الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحراك السياسي والإصلاح: هل لا يزال ممكنا؟

هشام القروي
كاتب وشاعر وروائي وباحث في العلوم الاجتماعية

(Hichem Karoui)

2022 / 9 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


بعض الأصدقاء الذين أعرفهم منذ سنوات طويلة، والذين هم في طور إنشاء حركة سياسية جديدة طموحة، رأوا أن يطلعوني على مخطوط البيان التأسيسي للحركة والذي ستوقعه مجموعة من المناضلين السياسيين. وطلبوا مشورتي ورأيي.
وقد شكرتهم جزيل الشكر على إطلاعي على بيان الحركة واستشارتي، وبينت لهم أنني، بكل مودة وتقدير، لا أريد الاشتراك في أي حركة سياسية تونسية، ولو حتى بإبداء الرأي. حيث غاب عليهم، وأعتقد أنه غاب على العديدين ممن يتابعونني، أنني لست سياسيا وليس لي أي طموح إلى السلطة لا في تونس ولا في غير تونس.
لقد نذرت نفسي منذ كنت في المدرسة الثانوية للكتابة والقراءة... ولا شيء سوى ذلك. ولا أرى نفسي مغيرا هذا المسار الذي قضيت فيه عمري من أجل أي حركة سياسية. أنا أحترم السياسيين إذا كانوا صادقين وأمناء وشرفاء مع شعبهم، وأحتفظ بحقي في مخالفتهم ومعارضتهم وانتقادهم وتجريدهم من أقنعتهم وملابسهم إذا لزم الأمر، حين يتبين كذبهم وزيفهم ونفاقهم. وكثيرون هم كذلك للأسف، حيث بينت الأحداث والتطورات والأزمات في تونس، وفي بلدان عربية أخرى، أن العديد ممن تولوا السلطة لم يكن هدفهم خدمة الشعب، وإنما خدمة مصالحهم الخاصة، وخدمة مصالح أولئك الذين يقفون وراءهم بالتمويل. وهؤلاء في الغالب يمثلون قوى أجنبية. وهو ما أدى بنا إلى الزقاق المسدود الذي تردت فيه بلدان اعتقدت شعوبها أنها غيرت المنظومة، واكتشفت أن التغيير يهم المشهد وحسب. لكن في العمق زاد السوء سوءا، وزادت المتاعب، وزاد الشقاء، وزادت المعاناة... وهو ما عبر عنه أحد أصدقائي وأساتذتي المرموقين من أيام الجامعة ، بعبارة أصبحت رائجة في علم الاجتماع السياسي: «النخبة ضد الأمة»... بمعنى آخر أن النخبة التي كان من المفترض أن يعتمد عليها الشعب في النهوض والازدهار، هي التي خانته وخذلته في النهاية.
ويكفي أن ننظر إلى الحال الذي وصلته بلدان كتونس وليبيا واليمن وسوريا والعراق والسودان... (وهذه مجرد أمثلة فقط) لنقتنع أن النخبة فعلا خانت الشعب، وعملت ضد مصالحه.
وليس هذا من باب إصدار أحكام القيمة على أحد، فإنني لا أنصب نفسي "قاضيا أخلاقيا"، وإنما هي استنتاجات يمكن لأي إنسان لديه عقل أن يصل إليها ويراها.
هل هناك فسحة أمل؟ لا أعرف. الحقيقة ليس لدي جواب حاليا عن هذا السؤال. عشت معلقا ومحللا سياسيا منذ كنت في عقد العشرينات من عمري (وأنا الآن تجاوزت الستين وأتجه نحو السبعين )... وبصراحة، أجدني متشائما تماما فيما يتعلق بإمكانية عمل أي شيء لإصلاح الحال في البلدان العربية.
وفي تونس تحديدا، يتجاوز عدد الأحزاب المائتين. ما القصد من ذلك؟ هل هو مثلا دليل على وجود ديمقراطية صحيحة؟ هل ستكون الديمقراطية التونسية مثلا أفضل من الديمقراطية في الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وسويسرا وهولندة وغيرها؟ وكل هذه البلدان لا يتعدى عدد الأحزاب السياسية فيها أصابع اليدين.
