطير. ويبدو أن بوتين وجي رسما خطا – او انهما وافقا على الخط الذي رسمه الأميركان: إذا كنتم مصرين على علاقات المجابهة، فلكم ذلك." إنهم يقفون في طريق العالم" تلك هي الترجمة البسيطة لمجمل العبارة.
عندما صمم بوتين على الوقوف بثبات مع النظام الدولي الجديد، بالأسلوب الذي تشكل في الشتاء يتحدث عنه الأن بوضوح لافت للنظر وبدون تهويمات. "البيان المشترك" حمل اكتشافا أبعد أفقا بكثير للأفكار التمشتركة في مؤتمر الأمن في 16 آب / أغسطس.
التفكير متطور الآن؛ والتزام بوتين واضح تماما- سبب آخر أثق بان عالما متعدد الأقطاب سوف يكسب الرهان ضد فردانية واشنطون.
ان توقيت الخطاب وغير ذلك مما فعله بوتين منذ الشتاء الماضي ، تتجلى فيه السخرية وهو يتناول مواضيع ذات جاذبية تاريخية ، بينما نشهد سيرورة مواقف في بريطانيا تعبد طريق ليز تروس لأن تراس الحكومة القادمة في بريطانيا.
تروس هي ما يطلق عليه الأميركيون قطعة عمل ؛ بدون شك ستكون الأغبى وأقل رؤساء الحكومة خطورة في التاريخ البريطاني الحديث- وانا واثق انني لست متمسكا بكلمة "الحديث". بروزها السياسي يرمز للتردي في نوعية القيادات في الغرب عموما؛ فالرئيس الأميركي تبدو عليه امارات الوهن الذهني والفسيولوجي نظرا للهرم، بينما المستشار الألماني عاجز عن المضي في الدرب الذي اختار. وهكذا تمضي الأمور!
عصا " القيادة الكونية" ذاتها التي يأتي جو بايدن على ذكرها في كل مناسبة تنتقل لأيدي قادة غير غربيين ، بينما يستسلم الغرب لمجرد الاستيعاب الذاتي.
المهمات التي تنتظر على الدرب أكثر من أن تحصى؛ والبشرية بأمس الحاجة لنظام جديد يضع بين أيديها تاريخها وثقافاتها وتقاليدها ونماذجها الاقتصادية وسياساتها وشئونها الداخلية.
لكن تبقى مسئولية تتطلب منا تأكيدها.
روسيا تستحوذ على نفوذ هائل من مخزون المواد الضخم الذي تحويه، أهمها النفط والغاز الطبيعي؛ أبرمت في المدة الأخيرة اتفاقات طاقة هامة مع الصين والهند وإيران خطوات باتجاه تطوير الدول المستقلة . غير أن التطور لا يمضي دون الأخذ بالاعتبار مسالة تغير المناخ، والبيئة الكونية ومستقبل البشرية.
قوى الغرب لا تبدي جدية في تناول هذه المسائل؛ فهي منومة بالأرباح ، وبما قد يعتبر فسادا غير مسبوق بالقياس للمصالح المتضاربة لقياداتها السياسية. يبدو هؤلاء الناس راغبين ترك الأرض تحترق بينما هم يحصون ثرواتهم المتكاثرة أبدا وسقاية سهوبهم والناس من حولهم عطشى لمياه الشرب.
إذا قدر لقياة العالم ان تنتقل الى غير الغرب فإن هذه المسئولية تحضر مع القيادة. قيادة بوتين لروسيا ، وجي للصين وقيادة إيران لشعبها وكذلك في كوبا والبلدان ال 190، تتجسد في مساعدة تلك الشعوب على الحصول على الكرامة ودرجة من البحبوحة.
غير أن القيادة غير الغربية مطالبة بتحمل المسئولية تجاه بقية شعوب الكرة الأرضية أيضا؛ وهذا يشمل المواطنين داخل كل دولة، مثل الولايات المتحدة الساعية لإغراق المشروع.
أوضح قادة الغرب و"نظامهم الدولي القائم على القوانين" بشكل تام انهم سوف لا يعملون شيئا إزاء التغيرات المناخية إلا ضمن هوامش غير مضطردة. يتوجب على كل من بوتين وجي وغيرهما من القادة غير الغربيين، حين يتسلمون القيادة، أن يطوروا التفكير والأفكار والسياسات. لا أود ان اكون في مكانهم؛ لكن كيف بمقدورنا النظر للأمام نحو نظام عالمي جديد إذا تخلف من يقودونه عن التصرف لمصلحة العالم كله؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى الباكالوريا- مراجعات في برنامج العربية: الحماسة- التوح


.. فرانس كافكا: عبقري يتملكه الشك الذاتي




.. الرئيس الإسرائيلي يؤكد دعمه لحكومة نتنياهو للتوصل إلى اتفاق


.. مراسلتنا: رشقة صواريخ من جنوب لبنان باتجاه كريات شمونة | #را




.. منظمة أوبك بلس تعقد اجتماعا مقررا في العاصمة السعودية الرياض