الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ريهام

هويدا صالح

2006 / 9 / 28
الادب والفن


1

اكتب أيها الملاك الرحيم ـ وأنت تدون أفعال والد هذه البنت الحزينة ـ في ذيل كتابه ملحوظة هامة أنه حين أخرج من حقيبة زوجته الورقة الصغيرة ، مسح بيديه دموعه التي غافلته وتساقطت حين فتحها ووجد إمضاء حبيبها السابق ممهورا في نهاية الرسالة، وقرأ بصوت حزين ـ يكاد يبكيك أنت أيها الملاك ـ الذي لابد كنت شاهدا علي خيانة هذه المرأة ـ قرأ اسم حبيبها القديم ، رقم هاتفه ، عنوان بيته .اكتب أيها الملاك أنه أخفي وجهه بيديه وراح يتخيلها واضعة رأسها علي كتفه وتحاول أن تلمس حلمة أذنه بشفتيها اللتين لابد كانتا ملتهبتين في هذه اللحظة . مر الزوج بيده علي الماء السائب ، ثم فتح عيونه و سأل نفسه هل بكت كثيرا ؟ هل كانت أنفاسها حارة في رقبته ؟ ثم هز رأسه ليطرد صورتها من رأسه وحبيبها يرفع وجهها بين يديه ويمسح ـ في رقة بالغة تليق بذكرياتهما معا ـ دموعها المنهمرة . لابد أنها حكت له عن عجزي ويدها المتشنجة وهي تبحث في ظلام حجرتنا أسفل بطني ولما تعود يدها خائبة دون أن تقدر علي إشعال ذلك العضو الميت تجز علي شفتيها كنت أراها وهي تقوم من جانبي دون أن تطفئ نار جسدها .
اكتب أيها الملاك أن الزوج لم يكن يكره العطر الذي تضعه زوجته , لم يكن يكرهه علي الاطلاق ـ رغم تصريحه بذلك في مرات عديدة إنه لا يحب هذا العطر ـ ربما نستطيع أن نقول أنه كان يحبه فرائحته جميلة ومثيرة. إنما أعلن كرهه له لأن امرأته كانت تضعه بعد أن تتأنق وتستعد للخروج . لم يجرؤ أبو تلك الصغيرة الحزينة أن يسأل امرأته : لمن تضعين هذا العطر رومبا ؟ كان يهرب من نظرات ابنته التي تعاتبه وتوبخه علي عدم اعتراضه علي خروجها الدائم و همسها في التليفون ، يتأملها وهي جالسة أمامه تتزين ، وترش العطر ، ثم تعود نظراته منكسرة وخائبة دون أن تبدر منه اعتراضة وحيدة . كان يتألم في كل مرة يكتب الطبيب روشتة بها أدوية غالية الثمن . تدفع الورقة إلي البنت لتأتي بالأدوية . وتشغل نفسها بأي شيء لتهرب من نظراته المتألمة . لابد أنه يشعر بألمها لابد .
2

حين أغلق الطبيب عيونه وقفت صامتة تماما .. لم تستطع إنزال ولو دمعة وحيدة حين سحب الغطاء علي وجهه , التفت الطبيب إلي الأم الصامتة , وطلب منها أن تمسك بالصغيرة .
3
كانت تراها تجلس أمام المرآة طويلا ترسم عيونها بالكحل وتفوح منها رائحة العطر الذي لم يكن يحبه أبوها , وحين تدخل عليها تجدها تهمس في التليفون. تضع السماعة مسرعة ومرتبكة .
ماذا تفعل صغيرة في السابعة عشرة من عمرها فقدت الآن أباها الذي كان كل أصدقائها ؟ صارت الآن بلا أصدقاء ... تعود من المدرسة متعبة و يائسة تفتح حجرته .. تبحث عنه لتخبئ حزنها في حضنه الدافئ و لا تجده .. تقف علي الكرسي أمام صورته المعلقة علي الحائط .. ترفع طرف جو نلتها وتزيل التراب عن الصورة , ثم تعلق فوق بروازها شريطة سوداء ,وتتكوم علي الكرسي تنتحب انتحابا يليق بفقده .
حين أعود من المدرسة كل يوم لا أجدك . لا أجد إلا هو يطل علي من البرواز الذي تعلوه شريطة سوداء مبتسما كما كان تماما . وحدي أعرف أنك تكذبين , بالأمس عدت من المدرسة ,لم أجدك , اتصلت بالجدة قالت أنها لم ترك منذ أيام أنت التي أخبرتني أنك كنت بصحبتها .
تعرفي يا أمي البنات في حصة الألعاب أغلقن الفصل بعد ذهاب الأولاد إلي مدرس الألعاب , وبدأن يصفقن ، ويرقصن . كل واحدة يأتي دورها لتتوسط الحلقة ، وتتمايل علي تصفيق أكف البنات إلا أنا رفضت تماما مشاركتهن الرقص . جلست علي المقعد الخلفي أرقبهن , و لا أجد القدرة علي فعل شيء سوي الابتسام والتصفيق , وبعد أن تعبن من الرقص جلسن كل واحدة تخبئ أسرارها الصغيرة في عيون صديقتها .
فاجأتني زميلتي الجالسة أمامي بسؤالي عن سبب ارتباكي حين أخرجت كتاب النصوص وفتحته ثم أغلقته مسرعة, هربت بنظراتي بعيدا إلي شجرة الليمون في المنزل المجاور للمدرسة , والتي يقف عليها الطيور وقلت لزميلتي التي تعرف أنني أكذب:
ـ لا شيء .. لم أجد فيه شيئا؟ ابتسمت تلك الخبيثة وقالت :

