الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


علاقة إيران بطالبان ومستقبل الشيعة الهزارة بأفغانستان

حمدي سيد محمد محمود

2022 / 9 / 5
السياسة والعلاقات الدولية


عادت حركة طالبان للمشهد مرة أخرى، بعد مرور عقدين من إسقاط حكم الحركة لأفغانستان من طرف الجيش الأمريكي، حيث تتردد العديد من الأسئلة ومن بينها طبيعة العلاقة بين إيران وطالبان، ومستقبل أقلية الشيعة الهزاره بأفغانستان، هل تغيرت الحركة عن ما كانت عليه خلال فترة حكمها لأفغانستان بين عامي 1996 - 2001 ،وهل لازال الإختلاف المذهبي يرمي بظلاله على العلاقة مع طهران؛ التي تتداخل عرقيًا مع الطاجيك بثقافتهم ولغتهم الأردية الفارسية، و ومذهبيًا مع أقلية الهزارة الشيعية، أم أن ما تدعيه من تغيير في سياستها هو فقط تكتيك مرحلي لتمكينها من اكتساب الإعتراف الدولي بها خلال المرحلة القادمة، وتجنب شبح العزلة التي شهدته خلال فترة حكمها الأولى؟
لقد شهدت أفغانستان في ظل حكم حركة طالبان خلال الفترة 1996 - 2001 سلسلة من الممارسات القمعية والتعسفية بزعم تطبيق الشريعة، هذا، فضلاً عن فشل الإدارة وانتشار المظالم والانتهاكات وتقويض الحريات الاجتماعية والسياسية، مما أسفر عنه حالة من السخط والرفض المحلي والدولي، وظهور بعض فصائل المقاومة الداخلية السرية بين مسئولي الحركة، والتي كانت على ارتباط بـ التحالف الشمالي المُناهض لطالبان، وانطلاقًا من ذلك تبنت طالبان منذ مرحلة إعادة هيكلتها وانتشارها في أفغانستان بداية من عام 2006 إستراتيجية التغيير التدريجي، لتحقيق المصالح السياسية والاقتصادية والاجتماعية، من خلال الاستفادة من الأخطاء السابقة والسعي لتطوير وتغيير سياساتها، واستبدالها بمسارات أخرى تحمل قدرًا مناسب من المرونة والانفتاح على الصعيدين الداخلى والخارجي.

طالبان والشيعة الهزارة

مع عودة حركة طالبان إلى السيطرة على البلاد، برزت قضية التعامل مع الأقليات كأولوية للمجتمع الدولي، الذي عبر عن خوفه من نهج الحركة تجاه الأقليات العرقية والدينية في البلاد، ووضع حقوق هذه الجماعات على قائمة متطلبات التعامل مع طالبان، وهو ما دفع الحركة إلى إرسال العديد من الرسائل السياسية بهدف طمأنة الخارج والداخل، فيما يتعلق بحقوق الأقليات، وحاولت الحركة إظهار النوايا الحسنة من خلال السماح للشيعة الأفغان من الاحتفال بذكرى عاشوراء ، في المدن التي يعيشون فيها في مزار الشريف وجلال آباد وباميان. وتحت حماية مقاتليها.
حتمية الصدام مع داعش خراسان

يعد الأمن هو أحد التحديات الكبرى، يليه الاقتصاد لكن التحدي الأكبر هو نشاط تنظيم داعش خراسان، حيث كان أبرز وجوه ذلك التحدي ما قام به التنظيم من تفجير انتحاري مزدوج في مطار كابول في نهاية أغسطس 2021، حيث قتل فيه العديد من الأفغان بالإضافة إلى ثلاثة عشر جنديًا أمريكيًا مما شكل إحراجا كبيرا للحركة. ويتمثل الخلاف الرئيسي لحركة طالبان مع داعش في سعيها لإقامة حكم إسلامي لا يتجاوز حدود الأراضي الأفغانية، بينما هدف داعش هو إقامة خلافة إسلامية عابرة للحدود والأوطان على أسس جهادية.
ويتوقع أن يطول أمد المواجهات بين الحركة والتنظيم الذي تتوفر له حاضنة اجتماعية لا يمكن التغافل عنها، وأن يأخذ الصراع بينهما وقتا طويلا قبل أن تتمكن الحركة من القضاء عليه.

