الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جلاَّد..خلفَ كلِّ مبدعة

ريتا عودة

2022 / 9 / 9
الادب والفن


((الجلاّد الأوّل/ الأبّ))

خلفَ كلِّ مبدعةٍ...
جلاّدها.

أمّا أنا
فقد جعلتُ
الشَّمسَ أمَامِي
والقمرَ إمَامي.



عندما عرفتْ الكتابة طريقها إليّ فبرعمتْ حروفي وأنا في المرحلة الثانويّة، جُنَّ جنونه!
ناداني وهو يزأر، ويلوّح لي بالجريدة التي نشرت لي قصيدة:

- فهميني، ليش بدك تكتبي!

كان لسانُ حاله يقول: ليش بدك تفضحينا!.

بعفويّة أجبت:
- لذات السبب الذي يجعل نزار يكتب. هل لكوني أنثى محرّم عليّ الكلام؟ محرّم عليّ السلام!

تركته للمشنقة التي نصبها لي بصفته والدي. أبطلتُ مفعول سلطته الأبويّة، وانطلقتُ إلى الأفقِ وفي قلبي اصرار أن أمضي لأفضحَ العتمة.

بألم..ريتا


*
*
*



((الجلاَّد الثاني/ الزوج))

ساورَهُ الشّكُ فهرولَ إلى الغرفة التي انزويتُ فيها.
لدهشته، وجدني متلبِّسَة بقصيدة.

عاشقة أنا..
لا لرجُلٍ ما
إنّما
لكُلِّ مفاتنِ
اللغةِ.

عاد إلى التلفاز.
صرخ: جول...ميسي!!!

نسي أنّني في الغرفة وحيدة..وحيدة..
كعجزِ بيتٍ في قصيدة. أتلوّى..أتلوَّى معَ مخاضِ قصيدة عنيدة.

بألم..ريتا




*
*
*

((الجَّلاد الثالث/ الوسط الأدبيّ))

الكتابة اختارتني لأكونَ لها رسولة فأقسمت منذ نعومة حبري أن ألتزم بقضايا شعبي، وأن تكون حروفي منارات للسفن التائهة وأصنع من القصائد أرغفة أرغفة أوزعها على الجياع للكلمة المضيئة وأبني للمرهقين من ضغوطات الحياة، مدينة فاضلة، يلجأون إليها لترتاح أرواحهم.

الكتابة ليست ترفًا!
هي مسؤولية.

وهي مواجهة شرسة مع جلادين عدّة: المجتمع، المُحتَّل، الأدباء اللا أدباء/ خصوصا إن كان من تقترفها..أنثى.

الكتابة ليست ترفًا!
وهيَ ليست وسيلة لمطاردة الأضواء.

أنا أكتب لأُوصِل لا لأصِل.

قال أحد جلاديّ من الحقل الأدبيّ، وهو يراني أبرعم على شجرة الابداع، وأرفض أن أساوم على كرامتي لأصل:

-لا تكتبي. !
لا أحد يلتفت لما تكتبين.

نظرتُ للشمسِ وهي تكتسح بنورها وجه السماء.
بأصرار قلت:

- إن كان هنالك قارىء واحد يتابعني، فسأكتب له.

بألم..ريتا




*
*
*

((الجلاّد الرابع/ النشر في الصحف))

مرّت السنوات وأنا أكتب في العتمة.
لا أحد يعرف من هي ريتا.
أكتب، وأرسل قصائدي من بيتي عبر الفاكس لأكثر الصحف انتشارا في وسطنا.
مع أنّني لا أشارك في الندوات الأدبيّة لكي أتفادى استفزاز غضب زوجي وقناعته أن الكتابة لعنة حلّت على بيتنا، كنت دائما متّهمة.
-حتما، لك علاقة ما مع رئيس التحرير والاّ لمَا قام بنشر ما كتبتِ..؟!
- لكنّه لا يعرفني شخصيًّا!

ليته كان يعلم ما أعانيه مع النشر في الصحف!

كالمعتاد، لم يُنشر من قصيدتي إلاّ مقطع واحد ظهر في الزاوية السفلى للصفحة الأدبيّة.
ليته لم يُنشر فقد شوّه لي اسمي!
(كالمعتاد، اكتسحت، ذات الصفحة، كتابات حبيبة رئيس التحرير، وقد وضعها فوقي).

