الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المسيح عليه السلام في الشعر

صبري فوزي أبوحسين

2022 / 9 / 6
الادب والفن


المسيح -عليه السلام- ورحلته المُبارَكة في الشعرِ المصري
أ.د/صبري أبوحسين
---------------------------
لا ريب في أن فن الشعر في كل حضارة وثقافة يعد ديوان الحياة والأحياء: نسجِّل فيه وبه مُجريات أحداثنا وصنيع أبطالنا، ونقف فيه مع الشخصيات البُطولية الفذَّة، ذات التاريخ الحيِّ الحيوي، لا سيما الشخصيات الدينية المهيمنة التي تعد حقلاً خصبًا للتحول إلى رموز فنية دالَّة، تعبيرًا عنها، وتعبيرًا بها عن طريق استدعائها، وتوظيف سيرتها وشخصيتها في حالات وإشكالات حديثة ومعاصرة.
وسيدنا (المسيح): عيسى بن مريم -عليهما السلام- شخصية دينية عالمية؛ فهو رسول الله, وكلمته, حدثت له آيات ظاهرة, وبينات زاهرة، ذكره الله –تعالى- في القرآن الكريم بصيغ متعددة نحو خمس وثلاثين مرة، من أشملها قوله تعالى: ﴿إذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ...﴾.
و(السيد المسيح)-عليه السلام- يكاد يكون أكثر شخصية دينية تحولت إلى رمز لدى المثقفين والأدباء على مستوى العالم، ولا أدل على ذلك من كتاب ”المسيح في الشعر العالمي" للمترجم المصري الحسين خضيري، الذي هو مجموعة من القصائد المختارة التي تناولت المسيح -عليه السلام- وعبرت عن القيم المسيحية التي دعا إليها، وفي هذه القصائد تتنوع الأصوات الشعرية، وتختلف الرؤى حول رؤيتها المسيح-عليه السلام- ومحبته البشر، ومأساته ودلالاتها وعناصرها، ويضم الكتاب سبعًا وعشرين قصيدة لعدد من الشعراء العالميين منهم: (سيندي وايت، وجون بيريمان، وإليزابيث باريت براوننج، وجورج مكاي براون، وجون كريسوستوم، ووليام كاوبر، وفيليس ويتلي، ولوسو شو، وغيرهم.
هذا، وقد كان للسيد (المسيح) -عليه السلام- حضور كبير في الشعر المصري الحديث والمعاصر؛ إذ يقرر الدكتور شاكر عبدالحميد-وزير الثقافة الأسبق- أن فكرة (المسيح) المخلص- والذى ارتبط مجيئه بالخلاص من الخَطِيَّة والمنقذ- من إضاءات الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد، وقد تم التكريس لها على مستوى الأدبيات المتتابعة تاريخيًّا، بدءًا من الميلاد الذى أصبح يتوازى مع ميلاد روح الإنسان المتأمل، ثم تلا ذلك (مرحلة الرمز)، حيث تحول المسيح إلى رمز الإنسانية، وذلك كونها اختزالا لتجربة عامة ورصدًا لواقع نفسى في عصر ما، وأوضح «عبدالحميد» أن شخصية السيد (المسيح) تخللت الديوان الشعرى للعرب على طول تاريخه الفني، ومع مجيء المدرسة الجديدة في الشعر العربي: مدرسة شعر التفعيلة، أصبح للرمز دور في تشكيل الصورة الشعرية، واعتلت الحلبة رموزًا شعرية معبرة عن آلام الإنسان المعاصر، ويكاد يجمع رواد الشعر الحديث على رمزية السيد (المسيح) -عليه السلام- في تشكيل الشعر... وظل هذا الرمز ذا دور في بناء الصورة الشعرية في شعر السبعينيات والثمانينيات، وما بعدها...
