الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هيئة الأمم المتحدة جمعية خيرية أم جمعية سياسية ؟!

كامل عباس

2022 / 9 / 6
مواضيع وابحاث سياسية



تشّكلت هيئة الامم الحالية بعد انتهاء حرب عالمية كانت تتويجا لسلسلة من الحروب بين الدول أُزهقت فيها ملايين الأرواح البريئة . أوكل االى الهيئة فض النزاعات بين الدول قبل ان تتطور الى حرب جديدة وبالتالي حفظ الأمن والسلم على هذا الكوكب بناء على الحوار والتفاهم بين الدول بدلا من الاحتكام للقوة العارية, تفاءل الكثيرون بمسيرة جديدة على الأرض قوامها التعايش السلمي . ذادت جرعة التفاؤل بعد صدور الميثاق العالمي لحقوق الانسان عن الهيئة عام 1948الذي ينص على احترام لانسان من كونه انسان بغض النظر عن جنسه ولونه وطائفته وقوميته .
بكل أسف سارت الأمور كما كانت في الماضي حيث القوة هي سيد الموقف . وان ما صُرِف من أموال لتطوير السلاح وبيعه وتخزينه بين الدول في عهدها كان يكفي لتنمية اقتصادية اجتماعية كفيلة في المستقبل لمحو التخلف والجوع والفقر والارهاب معا.
الآن يتضح لنا ان ما حكي عن الانسان وحقوقه كان حبرا على ورق , لو كانوا جادين في تطبيق الميثاق لتحركوا جميعا كدول ووقفوا وراء الهيئة لتدين ايران في خرقها الواضح للميثاق وهي الموقعة عليه. لكن الجميع وعلى راسهم امريكا وقفوا بما ينسجم مع مصالحهم القائمة على التوازن العسكري . اما ما يحكى عن ازدواجية المعايير في تطبيق ميثاق حقوق الانسان فحّدِثْ ولا حرج .
مع ذلك لقد كان للهيئة وموظفيها الكثير من الايجابيات مثل حقوق الطفل وحقوق المرأة ومنظمة الصحة العالمية وكان عملها مقبولا حتى جاء الخرق الواضح من روسيا لدستورها وباحتقار شديد للهيئة وموظفيها وليتبن للقاصي والداني أن توازن بيئي ساد فترة وجودها بدى وكأنه الأسوأ من توازن بيئي بين الأنواع الحية وبين الطبيعة قام على اساس الغريزة وليس العقل . هذا يعني أن العقل كان نقمة على الحياة ولم يكن نعمة لها, والسبب في ذلك هو تمكن حفنة من ابناء جنسه من تجيير كل مكتشفات العقل لتخدم رغبتها في استمرار نهبها لثروات هذ الكوكب غير عابئة لا بالتوازن البئيئ ولا بالاقتصاد ولا بالسياسة , بل باستمرار نهبها على حساب غالبية الناس, لا فرق بين سلوك شيوخ العشائر في الزمن القديم وبين ابناء العائلات الحالية التي تسيطر على الاقتصاد العالمي حاليا ويتمتع أبناؤها بنفس الجاه والثروة والنفوذ الذي حاذه قديما شيوخ العشائر, حقيقة تمكّنت تلك الحفنةّ من هضم كل الانتفاضات والثورات والدعوات التي اعترضت على ظلمها عبر انحناء مؤقت للعاصفة وعمل حثيث بعدها لتعود وتتبرعم وتظهر بشكل جديد أشد ظلما من السابق .
تلك المسيرة تنطبق على مسيرة روسيا وامريكا منذ أن نشأت هيئة الأمم وربما تحت سمعها وبصرها وعجزها أن تغير شيء على الأرض .