ـ بكرة نعرف بتحبي مين ؟
ـ حب إيه ؟ إحنا عندنا ثانوية عامة .
كانت ريهام قد وجدت في كتاب النصوص خطابا تفوح منه رائحة العطر لمحت اسمها في بداية الخطاب تسبقه كلمة حبيبتي ارتعش قلبها تماما, دسته مسرعة في حقيبتها ومن لحظة لأخري تمد يدها تتحسسه و مروة زميلتها ترقبهاـ تريد أن تعرف ريهام السهنة بتحب مين ؟ ذلك لازم حتى تهددها بفضح أمرها عند الأستاذة هدي إن هي فكرت مجرد التفكير أن تخبر أحدا بما يفعلنه حين يخلو الفصل من الأساتذة.
بعد انتهاء حصة الألعاب دخلت هدي مدرسة اللغة العربية الفصل , وأمرتهم بإخراج كتاب النصوص بدأت تقرأ قصيدة , وتحلل كلماتها لاحظت انشغال تلميذتها المفضلة فأشارت لها أن تقرأ باقي أبيات القصيدة . وقفت ريهام خائفة من تعليقات مدرستها التي تحبها كثيرا ..ولكنها تعلم ماذا تفعل فيمن تضبطه غير منتبه لها .. نظراتها تخترق الصغيرة التي تسائل نفسها هل تشعر بها ؟ هل تحسست هي الأخرى خطابا يبدأ بكلمة حبيبتي ؟ إذن لماذا تخترق قلوب الصغيرات و لا تشعر بارتعاشها ؟ تقف ريهام غير قادرة علي النظر في عيونها, هي التي احتضنتها كثيرا حين كان يعلو صوتها بالقصائد الشعرية التي تنتقيها من مكتبة والدها لتشترك بها في مسابقة الإلقاء ودائما حين تفوز ريهام بالجائزة تفرح هدي وتحضر لها الهدايا وهذا ما جعل البنات يحقدن عليها ويحسدنها علي حب المدرسات لها . زاغت عيونها وسط الكلمات فهي لا تدري أين توقفت المدرسة وهي تقرأ قصيدة أبي فراس . تهرب بنظراتها بعيدا إلي الطيور المحلقة أعلي الشجرة تنحدر من عينيها دمعتان . لا تلمحهما إلا المدرسة فتنظر إليها بحنو و لا تجلدها بتعليقاتها الساخرة كما تفعل مع أي طالبة تضبطها غير منتبهة لها . تستعطفها بنظراتها أن تجلس حتى لا تسخر منها البنات تشفق عليها فتلتفت إلي غيرها . تجلس تدارى ارتباكها من عيون البنات و الأولاد, إلا هو استدار إليها حدق في عيونها دون خوف من المدرسة التي ما زال صوتها يعلو:
تكاد تضيء النار بين جوانحي إذا هي أذكتها الصبابة والفكر

في الطريق إلي البيت تعاود النظر إلي السماء . تمد يدها داخل الحقيبة تتحسس الخطاب ..مازال هناك راقدا بين صفحات كتاب النصوص.. تتخيل أباها يبتسم ، تتخيل تعليقاته علي ما تقرأ ، تتذكر ابتسامته علي خجلها, راحت تتذكر حين كانت تجلس معه لتشاهد فيلم السهرة ، ويد البطل تمتد لتزيح الخصلات المتناثرة علي وجه الفتاة ويشدها إليه ,تذوب خجلا وحنينا لفتي يشدها إليه فتنشغل بترتيب الحقيبة ووضع الكتب فيها . تنظر بطرف عينها إلي أبيها فتجد تلك النظرة وتلك الابتسامة الحانية فتعود بوجهها لتشاهد باقي الفيلم . تدخل الأم الغاضبة دوما تتهمه بإفساد البنت بتدليلها الزائد عن الحد.. يمد الأب يده ويطوق الجسد الذي بدأ يتفتح منذ قليل فتتركهما الأم غاضبة وتدخل إلي سريرها . عاودت البنت النظر إلي السماء وقالت :
أين ذراعك الآن يا أبي لتطوقني ؟ لو أنك موجود يا أبي هل كنت ستدعني أقرأ لك خطابه؟
وأين هي أمي لتوبخني وتتهمك بإفسادي ؟


جلست البنت أمام الصورة الباسمة لها وأخرجت الخطاب الذي خبأته في الصباح وجلة وخائفة ، و قرأته ، وتاهت بين المسافة الممتدة بين خطاب تفوح منه رائحة الياسمين ومرسوم فيه قلبان يخترقهما سهم وبين الصورة الباسمة لها.. قرأت الخطاب مرات ومرات وتذكرت جرأته ونظراته لها .
قامت ساهمة إلى حجرة أمها الغائبة فتحت دولابها ، وأخرجت الصندوق الصدفيّ ، تأملت كل الهدايا التي تعرفها جيدا ، ثم أخرجت عقدا من اللؤلؤ لم تره من قبل .. تأكد لها هي الصغيرة خالص أن أمها ما حزنت يوما لفقد والدها.. .تشعر بحركة المفتاح في الباب ، فتسرع بغلق الصندوق ، تضعه مكانه .. وتخرج تواجه الأم منتصبة و غاضبة ، فترتبك المرأة ، ثم تسرع إلي ابنتها لتقبلها ، فتبعدها البنت بيد قاسية ، وتدخل حجرتها تحتضن وسادتها، وتبكي هي التي قرأت أول خطاب غرامي لها لصورة معلقة علي جدار .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي


.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي




.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-