الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو رؤية ماركسية لمفهوم الديمقراطية : كتاب جديد للباحث الماركسي بندر نوري

طارق علي حامد

2022 / 9 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


ظل الكاتب والباحث الماركسي الدكتور بندر نوري في الفترة الأخيرة يرفد المكتبة السودانية بصورة عامة والمكتبة الماركسية علي وجه الخصوص بعدد من الكتابات الماركسية الرصينة فكرا ومنهجا وتحليلا . ومساءلة الماركسية من موقعه كماركسي وعضو في الحزب الشيوعي السوداني واستنطاقها بقضايا عصرنا الراهن. وتمثلت هذه الرؤية الماركسية للباحث بندر نوري في كتابين صدرا في الفترة الأخيرة. الكتاب الأول بعنوان (الاقتصاد السياسي للتبعية : من الاستعمار القديم الي الإمبريالية الاستخراجية) الصادر عن مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر بالقاهرة. (ولنا وقفة مطولة مع هذا الكتاب ننشرها لاحقا.) والكتاب الثاني وهو الذي سوف نعرض له في هذه المقالة هو كتاب (نحو رؤية ماركسية لمفهوم الديمقراطية الصادر عن دار (تو ار) للنشر والتوزيع بالخرطوم في شهر مارس من هذا العام.

الكتاب يحتوي علي تمهيد وخمسة فصول هي :
- الفصل الأول : مقدمة منهجية
-الفصل الثاني : قراءة تاريخية للديمقراطية
-الفصل الثالث : الديمقراطية الليبرالية
-الفصل الرابع : نحو نقد ماركسي للديمقراطية الليبرالية
-الفصل الخامس : الديمقراطية التشاركية الاشتراكية

يشير بندر نوري فى تمهيده للكتاب أن الأحداث الثورية التي انتظمت السودان ابتداءا من شهر ديسمبر 2018م ومرورا بالاعتصام أمام مبني القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية واعتصامات الولايات منذ السادس من أبريل وحتي الثالث من يونيو 2019م وما تضمنته تلك الأحداث من قيم اشتراكية وفعاليات سياسية. بالإضافة إلي اعتماد البرامج البديل المتمثل في إعلان الحرية والتغيير على الديمقراطية الليبرالية والدولة المدنية كإطار سياسي وتوجه إيديولوجي لحل الإشكالات التاريخية للدولة السودانية هي التي دفعت بالكاتب إلي مراجعة الموقف من الديمقراطية الليبرالية. وذلك عبر القراءة المادية التاريخية لتاريخ الديمقراطية. قراءة تتجنب الوقوع في فخ الاختزالية الحقوقية والتي تنظر لمفهوم الديمقراطية نظرة حقوقية مجردة.

كما يتناول الكتاب دراسة الديمقراطية - كمفهوم - عبر المنهج الماركسي وانواع الديمقراطيات التي مرت بها البشرية . والصراعات الطبقية والاجتماعية لتلمس الشكل الجنيني للديمقراطية التي تشكلت ملامحها الأولي أثناء الصراعات الطبقية التي خاضتها الطبقات المستغلة - بفتح الغين - من أجل التحويل الثوري للأنظمة الاجتماعية عبر المراحل التاريخية المختلفة من الديمقراطية الاثينية وحتي الديمقراطية التشاركية التي تشكلت من خلال تجربة كميونة باريس ومن خلال نضالات الطبقة العاملة لبناء الاشتراكية عقب ثورة أكتوبر 1917م .

في الفصل الأول من الكتاب والذي أفرد له الباحث عنوان (مقدمة منهجية) تناول بندر نوري جملة من التعريفات المختلفة لمفهوم الديمقراطية مشيرا فى بداية هذا الفصل إلي ان الكتابة حول مفهوم الديمقراطية هو أمر محفوف بالمخاطر وأقرب للمشي في حقول الألغام نسبة للاختلافات الكبيرة فى تعريف الديمقراطية حسب المنطلقات الفلسفية والاجتماعية