- روسيا التي جرت فيها ثورة أدهشت العالم بحديثها عن الظلم والقهر, روسيا ذات التاريخ العريق , روسيا بطرس الأكبر وبوشكين وتشيخوف , روسيا وريثة ثورة لينين تتحول الى حفنة مليارديريين سرقوا اموال الشعب الروسي والتفوا حول بوتين وطباخه وهم يريدون الان تركيع العالم - عبر صواريخهم عابرة القارات من اجل الخضوع لمشيئتهم .
- اما أمريكا فان لم يكن لها تاريخ قديم وعريق مثل روسيا , لكن لها تاريخ حديث مشرف ايضا بدأ بحرب استقلال عنيفة حتى طردت المستعمر البريطاني من بلادها أواخر القرن السابع عشر الميلادي . وقد أكملت اكملت المسيرة في الداخل بعد الاستقلال بنفس الروح النضالية, فشجّعت على الهجرة الى البلاد للمساهمة في بناء الدولة وتعاملت مع كل مهاجر معاملة انسانية حقيقية حيث لم تسلب منه جنسيته الأصلية وخلال خمس سنوات كانت تعطيه الجنسية الأمريكية الذي يصبح فيها مواطنا بحق له ما يحق لغيره من الأمريكيين, بهذا السلوك جلبت اليها خيرة العلماء والمخترعين من كل بلدان العالم أنها روح جورج واشنطن وابراهام لنكولون وفرانكلين روزفلت الذي مات قبل انتهاء الحرب بشهور وهو يردد: هذه ليست رؤية لزمن مفرط في البعد. انها قاعدة دقيقة لنوع من العالم يمكن بلوغه في عصرنا ويمكن ان يبلغه جيلنا نحن بالذات . هذا النوع من العالم هو نقيض النظام الجديد المزعوم الاستبدادي الذي يسعى لخلقه الطغاة بواسطة قنابلهم. كما جاء في رسالته الأخيرة للشعب الأمريكي
انقلبت تلك السياسة بعد موت فرانكلين رأسا على عقب وقد سارت كل الادارات اللاحقة على هدي السيطرة على العالم عبر القنابل, كل الادارات الأمريكية بعد انتصارها في الحرب العالة الثانية جمهورية أم ديمقراطية كان هدفها تركيع العالم .
كان من المؤمل بعد خرق القيادة الروسية لميثاق الهيئة بهذا الشكل الوقح والفج واحتقار الهيئة ورئيسها أن تعلن بوضوح عن فشلها في حفظ الأمن والسلم الدوليين وان تدعو لاجتماع الدول لتشكيل هيئة جديدة تكون قادرة على ذلك والا فإنها ستستقيل . لم تفعل الهيئة ذلك بل استمرت وكأنها منظمة من منظمات حقوق الانسان لترصد انتهاكات الدول للميثاق وهو ما بدى من خلال لجانها التي أُرسِلت الى أرض المعركة ,تلاه تقريرا عن حقوق لانسان في الصين يتحدث عن قمع الأيكور المسلمين فيها لصب الزيت على النار المشتعلة في العالم .
المحيِّر بالنسبة لي هو سلوك الهيئة تحت قيادة امينها العام أنطونيو غوتيريش وهو المناضل الأممي الاشتراكي المشهود له بنضاله واستقامته وخلقه, وهو يعلم على ما اعتقد كما اعلم انا والكثيرون ان الحرب لن تتوقف وقد تمتد لسنوات وتتطور الى حرب عالمية جديدة لأن الحفنة التي تدير العالم مسؤولة عن ذلك بدعمها الحل العسكري وليس الاقتصاد . إن أمريكا بالتحديد هي مع الخيار العسكري وقد وّرطت روسيا في حرب لن تخرج منها منتصرة حسب رؤيتها, وان كانت روسيا قدو وقعت في الفخ فإنها تتجه الآن نحو الصين لنصب فخ جديد مشابه في تايوان .