وبقراءة بعض الأشعار المصرية التي عرضت لسيدنا المسيح-عليه السلام-يمكننا أن نصنفها إلى الرؤى الآتية:
1- الإيمان بالمسيح رسولاً ومبشرًا:
وخير مُعبِّر عن هذه الرؤية ومصور إياها قول الشاعر محمد التهامي(1920-2015م) من قصيدته(أنا مسلم) :
إنّا عباد الله ملءُ قلوبِنا طه وموسى والمسيحُ ومريمُ
فالكِلْمةُ البيضاءُ كلُّ دعائِنا واللهُ يهدي مَنْ يشاءُ ويُلهمُ
هذا دعاءُ المسلمينَ وإنَّه من كلِّ أدواءِ التعصُّبِ بَلْسمُ
وحقًّا إن هذه الرؤية الوسطية المعتدلة تجاه أنبياء الله -عليهم السلام- هي الهادية والبانية، وإنها لتزداد وضوحًا وسلوكًا في قول شاعرنا:
نرضاهم رسلاً تألق هديُهم ويُتمّه طه الحبيبُ ويختمُ
ونحبُّهم حبَّ الجدودِ بَنَوْا لنا لنُتِمّ رهنَ مشيئةٍ تتحكمُ
فالبدرُ في أفْقِ السماءِ تَزُفّهُ وتروحُ تسبقُه هناكَ الأنجمُ
ويزيد شاعرنا التهامي الرؤية بيانًا بقوله:
و بلادنا دار الجميع، فكلهم مـتـقـلب في خيـرها يـتـنـعم
إن كان قسّمهم هنالك دينهم فقلوبهم في الحب لا تتقسم
كم دق ناقوس وصاح مؤذن ومع السلام صداهما يترنم
هذا سلام القادرين بــدارهم دار العـــروبة حـرة لا تُرغـم
فالإيمان برسل الله -عليهم السلام- ورسالاتهم، وحبهم، وعدم التفريق بينهم هو السلوك الإنساني السمح السامي الراقي المطمئن والجامع، والواقي من الفتن الدينية وشرورها، والناشر سلام القادرين في البلاد وبين العباد!
2- تمجيد المسيح ميلادًا:
ومن أبرز الأشعار المصورة للميلاد ما ذكره أمير الشعراء أحمد شوقي(1868-1032م) في مطولته التاريخية (كبار الحوادث في وادي النيل)، منذ البيت المائة والسبعين، والتي يصف فيها مشهد الميلاد قائلاً:
وُلد الرفق يوم مولد عيسى والمروءات والهدى والحياء
وازدهى الكون بالوليد وضاءت بسناه من الثرى الأرجاء
وسرت آية المسيح كما يسري من الفجر في الوجود الضياء
تملأ الأرض والعوالم نورًا فالثرى مائج بها وضّاء
لا وعـيدٌ، لا صولةٌ، لا انتـقـــامٌ لا حسـامٌ، لا غـزوةٌ، لا دمـاءُ
فشاعرنا يقرر أن الرفق والتسامح والسلام هو العنوان الأبرز لرسالة السيد المسيح-عليه السلام-.
3- المسيح معجزة:
يصف الشاعر عبدالمجيد فرغلي[1932-2009م] الميلاد المعجز لسيدنا (المسيح)-عليه السلام- فيقول:
وقال: هُزِّي بجذع تساقط الرطب أنضدْ
يا مريم اهدي وقري عينا بأنوار فرقدْ
من تحتك اروي سريا من مائه العيش أرغدْ
وإن يحدثك قوم أتوك والكل فنّدْ
"نذرت لله صومًا" قولي وطفلي سيشهدْ
يكلم الناس مهدًا وعنك ينفي المفندْ
هذ هو الطهرُ عيسى في قولِ حقٍّ مُحدَّدْ
نادى به القومُ طفلاً ميلادُه كان مُفرَدْ
يعلم الناس علما ويخلق الطين مشهد
كهيئة الطير فيه إن ينفخ الروح يشهد
ويوقظ المَيْتَ حيًّا بإذن مَن ثَمَّ يُعبَدْ
هذا نبيٌّ كريمٌ ذو معجزاتٍ تُخلَّدْ
في كل ميلادِ عامٍ فيه احتفال يُجدَّدْ
فميلاد (المسيح) –عليه السلام- معجزة كبرى، بل فيه مجموعة من المعجزات، ومن ثم حق لنا أن نحتفل به ونحتفي!