تعاون محتمل مع إيران

وعلى الأرجح أن تدرك دول الجوار وعلى رأسها إيران أن دعم طالبان سيساهم في القضاء على عدوهم المشترك، ويعززمن هذا الاتجاه ما تواجه أقلية الهزارة "المنتمية لإيران ثقافيًا ومذهبيًا" من إعتداءات داعش، لعل آخرها استهداف مسجدا للشيعة الهزارة في مدينة قندوز الواقعة شمال شرق أفغانستان بالقرب من الحدود الطاجيكية في أكتوبر2021. ولا تملك طالبان رفاهية الإختيار، حيث لاسبيل أمامها غير التعاون مع القوى الإقليمية ودول الجوار ومنها إيران لسرعة حسم المواجهة مع داعش خراسان، وفي هذا الصدد فقد تتعاون طالبان مع الإدارة الأمريكية لأجل هذا الهدف، حيث أن الغاية تبرر الوسيلة في مثل هذه الظروف.

أوراق ضغط تملكها طالبان في مواجهة المجتمع الدولي

تملك حركة طالبان العديد من أوراق الضغط في مواجهة العزلة الدولية المفروضة عليها أهمها:

1- انهيار الاقتصاد الافغاني: إن الاستمرار في فرض العزلة وعدم الاعتراف بحكومة طالبان، وتجميد أرصدة الحكومة، وما نتج عنه من تعطل صرف مرتبات الموظفين، وفي حال انهيار الاقتصاد الافغاني، سيؤدي ذلك حتمًا لموجات كبيرة من الهجرة، وبخاصة في اتجاه القارة الأوربية، والتي تعاني من مشكلات عديدة بسبب هذا الملف.
2- تدهور الأوضاع الأمنية: عدم تمكن حكومة طالبان من تلبية الحاجات الأساسية للشعب الأفغاني الذي يواجه أحوال معيشية صعبة، سينتج عنه تدهور في الحالة الأمنية، ونشاط محتمل لداعش ولاية خراسان تكسب به مساحات أكبر على الأرض تًخصم بالضرورة من رصيد الحركة.
3- التقارب مع الصين: والتي يتراجع اهتمامها بملف حقوق الإنسان المتعلق بالشأن الأفغاني، وسيكون التركيز على الجانب الإقتصادي بشكل أساسي، حيث توجد اهتمامات مشتركة للطرفين لتحقيق النجاح في هذا الملف تحديدًا، وهذا ما لاتريده الإدارة الأمريكية ؛ والتي تناصب الصين العداء، بسبب تفوقها الاقتصادي الملحوظ، فضلاً عن تنامي قوتها العسكرية، واتساع نفوذها السياسي في العديد من الملفات الدولية.

العوامل المؤثرة على العلاقات الإيرانية الأفغانية

يمكن توضيح أهم هذه العوامل المؤثرة في العلاقة بين إيران وأفغانستان على النحو التالي:
1- الحدود المشتركة: تحد أفغانستان إيران من جهة الشرق، وتشاركها في حدود تمتد لمسافة 920 كم، وهو ما جعل حالة عدم الاستقرار في أفغانستان خلال العقود الماضية تمثل مصدر قلق مستمر للحكومة الإيرانية، وبحسب آخر إحصائيات وزارة اللاجئين الأفغانية في فبراير2020، يعيش 2.5 حوالي مليون أفغاني في إيران، وتخشى طهران من تدفق المزيد من اللاجئين الجدد وتهريب الأسلحة والمخدِّرات.
2- العلاقات التجارية والموارد المائية: ترتبط إيران بأفغانستان بعلاقات تجارية واسعة، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين العام الماضي حوالي 4 مليارات دولار وتمر أغلب السلع عبر ثلاثة معابر حدودية بين الدولتين. هذا فضلاً عما تمثله أفغانستان من منبع لأنهار تصب في إيران وتحديداً نهر هلمند.