كما يشير الباحث في هذا الفصل إلي ان البشرية من خلال تاريخها الطويل والمتعاقب عبر مختلف التشكيلات الاجتماعية والاقتصادية التي عرفتها مرت بثلاثة أنواع من الديمقراطية هي :
1- الديمقراطية الاثينية
2- الديمقراطية الليبرالية
3- الديمقراطية التشاركية
ويتكئ الباحث في مناقشته لمفهوم الديمقراطية علي رؤية المفكر الأردني هشام غصيب حيث يقول غصيب : " للوصول لرؤية اشتراكية لمفهوم الديمقراطية لابد للغوص عميقا في تاريخ الديمقراطية ليس كمفهوم حقوقي مجرد بل كنظام نشأ وتطور في خضم الصراع والاجتماعي. حيث تعتبر المادية التاريخية هي المنهجية المناسبة لدراسة تاريخ الديمقراطية وحاضرها. وبالتالي الوصول للمؤشرات العامة لرؤية اشتراكية لمفهوم الديمقراطية . وذلك يعني دراسة الديمقراطية كنظام حكم تاريخي وليس عابر للتاريخ كما تحاول أن تصوره الأيديولوجيا الرأسمالية." ويمضي المفكر الماركسي هشام غصيب في مناقشته لمفهوم الديمقراطية فيقول " وتاريخية الديمقراطية تعني دراستها في علاقتها الدياليكتيكية بنوع التشكيلة الاجتماعية الاقتصادية المسيطرة في فترة زمنية محددة. (هشام غصيب : الديمقراطية من منظور ماركسي. منشورات الوعي الجديد 2010)


بينما يقدم الفصل الثاني من الكتاب قراءة تاريخية لمفهوم الديمقراطية حيث يتتع الباحث بندر نوري نشأة الديمقراطية الاثينية في القرن الخامس والرابع قبل الميلاد في غمار الصراع الطبقي بين الأرستقراطية الاثينية وبين الطبقات المستغلة من الفلاحين والعبيد .وحيث كان الصراع الطبقي ضد الاستغلال يتم في الحقل السياسي. أو بمعني آخر أن النضال ضد الاستغلال كان يمر بالضرورة بالحصول على السلطة السياسية وسن قوانين ودستور يكفل حقوق المواطنة لكل الجماهير المستغلة - بفتح الغين - أو عامة الشعب. في الوقت الذي كان فيه الأغنياء يفضلون حكم الأقلية من أجل الحفاظ على امتيازاتهم الطبقية والتي تتمحور حول استمرار الوضع القائم المتمثل في العبودية وبالتالي عدم حصول العبيد علي حقوق المواطنة.

في الفصل الثالث من الكتاب يعمل المؤلف على تشريح مفهوم الديمقراطية الليبرالية فيشير الي ان الديمقراطية الليبرالية تتميز بالفصل التام بين الحقل السياسي والاقتصادي والاجتماعي. حيث تعمل الديمقراطية الليبرالية في الحقل السياسي فقط. وفي مكان آخر من ذات الفصل يشير المؤلف إلى أنه في ظل الرأسمالية المعولمة تم اختزال مفهوم الحرية في حرية التجارة وحركة رؤوس الأموال العابرة للحدود القومية مع إدعاء منظرو ومفكرو الليبرالية الجديدة أن يد السوق الخفية هي الضامنة والحامية للحريات الفردية. حيث عمل الجهاز الايدولوجي على ترسيخ مفهوم الحرية النيوليبرالية وجعلها من البديهيات والمسلمات التي لا تقبل النقاش. وذلك عبر إعادة صياغة مؤسسات إنتاج المعرفة ووسائل الإعلام.

أما في الفصل الرابع من الكتاب والذي جاء تحت عنوان (نحو نقد ماركسي للديمقراطية الليبرالية التعددية) وهو في تقديري من أكثر فصول الكتاب علي مستوي التنظير الماركسي. حيث يفرق الكاتب والباحث بندر نوري بين رؤية ماركس وانجلز للديمقراطية في فترة شبابهما وهي الفترة التي سبقت ظهور كتاب (رأس المال) وبيت فترة النضوج وهي فترة ما بعد ظهور كتاب رأس المال حيث تكتمل
قطيعة ماركس المعرفية مع التراث المادي الفيورباخي والتراث الدياليكتيكي الهيجلي.