وهذا الشاعر صلاح عبدالصبور(1931-1981م) في قصيدته(رسالة إلى صديقة) يعبر عن جانب من هذا الإعجاز حين يتحدث عن خطاب محبوبته إليه قائلاً:
خطابك الرقيق كالقميص بين مقلتي يعقوب
أنفاس عيسى تصنع الحياة في التراب
الساقَ للكسيح
العين للضرير
هناءة الفؤاد للمكروب
"فالشاعر هنا-كما يقول الدكتور علي عشري زايد- يعتمد على صورة تشبيهية، لا تقوم على أساس رصد التشابه الحسي بين العناصر المكونة للصور وتسجيلها، وإنما ترصد التشابه الروحي العميق بين خطاب الصديقة ومعجزات الأنبياء، عليهم السلام، كقميص يوسف وقدرة عيسى على إخراج الموتى وشفاء المرضي بإذن الله، ويكمن هذا التشابه في ذلك التأثير الخارق غير العادي الذي يجمع بين رسالة الصديقة وهذه المعجزات"...
4- وصف رحلة العائلة المباركة لمصر:
بعد أن ذكر أمير الشعراء في مطولته التاريخية (كبار الحوادث في وادي النيل) ميلاد سينا المسيح-عليه السلام- صور لنا -بإيجاز-ما يُسمَّى (رحلة العائلة المباركة بمصرنا) قائلاً عنهم:
دَخَلُوا ثَيْبَةً فَأَحْسَنَ لُقْيَا هُمْ رِجَالٌ بِثَيْبَةٍ حُكَمَاءُ
فَهِمُوا السِّرَّ حِينَ ذَاقُوا، وَسَهْلٌ أَنْ يَنَالَ الْحَقَائِقَ الْفُهَمَاءُ
فَإِذَا الْهَيْكَلُ الْمُقَدَّسُ دَيْرٌ وَإِذَا الدَّيْرُ رَوْنَقٌ وَبَهَاءُ
وَإِذَا ثَيْبَةٌ لِعِيسَى وَمَنْفِيـ ـسٌ وَنِيلُ الثَّرَاءِ وَالْبَطْحَاءُ
و(ثيبة) و(منفيس) من أماكن مصر القديمة، فقد آمن هؤلاء الحكماء المصريون برسالة عيسى -عليه السلام- فحَوَّلُوا الهياكل التي هي دُورٌ لعبادة الأصنام إلى أديرة لعبادة الله وحده لا شريك له على دين نبيه ورسوله المسيحِ عيسى عليه السلام، فتطهرت دورُ العبادة من كدر الشرك فظهر رونقُها وبهاؤها؛ بسبب نور العبادة، وقد دخل المصريون كلهم في دين الله وآمنوا بالمسيح -عليه السلام- رسولاً من عند الله، فإنما ينكر الديانات الأشقياء السفهاء!
5- الحب رسالة عيسى:
وفي قصيدة (الأندلس الجديدة) نجد شاعرنا شوقيا يستطرد ليقرر حقيقة رسالة الحب عند سيدنا المسيح-عليه السلام- بقوله:
عيسى سبيلك رحمة ومحبــة في العالمين وعصمة وسلامُ
ما كنت سفّاك الدمـاءِ ولا امرأً هان الضعافُ عليه والأيتامُ
يا حاملَ الآلامِ عن هذا الـورى كثرَتْ عليه بإسـمك الآلامُ
البغيُ في دين الجميع دَنِيَّةٌ والسلْمُ عهدٌ والقتالُ زمامُ
فما أصدقها من رسالة، وما أصدقها من غاية! رسالة الرحمة ورسالة المحبة، ورسالة السلام، ورفض البغي والظلم والعداوة والبغضاء واستهجان سفك الدماء!