وعلى ذكر الصين فهي بلد مشهود له بالحكمة والتروي وهي بالأصل ليست مع الخيار العسكري مثل القيادة الروسية ومستعدة لكي تقبل بحل من قبل المجتمع الدولي لأزمة تايوان اما اذا فُرِض عليها فهي ستدافع عن بلدها ولن تستكين . لسان حال قيادتها واضح على مستوى الفلسفة والسياسة والاقتصاد يتمحور على الشكل التالي: لو أن الغرب قدّم لنا نموذجا يحتذى أكثر من نظامنا لما توانينا عن الاقتداء به , لكن نموذج الديمقراطية الغربية هو اسوأ من نظامنا وبسببه تعاني تلك البلدان الآن من تهديدات داخلية خطيرة أبرزها القوى الشعبوية التي تبنّت سياسة بالغة الخطورة مثل تدابير الحماية التجارية والتي نشأت كاستجابة لفشل هذه الأنظمة في التعامل مع مشكلات مثل التفاوت قي الدخل وما ادى من انقسام في المجتمع بين حفنة تملك المال وأغلبية تعاني من الجوع والفقر والحرمان والاستقطاب السياسي ايضا .
حقيقة يبدو ان أمريكا تطمح من خلال الحرب أن تزيح أصحاب النزوع الأمبراطوري من طريقها وعلى رأسهم بوتين وأردوغان وخامينائي وغيرهم, وتتجاهل رؤية العالم الجديدة الذي يعتبر ازدواجية معاييرها ونفاق اداراتها منذ انتهاء الحرب العالمية وحتى الآن جعل العالم ينظر اليها وكأنها وجه العملة الأخرى لروسيا . ان روسيا انهارت اقتصاديا من الداخل وامريكا على نفس الطريق ومن الداخل وليس الخطر ابدا على امنها القومي من امريكا وروسيا . الخطر عليها من تلك السياسة التي تتنكر لحقوق الانسان وتريد حل المشاكل على طريقة حلها للشرق الوسط عبر اتفاقات ابراهيمية مجافية لروح العصر .
الكرة الآن في ملعب هيئة الأمم المتحدة لتلعب دورا متوازنا ينهي تلك الحرب , اعتقد ان الظرف مناسب للتكلم عن اصلاح للهيئة كما جرى بداية القرن والذي التّفت عليه روسيا وامريكا معا خوفا من فقدانهما الفيتو وبالتالي السيطرة على العالم . اصلاح يُراجع الماضي ويحّث روسيا وامريكا للعودة الى روح فرانكين وروح غورباتشيف التي تتفهم الاصلاح وتقبل به .اصلاح ينتهي بنظام جديد يعيد النظر بنظامنا السابق القائم على العسكرة ويستبدله بنظام قائم على التنافس الاقتصادي بين الدول وعدم التدخل بشؤونها الداخلية يكون قادرا على حظ الأمن والسلم الدوليين وان لم يفعل المجتمع الدولي كذلك ستنتهي الحرب بقطع سلاسل التوريد الى السوق والعودة الى الهمجية القائمة على ان تتدبر كل دولة امورها باستقلال عن الدول الأخرى كما كان الأمر قبل الفي سنة من الحضارة .
سيادة المناضل الكبير انطونيو غوتيريش مبادرة كتلك ستحفظ لك ولهيئتك تاريخكما النضالي وقد تكون سببا في انقاذ العالم من محنته الحالية أيضا .
أن تأت متأخرا خير من ان لا تأت








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رموز تعبيرية قد تكون سببا في دخولك السجن


.. حركة فتح للعربية: موافقة حماس على مقترح الهدنة موقف مسؤول وم




.. المؤتمر الرابع للتيار الديمقراطي العراقي-نجاحات وتهاني-3


.. ماذا جاء في تصريحات ماكرون وجينبينغ بعد لقاءهما في باريس؟




.. كيف سيغير الذكاء الاصطناعي طرق خوض الحروب وكيف تستفيد الجيوش