حيث يعتمد نقد إنجلز للديمقراطية الليبرالية علي العلاقة الدياليكتيكية بين الشكل والجوهر . وذلك باعتبار ان الديمقراطية كشكل ظاهري هي تعبير عن الطبيعة الاجتماعية لعلاقات الإنتاج الرأسمالية. وعلاقات الاستغلال الكائنة داخل هذه العلاقات الرأسمالية. وبالتالي يربط كارل ماركس دياليكتيكيا تجاوز الصيغة الليبرالية للديمقراطية إلي صيغة أكثر راديكالية. وذلك بضرورة التحويل الثوري لعلاقات الإنتاج الرأسمالية حيث يقول إنجلز عن التحولات الاجتماعية في اروبا ما يلي : " أن الثورة الفرنسية كانت تعني صعود الديمقراطية في اروبا. الديمقراطية البرجوازية تحوي تناقضا في ذاتها. فهي ديمقراطية كاذبة ولا تعني شيئا غير النفاق علي المستوي القاعدي. والحرية السياسية حرية مخجلة بل هي أسوأ أنواع العبودية الممكنة. ويجب إجلاء هذا التناقض الخفي داخل هذا النوع من الحرية. فالمساواه الحقيقية هي الشيوعية"

في الفصل الخامس والأخير من الكتاب يتناول الكاتب مفهوم الديمقراطية التشاركية الاشتراكية أو (الديمقراطية الاجتماعية) حيث يشير إلى تصاعد أزمة النظام الرأسمالي باعتبارها أزمة هيكلية ناتجة عن التناقضات الداخلية للنظام يحركها التناقض بين الطابع الاجتماعي لتنظيم العمل والملكية الخاصة لوسائل الإنتاج ويقول الكاتب أن هذه الأزمة تم التعبير عنها بموجة من المظاهرات الرافضة للنظام الرأسمالي في فرنسا والتي عرفت بحركة السترات الصفراء التي انطلقت في نوفمبر من عام 2018م احتجاجا على تلك الإصلاحات النيوليبرالية التي قام بها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون . وتلك المظاهرات التي انطلقت شرارتها في دول أمريكا اللاتينية في كل من شيلي وبوليفيا والاكوادور وهاييتي والهندوراس ضد التوجهات النيوليبرالية التي عملت التفاوتات الاجتماعية والطبقية بالإضافة إلى انتفاضات السودان ولبنان والعراق والجزائر.

هذه الحركات والانتفاضات والطريقة الوحشية التي قمعت بها تعبر عن الأزمة العميقة التي تعصف حاليا بالنظام الرأسمالي وفشل الأيديولوجيا الرأسمالية في طورها الليبرالي الجديد. وتحديدا فشل الديمقراطية الليبرالية ومؤسساتها في إعادة إنتاج النظام الرأسمالي. الامر الذي قاد الي لجوء الرأسمالية لاستخدام (أجهزة العنف الطبقي) لمواجهة تلك الحركات.

وفي خضم هذا الصراع الطبقي علي جميع مستوياته يطرح الكاتب تساؤل محوري حول ماهية النموذج الديمقراطي البديل. أو بمعني آخر. هل هناك نموذج ديمقراطي يمكن طرحه من خلال تجارب الصراعات الطبقية التي خاضتها الطبقة العاملة في إطار محاولات للبحث عن البديل الاشتراكي. ؟

ويجيب الكاتب علي هذا التساؤل بأن صياغة رؤية اشتراكية لمفهوم الديمقراطية يعتمد بشكل أساسي على التجارب العلمية التي تشكلت عبر غمار الصراع الطبقي من الديمقراطية الاثينية الي نضالات الطبقة العمالية في كميونة باريس التي شكلت رؤية ماركس الناضجة للديمقراطية الاشتراكية التي عبر عنها في كتابه (الحرب الأهلية في فرنسا) بالإضافة إلى الديمقراطية التشاركية التي وضعت لبناتها الأولي في معارك الصراع الطبقي الضارية التي خاضتها الطبقة العاملة وحلفائها في الاتحاد السوفيتي.

ويختتم الكاتب والباحث بندر نوري هذا الفصل بضرورة وأهمية صياغة نموذج بديل للديمقراطية الليبرالية في غمار الصراع الطبقي والاجتماعي. أو بمعني وضع النضال من اجل إنجاز ديمقراطية تتيح المشاركة المباشرة للجماهير وذات مضمون اجتماعي ضمن واجبات الطبقات الكادحة حول العالم في ممارستها اليومية للصراع الطبقي. والقضاء على الأساس المادي لاستغلال الطبقة العاملة وبناء النظام الاشتراكي. -وبحسب رأي الكاتب - بأنه لا يمكن فصل النموذج الديمقراطي من تنظيم جهاز الدولة الذي يمكن ان يعمل من خلاله. لذا لا يمكن طرح إشكالية الديمقراطية بمعزل عن تنظيم جهاز الدولة الذي يعبر عن علاقات الإنتاج الاجتماعية وملكية وسائل الإنتاج وتوزيع الخيرات المادية وفي مقدمتها وضعية مؤسسات القهر الطبقية. (الشرطة، الأمن، الجيش) التي تعمل علي أعادة إنتاج النظام القديم.