كلا! تعدد الأحزاب ليس دليلا على صحة المسار الديمقراطي. وإلا، لكانت الولايات المتحدة أقل الدول ديمقراطية في الداخل. تعدد الأحزاب في تونس برأيي دليل على قوة أزمة البطالة التي اكتسحت المواطنين، خاصة الشباب منهم. التغيير الذي حدث في تونس بعد سقوط بن علي، فتح أبواب الأمل للعديد من العاطلين عن العمل بأنهم إن اشتغلوا بالسياسة، سيمكنهم كسب لقمة العيش بسهولة أكثر من أي قطاع اقتصادي. هذه الحقيقة واضحة لكل من يتابع ويفكر. وإنني أدعو الزملاء الباحثين في علم الاجتماع إلى القيام بدراسة بسيطة حول العناصر التي تكون الأحزاب والحركات السياسية في تونس (الخلفية الاقتصادية الاجتماعية، والخلفية الثقافية ومستوى التعليم)، والقيام بمسح إحصائي وتحليلي للبرلمان وأعضائه... إنني مقتنع أنهم سيكتشفون الأعاجيب، ويفهمون كيف أن «العمل في السياسة» أصبح هو «القطاع» الاقتصادي الذي «يأتي بالخبز» لمن عاشوا دهرا عاطلين عن العمل، سواء كانوا من حملة الشهادات العلمية أم لا.
ها هي المعادلة: من ليس لديه حزب ينشئ حزبا، أو ينخرط في حزب... لأن ذلك يفتح أبواب السلطة... يعني يفتح أبواب الرزق.
السلطة = الرزق
في البلدان الديمقراطية، السلطة هي الطريق لخدمة الشعب.
في تونس، وغيرها من بلدان العرب، السلطة هي الطريق إلى ملء الجيوب الفارغة... أو ملء الحساب البنكي....
كيف تريدون أن تفلح أمة هذه حالها وحال نخبتها القيادية؟
ولكن حسنا! قد تعددت الأحزاب. فلماذا لم تتعدد الأفكار والبرامج التي تحقق لتونس الازدهار والتقدم؟ كل هؤلاء الذين أمسكوا بالسلطة في وقت ما... ماذا فعلوا بالضبط لإصلاح الأحوال؟ هل لديهم إنجازات؟ فلماذا وصل البلد إلى الحضيض؟ من سنة 1956 إلى اليوم، ماذا فعل حكام تونس سوى إعادة إنتاج التخلف، وإعادة إنتاج الفقر ، وإعادة إنتاج التبعية للخارج؟ وليتها تبعية تنفع! ولكنها تبعية أوصلت الاقتصاد إلى الجرف الذي يقف عليه اليوم.
أنتجت تونس ديكتاتوريين كبارا ودكتاتوريين صغارا.
بورقيبة وبن علي : دكتاتوريان ، رغم أن الأول متعلم قليلا، والثاني جاهل.
هل نعتبر أيا منهما قدوة يجب أن نتبعها؟
أنا بصراحة أفضل أن أتبع زعيما ديمقراطيا نيرا تقدميا ... ولكني لا أراه. لم يحدث أن حكم تونس شخص يمكن وصفه بتلك الصفات التي تجعل الناس يلتفون حوله ولا يندمون، ولا يثورون.
بورقيبة ثاروا عليه: والعديد منكم يتذكر 26 جانفي مثلا.
وبن على ثاروا عليه ثورة أكبر وأشد فظاعة، جعلته يهرب ويموت في السعودية.
من غيرهما؟
الذين أتوا بعد 2011... أنتم تعرفون ما فعلوا... فالنتيجة أمامكم الآن.
من يستطيع أن يتحمل المزيد؟ ليكن الله في عونكم!
تقديري مع ذلك لكل من لا يزال يؤمن بإمكانية العمل من أجل الإصلاح في الحدود الضيقة المسموح بها. وأنا فعلا آمل أن يتغلب العقل والحكمة وتنتصر قضية الديمقراطية والإصلاح واحترام حقوق الإنسان والمواطن في تونس وفي العالم العربي.
لكنني لست مستعدا للتوقيع على بياض أو على سواد، بشكل مسبق، لأي زعيم أو حركة سياسية قائمة أو قادمة.
وتحياتي لجميع قرائي ومتابعي الـ:( 122.000 ) الذين يعرفون على الأقل أنني لن أخون ثقتهم، وأنني سأكتب دائما ما أراه صوابا في اللحظة التي أكتب فيها. وأما إن أخطأت، فجلٌ من لا يخطئ. وسأعود للتصويب إذا لزم الأمر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما مدى صحة وضع الثوم بالفريزر؟ ومتى يجب التخلص منه؟


.. رحيل عموتة عن تدريب منتخب الأردن.. لماذا ترك -النشامى- وهو ف




.. حرب الجبهتين.. الاغتيالات الإسرائيلية | #غرفة_الأخبار


.. ما دلالة غياب اللاعبين البرازيليين في الدوري السعودي عن -كوب




.. حزب الله يهدد إسرائيل.. من شمالها إلى جنوبها