وهذا الشاعر المهندس علي محمود طه(1901-1949م) في قصيدته(ليلة الميلاد) يقرر فكرة الحب في رسالة سيدنا المسيح، ويشكو إليه، عليه السلام:
يا قويًّا لم يَهُنْ يومًا عليه الضعفاءُ
وضعيفًا واسمه يفزعُ منه الأقوياءُ
وأنا المسلمُ لا يجحَدُ عندي الأنبياءُ
أنتَ في القرآن حُبٌّ وجمالٌ ونقاءُ
ثم يقول:
أيها المبعوث لا ضنَّتْ برُجعاكَ السماءُ
أُنظرِ الأرضَ فهل في الأرض حُبٌّ وإخاءُ
نسِيَ القومُ وصاياكَ وضلُّوا وأساءوا
فالواقع البشري المريض دال على تلك الشكوى!
6- المسيح مصلوبًا:
انطلاقًا من أن المسيح –عليه السلام-محب، وداعية إلى الحب، نشأت فكرة توظيف اسم(المسيح) رمزًا للبطل المُضحِّي المخلص، المناضل المقتول لأجل تحرير الإنسان وانعتاقه من ربقة المرابين المتاجرين باسم الله تارة والمتحالفين مع المستكبرين تارة أخرى، وهذا نجده عن الشاعر الحداثي صلاح عبدالصبور في قصائد(عيد الميلاد)، و(الظل والصليب)، و(القديس)، حيث رضي شاعرنا (صلاح) أن يحمل دور السيد (المسيح) -عليه السلام- ودور أصحاب الرسالات، ورضي أن يتحمل الآم الناس وأحزانهم وتكون نتيجة ذلك هي الصلب حين يقول:
أنا مصلوب، والحب صليبي
وحملتُ عن الناس الأحزانْ
في حب إله مكذوب
لَم يَسلم لي من سعي الخاسرِ إلا الشعر
كلمات الشعر
وهو في موضع آخر يعلن ذلك صراحة أن الشعر هو نقطة ضعفه التي جعلته يرضي بتحمل الأحزان والآلام فيقول:
الشعرُ زلتي التي من أجلها هَدَمْت ما بَنَيْت
من أجلها صُلبتْ
وحينما عُلّقتُ كان البردٌ والظلمةٌ والرعدٌ
ترُجٌّني خوفًا
وحينما ناديته، لم يستجبْ
عَرفتٌ أنني ضيعتُ ما أضعتْ
فالشاعر يرى نفسه مسيحًا، وأن كل صاحب فكرة نبيلة يتعذب من أجلها مسيح، والشاعر في رؤيته تلك للسيد المسيح-عليه السلام- متأثر بالعقيدة المسيحية، ومتأثر بمقولات الإنجيل في المقام الأول. وهذه النزعة الفكرية مُوظَّفة بكثرة في كثير من مجاميع الإبداع الشعري الحداثي؛ تقليدًا للشعر الغربي من ناحية، وإعلانًا منهم عن تنوُّرِهم وثقافتِهم المغايرة للعقل الجمعي العربي الوسطي من ناحية أخرى!
7- التعانق بين رسالتي المسيح ومحمد، عليهما السلام:
ونجد في شعر الأستاذ عبدالمجيد فرغلي الدعوة إلى الحوار بين ذوي الديانات وإلى ما يُسمَّى الآن الأخوة الإنسانية في رائعته(قصيدة ميلاد عيسى وأحمد)، حيث يقول في مقدمتها:
ميلاد عيسى وأحمد ذكرى لمعنى تجسد
تلاقيا ذات عيد فيه احتفال توحد
ما بين أتباع عيسى وبين أتباع أحمد
تلاقيا في عناق خير ذكرى ومولد
رمز اتحاد وحب بين الشقيقين يولد
ميلاد عيسى وطه كنيسة جنب مسجد
تعانقا في أذان صداه للحق يصعد
في عالم من إخاء يقيم للحب معبد
إنجيل عيسى كتاب بشرى لقرآن أحمد
إلى أن يقول:
نوران من هدي ربي سناهما ليس يُخمدْ
يا ذكريات الليالي طيبي بعيسى وأحمدْ
كل على الأرض أدى رسالة ليس يُجحَدْ
وهذه قمة الشعور بالمواطنة حيث البلد الواحد، والشعب الواحد، والرؤية الدينية التي فيها احترام وتوقير للشريك في المكان والزمان والمُقدَّرات!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع