الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السُّودان والجحيمُ القادمُ من الشرق ..!

فيصل عوض حسن

2022 / 9 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


شَعَرْتُ بِكَدَرٍ وحُزنٍ عميقينِ عقب مُشاهدتي للقاءٍ مُصَوَّرٍ مع أحد أهلنا البشاريين، تَحَدَّثَ فيه عَن زيارة من وصفهم بـ(مُستثمرين) إماراتيين، وبعضُ المُتخصِّصين في الموانئ، وقيامهم بالمسوحات اللازمة لإقامة ميناء (إماراتي) في السواحل (السُّودانِيَّة) بالبحر الأحمر. مُوضِّحاً أنَّ الزيارة تمَّت عقب تواصلهم مع كلٍ من أسامة داؤود ومبارك المهدي، مع غياب كامل للجهات (الرسمِيَّة)، بما يُؤكِّد (خِيانة) وانحطاط حُكَّامنا، وعَبَثهم بمُقدَّراتنا الوطنِيَّة، دون سُقُوفٍ أخلاقِيَّةٍ أو إنسانِيَّة.
الأدبيَّات الاقتصادِيَّة الرَّصينة تبدأ دائماً بخيار (إعادة التأهيل)، قبل التفكير في إنشاء مشروع جديد، ويزداد هذا الخيار أهمِّيَّة بالنسبة للموانئ السُّودانِيَّة (بورتسودان/سَوَاكِن)، تبعاً للاعتبارات السِيادِيَّة/الاستراتيجيَّة والاقتصادِيَّة، خاصةً وأنَّ الميناءَين لم يعملا حتَّى الآن بكامل طاقتيهما التشغيليَّة. وهنا تبدأ الأسئلة المنطقِيَّة لذوي البصائر: بأي صِفةٍ يقوم أشخاص (عاديُّون) بجلب دول/جماعات، والاتفاق معهم في مواضيع (سياديَّة/استراتيجيَّة) كالميناء، بعيداً عن الرَّقابة والمُتابعة (الرسمِيَّة/الشعبِيَّة)؟! وهل تَمَّت دراسة إعادة تأهيل موانئ السُّودان القائمة (أو إحداها) ومُفاضلة نتائج الدراسة بفكرة/دراسة إنشاء موانئ جديدة؟! إذا قالوا نعم، فما هي المعايير والمؤشرات التي استندوا إليها في تلك المُقارنة/المُفاضلة؟ ومن قام بها ومتى وماهي النتائج؟ وهل أشركوا عُمَّال الموانئ في هذه العمليَّة، باعتبارهم أكثرِ النَّاس معرفةً بموانئنا واحتياجاتها الفعليَّة؟ ولماذا التعتيم على هذه العمليَّة برُمَّتها؟
من ناحيةٍ أُخرى، فإنَّ مبدأ إتاحة سَواحل البلاد للغير (مرفوضٌ) من أساسه، لأنَّه يتَقَاطَع مع الثوابت السياديَّة/السياسيَّة والاقتصاديَّة، ويجب (مُعاقبة) من يسعى لذلك بأقصى العقوبات! لأنَّ سَواحِل السُّودان ليست مُجرَّد نطاق جُغرافي وقَبَلي/جِهَوِي محدود، كما يُحاولون تضليل العامَّة وإيهامهم، وإنَّما شأنٌ (سِيادي/استراتيجي) حَسَّاس جداً ويَهِم (جميع) السُّودانيين، والسماح بإشراك الآخرين (دول، شركات، أفراد) في إدارة وتشغيل موانئنا (كلياً أو جُزئياً)، يجعل جميع معلومات وارداتنا وصادراتنا ومخزوناتنا الاستراتيجيَّة (مكشوفة)، وهذا خطرٌ أمنيٌ/استراتيجيٌ كبير سيدفع تكلفته جميع أهل السُّودان، بغض النَّظر عن مناطقهم وأقاليمهم. بخلاف أنَّنا بحاجة ماسَّة لعوائد موانئنا (من العُمْلاتِ الحُرَّة)، لتحسين ميزان المدفوعات وزيادة النَّاتج المحلي، وتخفيض تكاليف الواردات ودعم القُدرات التنافُسيَّة للصادرات، ورفع مُستوى الدخل وتهيئة فرص العمل، بجانب عوائد/رسوم عبور ورُسُو السُفُن الأجنبيَّة، وهذه مُعطياتٌ تتقاطع مع إتاحة سواحلنا للغير مهما كانت المُبرِّرات.
