الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نظرية الحق في الإسلام

نادر عمر عبد العزيز حسن
كاتب و باحث و أكاديمي و طبيب

(Nader Hassan)

2022 / 9 / 5
حملات سياسية , حملات للدفاع عن حقوق الانسان والحرية لمعتقلي الرأي والضمير


كان سطوع مفهوم " الحق " في الإسلام كمفهوم قائم بذاته ومن ثم إكتمال نضوجه ليصبح بعد ذلك " نظرية " ملحمه تاريخية ناجمة عن تلاحم و تعانق الدين و الفكر البشري على مدار العصور و الأزمنه, و هي عمليه لاستكمال رحلة الإنسان منذ بداية الخليقه لفهم ذاته و علاقته بمن حوله . جاء القرآن ليوقظ الضمير الإنساني و يخرجه من غياهيب الظلام و التخبط منادياً على شئ مطمر في الضمير الإنساني الحي و هو " الحق " الذي هو الضميمه الإنسانية التي تميز بها الإنسان , الممزوجه بفكره ووجدانه " " . " الحق" و هو الذي دائما ما يكون في حالة الإنتظار الدائم لكل فكر أو دين عبر الأزمنه و العصور ليعيده و يقومه و يطبقه لأنه جزء فطري متمكن في قريرة الإنسان . جاء –أي القرآن – و به لفظ " الحق" و هو أحد أسماء القرآن ذاته في ثلاثة و ثمانين و مائتي موضع , جاء أكثرها بصيغة الاسم و في اثنين و عشرين موضعاً بصيغة الفعل داخلاً في كل الأصول و الفروع الإسلامية في الإسلام نظرياً و عملياً بدلالاتها الواسعى , نظرياً في ذكر العقائد فقد جاء " الحق " في الإلهيات بمعنى الله و التوحيد و في النبوات بمعنى الإسلام و القرآن وفي السمعيات بوجوب العذاب على الكافرين و عملياً في ما يخص التشريعات كالمعاملات على سبيل المثال جاء " الحق " بمعنى الدين الذي في الذمه و جاء بمعنى الأولوية و الأحقية و النصيب و في الأخلاق جاء بمعنى الصدق و الواجب . وهذه التقسيمات كانت محل نظر العلماء المسلمين من أصحاب الحكمة قبل أصحاب الصنعة الفقهية والذين قد وعوها حق وعاية , فأصحاب الحكمه "الحق" من وجهة نظريهم يتم بالوقوف خلف الأدلة اليقينيه و مفراداتها الداله و دلالة الألفاظ و معانيها من حيث قربها و بعدها عن المنطق و القياس البرهاني , وأصحاب الصنعه الفقهيه و الإجتهاد و السعي حول دلالة "الحق "في التشريعات و أثره في صدور الحكم و الفرق بين "الحق " و " الواجب " و حقوق المسلم ماله و ماعليه من حقوق في تفرعات الفقه كالعبادات و المعاملات , وبالحكمه و الفقه يتعين مقصود الشرع وخير دليل على ذلك مقولة الفيلسوف القاضي " ابن رشد " 595 ه في " فصل المقال" : " و ينبغى أن تعلم أن مقصود الشرع هو تعليم العلم الحق و العمل الحق " وفي " الرسالة " للشافعي204 ه " والقياس ما طُلب بالدلائل على موافقة الخبر المتقدم، من الكتاب أو السنة؛ لأنهما عَلَمُ ‌الحق المفتَرَضِ طَلَبُهُ، كطلب ما وَصَفتُ قبله، من القبلة والعدل والمثل " و ما بين أصحاب الحكمه و أصحاب الفقه أصحاب علم أصول الفقه و جريهم خلف الأدله الإجماليه التي من خلال إستنباط الأحكام من الأدله التفصيليه , و بهم تتضجت الثمرة و أينعت والثمرة هي نظرية " الحق " و حان قطافها على أيديهم بعدما تدرجت في مراحل زمنية مختلفه بدءاً من إقتصار الفقهاء على المعنى اللغوي" للحق " . ومن خلال تتبع تلك المراحل الزمنيه يتضح تظافر جهود الفقهاء و المتكلمين و أصحاب الحكمه و المتصوفه و مدى التراكم المعرفي للتنظير لمفهوم " الحق " الذي تحول فيما بعد لفكرة بنيويه فيما في الكلام عن " بنيوية الحق " . فأفكار "المقاصد " و " العلل " و " التحسين و التقبيح العقليين " على وجه الحصر كان لها كبير الأثر في بلورت " نظرية الحق " و هذه الأفكار كما هو معروف كانت شغل العلماء الشاغل على أختلاف فنونهم و فرقهم و إتجاهاتهم . إن علم " أصول الفقه " و هو النتاج الفكري الحقيقي للثقافة و العلم الإسلامي على أختلافه كان البيئة الخصبه لنمو " نظرية الحق " و هي حيث " الرسالة " للشافعي و التي كونت البداية الحقيقية للنظرية . و إلى أن نصل لنظرية " الحق " المكتمله لزم أن تبين كيف كان " الحق " عند فقهاء صدر الإسلام و اللغويين هل كان " الحق لغوياً على الأكثر أم إصطلاحياً على الأغلب و ما مدى اللغوية في إستخدامهم " للحق في فقههم ؟ ثم ما هي عوامل نشأة " الحق " كنظرية فيما بعد و جهود العلماء المسلميين من كافة الأطياف و الفنون في ذلك وكيف كانت إرهاصاتها و كيف تكونت النظرية تدريجياً عبر القرون الهجرية ؟ وبعد تكون " نظرية الحق " هل يمكن أن تمكننا الدراسة البنيوية للنظرية من الوقوف عليها بفعاليه أكثر من الدراسة التاريخية ؟ إلى أي مدى كانت دراسة بنية " نظرية الحق " لها كبير الأثر على العلماء المسلمين المعاصرين في تبيان النظرية " كنظرية الحق عند وهبه الزحيلي مثلاً . من خلال تلك الأسئلة يمكن أن تكون محاولة الإجابة عنها عن طريق ثلاثة مباحث , المبحث الأول " الحق " لغةً و اصطلاحاً في الإسلام "و هو فصلان , الفصل الأول " لفظ " الحق " في اللغة من حيث المبنى و المعنى" و الفصل الثاني "المعنى الاصطلاحي " للحق " في الإسلام " , المبحث الثاني " التتبع التاريخي لنظرية " الحق " في الفقه واًصوله " وهو في ثلاثة فصول , الفصل الأول " عوامل نشأة نظرية " الحق " و إرهاصاتها الأولى" ,و الفصل الثاني "مراحل تتابع النظرية تاريخياً "و الفصل الثالث "العوامل المؤثر في التنظير " للحق " من خلال الفقه و أصوله ", المبحث الثالث " بنية نظرية الحق " وهو ثلاثة فصول , الفصل الأول " تحليل بنية نظرية الحق " و الفصل الثاني " التحليل النسقي لنظرية الحق , الفصل الثالث " نموذج على إكتمال نظرية الحق و تحليل بنيتها "كنظرية الحق عند وهبة الزحيلي" .
المبحث الأول : " الحق " لغةً و اصطلاحاً في الإسلام :
الفصل الأول : لفظة " الحق " في اللغة من حيث المبنى و المعنى :
" الحق " من حيث المبنى :
مشتق من الجذر ح , ق , ق تقول " حق الأمر يحق " , بكسر الحاء و ضمها في المضارع , حقاً أي ثبت ووجب , و الحق هو الثابت و اللائق و الصحيح , و الأمر المتحقق وقوعه , و الحقيقة في العُرف هي مطابقة الاعتقاد للواقع ,و مفهوم الحق في اللغه العربية و هي أن لفظ "حق " يتداخل في أحيان كثيرة مع لفظ الواجب , وإنما يميز بينهما بحرف الجر الذي يليهما و عليه فعبارة " وجب له " و " واجب له " معناها " حق له " و حق له " أما عبارة " و جب عليه " و " واجب عليه " معناها " حق له " وحق عليه " , و هذا ما أورده صاحب لسان العرب بقوله " استحق الشئ: استوجبه , و الاستحقاق و الاستجاب قريبان من السواء " و يقال عليك أن تفعل كذا : يجب و يحق لك أن تفعل , من هذه الإشاره تبين أن لفظتي الحق و الواجب , متداخلتان في اللغه و الثقافة العربية الإسلامية.
" الحق " من حيث المعنى :
يمكن تصنيف معاني الحق في اللغة إلى دلالتين ترجع إليهما معظم المعاني الأخرى , يمكن استنباطها من مثل كلام أبي البقاء الكوفي الذي يقول : " الحق , حق الشئ وجب و ثبت , و حققت الشئ أثبته , و معنى لقد حق القول , ثبت الحكم , و تحقق تيقنه , و جعلته ثابتاُ لازماً , و هو أحق بماله , أي لا يحق لغيره , و هو مختص به بغير شريك " , فيقع " الحق " بمعنى الوجوب و الثبوت : الحق مصدر من حق الأمر حقاً و حقوقاً , أي : وجب و ثبت أو صح و صدق ومنه قوله تعالى " لينذر من كان حياً و يحق القول على الكافرين " , و من هذا المعنى كان الحق اسماً من أسماء الله الحسنى , قال تعالى " ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات و الأرض ومن فيهن بل اتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون " . و قوله تعالى : " ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم و هو أسرع الحاسبين " , و الحق بعثت به الرسل : " قد جاءت رسل ربنا بالحق " و الحق : الصدق , قال تعالى : " و يستنبئوك أحق هو قل إي وري إنه لحق و ما أنتم بمعجزين " والحق يعني .: العدل , و لا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون" , مما سبق نستنتج أن معنى الحق في الإسلام لا يكاد يخرج عن معاني الوجوب و الثبوت أو الإيجاب و الإثبات بالرغم أن كلمة الحق قد تأتي بمعنى النصيب المحدد بقوله تعالى " و الذين في أموالهم حق معلوم , للسائل و المحروم " هذا المعنى يمكن ضمه إلى معاني الوجوب و الثبوت بوقوع حكم الواجب عليه إخراجه .
الاستخدام اللغوى " للحق " لدى فقهاء المسلمين :
جاءت كلمة " الحق " ومعناها عند بعض من فقهاء المسلمين القدامى غير متجاوزة للمعنى اللغوي الذي وضعت من أجله أو المتعارف عليه ، على الرغم من كثرة استخدامهم لها في كتاباتهم، فلم يذكروا تعريفًا اصطلاحيًا للحق، ولذلك كان تعريفهم يدور حول معنى الحق من الناحية اللغوية فقط كما قال الإمام القرافي في الفرق الثاني و العشرين من فروقه و هو الفرق بين " قاعدة حقوق الله و حقوق الآدميين " حق الله تعالى أمره و نهيه و حق العبد مصالحه أي أن كل الأوامر التي أمرنا بها و النواهي التي نهانا عنها هي حقوق لله تعالى و أن حقوق الناس هي الأمور التي تحقق بها مصالحهم ويلاحظ أن الحق عند القرافي يعني الأمر نفسه لا الفعل و أول القرافي حديث " حق الله على عباده أن يعبدوه و لا يشركوا به شيئأ " و الذي يقتضي أن حق الله على العباد نفس الفعل لا الأمر فقال " الظاهر أن الحديث من باب إطلاق الأمر على متعلقة الذي هو الفعل " , وفرق الإمام الشوكاني 1255 ه " بين " الحق " و " الملك " عند شرحه للبابين " باب النهي عن منع فضل الماء " و " باب الناس شركاء في ثلاث " حيث قال " و الماء على أضرب حق إجماعاً كالأنهار غير المستخرجة والسيول، وملك إجماعًا كماء يحرز في الجِرار ونحوها، ومختلف فيه كماء الآبار والعيون والقناة المحتفرة في الملك) ، ومن هذا يتضح أن الإمام الشوكاني يستخدم “الحق” في مقابل “الملك”، فالحق ما كان مشتركًا مباحًا لكل الناس، والملك ما كان خاصًا بأحد الناس أو فئة منهم , لم يعرف الفقهاء الأقدمون إصطلاح الحق وذلك كما بينا لأستعمالهم الحق فيما أُريد منه لغة و أنهم رأوه من الوضوح بمكان بحيث لا يحتاج إلى زياده بيان أو توضيح إذ أن من المعضلات توضيح الواضحات .
الفصل الثاني : المعنى الاصطلاحي " للحق " في الإسلام :
تتبع مفهوم " الحق " كنظربة في العلوم الإسلامية النظرية و العقائد :
يمكن القول ب " تطور نظرية الحق " و علامات ظهوره و دلائله غبر تاريخ أصول الفقه من نشأته حتى الوقت الراهن و كيف ظهرت تلك العلامات و ارتباط ذلك بمبدأ الحق الطبيعي فالتوازي بالطبع مع معنى الحق في علوم أصول الدين بما يخص العقيده و علم الكلام يمكن القول على لسان التفتزاني في " شرح العقائد النسفية " : الحق هو الحكم المطابق للواقع , يطلق على العقائد و الأديان و المذاهب , باعتبار اشتمالها على ذلك , و يقابله الباطل , أما الصدق فقد شاع في الاستعمال و يقابله الكذب " ,و يصدق عليه مفهوم " الحق " في علوم الحكمه و الفلسفة العربية فيطلق لفظ الحق في الفلسفة العربية الإسلامية , على الوجود في الأعيان أو الوجود الدائم أو على مطابقة الحكم للواقع و العكس أو على الواجب الوجود لذاته و هو الحق المطلق و التفريق ما بين الصدق و الحق فالحق مطابقة الواقع للحكم على حين أن الصدق هو مطابقة الحكم للواقع و نقيض الحق هو الباطل كما أن نقيض الصدق هو الكذب , قال الجرجاني 471 ه " الحق اصطلاح أهل المعاني هو الحكم المطابق للواقع و أما الصدق من جانب الحكم فمعنى صدق الحكم مطابقته للواقع و معنى حقيقته مطابقة الواقع إياه " , وإلى رأي قريب قال ابن سينا 427 ه " أما الحق , فيفهم منه الوجود في الأعيان مطلقاً و يفهم منه الوجود الدائم و يفهم منه حال القول والفعل الذي يدل على وجود الشئ في الخارج إذا كان مطابقاً له فتقول : هذا الحق و هذا اعتقاد حق فيكون الواجب الوجود هو الحق ذاته دائماً و الممكن الوجوب حق بغيره , باطل في نفسه " .