هذه هي مجرد وقفات مع بعض فصول كتاب (نحو رؤية ماركسية لمفهوم الديمقراطية) واستعراض سريع للكتاب. وارجو ان تكون هذه الوقفات وهذا العرض محفزا لقراءة هذا الكتاب المهم. وهي دعوة أيضا لقراءة كتب هذا المفكر الماركسي الشاب المجتهد الدكتور بندر نوري
والذي تنتظر منه المكتبة الماركسية الكثير من الأبحاث والكتابات الماركسية الجادة والملتزمة تجاه الطبقات الشعبية الكادحة.
وتبقي كلمة أخيرة للتعريف بمؤلف الكتاب هو بندر نوري. حيث شهدت الولاية الشمالية صرخة ميلاده الأولى في عام 1982م تخرج من كلية الطب بجامعة الإمام المهدي. حصل على ماجستير الصحة العامة من جامعة أوسلو. وهو كاتب وباحث في قضايا الصحة العامة (النظم والسياسات الصحية) وقضايا الاقتصاد السياسي. صدرت له مجموعة من الأوراق والأبحاث العلمية. أصدر مؤخرا كتاب : الاقتصاد السياسي للتبعية : من الاستعمار القديم الي الإمبريالية الاستخراجية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اين الديمقراطية الماركسية ؟؟
منير كريم ( 2022 / 9 / 5 - 23:54 )
الاستاذ المحترم طارق علي حامد
المقال ينتقد الديمقراطية الليبرالية بالمقولات الماركسية المجردة وليس بالمنهج التجريبي اي انه نقد ايديولوجي
خلال اكثر من قرن لليوم نمت وازدهرت الديمقراطية الليبرالية واثرت بصورة هائلة على الاقتصاد والعلوم والثقافة ونظام الحقوق وانت مازلت تتكلم عن قوى الانتاج وعلاقات الانتاج
اين البديل؟ ماهي الديمقراطية الماركسية ؟
ماهو برنامج الحريات الماركسية ؟
شكرا


2 - لا يوجد مايدعى ديمقراطية ماركسية
د. لبيب سلطان ( 2022 / 9 / 6 - 02:24 )
سيدي الكاتب
الديمقراطية ليست ايديولوجية بل اداة لتمكين السكان من اختيار مايناسبهم لتكون منهجا للسلطات اما الماركسية فهي فلسفة قامت للدعوة للعدالة الأجتماعية الأقتصادية وهي لم و لن تستطيع ان تحل محل الديمقراطية و الليبرالية( اي فلسفة الحريات) يوما فهي يمكنها ادخال افكارها في العدالة فقط من خلالهما ولو تمكنت الماركسية كما يحلل مؤلف الكتاب ان تطرح ديمقراطية ماركسية لفعلته خلال القرن الماضي حينما كانت في السلطة في 11 بلدا اوربيا والصين بل اثبتت ان الماركسية تحولت الى اداة ضد الأنسانية كأي فكر مؤدلج بما فيها الأديان عندما تصل للسلطة
كما ان الديمقراطية الليبرالية ليست فقط اداة سياسية كما يقول صاحبكم، بمعنى البرلمان وتبادل
السلطات ،،الخ بل هي اجتماعية واقتصادية وسياسية وفكرية تسمح للناس بتداول الأفكار ومعرفة مصالحهم وخياراتهم ولن تحجب امام اية فئة حقوقها او معارضتها للسلطات
اني ارى ان ماركسيينا العرب مصرين على تشويه واحدة من اهم مفاهيم ومكتسبات التقدم الحضاري للأنسانية وخلق حالة عداء معها وهي اكثر مانحتاجه في وطننا العربي للسير في طريق الحضارة فهل سألوا مافائدة مؤلفاتهم الماركسية

اخر الافلام

.. الألعاب الأولمبية باريس 2024: إشكالية مراقبة الجماهير عن طر


.. عواصف في فرنسا : ما هي ظاهرة -سوبرسيل- التي أغلقت مطارات و أ




.. غزة: هل بدأت احتجاجات الطلاب بالجامعات الأمريكية تخرج عن مسا


.. الفيضانات تدمر طرقا وجسورا وتقتل ما لا يقل عن 188 شخصا في كي




.. الجيش الإسرائيلي يواصل قصف قطاع غزة ويوقع المزيد من القتلى و