الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفلسفة و الحرب و السلم

علي فضيل العربي

2022 / 9 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


هل فشلت الفلسفة المعاصرة في حماية الإنسانيّة من الحروب المدمّرة ؟ ماذا جرى لفلاسفة عصرنا ؟ هل تخلّوا عن رسالتهم الإنسانيّة الساميّة ؟ أم إن الفلسفة قد تحوّلت إلى أداة إيديولوجيّة منحرفة ؟
غريب - حقا - ما يحدث في عصرنا ، خاصة في القرنين الأخيرين . لقد خاض الإنسان فتوحات علميّة جبّارة ، و خطا خطوات عملاقة في عالم التكنولوجيا و الرقمنة ، حتى أصبح كوكبنا الأرضي شبيها بقرية صغيرة في ظلّ العولمة . لكن بالمقابل ، خسر الكثير من المباديء الأخلاقية ، و تجرّد من الروح الإنسانيّة ، و من الرحمة و الرأفة بنفسها . طغى على عقله التفكير الفلسفي المادي ، المجرّد من الروحانيات المهذّبة ، و تسيّدت مشاهد العنف الدموي .
ما يحدث من حروب داميّة و قذرة ، كالحرب الدائرة بين روسيا و أوكرانيا ، و الحروب الأهليّة في سوريا و اليمن و ليبيا و مناطق الساحل الإفريقي ، و غيرها ، دليل دامغ على فشل الفلسفة المعاصرة في كبح جماح الشرّ في الإنسان المعاصر . و هاهو الإنسان المعاصر( المتحضّر ) في الغرب و الشرق ، ينفق المال و الجهد و الوقت ، و يسرف في استهلاك ثروات الأرض ، من أجل إنتاج السلاح التقليدي و النووي و البيولوجي و الكيماوي ، دونما تعقّل و بصيرة .
و كأنّ هذا الإنسان المعاصر ، لم بتعلّم من حوادث التاريخ القديم و الحديث ما يغنيه عن صنع وسائل الدمار . و لم يستوعب الدروس القاسيّة ، و لم يتعظ من الكوارث الماضية التي أصابت البشريّة في مقتل ، رعونة الإنسان و تهوّره .
و لو قرأ الإنسان المعاصر تاريخ البشريّة ، بتمعن و تأمّل ، لأدرك حجم الخطر الذي يتهدّده جرّاء هذه الفلسفة المعاصرة المبشّرة بعصر حضاريّ مرقمن ، على حدّ زعم العلماء و الباحثين في مخابر الموت .
و كان من واجب الفكر الفلسفي المعاصر ، أن يعيد للإنسان فطرته و إنسانيّته و رسالته . و يخرجه من دوائر الصراع الدموي ، و مربعات الكراهيّة و التنابز السياسي و الثقافي المفضي إلى الدمار النفسي و المادي . و كان لا بد من التطهّر من الأفكار المميتة ، التي حملتها لنا فلسفة القرون الوسطى ، و القرون النهضة الصناعيّة اللاحقة .
ما هو الهدف من كل هذه الأسلحة التقليدية و النووية المدمّرة للبشر و الطبيعة ؟ أهناك عدو خارجيّ يهدّد كوكبنا . كلا ، إنّ العدو الحقيقي هو الإنسان نفسه . هو عدو ذاته ، هو المعتدي و الضحيّة معا .
لقد أهدر الإنسان المعاصر آلاف الساعات من عمر البشريّة ، و هو يبحث عن وسائل القتل و الدمار، و خوض الحروب تلو الحروب . و فشلت المنظمات الدوليّة ، السياسيّة و الحقوقيّة في منع اندلاع الاقتتال بين الإنسان و أخيه الإنسان . و من نتائج تلك الفلسفة الساديّة ، وقع الإنسان في المحظور .