المبحث الثاني : " التتبع التاريخي لنظرية " الحق " في الفقه واًصوله " :
الفصل الأول : عوامل نشأة نظرية " الحق " و إرهاصاتها الأوليه :
تبدأ إرهاصات نظرية " الحق " في العمل التأسيسي الأول للشافعي في كتابيه " الرساله " و " الأم " و يمكن تتبعها حتى تستقر النظرية بمفهومها المتعارف عليه فقهياً عند الفقهاء و يمكن رصد هذا من خلال مستويان و هما الظهور المباشر للنظريه و الثاني استقصاء الموضوعات ذات الصله .
و الظهور المباشر لنظرية الحق ظهرت من خلال :
أ – التعليل و مباحث العلة : و هي قضية تعليل الأحكام الشرعية و محاولة وقوف العقل على علل التشريع الإلهي البعيده
ب – التحسين و التقبيح العقليان : و يبحث مسألة قدرة العقل على استنباط الحكم الشرعي قبل الشرع و قبل الحكم و ذلك بناءاً على قيم أخلاقية و قانونيه مستنبطه من الواقع و العقل البشري
ج – تعريف الحق : فقد جاءت استعمالات مفهوم الحق في أصول الفقه و هي الحق كإسم دال على الله أو الوجود وهو مفهوم انطولوجي و الحق كتعبير عن الصدق المعرفي و هو مفهوم معرفي نظري و الحق كتعبير عن النصيب أو الملكية كقيمعه, و قد يأتي تعريف الحق في أحد المصنفات جامعاً للمعاني الثلاثة و هو إستقرار لمفهوم النظريه و قد يغلب المفهوم الأنطولوجي على حساب المفهوم المعرفي و تصير الحقوق الإنسانية مؤسسة عليها و قد يأتي العكس تعبيراً عن الحقوق الإنسانيه و تحقيقها من خلال البحث في العلل
د – مسألة جواز إسقاط الحق بين الله و الإنسان : في بعض المصنفات الأصولية طرحت مسألة تغلب فيه مصلحة الحق الإنساني و حضور التصور النظري عن الحق فهي دعوه للبحث عن الحقوق الإنسانية قبل البحث في الحقوق بالنسبة للشرع
ه – مبحث الحظر و الإباحة و تعريف المباح : و فيه نقطتان الأولى الموقف من اعتبار الإباحه أصلاً و التحريم إستثناءاً
و- نظرية المقاصد : و هي التطبيق الأهم لنظرية التعليل . و قد دخلت في صيغة مشتركة مع نظرية الحق , و ترتب على ذلك اعتبار الحقوق غاية الشريعة . و هناك أشكال متعدد لحضور المقاصد في الأصول , منها أنها أحد مناهج تقييم المصالح المرسلة , أو أحد مناهج الترجيح بين المعقولات المتعارضه .
و يمكن الوصول إلى نظرية الحق في الإسلام عن طريق استقصاء الموضوعات ذات الصلة و هي الطريقة الثانية كما استقصى الأستاذ الدكتور " كريم الصياد " نظرية الحق عبر تاريخ علم أصول الفقه في كتابه " نظرية الحق : دراسة في أسس فلسفة القانون و الحق الإسلامية " من خلال 111 مصدراً أصولياً و 81 عالماً من علماء الأصول و يقول " الصياد" عن منهجه في قراءة التطور الحال في تكوين " نظرية الحق " إن التطور محايد يعبر فقط عن التغير في الموضوع على محور التاريخ أم الحكم على هذا التطور فيكون عن طريق التقدم أو النكوص وفقاً لمعايير معينة , و يعني التقدم نحو استقلال حقوق الإنسان الأصلية و شخصيته القانونيه عن الشارع و التوجه نحو الحقوق الطبيعية للإنسان بما هو إنسان و النكوص هو إنقطاع السبيل نحو ذلك من خلال منحنى تاريخي عن التقدم أو النكوص للنظرية قربها وبعدها بالنسبه للحقوق الإنسانية ومنه ينقسم تاريخ علم أصول الفقه إلى عدة مراحل بالنسبة إلى ظهور نظريه الحق وهي : " معرفة نظرية الحق عن استقصاء الموضوعات .
الفصل الثاني : " مراحل تتابع التنظير " للحق " تاريخياً" :
المرحلة الأولى : إرهاصات النظرية " القرون الثاني و الثالث و الرابع و أوائل الخامس الهجري "
و فيها ظهرت إرهاصات قوية عند " الحكيم الترمذي الصوفي 320 ه و " الجصاص الحنفي 370 ه و إبن فورك الأشعري الشافعي 406 ه و القاضي عبد الجبار المعتزلي 415 ه و ضعفت تلك الإرهاصات عند بقيه أعلام المرحله كما عند الباقلاني الأشعري الشافعي 402 ه.


