الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اللغة الصامتة للطفل المُتحرش به

محمد الأمين

2022 / 9 / 10
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


" قعدني حده و قلي لمين هل (...) وحط ايده، هربت بسرعة ورحت عند ماما وخفت خبرها شو صار لأنه يمكن يئذي بابا... فكرت حالي هربت منه، بس صار كل يوم يجيلي بالمنام و يحاول يرفعلي الفستان وقوم فزعانة و -عفواً عمو- بس كنت لاقي حالي عاملتا تحتي "

نشرت (الجمهورية) إحصائيات رسمية عام 2017 صادرة عن مكتب مكافحة الإتجار بالأشخاص وحماية الآداب، ويوضح الجدول الجرائم المرتكبة بحق القاصرين/ت خلال العام 2017، فتظهر الإحصائيات بعض الأرقام كالتالي: ١١ حالة تحرّش جنسي بأطفال من بينهم 3 أطفال لبنانيين و8 سوريين، وحالتي تحرش والدين من الجنسية اللبنانية بطفليهما ، أمّا حالات الإغتصاب لدى الذكور فهي 8 لأطفال لبنانيين وهم من الذكور. أما فيما يتعلق بالفتيات خلال ذات الإحصائيات، فتعرّضت 9 فتيات لبنانيات و6 فتيات سوريات لتحرّش جنسي.
أردت أن أفتتح المادة بهذه الإحصائيات لأنوّه بأنها تعود لخمسة سنوات مضت، وليس لغياب الإحصاءات والحالات الجديدة، بل لقلقي من فاجعة الأرقام التي قد تكون ارتفعت من حينها حتى يومنا هذا بشكل مضاعف بعد الأزمات التي مررنا بها. والحق أقول لكم وقد أكون محطم لطموحات العنصريين من اللبنانيين لكن ليست الزيادة في نسبة التحرش سببها يعود لتواجد الشعب السوري أو الفلسطيني على الأراضي اللبنانية، بل لأن وجودهم على الأراضي اللبنانية كلاجئين تدار لهم الأذن "الطرشة"، مما دفع بالمتحرّشين والمغتصبين اللبنانيين باتخاذهم مواضيع جنسية باعتقادهم مخفوضة القيمة، ويمكن معهم تطبيق فعل الفانتازم المنحرف من دون أي ملاحقة قانونية تذكر، وهذا ما يضع المُتحرّش به في موقع التقوقع و جلد الذات، وما يدفع الطفل لأكل جسمه توترا، والطفلة إلى الشعور باستباحة جسدها عنوة، وهي لا تستطيع بإدراكاتها الطفولية إدراك الواقع والحالة الشعوريّة الغريبة التي تعايشها من الداخل.
تجتاح يومياً عشرات حالات التحرش و الاغتصاب حياة الأطفال في لبنان من كلا الجنسين، دون إنذار ولا استعدادات ومقومات نفسية لمواجهة هذا الفعل المكّون للصدمة. فيعيش الطفل/ة حالة من الانشطار في آناه/ا فالجزء الأول ينكر كآلية دفاعية، تصديق ما جرى وخاصة إذا جاء الفعل من قريب و من الشخص المفترض أن يكون هو مصدر الأمان كإحدى الوالدين مثلا. فيُزيح الحادث الصدمي ويلقي اللوم على نفسه بأنّه حتما هو الذي دفع المتحرّش للتحرش به وهو المسبب لما حدث، فيحمّل نفسه شعورا عميقا بالذنب، رافضا تصديق أن المتحرّش القريب هو الشخص السيء. وخاصة إذا كان المُتحرّش بها فتاة -وهي الحالات الأكثر حدوثاً- عندها يسلط القانون الاجتماعي داخلها الضوء مباشرة على نوعيّة لباسها التي أغرت بها المتحرش، وهي بعمر ال٨ سنوات وهو في العقد الرابع من عمره، والجزء الثاني المنشطر فيها هو الجانب الذي يأبى أن تصديقه أنه السبب وعليه أن يبلغ أحد الراشدين، ويلوم الجزء الأول على سكوته، ولكنّه يصطدم بالواقع الذي قد يكون مجحف بحقه من جهة مدى تقبل الآخرين لرواياته وتصديقه وتكذيب المتحرّش لأسباب تتعلق بالطبقة الاجتماعية والنفوذ أو الجنسيّة وهي المحرّك الأكبر في مسرح الاعتداءات اليوم. وتعتبر المحلّلة النفسانية ميلاني كلاين، إن الأنا - الطفلي هنا- يكون غير قادر على فصل المواضيع داخلي و خارجي دون أحداث تقسيم مماثل داخل الأنا. فهذا الانقسام كدفاع هو وسيلة لإدارة القلق من خلال حماية الأنا من المشاعر السلبية. وغالبًا ما يتم استخدامه في الصدمات كصدمة التحرّش هذه، حيث يحمل الجزء المنفصل المشاعر التي لا تطاق. وبالتالي قد يؤدي هذا الصراع الحاصل بين الإثبات والإنكار إلى دخول الطفل حالة من الاكتئاب الذهاني أو كما يسميها فرويد السويداء (الماليخوليا) ويلجأ حينها المتُحرش به للضلالات والأعراض كخطاب للتعبير عن المسكوت عنه بالكلام و من الممكن أن تودي به للانتحار لإنهاء هذا الصراع.