فقد قتلت قنابل النابالم الحارقة ، و قنابل الغازات السامة ، و قنبلتا هيروشيما و ناكازاكي ملايين المدنيين الأبرياء ؛ من أطفال و نساء و شيوخ ، دونما ذنب اقترفوه ، و دمّرت الحجر و الشجر ، و شوّهت الطبيعة ، و أجهضت التطوّر الحياة الآمنة في أحضانها .
لماذا فشلت الفلسفة المعاصرة في زرع الأفكار السلميّة الهادئة ، و ترشيد عقل الإنسان المعاصر و تهذيب سلوكه تجاه أخيه الإنسان ، و تربيّته على المباديء الأخلاقيّة الساميّة ، التي تحرّم العنف و القتل و السلب و النهب ، و تجرّم العبوديّة و الغزو و الإرهاب ، مهما كانت الدوافع و الغايات .
و أنتجت المدارس الفلسفية الغربيّة و الشرقيّة ، الماديّة و المثاليّة ، على حدّ سواء ، إنسانا إيديولوجيّ التفكير و السلوك و الغاية . استولت عليه التصرّفات البراغماتيّة الضيّقة . و أمسى السلم العالمي في دوامة الخطر المحدق بالإنسان من كل الجهات . و ها هو الإنسان المعاصر ، في الشرق و الغرب و الشمال و الجنوب ، يعيش في كوابيس القلق و الهلع ، و تحت مسطرة التهديد و الوعيد . و لعل أخطر ما يهدّد السلم العالمي ، و الوجود البشري و الحيواني ، هو التسابق لانتاج السلاح النووي و البيولوجي و الكيماوي امتلاكه ، و اتخاذه كوسيلة للتهديد و الردع و الوعيد . و الأغرب ، بل و الأبشع ، هو سعي بعض الدول المصنّفة في خانة دول العالم الثالث أو الرابع إلى اقتحام المجال النووي ، على حساب شعوبها المضطهدة ، سياسيا و اقتصاديا و ثقافيا . إنّه لأمر عجيب ، أن نجد بعض الأنظمة السياسية المفلسة فلسفيّا و إيديولوجيا ، تنفق أموالا طائلة في شراء الأسلحة المتنوّعة ، و تكديسها ، بينا أغلب مواطنيها يعيشون تحت خط الفقر ، و يعانون من نقص حاد في المدارس ، و تخلّف صارخ في النظام التعليمي ، و غياب ملحوظ في المرافق الصحيّة العامة و الخاصة ، و يعانون ، أيضا ، من أزمات خانقة ، كالبطالة و السكن و العنوسة و الأمن الغذائي و تدهور الطرقات و المسالك و غيرها .
إنّه لمن واجبنا التذكير ، أنّ المواطن العادي ، في دول الجنوب ، يفتقد يعاني من سوء التغذية ، و يفتقد الدواء عند الحاجة ، و هو معرّض للكوارث الطبيعيّة دون إعذار أو إنذار ، مثل الفيضانات و الحرائق . بينا المسؤول السياسي ، قد استحوذ على الامتيازات كلّها ، فقد يمارس سلوكا رأسماليا متوحشا ؛ فهو يعالج في أحسن المستشفيات في أوروبا ، و يقتني أشهى المأكولات و أغلاها ، و صاحب أجرة عالية و امتيازات اجتماعيّة ، كما يقترف جرائم النهب و السلب و السرقة و الاختلاس و الرشوة ، و لا يخشى من سلطة القانون ، و سيف العدالة ، لأنّ هذه الأخيرة مغمضة العينين عنه .

و لم ينج من الهوس الإيديولوجي الرأسماليّون الجدد ، و لا الشيوعيّون الذي ورثوا الفكر الماركسي ، و انتحلوا ثورة البلاشفة بقيادة الزعيم البلشفي لينين ، و من بعده قائد الثورة الصينيّة ماو سي تونغ ، و لا زعيم كوبا فيدال كاسترو ، و زعيم يوغسلافيا الاشتراكية ، تيتو ، و غيرها من الأنظمة المولعة بالفكر الشيوعي ، و بالنموذج الاشتراكي في إفريقيا و أسيا و أمريكا اللاتينيّة ، و المنضويّة تحت تكتّلات سياسيّة و اقتصاديّة و عسكريّة ، مثل دول عدم الانحياز و حلف وارسو . لقد كانت أهداف الفلسفة الاشتراكيّة ذات طابع اجتماعيّ بحت ، و من أجل كبح جماح تغوّل الرأسماليين و تحقيق العدالة الاجتماعية و إعادة توزيع الأراضي الزراعية على من يخدمها ، رغم الانهيار الذي حدث على يد ميخائيل غورباتشوف ، آخر بلشفي عنيد ، كما وصفه رئيس الولايات المتحدة الأمريكيّة ، و سقوط جدار برلين عام 1989 م ، ثم انقسام الاتحاد السوفييتي إلى جمهوريات مستقلّة ، ثم تفكّك المعسكر الاشتراكي .
أمّا المعسكر الغربي الرأسمالي ، الذي شُيّد مستندا على أفكار زعماء الفكر الرأسمالي ، كجون لوك و تورغو وآدم سميث و دافيد هيوم و دافيد ريكاردو و غيرهم ، فقد قادته الفلسفة الغربيّة ، و أغرقته في التوحّش السياسي و الاقتصادي و العسكري من خلال تطبيق نظامي الكارتل و الترست . و نتج عن ذلك التطرّف الرأسمالي صراع طبقي مؤلم ، و حروب دموية ، لا تكاد تنتهي ، أهلكت النسل و الحرث . و عرضت أمما و شعوبا إلى الفناء . أمّا آخر الحيّل الرأسماليّة المبتدعة – من أجل الاستيلاء على ثروات شعوب الجنوب - فهي ظهور الفكر العولمي ، و التبشير بنظام تقوده قاطرة العولمة السياسيّة و الثقافيّة و الاقتصادية بفكر غربيّ أحاديّ متوحّش .
إذن ، لنتفق أو لا نتفق ، فإنّ الفلسفة المعاصرة ، لم تبن للإنسان المعاصر مجتمعا آمنا ، تسوده الأخوة و العدالة و الحريّة ، و لم تحقّق له السلم الاجتماعي و الاقتصادي المتّفق عليه في العقد الاجتماعي . و من هذا المنطلق ، لا بد من إعادة النظر في النظام العالمي الجديد ، و إصلاح المنظّمات الحاليّة ، بدءا بمنظمة الأمم المتّحدة ، و جميع فروعها الأمنيّة و الحقوقيّة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل مستعدة لتوسيع عملياتها العسكرية في غزة إذا فشلت المف


.. واشنطن متفائلة وإسرائيل تبدي تشاؤما بشأن محادثات هدنة غزة




.. التصعيد العسكري الإسرائيلي مستمر في رفح .. فماذا ستفعل واشنط


.. الصفدي: نتنياهو يتجاهل حتى داعمه الأول.. ومواصلة اجتياح رفح




.. الجيش الأميركي: الحوثيون أطلقوا 3 مسيرات من اليمن دون خسائر