المرحلة الثانية : ظهور نظرية الحق " الثلث الأول من القرن الخامس الهجري "
حدث الظهور الأول للنظرية عند الدبوسي الحنفي 430 ه و كذلك أول ظهور لأهم تطبيقات التعليل أي نظرية المقاصد و جاءت صياغة الدبوسي على هذا الوجه : منازل المشروعات حقاً لله أربعةُ و حقوق الله على الإنسان أربعة و مباحات العقول للحياه أربعة و موجبات العقول ديناً أربعه و محرمات العقل قطعاً للدنيا أربعه و محرمات العقل للدين قطعاً أربعة و مباحات العقول الجائزه للدنيا أربعه , فقد ظهرت لديه حقوق الله و حقوق الإنسان متجاورتين و أكد على التعليل و قال بالحسن و التقبيح العقليين و ظهرت نظرية الأهلية لديه و بعده تظهر إرهاصات قوية عند أبي الحسين البصري المعتزلي 436 ه الذي قدم تعريفاً طبيعاً للمباح .
المرحلة الثالثة : النكوص الأول لنظرية الحق " الربع الثالث من القرن الخامس الهجري "
حدث نكوص كبير عن نظرية الحق , في فترة شهدت تراجعاً عن مبدأ تعليل الأحكام , ومن أعلام تلك الفتره : ابن حزم الظاهري 456 ه و أبو يعلي الفراء الحنبلي 458 ه و أبو جعفر الطوسي الإمامي 460 ه و أبو إسحاق الشيرازي الشافعي 476ه و أبو المعالى الجويني الأشعري الشافعي 478 ه
المرحلة الرابعة : صياغة نظرية الحق " الربع الأخير من القرن الخامس الهجري "
شهدت الصياغة التقليدية لنظرية الحق على يد البزدوي الحنفي 482 ه و السرخسي الحنفي 490 ه و قد اطلع البزدوي على " تقويم الأدلة " للدبوسي , و ربما كذلك السرخسي .
وانقسمت الحقوق عند البزدوي إلى أربعه : حقوق الله عز و جل خالصه و حقوق العباد خالصة و ما اجتمع فيه الحقان وحق الله تعالى غالب و ما اجتمعا و حق العبد فيه غالب .و لديه موقف إيجابي من قضية التعليل , و القول باستقلال حقوق الإنسان عن حقوق الله ,لكن دون تأسيس على حق طبيعي .
المرحلة الخامسة : النكوص الثاني لنظرية الحق " من أواخر القرن الخامس حتى منتصف السابع الهجري "
تمثلت أهم العوامل النظرية للنكوص في إنكار مبدأ التعليل أو عدم حسم الموقف إزاءه و تحجيم دور المقاصد و الاستفاده الأداتية المحدوده منها لتقييم المصالح المرسلة . و من أعلام هذه المرحلة : الغزالي الأشعري الشافعي 505 هجريأ و ابن عقيل الحنبلي 513 ه و السهروردي الصوفي 587 ه و ابن رشد الفيلسوف 595 ه و ابن عربي الصوفي 638 ه
المرحلة السادسه مرحلة الصياغه النظريه المشتركه بين نظريتي الحق و المقاصد " منتصف القرن السابع و حتى أواخر الثامن الهجري " و بها تأسيس الحقوق على المقاصد و العلل و المصالح و على الناحية الأخرى التنظير لتلك العلل و المقاصد في مواضيع منفصلة , وتشهد هذه المرحلة إضطراباً , تكون من خلالها تلاث تأسيسات و تنظيرات الأولى مع العز بن عبد السلام الشافعي 660 ه و فيها تأسس الشرع عموماً على المقاصد و الثانية مع نجم الدين الطوفي الجنبلي 716 ه وفيها تأسس الشرع على المصلحة و الثالثه مع الشاطبي المالكي 790 ه و الذي اهتم بالتنظير لنظرية المقاصد و آخرين منهم آل تيمية الحنابلة كأحمد بن عبد الحليم 728 ه و الزركشي الشافعي 794 ه و ابن قيم الجوزيه الحنبلي 751 ه و السبكي الأشعري الشافعي 771 ه لم يعتنوا الثلاثه الأخارى بالتنظير و التأسيس لعتمادهم الأكثر على النصوص الشرعية
المرحلة السابعة : النكوص الثالث لنظرية الحق " من أوائل القرن التاسع حتى أواخر القرن الرابع عشر الهجري "
وهذه المرحلة استشفت من خلال ستة قرون تزامناً مع إضمحلال الحضارة الإسلامية , من أعلامها : السيوطي الشافعي 911 ه و شهيدتاني الإمامي 1011 ه و الشوكاني الزيدي 1255 ه
المرحلة الثامنة : استقلال حقوق الإنسان الطبيعية " أواخر القرن الرابع عشر الهجري "
و فيها الإعتراف المبدئي بمصدر طبيعي لحقوق الإنسان الذي جاء على يد أصولي واحدٍ وهو " الطاهر بن عاشور المالكي 1393 ه الذي إعترف " الحق الأصلي المستحق بالتكون و أصل الجبلة " و هو الحق بالميلاد , أسس بن عاشور هذه الحقوق على المقاصد في النهاية بالرغم أنه بدأ بإعلان إستقلال حق الإنسان بعيداً عن حقوق و مقاصد الشرع .
المرحلة التاسعة : النكوص الرابع لنظرية الحق " من أواخر القرن الرابع عشر الهجري حتى الآن "
تميزت هذه المرحلة بصعود نجم الشيعه الإمامية بالأخص محمد باقر الصدر 1400 ه و آية الله الخميني 1409 ه و محد تقي المدرسي .