3- التداخل العرقي: وبخاصة في المناطق الحدودية بين الدولتين، حيث تقطن قومية البلوش مقاطعة سيستان وبلوشستان شرقي إيران، ويمتد وجودها إلى منطقة غرب أفغانستان، وتجدر الإشارة إلى أن هذه المنطقة يزيد فيها التوتر والقلاقل، فهي ملاذ للحركات السنية المناهضة للنظام في طهران؛ والذي يسعى لفرض اللغة الفارسية في الوظائف والمكاتبات الحكومية، وهو الأمر الذي يرفضه البلوش، هذا بالإضافة إلى علاقات إيران مع بعض القوميات الأخرى في أفغانستان، مثل قومية الطاجيك المنتمية للمذهب السُني، وتعتبر ثاني أكبر مجموعة عرقية في أفغانستان بعد البشتون، وهم أكبر مجموعة من الناطقين باللغة الدارية أو الفارسية الافغانية، يليها عرقية الهزارة الشيعية، والتي شكل نظام طهران من بعض أفرادهم الموجودون بالداخل الإيراني مليشيات "فاطميون"؛ حيث حاربوا المعارضين للرئيس بشار الأسد في سوريا.
وهذا الوضع يفرض على إيران اهتمامًا خاصًا بالوضع في أفغانستان نتيجة هذه الروابط القومية والمذهبية.

4- حماية الشيعة الأفغان: تقدم إيران نفسها باعتبارها حامية للشيعة في أفغانستان والعالم، وتُشير بعض التقديرات إلى أن أقلية الهزارة الشيعية تشكل ما بين 10 إلى 20 % من السكان ومعظمهم من الطائفة الاثنا عشرية التي تهيمن عليها إيران؛ التي تتمتع بعلاقات قوية مع شيعة أفغانستان، خاصة قبائل الهزارة، كما أن هناك قبائل شيعية أخرى من قبائل الطاجيك، وقبيلة شيعية واحدة تنتمي لعرقية البشتون.

أبعاد التغير ودوافعه

يمكن تناول أبرز تلك الأبعاد والدوافع على النحو التالي:

1 – تحقيق مكاسب سياسية عبر ألية التفاوض: رغم انخراط طالبان خلال السنوات الماضية في سلسلة من المفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية، بقيادة الملا عبد الغني القيادي بالحركة، والتي أسفرت في نهاية المطاف عن توقيع الاتفاقية الثنائية في فبراير 2020 بشأن الانسحاب الشامل للقوات الأجنبية من أفغانستان، ونجاح الحركة في التحول من طرف منبوذ على الساحة السياسية إلي طرف وشريك دبلوماسي على طاولة المفاوضات؛ تظل طالبان حركة إسلامية مُسلحة تعول خلال مفاوضاتها على قدراتها العسكرية في تحقيق مكاسبها السياسية، ويؤكد هذا الاتجاه حرص الحركة على عودتها لأفغانستان وبسط سيطرتها على الأراضي الأفغانية بسرعة كبيرة، قبل الانسحاب الكامل للقوات الأجنبية.
2 – الواقعية السياسية: من أبرز الملفات التي لفتت الانتباه وشهدت تغيراً ملحوظاً من قبل الحركة، هما ملفا وسائل الإعلام والاتصالات والمنظمات غير الحكومية. فقد أدركت الحركة استحالة السيطرة على التطور والانتشار السريع لوسائل الإعلام والاتصالات والانترنت داخل المجتمعات الأفغانية، ومن جهة ثانية أدركت مدى أهمية تلك الوسائل الإعلامية الحديثة في خدمة مصالحها وأهدافها من خلال توظيفها لكل الأدوات الإعلامية والدعائية لنشر أفكارها بأهم اللغات المتداولة، وفيما يتعلق بملف المنظمات غير الحكومية كانت تتبنى طالبان موقفاً عدائياً تجاه تلك المنظمات وموظفيها، لكنها اضطرت إلى تغيير سياستها تجاههم، من خلال توفير الحماية لمقارها وموظفيها على الأراضي الأفغانية، شرط التسجيل لدى السلطات المحلية والحصول على تصريح بالإقامة والعمل، مقابل دفع الضرائب وتقديم الخدمات للمواطنين الأفغان، وتعكس هذه الطريقة نهجاً جديدًا في تعامل الحركة مع هذا الملف وغيره من الملفات المشابهة.