قد يُدافع البعض عن هذه الخيانة، بحجَّة (تَدَهْوُر) الموانئ القائمة خاصَّةً بورتسودان، وحاجتها للتطوير وتكنولوجيا التشغيل، وارتفاع تكاليف إعادة التأهيل وغيرها من الحِجَجْ/المُبرِّرات الواهية. وفي هذا نقول، بأنَّ ميناء بورتسودان دَمَّره المُتأسلمون (عَمداً)، حينما تَخَلَّصوا من كوادره الكفوءة والنَّزيهة، واستبدلوهم بآخرين لا يُجيدون سوى النهب والتدمير، وأهملوا صيانة الميناء وتطويره ليجدوا الحِجَّة للتخلُّص منه. وبالنسبة للتكنولوجيا، فيُمكن (ابتعاث) نُخبة من شبابنا في دوراتٍ تدريبيَّةٍ مُتخصِّصة، وفق شروط واعتبارات فنِّيَّة/مِهَنِيَّة دقيقة، إلى الدول المُتقدِّمة في إدارة وتشغيل الموانئ، لرفع كفاءتهم وترقية قدراتهم في هذا المجال. أو يُمكن جَلب خُبراء من تلك الدول لتدريب كوادرنا الوطنيَّة بـ(الداخل) تقليلاً للنفقات. أمَّا تكاليف التطوير، فيُمكن توفيرها عبر المُغتربين الذين أبدوا استعداداً كبيراً للمُساهمة في نهضة البلد، ويكون ذلك في شكل أسهم بأسعارٍ مُحدَّدة وفق الاحتياجات (الفعلِيَّة)، وتُطْرَح الأسهم للسُّودانيين (حصراً)، وذلك عقب نشر (تفاصيل) دراسات إعادة تأهيل الموانئ القائمة ومُقارنتها مع إنشاء ميناء جديد، وإشراك العاملين والخُبراء (المحليين) في كافَّة المراحل، فضلاً عن نشر تفاصيل (الاتفاقيات) المُقترحة بهذا الخصوص، و(استفتاء) الشعب السُّوداني عليها لمعرفة مُوافقته من عدمها!
لقد سعت الإمارات وحُكَّامها لـ(خراب/تدمير) السُّودان ونهب مُقدَّراته، ومن ضمنها الشرق عموماً، وسواحلنا بالبحر الأحمر خصوصاً، وجميعنا شَهِدنا سعيهم منذ سنوات لابتلاع ميناء بورتسودان، وتمَّ إفشال تلك المَساعي بلطف الله، ثمَّ بجهود الشرفاء من عُمَّال الميناء، وحينما فشلوا في مراميهم ابتكروا (أكذوبة) الميناء الجديد، والتي تستهدف (شَرعَنَة) وجودهم في السواحل السُّودانِيَّة كخطوةٍ أولى، ثُمَّ يبدأوا الدمار بقتل وتشريد أهالي المنطقة وانتهاءً بابتلاع ميناء بورتسودان نهائياً، يُساعدهم في ذلك مجموعة من (الخَوَنة/سَقَط المَتَاع)، من دَّاخِل وخارج السُّودان، وعلى رأسهم البُرهان ورُفقائه العَسْكَر/الجنجويد، الذين يستكملون (مُخطَّطات) الكيزان وسادتهم بالخارج، وأخطرها (مُثلَّث حمدي) الذي فصَّلتُه في عددٍ من المقالات على مدى السنوات الماضية، كمقالة (تكتيكات تنفيذ مثلث حمدي) بتاريخ 10 نوفمبر 2014، و(اِسْتِكْمَاْلُ تَنْفِيْذِ مُثَلَّث حَمْدِي اَلْإِسْلَاْمَوِي) بتاريخ 15 مايو 2016، و(اَلْمَشَاْهِدُ اَلْأَخِيْرَةُ لِمَخَطَّطِ تَمْزِيْقِ اَلْسُّوْدَاْنْ) بتاريخ 19 أبريل 2019، و(اَلْسُّوْدَاْنُ وَاَلْمُهَدِّدَاتُ اَلْسِيَادِيَّةُ اَلْمُتَعَاْظِمَة) بتاريخ 15 يوليو 2020، و(أزمةُ الشَرْقِ حَلَقةٌ مِنْ حَلَقَاتِ تَذويبِ اَلسُّودان) بتاريخ 18 أغسطس 2020 وغيرها.
