الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا صمت نجيب محفوظ؟

حسن مدن

2022 / 9 / 7
الادب والفن


انتهى نجيب محفوظ من إنجاز ثلاثيته مع انتصار ثورة 23 يوليو 1952. هي بالتأكيد مجرد مصادفة، ولكنها مصادفة ذات مغزى. ومع أن «الثلاثية» تقف في أحداثها عند العام 1944؛ أي قبل انفجار الثورة بنحو ثمانية أعوام، لكن أفكارها تمتد كما لاحظ ذلك بدقة الراحل محمود أمين العالم حتى عشية قيام الثورة؛ بل لعلها كانت تتنبأ بها.

وليس من شأن الأدب أن يتوقع التفاصيل، فما في الواقع من تعقيدات يبز كل خيال، ولكن حسب هذا الأدب أن يهجس بالقادم، وهذا ما فعله نجيب محفوظ في «الثلاثية»، حين جعلنا نشعر بأن الأمور لا يمكن أن تبقى على ما كانت عليه.

يقدر محمود أمين العالم في كتابه القيم عن أدب نجيب محفوظ، أنه كان في جعبة الكاتب بضع روايات، لا رواية واحدة عن مرحلة ما قبل الثورة. لو لم تقم الثورة لربما كان باشر كتابتها، ولكن أما وأن الثورة قد تمت، فقد شعر أن ما جرى أجاب على ما كان يعتمل في ذهنه، وبالتالي فإنه لم يعد هناك ما يمكن أن يقوله، فالحياة، في هذا الجانب تحديداً، قد سبقت الأدب.

هنا آثر نجيب محفوظ الصمت، وقال كلماً قاسياً: «لم يعد لي ما أقوله. إن المرحلة الجديدة تتطلب أدباً جديداً»، مُومِئاً إلى أن مهمته، كأديب، قد انتهت.

صمت نجيب محفوظ بعدها نحو سبعة أعوام متتالية. في هذا درس مهم في الحياة وفي الأدب، علينا أن نتعلمه من عملاق الرواية العربية. في مرحلة من المراحل على المبدع أن يتريث؛ أن يعيد النظر، ويراجع نفسه. الأدب الذي يأتي تحت ضغط الحدث هو في الغالب الأعم مرتجل، لم يُؤت بتؤدة وتأمل وتفكير عميق، فيكون إلى السلق السريع أقرب منه إلى النضج.

لم يكن محفوظ محقاً في أنه لم يعد لديه ما يقوله، بعد أن قامت الثورة، وهو على كل حال قول حمّال أوجه، فمن جهة قد يحتمل تأويله بأن الثورة حلّت الإشكالات التي تناولها في أعماله السابقة، خاصة «الثلاثية»، وهو تأويل يفهم منه أن موقفه إيجابي بالإطلاق من التغيير الذي تم، ولكنه أيضاً قول يحتمل التأويل التالي: لكل زمان دولة ورجال. لقد ولى زمني، فليقدم الزمن الجديد دولته ورجاله، وإذا كان هذا قول أقرب إلى السياسة منه إلى الأدب؛ فإنه لا ينزع عنه الوجاهة.

بعد سبع سنوات من الصمت، أطلّ نجيب محفوظ على القراء بروايته التي أصبحت لاحقاً مثيرة للجدل: «أولاد حارتنا»، ومرة أخرى كان محمود أمين العالم محقاً حين اعتبر هذه الرواية «ثمرة صمت طويل، ثمرة ثورة عميقة، وثمرة أزمة فكرية كذلك».

فتحت هذه الرواية مرحلة جديدة من أدب محفوظ، مرحلة التأمل الفلسفي العميق، في الحياة والكون والنفس الإنسانية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لم يصمت نجيب محفوظ رغم الديكتاتورية الناصرية
منير كريم ( 2022 / 9 / 9 - 12:10 )
الاستاذ حسن مدن المحترم
لم يصمت نجيب محفوظ رغم سطوة الديكتاتورية الناصرية العسكرية
فكتب ثرثرة فوق النيل في 1966
وكذلك الكرنك في عام 1970
وفيهما نقدا للنظام الناصري الارهابي
كيف تصدق الشيوعي محمود امين العالم الاداة الطيعة لعبد الناصر والذي حل حزبه تلبية لرغبة السوفبت وعبد الناصر
نجيب محفوظ اديب ليبرالي فذ قلما يتكرر في مصر
شكرا

اخر الافلام

.. لطلاب الثانوية العامة.. المراجعة النهائية لمادة اللغة الإسبا


.. أين ظهر نجم الفنانة الألبانية الأصول -دوا ليبا-؟




.. الفنان الكوميدي بدر صالح: في كل مدينة يوجد قوانين خاصة للسوا


.. تحليلات كوميدية من الفنان بدر صالح لطرق السواقة المختلفة وال




.. لتجنب المشكلات.. نصائح للرجال والنساء أثناء السواقة من الفنا