الفصل الثالث : " العوامل المؤثرة في التنظير لمفهوم الحق في الإسلام من خلال الفقه الإسلامي وأصوله " :
و إستشهاداَ بما سبق يمكن النظر وإجمال العوامل المؤثرة في بزوغ و تهيأ و تشكل نظرية الحق في العلوم الإسلامية فهناك عوامل تاريخية سياسية و إجتماعية و عوامل مذهبية و عوامل منهجيه :
أ – العوامل التاريخية السياسية : أن مراحل التنظير للحق بوجه عام شهدت إضطرابات في العالم الإسلامي , فبالتالي أثرت هذه الإضرابات في تشكيلات نظرية الحق و بلورت الحقوق في الفقه الإسلامي بإعادة النظر في مسائل الحقوق
ب- العوامل المذهبية : فقد شهدت النظرية تقدماً عند المعتزلة الأحناف و تراجعاً مع الأشعرية الشافعية باستثناء العز بن عبد السلام و الحنابلة بإستثناء الطوفي و نكوصاً مع صعود العلم الإمامي و شهدت تقدماً عند جزء من المالكية منهم الشاطبي و ابن عاشور .
د – عوامل منهجية في الفقه الإسلامي وأصوله في ذواتهما :
في الفقه الإسلامي :
1 - العوامل التقعيدية في الفقة ذاته : و هي القواعد الفقهيه المتعارف عليها فبما يخص نظرية الحق نقول قاعدة " الأمور بمقاصدها " " لا ضرر ولا ضرار " و معظم القواعد الفقهيه نجد بها تمازجاً كبيراً بين الحق الإنساني و الحق الشرعي .
في أصول الفقه :
.2 – العوامل التقعيدية في أصول الفقه : و التي يمكن أن تسمى بموضوعات أصول الفقه والتي لها علاقة بالحق مباشرةً مثل البحث في مفاهيم العلة و المقاصد و العلاقات ما بين الموضوع و المحمول .
3 – العوامل النسقية في أصول الفقه : فهناك نسق سائد وهو يعتمدعلى الكتاب و السنة و الإجماع و القياس كأدلة إجمالية ونسق متنحي يعتمد على أصول و أدلة إجمالية متنازعه أو مختلف عليها مثل الاستحسان و الاستصلاح و المقاصد .