المُحصِّلة، أنَّ دخول الإماراتيين في سواحلنا بالبحر الأحمر، يُعدُّ ضربة قاضية للسُّودان بِرُمَّته، وسيكون (جحيماً) حقيقياً يدفع تكلفته (المُواطنون) وأوَّلهم أهلنا بالشرق، ولنتَّأمَّل بدايات دخولهم لليمن ومُبرِّرات ذلك الدخول، حينما (ادَّعوا) حرصهم على (استعادة) الشرعِيَّة التي يفتقدونها، وما لبثوا أن عاثوا فساداً وإجراماً وتنكيلاً بأهل اليمن الآمنين وما يزالون، على مَرأَى ومَسْمَع العالم أجمع، والعاقل من يتَّعِظ بغيره ولا يسمح بتكرار (أخطاء) الآخرين! وفي حالتنا ستكون الأوضاع أسوأ بكثير، لأنَّ الجميع (طَّامع/مُتكالِبٌ) علينا بدءاً بحُكَّامنا، وانتهاءً بجيراننا، ودونكم الاحتلالين المصري والإثيوبي لأراضينا، فضلاً عن الأطماع الإريتريَّة المُتزايدة، وحشودها العسكرِيَّة المُتوالية، المدعومة بمُجَنَّسيها المملوئين حقداً وكراهِيَّة (مُعْلَنَة) لكل ما هو سُّوداني، وهي في مُجملها تدفعنا لمُناهضة أي وجود للإمارات في السُّودان بكامله وليس فقط الشرق، والعاقل من يتَّعِظ بغيره ولا يسمح بتكرار مآسيهم عليه.
لنعلم بأنَّ الآخرين لن يصعدوا فوق ظهورنا ما لم نَنْحَنِ، وإذا ابْتُلِينا بحُكَّامٍ أدمنوا (الانحناء)، فعلينا الاستقامة والصمود، وعدم السماح بمزيد من الاحتلال. ولنعلم أيضاً بأنَّ سَواحلنا على البحر الأحمر حالة استثنائيَّة، لأبعادها السياديَّة/الاستراتيجيَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة، وهي آخر مُقدَّراتنا الوطنيَّة/القوميَّة، وهي مِلْكٌ لكل السُّودان، وتنميتها أو دمارها سيؤثر على (جميع) أرجاء البلاد دون استثناء، بما يُحتِّم تكاتف الجميع للحفاظ عليها، ومُناهضة (الجحيم) الإماراتي القادم إلينا عبر الشرق، دون رهبةٍ من ضجيج الأرزقِيَّة والغافلين.
نحن كشعب معنيُّون بحماية أنفسنا وبلادنا، ومن السَذَاجة تصديق حُكَّامنا الذين لا يُجيدون غير الانبطاح والتضليل، فعلينا كشعب القيام بما يلينا من مسئوليات، وتغيير (واقعنا) المرير وعدم تجميله/تخفيفه بالهتاف والمُكَابَرة، أو الاصطفاف خلف الطَّامعين ووصفهم بـ(الأشقَّاء)، وإنَّما بالجِدِّيَّةِ والتَجَرُّدِ والحَزم.. وللحديث بَقِيَّة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نارين بيوتي تتحدى جلال عمارة والجاي?زة 30 ا?لف درهم! ??????


.. غزة : هل تبددت آمال الهدنة ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الحرس الثوري الإيراني يكشف لـCNN عن الأسلحة التي استخدمت لضر


.. بايدن و كابوس الاحتجاجات الطلابية.. | #شيفرة




.. الحرب النووية.. سيناريو الدمار الشامل في 72 دقيقة! | #منصات