اضطررت للتوقّف عن النشر هناك.
بحثت عن منفذ آخر للنور.
صحيفة أخرى رفضت النشر لي بشكل قطعي.
بدأت التساؤلات تنهش رأسي. لماذا!
لماذا يرفضونني وهم يعلمون أننا نتقاسم ذات الانتماء الوطني.؟!
لم يخطر على بالي أيّ تبرير إلاّ أنّ السكرتيرة تسعى أن أبقى في العتمة.
في أحد الأيام، اشتكيت لصديق زوجي، الذي له احترامه في الصحيفة بسبب انتمائه، عمّا عانيت من اجحاف في حقّي.
طلبَ منّي أن أرسل له هو شخصيّا المواد التي أرغب بنشرها في ايميل لكي يسلّمها هو بنفسه للنشر.
وعد، وكان الوعد صادقا.
وكان الوضعُ مُرهِقا.

كلّما ذهبتِ السمكة في العُمقِ
زادتْ حيتانُ الأبجديَّة شراسةً.

كانَ عليَّ أن أقاوم كلّ من يحاول أن يخمد صوتي. هذا الصوت الذي نذرته لفضح العتمة، وها أنا أفعل.

مع الأيامِ تعلّمت:

مع الذئبِ كُن ذئبا
لا حملا نقيًّا

كلّ من سوّلت له نفسه أن يكسرني، تفاجأ أنني لا أُكسر لأنَّ قناعاتي واضحة ولأنّ النور في قلبي.
أمّا النشر عبر الفيسبوك فقد كان المنفذ الحقيقيّ للنور، حيث جعلتُ الشمس أمامي والقمر إمامي.

أخيرا...
انطلقت دونما سلطة ما تُسيّر خطواتي.

بألم..ريتا



*
*
*

((الجلاّد الخامس//ضغط المجتمع))
#الحُبّ الأوّل#

لكُلِّ عيدٍ يومُهُ
أمَّا العِشقُ فَلَهُ كُلُّ الأيَّامْ.
عشقُ الوطنِ
أَسْمَاهَا.

كنتُ في المرحلة الثانوية حين أحببته.
رأيته كملاكٍ يسير بين البشر أو فارس انبثق من أسطورة.

(قلبُكَ مرآتي، فيه أرَى وجهي وأرَى مَعْبَدي).

كان يكبرني بسنتين. لم نتحدّث يوما معا. أرواحنا هي التي كانت تلتقي كالتقاء جذريّ شجرتين متجاورتين. هناك، في أعماق التّربة تتّحد الروحان..تثرثران.

بِنقاءِ
قطرةِ مَطَرْ
قَبْلَ أنْ
تُلامِسَ الأَرْضَ
وَالشَّجَرْ
......أُحِبُّك.

كلّ يوم، بعد الدوام المدرسي،كنت أهرع إلى مكتبة ما في السوق القديم لأراه.
هناك، كنّا نأتي من مدارس مختلفة لكي نطالع الكتب أو نستعيرها أو نحلّ فروضنا المدرسيّة.
عندما كنت أذهب للمكتبة ولا أعثر عليه كان أصدقاؤه يتغامزون ويهمس أحدهم:

-اذهب نادِ خالد.

اعتدت أن اسجل يومياتي وأخفي الدفتر بين كتبي في مكان خفيّ.
لم أكن أعلم أن والدي يعلم بأمر دفتر أحلامي! وانّه ينبشُ أشيائي في غيابي!
كنت أظن أن أفكاري ومشاعري في ملجأ آمن، إلى أن ((حلمت)) أنّ خالد أتى لزيارة بيتنا وأنّه صافحني.
عُدتُ من المدرسة للبيت. انهال عليّ أبي بالضرب:

((كيف بتخليه يمسك ايدك!
ايش بدها الناس تحكي علينا))

ظللت أبكي وأردد: هذا حلم م م م ..حلم...

لم يسمع.
الغابات سمعت صوت أنيني، وأبي لم يسمع!
*


الحبّ ملاك نورانيّ لا علاقة له بالعنف.
الحبّ بريء من ممارساتنا.

كان ذاكَ الحبّ الأول والأوجع.
مُنِعت من العودة للمكتبة. صودر دفتر أحلامي. صار خيالي هو المكان الآمن لمشاعري. صار مصدر قوّتي.

فرّقتنا الأيام.
هو تزوج وسكن خارج البلاد، وأنا عقدتُ قراني على حروف الأبجديّة.


بألم..ريتا
9.9.2022








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاعلكم الحلقة كاملة | حملة هاريس: انتخبونا ولو في السر و فن


.. -أركسترا مزيكا-: احتفاء متجدد بالموسيقى العربية في أوروبا… •




.. هيفاء حسين لـ «الأيام»: فخورة بالتطور الكبير في مهرجان البحر


.. عوام في بحر الكلام | مع جمال بخيت - الشاعر حسن أبو عتمان | ا




.. الرئيس السيسي يشاهد فيلم قصير خلال الجلسة الافتتاحية للمنتدى