المبحث الثالث " بنية نظرية الحق " :
الفصل الأول : الحق كبنية و المراد
تحليل بنية الحق :
و هو التشريح العام لنظرية الحق , و هو دراسة أبنية نظرية الحق رأسيا عبر التاريخ وهذا ما أوردناه في التتبع التاريخي للنظرية و أفقياُ و هو بيان أبنية الحق خارجياً من خلال أصول الفقه في علاقة أصول الفقه و أيضاُ علاقة النظرية بالعلوم الأخرى , و داخلياُ في مفاهيمها و عناصرها وعلاقاتها البينية الداخلية و هو التشريح الدقيق لقلب نظرية الحق أي مفهوم الحق و التشريح النسقي أي أنساق النظرية من خلال العامل اللغوي و العامل العقدي و العامل المذهبي .
تحليل البنية الخارجيه لنظرية الحق :
و هو علاقة نظرية الحق في أصول الحق بمثيلتها في فلسفة القانون و الفقه و القوانين ثم علاقتها بنظريات أصولية أخرى مثل المقاصد و الأهليه و الاستخلاف
تحليل البنية الداخلية لنظرية الحق " مفهوم الحق " :
يمكن الوقوف على مفهوم نظرية الحق من خلال الصيغة التقليدية " للحق " عند البزدوي 482 ه التي تتكون من طرفين الله و الإنسان و أربعة أنواع من الحقوق كما بحث مفهوم الحق بمعانيه الثلاثة, و علاقة مفهوم الحق بغيره من المفاهيم الأصولية . و التشريح الدقيق يقوم بوصف الوحدات الأوليه التي يتكون منها كل معنى من المعاني الثلاثة لنظرية الحق " الوجودي و المعرفي و القيمي.
المفهوم الوجودي للحق : و هي أوجه بيان الحق كمعنى كلي مجرد في الأصول بعيداً عن الفروع و منه كنظرية الحق في أصول الدين , كالإلهيات بإعتبار " الحق أسم من أسماء الله الحسنى و كنبوات حق العباد في إرسال الرسل و التبليغ و السمعيات و كل ما ينزل منزلة الغيب من خلال القرآن الموصوف بالحق بقوله تعالى " وبالحق نزل "
المفهوم المعرفي للحق : و منه طرق معرفة الإنسان للحق و ما له وما عليه ماعليه سواء بالنقل أو بالنظر أو بالتجربه و نظرية الحق في الإسلام تعتمد إعتماداً أولياً على النقل و إعتماداً ثانوياً على النظر فإذا نظرنا لمجال الحق في أصول الفقه نجد أن الدليل الإجمالي الأول في استنباط الأحكام من أدلته التفصيلية هو النص القرآني ثم السنه ثم الإجماع و أخيراً الرأي وهو آخر دليل إجمالي ومنه الاستحسان و المصالح المرسله وما فيه من معرفة الحقوق الذي من خلاله يعرف الإنسان كيف يستخدم عقله وحواسه في معرفة جانب الحقوق في صدور الأحكام المستنبطه أو ما جاء نتيجه إجتهاد بالرأي
المفهوم القيمي للحق : و هي بيان قيمة الحق على إختلاف الأزمان و الأماكن و الثقافات و الحيز الموضوع للحق في الإسلام حيز في إيطار الثبات نتيجة التأسيس للنظرية الذي جاء من خلال عوامل لغوية و عقدية و مذهبية . و المعني بإبراز الجانب القيمي للحق في الإسلام أو العلوم الإسلامية هو الجانب الأخلاقي أو الأخلاق في القرآن مثلاُ نقول هي المعنية بإبراز القيم لأن القيمة الأخلاقية تتفاعل مع الواقع المعيش أو المحيط بتلك القيمه فالقيمه تهدد بإختلاف الأزمان و الأماكن . و على الواقع الشرعي و العملي كان الفقه المقارن في القضايا المعاصره دؤوباُ في إعادة إبراز قيمة كقيمة الحق ليجعلها أكثر تعايشاً و إستجابة للواقع.
الفصل الثاني : " التحليل النسقي لنظرية الحق " :
1 – النسق النصي " نموذج الشافعي " : نظرية الحق الاستخلافية و ينفى التعليل , أو إبطال التعليل بالمصالح الدنيوية و الأخروية أو إبطال الاستحسان أو إبطال الاجتهاد عموماَ أو إبطال التحسين و التقبيح العقليين , و يجعل النص هو المصدر الوحيد للتشريع .
2-النسق الباطني " نموذج الحكيم الترمذي " :و هو بالطبيعه لا يعتمد على الظاهر وأنما يعتمد على الباطن المتأول عن طريق آلية التأويل و التعليل يكون بالمصالح الأخروية مما يعني أن الحقوق ممنوحه و لا أصل طبيعياً لها .
3- النسق العقلي – الاجتماعي " نموذج الدبوسي " : يميل إلى التحسين و التقبيح العقليين ويقدم مفهوماً طبيعياً عن الإباحه و الحق يمكن أن يعتمد على العقل و التجربة الإجتماعية و الحاجات البشرية كمصدر للتشريع
4 – النسق المختلط " نموذج الجويني " هو يجمع ما بين النقل و العقل عناصر نقلية مثل التعليل الصوري مع عناصر اجتماعية مثل الاستحسان أو الاستصلاح .
و بالكاد يمكن إدراج جميع من عنوا بنظرية الحق من فقهاء و أصوليين و علماء تحت الأنساق السابق بيانها , وإذا قمنا بعمل مسح شامل لتلق الأنساق نجد الأنساق المختلطة هي السائده نتيجه لكثرتها خصوصاً في عالمنا المعاصر إذا تكلمنا عن الفقه المقارن , ونجد قلة النسق العقلي لقلة الإعتماد الكامل على العقل في مناحي الشريعه كما نجد أيضاُ إختلافات كثيره في النسق النصي نتيجة كثرة علمائه وغزارة إنتاجهم .
الفصل الثالث : نموذج لإكتمال نظرية الحق عند الفقهاء المعاصرين و هي المرحلة التي بدأت في منتصف القرن الخامس عشر الهجري التي سبق شرحها في مراحل تتبع تكون نظرية الحق و هو نموذج نظرية الحق عند الشيخ و هبة الزحيلي 1436 ه و ما أخذه عن العلماء كالدكتور علي الخفيف1398 ه
نظرية الحق عند وهبه الزحيلي في كتابه هي المفهوم العام الذي يؤلف نظاماً حقوقياً موضوعياً تنطوي تحته جزئيات موزعة في أبواب الفقه المختلفة، كنظرية الحق، ونظرية الملكية، ونظرية العقد، ونظرية الأهلية، ونظرية الضمان، ونظرية الضرورة الشرعية، ونظرية المؤيدات الشرعية من بطلان وفساد وتوقف وتخيير
ثم بين الزحيلي " نظرية الحق " في أربعة مباحث :