3 - الاستجابة للضغوط المحلية: ويعد التعليم كمثال على ذلك أحد أهم الملفات الشائكة التي عانت منها المجتمعات الأفغانية في ظل حكم طالبان، خاصة أن الحركة اعتبرت المدارس منفذًا لعبور وانتشار القيم والثقافات الغربية وما تمثله من خطورة على الهوية الإسلامية للمجتمع بحسب ما تراه الحركة؛ والتي توسعت في إغلاق المدارس، وتقييد حق الفتيات في التعليم، مما أثار حالة من الغضب في الشارع الأفغاني، و زيادة الضغوط على الحركة للاستجابة إلى مطالب استمرار النظام التعليمي، وحق بالفتيات في التعلم. وانطلاقاً من الرد العنيف الذي واجهته طالبان جراء تلك السياسات التعليمية التعسفية، تحولت الحركة تدريجياً من حالة الهجوم والقمع، إلى محاولة السيطرة والتحكم في النظام التعليمي الذي تديره الحكومة. فبحلول عام 2012 صاغت الحركة سياسة تعليمية أكثر مرونة، عبر التنسيق مع الحكومة، ووضع شروط لطريقة عمل المدارس في المناطق التي تسيطر عليها، وكذلك السماح لبعض المدارس الأجنبية المُختلطة بين الجنسين للعمل تحت إدارة المنظمات غير الحكومية، وذلك وفقاً لاتفاقات تتم مع سلطة طالبان، ووزارتها المعنية بالشئون الدينية.

4 - الحصول على الدعم الاقتصادي: في ظل أزمة إقتصادية طاحنة ومستويات فقر تصل إلى 90% بين فئات الشعب الأفغاني ،وارتفاع غير مسبوق في معدلات البطالة، تسعى طالبان للحفاظ على المكاسب الاقتصادية التي تمتعت بها الحكومة الأفغانية منذ عام 2001 من مساعدات غربية، وخدمات غير حكومية، واستثمارات دولية في مجالات البنية التحتية، حرصت الحركة على تخفيف حدة ونمط الخطاب الذي تتبناه في سياستها الخارجية، وانتهجت نهجاً أكثر انفتاحاً على القوى الإقليمية والدولية المختلفة، لاسيما أن 75 % من النفقات العامة للحكومة الأفغانية يتم تغطيتها من خلال منح الشركاء الدوليين، وفقاً لتقرير البنك الدولي لعام 2019 . وانطلاقًا من هذا الأساس كشف محمد نعيم المُتحدث باسم المكتب السياسي للحركة 15 أغسطس 2021 عن رغبة الحركة في إقامة علاقات سلمية مع المجتمع الدولي، وبعد ذلك بيومين دعا سهير شاهين المتحدث باسم الحركة لإقامة مؤتمر دولي بهدف تقديم المساعدات الاقتصادية لشعب أفغانستان.

وختاماً، من المُتوقع أن تشهد أفغانستان حقبة جديدة مختلفة كُلياً عن تلك التي شهدتها قبل عام 2001، وهذا ليس انطلاقاً من ادعاءات ومزاعم الحركة بشأن تغيير نهجها وسياستها، بقدر ما هو انعكاس لحجم التطورات والتغيرات التي شهدتها أفغانستان على كافة الأصعدة الداخلية والخارجية خلال العقدين الماضيين، تلك التطورات التي من شأنها أن تفرض على الحركة اتباع أساليب أكثر مرونة في التعامل مع القضايا الشائكة، وعلى رأسها قضية الأقليات الدينية، كالشيعة الهزارة، حيث يتوقع أن يتحقق لهم قدر لا بأس به من الحرية في ممارسة طقوسهم وشعائرهم الدينية، وكذلك الحفاظ على أمنهم وممتلكاتهم،وقد يصاحب ذلك مشاركات محدودة في بعض المناصب الرسمية، لضمان حصول الحركة على القبول المحلي، وكسر العزلة الدولية، والحفاظ على الدولة الأفغانية من الوقوع في فخ الانقسامات، والإقتتال الداخلى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات الطلبة في فرنسا ضد حرب غزة: هل تتسع رقعتها؟| المسائ


.. الرصيف البحري الأميركي المؤقت في غزة.. هل يغير من الواقع الإ




.. هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتحكم في مستقبل الفورمولا؟ | #سك


.. خلافات صينية أميركية في ملفات عديدة وشائكة.. واتفاق على استم




.. جهود مكثفة لتجنب معركة رفح والتوصل لاتفاق هدنة وتبادل.. فهل