فالذات التي يتم حرمانها من الكلام في مهدها تتلطى خلف أنا مشرذم فالأطفال لا يتكلمون بكل شيء في حالات الصدمة الناجمة عن التحرش لأنهم لا يملكون الكلام الملفوظ الكافي الذي يعبر عنهم. فكل كلمة تُنطق بالنسبة لهم هي كلمة ناقصة ولا تعبر عن ما يخالجهم من شعور بالارتباك. فالعجب الذي يصيب الأطفال في هذه المواقف يدفع البعض منهم ليسلكوا أحيانا سلوك المتحرّش عن براءة منهم وكنوع من التقليد Modeling أو التماهي Identification، وقد يكون موقفهم سلبي لدرجة الخوف من أي غريب والنوم بوضعية الجنين، مع إغلاق الغرف على أنفسهم، و لعب لعبة الحضور والغياب ليكونوا غير مرئيين. فليس هناك ما يؤلم الطفل أكثر من كونه يشعر أنه في وسط غير آمن. وان ينظر للخلف ولا يجد من يدعمه وأن يلتمس ضعف مقدمي الرعاية والأمان مقابل موقع المتحرش القوي. وهذا شكل من أشكال التعلّق غير الآمن الذي قال به جون بولبي بحيث أنّه قد يؤدي بالطفل لاحقاً لاضطرابات علائقية على المستوى الفردي والاجتماعي. فإنه عاجز أمام الموضوع الضخم، أمام اليد الضخمة التي تلمسه والأصابع الضخمة التي تداعبه، و أمام من يقولون عنه " عيب " و " حرام " وهي قوانين عالم الكبار والكبار أنفسهم لا يعترفون بهذه القوانين. يغبّر الأطفال عن أنفسهم بالأعراض، والإسقاط عبر الرسوم، والتسامي من خلال الألعاب التي يظهر فيها كلامهم مصوّرا على غير وعي منهم بما تحمل تلك الرسومات من دلالات. ففي رسوماتهم نجد التجمعات ورغبة الطفل بأن يكون محاطا بالدعم، و نجد اقتراب الغرباء من الصغار " هذه انا و هذا جارنا ". نجد رؤوسا مقطوعة، أو ماء يسمونه حليب وهو على الأرجح مني، أو رسومات عارية و" هذا جسم واحد شفته ". فالطفل بحسب كلاين يلجأ للكلام المصوّر في خطابه. فمن المُلاحظ أن نسبة كبيرة من الأطفال المتعرضين للتحرش يلجأون للتبول الليلي أو العدوانية و الإستمناء والتبكير الجنسي والكثير الكثير من الأحلام المحمّلة بالرموز حول ما لم يستطع الطفل فعله أو التكلم عنه في الوعي، فيجرجره في الحقل اللاواعي لينسج منه نصّا مصوّرا. فكل ما يسعى إليه الطفل من نكوص هو العودة لمرحلة يكون فيها هو/هي بموقع النرجسية، كأطفال يُعتنى بهم من جديد ويتم احتضانهم. باعتقادي أن حديث الطفل لنفسه بعد الحادث يأخذ الشكل التالي" إنك في المرة الوحيدة التي حاولت فيها الخروج من الطور النرجسي للعالم بأعتقادك أنّك كلي الكتلة – جسمك مكتمل - و مستقل عن جسم أمك، تم انتهاكك واعادتك لصورة الجسم المفكّك والعاجز، حيث لا إمكانية لديك للدفاع عن نفسك، فعد أدراجك لموقع التثبيت لمن يؤمن لك اللذة ويجنبك الألم يا صغيري ". وهنا استذكر كلمات كلما سمعتها وجدتها تعبر عن المسكوت عنه لدى هؤلاء الأطفال:
بنخاف من الظلمة ومن اللمة”
من فن الكلمات السامة
بنخاف من روحنا ومن ثم
بنخاف من الغير
بنخاف من أي غريب ييجي
بالتالي نخاف من الأشخاص
بنخاف من الخوف التدريجي
فنخاف وخلاص"
في الختام أودّ أن أكون دقيقاً بقدر الإمكان بموضوع مدى وعي الأطفال اليوم لمواضيع التحرّش و ملكية الجسم، فبحسب معرفتي، إن الأطفال اليوم أكثر كلاماً ووعياً بخصوصية جسمهم و حدوده من ذي قبل ويعرفون تماما كيف يلوذون بالفرار لحظة اختلاط الأمور عليهم، وأن يصرخوا مانعين أي متطفل عن الاقتراب منهم. فقد نجد عدد ضئيل لكنه موجود للأطفال الذين يتعرضون للتحرش و لا تمنعهم التجربة المؤلمة التي تعرضوا لها من أن يهرعوا لإخبار مقدمي الرعاية بما جرى معهم و بكلماتهم البسيطة و المتقطّعة التي يتخلّلها القلق، وكأنهم يقذفون بالرسالة قبل الوقوع بمتاهة العارض و ما سبق ذكره. فاليوم أكثر من أي وقت مضى أقول لمقدمي الرعاية بالاستناد للمقولة اللاكانية حول " الكلام أو الموت " فإما كلام محمل بالمعاني يتم تبادله بين الطفل ومقدم الرعاية من خلال الاعتراف بذاتية الطفل هذا وبالتالي إدراكه لحدود جسمه وجسده، وإما العنف والموت وغريزة التدمير والانتهاك التي تمضي بسلسلة غير متناهية تتركنا بذات الدائرة المفرغة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. داعمو غزة يغيرون ا?سماء شوارع في فرنسا برموز فلسطينية


.. رويترز: قطر قد تغلق مكتب حماس كجزء من مراجعة وساطتها بالحرب




.. مراسل الجزيرة هشام زقوت يرصد آخر التطورات الميدانية في قطاع


.. القسام تستهدف ثكنة للاحتلال في محور نتساريم




.. واشنطن تطالب قطر بطرد قيادة حماس حال رفضها وقف إطلاق النار