الأول ـ "تعريف الحق وأركانه" وأما عند الفقهاء فقد ورد تعريف للحق عند بعض المتأخرين فقال: الحق: هو الحكم الثابت شرعاً ولكنه تعريف غير جامع ولا شامل لكل ما يطلق عليه لفظ الحق عند الفقهاء. فقد يطلق الحق على المال المملوك وهو ليس حكماً، ويطلق على الملك نفسه، وعلى الوصف الشرعي كحق الولاية والحضانة والخيار، ويطلق على مرافق العقار كحق الطريق والمسيل والمجرى. ويطلق على الآثار المترتبة على العقود كالالتزام بتسليم المبيع أو الثمن , وعرفه بعض الأساتذة المعاصرين مستعيناً بأستاذه فيقول عن الشيخ علي الخفيف: الحق: هو مصلحة مستحقة شرعاً . لكنه تعريف بالغاية المقصودة من الحق، لا بذاتيته وحقيقته، فإن الحق: هو علاقة اختصاصية بين صاحب الحق والمصلحة التي يستفيدها منه وقال الأستاذ مصطفى الزرقاء: الحق: هو اختصاص يقرر به الشرع سلطةً أو تكليفاً و شرح التعريف اختصاص :أي أن الحق هو علاقه اختصاصية بشخص معين أو بفئة و بذلك تخرج العلاقة التي لا اختصاص فيها مثل الأمور المباحه و الإصطياد يقر بقه الشرع أي أن منشأ الحق في نظر الشريعه هو إراده الشارع فلا يوجد حق شرعي بدون دليل يدل عليه سلطة أو تكليفاً الحق تارة يتضمن سلطه و تاره يتضمن تكليفاً و السلطه نوعان سلطه على شئ معين كحق الملكية و سلطه على شخص كحق الحضانه أما التكليف فهو دائما عهده على انسان وهو إما عهده شخصيه كقيام الأجير بعمله أو عهده ماليه كوفاء الدين .
و إتجه الزحيلي في المبحث الثاني نحو " أنواع الحق" و قسمها ثلاث باعتبار صاحب الحق و باعتبار محل الحق وباعتبار المؤيد القضائي و عدمه
و الثالث " مصادر الحق وأسبابه "
وأشار الزحيلي لمنشأ الحق ومصدره في نظر الشريعة قائلاً :" وهو إرادة الشرع، فالحقوق في الإسلام منح إلهية تستند إلى المصادر التي تستنبط منها الأحكام الشرعية، فلا يوجد حق شرعي من غير دليل يدل عليه، فمنشأ الحق هو الله تعالى؛ إذ لا حاكم غيره، ولا تشريع سوى ما شرعه. وليس الحق في الإسلام طبيعياً مصدره الطبيعة أو العقل البشري، إلا أنه منعاً مما قد يتخوف منه القانونيون من جعل مصدر الحقوق إلهياً " وبالتالي إطلاق الحرية في ممارسة الحق، منعاً من هذا الخطر، قرر الإسلام سلفاً تقييد الأفراد في استعمال حقوقهم بمراعاة مصلحة الغير وعدم الإضرار بمصلحة الجماعة، فليس الحق مطلقاً وإنما هو مقيد بما يفيد المجتمع ويمنع الضرر عن الآخرين، والحق في الشريعة يستلزم واجبين واجب عام على الناس باحترام حق الشخص وعدم التعرض له وواجب خاص على صاحب الحق بأن يستعمل حقه بحيث لا يضر بالآخرين ومصادر الحق بالنسبة للالتزامات (1) خمسة: هي الشرع، والعقد، والإرادة المنفردة، والفعل النافع، والفعل الضار .
والمقصود من الأسباب أو المصادر في هذا المبحث: الأسباب المباشرة، سواء أكانت أدلة الشرع أم الأسباب التي أقرتها وعينتها هذه الأدلة. فليس المراد من المصدر هنا المصدر الآمر في إيجاب الالتزام، إذ تكون عندئذٍ جميع المصادر مردها إلى الشرع أو القانون وأما مصادر الحق العيني فهي أسباب الملك التام أو الناقص الآتي بيانها في بحث نظرية الملكية و ينقل عن الدكتور السنهوري 1971 م قائلاً إنه يمكن رد مصادر الحقوق في الفقه الإسلامي (سواء بالنسبة للالتزامات أم بالنسبة للحقوق العينية) إلى مصدرين اثنين، كما في الفقه الغربي أو القوانين الوضعية وهما التصرف القانوني، والواقعة القانونية .
ثم يبين "أركان الحق " فيقول للحق ركنان": صاحب الحق وهو المستحق، ومحل الحق: وهو ما يتعلق به الحق ويرد عليه. وهو إما الشيء المعين الذي يتعلق به الحق كما في الحق العيني، أو الدين ويضاف للحق الشخصي كالعلاقة بين الدائن والمدين ركن ثالث: وهو المدين المكلف بالحق. ونوع التكليف إما أن يكون قياماً بعمل كأداء الدين أو الثمن، أو امتناعاً عن عمل، كالامتناع عن إضرار الجار أو غيره، والامتناع عن استعمال الوديعة أو الأمانة " . والمكلف قد يكون معيناً فرداً أو جماعةً كالمدين بالنسبة للدين، أو غير معين كالواجبات العامة المكلف بها جميع الناس باحترام حقوق الآخرين وعدم الاعتداء عليها. ..
و الرابع ـ أحكام الحق ومنها
استيفاء الحق : لصاحب الحق أن يستوفي حقه بكل الوسائل المشروعة , واستيفاء حق الله تعالى في العبادة يكون بأدائها على الوجه الذي رسمه الله تعالى للعبادة إما في الأحوال العادية (العزيمة)، أو في الأحوال الاستثنائية (الرخصة) مثل قصر الصلاة واستيفاء حق الإنسان (العبد): يكون بأخذه من المكلف به باختياره ورضاه، فإن امتنع من تسليمه: فإن كان الموجود تحت يده عين الحق كالمغصوب والمسروق والوديعة و تكلم عن المأخوذ من الحق و التسامح في الإستفاء و الآداء
و حماية الحق كحق المؤلف وحقوق التأليف و النشر و التوزيع
و نقل الحق يجوز انتقال الحق بسبب ناقل له، سواء أكان الحق مالياً كحق الملكية في المبيع، فإنه ينتقل من البائع للمشتري بسبب عقد البيع، وحق الدين، فإنه ينتقل من ذمة الدائن إلى تركته بسبب الوفاة، أم كان الحق غير مالي كحق الولاية على الصغير، فإنه ينتقل من الأب إلى الجد بسبب وفاة الأب، وحق الحضانة، فإنه ينتقل من الأم إلى الجدة لأم إذا تزوجت الأم بغير محرم من الصغير .
يجوز انتقال الحق بسبب ناقل له، سواء أكان الحق مالياً كحق الملكية في المبيع، فإنه ينتقل من البائع للمشتري بسبب عقد البيع، وحق الدين، فإنه ينتقل من ذمة الدائن إلى تركته بسبب الوفاة، أم كان الحق غير مالي كحق الولاية على الصغير، فإنه ينتقل من الأب إلى الجد بسبب وفاة الأب، وحق الحضانة، فإنه ينتقل من الأم إلى الجدة لأم إذا تزوجت الأم بغير محرم من الصغير .
وأسباب انتقال الحق كثيرة منها: العقد، ومنها الالتزام الذي يتم من جانب واحد، ومنها الوفاة، ومنها حوالة الدين من مدين إلى مدين آخر
" و إنقضاء الحق " : ينتهي الحق بسبب من الأسباب المقررة شرعاً لانتهائه، وهو يختلف بحسب نوع الحق، فحق الزواج ينتهى بالطلاق، وحق الابن في النفقة على أبيه ينتهي بقدرته على الكسب، وحق الملكية ينتهي بالبيع، وحق الانتفاع ينتهي بفسخ عقد الإجارة أو انتهاء المدة، أو بانفساخ العقد بالأعذار أو الظروف الطارئة كانهدام المنزل، وحق الدين ينتهي بالأداء أو بالمقاصة أو بالإبراء: وهو إسقاط صاحب الحق حقه ممن هو عليه. وتفاصيل ذلك تعرف في بحث نظرية العقد.





إن بيان قيمة الحق على إختلاف الأزمان و الأماكن و الثقافات مرتبط بالحيز الموضوع للحق في الإسلام , هو حيز في إطار الثبات نتيجة التأسيس للنظرية الذي جاء من خلال عوامل لغوية و عقدية و مذهبية . و المعني بإبراز الجانب القيمي للحق في الإسلام أو العلوم الإسلامية على الأعم هو الجانب الأخلاقي أو الأخلاق في القرآن مثلاُ , نقول الأخلاق و هي المعنية بإبراز القيم لأن القيمة الأخلاقية تتفاعل مع الواقع المعيش أو المحيط بتلك القيمه فالقيمه تهدد بإختلاف الأزمان و الأماكن . و على الواقع الشرعي و العملي , فالقرآن أغلبه أخلاق فهي دروس الإنسانية موقذة الضمير الإنساني من سباته و غفوته , إن إرساء الفقهاء و الأصوليين للأصول و القواعد جعلت الفقه المقارن في القضايا المعاصره دؤوباً في إعادة إبراز قيمة كقيمة الحق ليجعلها أكثر تعايشاً و إستجابة للواقع , و لكن حفظ الأصول الخمسه متأصلٌ في المسلم , فهو يحفظها و يعمل بها ولكن الفروع قد تكون محل تخبط و جهل من قبل بحكم إختلافات الزمان و المكان , فيرجع بها إلى أصحاب الإختصاص أو إن لم يجد فعليه بإستفتاء قلبه لكن على القلب أن يكون يقظاً ولا يوقظ القلب إلا بإيقاظ قيمة الحق بداخلة التي تجعل صاحبها عالماً بحقوقه و محافظاً لحقوق غيره ولا يكون هذا إلا بإبراز قيمه الأخلاق و قيمة الحق عند التربية و التعليم فمن" الحق الحفاظ على القانون ليقوم كل فرد بواجبه و ليعطى كل ذي حقٍ حقه " , وهذه هي ركيزة النهوض و التقدم لدى أي جماعة أو دولة في عالمنا المعاصر , ولن يتم هذا الحفاظ إلا بتعميق الحق داخل الوجدان الإسلامي , الحق بمعناه الكلي المجرد الذي تنادي به الفطره , والقانون هو وليد الحق في الفقه الإسلامي و هذا ما بدأه سيرة الأعلام و العلماء منذ أن كان الحق لا يعدو كونه معنى لغوي بمعنى المِلك أو الواجب مروراً بالحق في الفقه و فروعه و علاقته بالفنون الإسلامية الأخرى و علاقته بالآراء المذهبيه المختلفه كالمعتزله و المتصوفه و تقعيد القواعد الفقهية المعروفة و من ثم أصول الفقه و أدلتها الأجماليه المتنوعه منها النقلي و منها العقلي ومنها ما يجمل ما بين الأثنين و مدى تأثيره على إفتعال نظرية للحق ثم عملية إمتزاج الحق و نظرية المقاصد جعل من مفهوم " الحق " نظرية قائمة بذاتها إعتماداً على قرب الحق من العلل و الحسن و القبيح لذاتها ومدى قربها و بعدها عن العقل حتى الإعتراف المبدئي بمصدر طبيعي لحقوق الإنسان الذي جاء على يد" الطاهر بن عاشور المالكي 1393 ه الذي إعترف " بالحق الأصلي المستحق بالتكون و أصل الجبلة " و هو الحق بالميلاد , أسس بن عاشور هذه الحقوق على المقاصد في النهاية بالرغم أنه بدأ بإعلان إستقلال حق الإنسان بعيداً عن حقوق و مقاصد الشرع , لكن إذا قام الحق على نظرية أخلاقية لا فقهيه كان يمكن أن يكون أقرب و أوفق للحقوق الإنسانية العالمية على اختلاف الأديان و الشرائع فالحق الإنساني القائل بأن الحق الأصلي مستحقً بالتكون و أصل الجبلة هو مستقرً في الأخلاق في الإسلام , فالأخلاق القائلة بالحق عالمياً متوافقه و إن إختلف الشرائع و الأديان و المذاهب و أولها وأهمها هو الحفاظ على القانون . فالإسلام بأخلاقه أكثر إنفتاحاً و إحتواءاً للآخر فكما قال الشاعر :
إن أخلاقا نمت في ظلها ... عزة ‌الإسلام فاقت ما عداها
أمة القرآن قد نالت بما ... قد حوى قرآنها أقصا مناها
كيف عن أخلاقها قد أعرضت ... وتبنت كل أخلاق عداها!؟
كيف لا ترضى بأخلاق بها ... سادت الدنيا ونالت مبتغاها؟











الفهرست

المبحث الأول : " الحق " لغةً و اصطلاحاً في الإسلام : .........................................ص4
الفصل الأول : لفظة " الحق " في اللغة من حيث المبنى و المعنى
الفصل الثاني : المعنى الإصطلاحي " للحق "
المبحث الثاني : التتبع التاريخي لنظرية " الحق " في الفقه واًصوله ....................................ص7
الفصل الأول : عوامل نشأة نظرية الحق
الفصل الثاني : مراحل تتبع " نظرية الحق " الزمنية
الفصل الثالث : العوامل المؤثرة في التنظير لنظرية " الحق "
المبحث الثالث : بنية نظرية الحق ..............................................................ص 12
الفصل الأول : تحليل بينة نظرية الحق
الفصل الثاني : التحليل النسقي لنظرية الحق
الفصل الثالث : نموذج لإكتمال نظرية الحق عند الفقهاء المعاصرين و هي المرحلة التي بدأت في منتصف القرن الخامس عشر الهجري التي سبق شرحها في مراحل تتبع تكون نظرية الحق و هو نموذج نظرية الحق عند الشيخ و هبة الزحيلي 1436 ه و ما أخذه عن العلماء كالدكتور علي الخفيف1398 ه ....................ص14





المصادر والمراجع
- ابن منظور , لسان العرب دار الإحياء العربي بيروت 1999 ,
- أبو زيد عبيد الله بن عمرو بن عيسى الدبوسي , تقويم الأدلة في أصول الفقه قدم له و حققه الشيخ خليل الميس دار الكتب العلمية , بيروت , لبنان , ط 1 , 2001 م .
- الخولي أحمد أمين , نظرية الحق , دار السلام للنشر , القاهرة ط 1 2003
- عبد الرزاق السنهوري مصادر الحق في الفقه الإسلامي جامعة الدول العربية معهد الدراسات العربية 1969
- التهانوي محمد علي , موسوعة كشاف إصطلاحات الفنون و العلوم ج 1 تحقيق رفيق العجم مكتبة لبنان 1996
- علي الخفيف مذكرات الحق و الذمه دار الفكر العربي 2010
- عبد الحليم اللكنوي حاشية قمر الأقمار على شرح المنار أول مبحث الحقوق
- قيس بن الخطيم 620 م ديوان الدواوين الشعرية تحقيق ناصر الأسد دار صادر بيروت
- صليبا جميل , المعجم الفلسفي دار الكتاب العربي بيروت 200ج 1 ص 481 إلى 482
- كريم الصياد " نظرية الحق : دراسة في أسس فلسفة القانون و الحق الإسلامية مركز الكتاب للنشر 2015 و هي رسالة ماجستير للكاتب آداب فلسفة جامعة القاهرة في 1400 صفحة .
- مصطفى الزرقا المدخل إلى نظرية الالتزام في الفقه 0و مابعدها 1999
- وهبه الزحيلي الفقه الإسلامي وأدلته - نقل الحق - المكتبة الشاملة الحديثة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شهداء وجرحى إثر غارة إسرائيلية استهدفت منزلا في مخيم النصيرا


.. الشرطة الأمريكية تعتقل طلبة معتصمين في جامعة ولاية أريزونا ت




.. جيك سوليفان: هناك جهودا جديدة للمضي قدما في محادثات وقف إطلا


.. سرّ الأحذية البرونزية على قناة مالمو المائية | #مراسلو_سكاي




.. أزمة أوكرانيا.. صاروخ أتاكمس | #التاسعة