الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التوظيف المتقن للشخصيات التاريخية قراءة في نصين للشاعرة مروة أبو سمعان

عقيل الواجدي

2022 / 9 / 13
الادب والفن


الشعرُ على مرّ أزمنته المدوَّنة احتفظ بتفوقه على باقي أجناس الكتابة شهرة وتصدر المشهد الحياتي حتى ما قبل التدوين فقد كان الشعر صنو الذاكرة لا يغادرها وحكمته التي ينشدها بما امتلك من ميزة تفرَّد بها عما سواه من أجناس الكتابة الأخرى ألا وهو سهولة الحفظ لدى المتلقي غير أنه تعسَّر أن يكون مباحا إلا لمن إمتلك كل مقومات الشعر من موهبة ورواية ورعاية .
الجمال وحده من يأسر الارواح ويذهب بها نحوه ، والكلمة التي تطرق باب الفكر فتفضي به الى مساحات من التخمين والتأويل وحدها من تستحق أن نمنحها الكثير الكثير من الاهتمام ، ولأني اعتدت أن اقرأ برويّة تصل بي حد المبالغة من أجل أن لا أغبن الكاتب جهده ولا أفقد متعة القراءة في زمن ندر فيه ان يمتعك كل ما تقرأ .
نصان لفتا اِنتباهي للشاعرة الفلسطينية مروة أبو سمعان هما ( وللأثافي قصائد ) و ( إرثنا ) المدونتان على صفحتها الشخصية اِمتلكا سمتين بارزتين تمثلتا باستخدامها لمفردات تفصح من خلالها عن سعة إطلاعها على الأدب العربي القديم ومعاجم اللغة اِضافة إلى توظيفها المتقن للشخصيات التاريخية بما يخدم النص بسلاسة من غير تكلف .
النص الأول معنون بـ ( وللأثافي قصائد ) متخذة من العنوان بُعداً دلاليا مرتكزا على حالة من الرسوخ – الذهني – والتلازم بين القصيدة كاِطار زمني لبيئة شاخصة – الأثافي – متمثلة بالأحجار التي هي ركيزة تلك البيئة ، لوحة تنسل ملامحها الى المخيلة تدرُّجاً كلما سبرنا أغوار النص .
تستهل الشاعرة النص بفعل مضارع والذي يستمر على طوال النص بدلالة حيوية واستمرارية تكشف لنا مدى الرغبة في رسم واقع – متخيل – آتٍ عبر صباحات مُلهمة بما أفاضت في الروح من شعور وشعر مستمد من ( وادٍ ) لطالما تكشَّف أثره عند من يؤمنون به ، فالصمت لايرممه الاّ الصوت – الفوضى – ولا توقد برودة الوحدة إلا أثافٍ تجتمع من حولها القلوب .
( يطرقُ الصباحَ بدِلة الحديث
حين عودته من وادِ عبقر
متأبطاً الفوضى
ليرمم صمت الديار ،
لتنجو من غارات الوحدة
يقدحُ النارَ في أثافيّ قديمة )
التاريخ الذي يلوح بتساؤلاته تقف الحقيقة حائلا أمامه ، لاحقيقة في هذا التاريخ إلا ما أعتقدناه ، فالتاريخ مكعَّبُ الوجه وما انسلّ منه إلينا يفصح عن بعض حقيقته من خلال تكرار نفسه ، التاريخ يعيد نفسه بديهية أثبتتها الأيام ، وهاهي شاعرتنا تضع تساؤلها ( لم لاتعترف بي ) إضاءة في عالم معتم تكاد تغيب عنا ملامحه إلا من إشارة ( تكتب بدموع العين العبسية ) وهي بلاشك إشارة الى الجحود الذي نال من اجتهد في أن يدفع نفسه ثمنا مقابل أن يُعترف به ، هو الخذلان اللامنتهي :
(( يُنادونَني في السِلمِ يا اِبنَ زَبيبَةٍ
وَعِندَ صِدامِ الخَيلِ يا اِبنَ الأَطايِبِ ))
اِمتلكت الشاعرة تقنية التصوير كأنما تدور بعدستها نحو الخفايا مما لا يلتفت إليه إلا القليل ، فالشخوص في النص ممسرحة تكاد تراها عَيانا ، هي البراعة في توظيف المفردة .
( يجول حامِ الذمار في ربوع الماضي
شاهراً سيفه الخارج من غمده دوماً
يرشق حوائط الليل بأسئلة
تُكتب بدموع العين .. العبسيّة
لم لا تعترف بي !
و التاريخ يلملم نفسه
حين ذكري ..
و تُرأب الصدوع باسمي !)

إن عملية اِسقاط النص على الواقع الذي قامت به الشاعرة كشف عن وعي جلي في إدارة النص بما ينسجم مع واقع معاش ، فكم من عنترة – الوطن – مخذول دائما ، وكم من شداد – وصولي – يتنصل عنه حينما تتعارض مع مصالحه ، وكم من إخوة – الأنظمة العربية – لايعدُون سوى أن يكونوا أخوة يوسف ، الخيبة التي رسمت ملامحها الشاعرة موجعة ، اتقنت توصيفها فلا الأثافي ولا القصائد يمكن أن تبعث الحياة في مشهد – الوطن – اَطَّره الحزن حدَّ الاحتواء .

(عبدةٌ أمي . . .
و أيامي بيضٌ يا أبي الذي نسيني ..
.
.
ابنُ شدادٍ أنتَ يا وطني
لا أثافي فيكَ ..
لا القصائد تجلو كِنزكَ السوداء
و لا تحوك لك ..أثواباً تليق
بالعذراء و يوسف الصِدِّيق ..
تلوك الحكايا دون ماءٍ
و لا يدقُ النهار ليلك ..
للمقهى فيك شجون و غصة ..
دون أن تُدَلِك لك الأحاديثُ
مواسمنا المتحجرة .. )



النص الثاني (اِرثنا ) : إمتاز النص بتعدد شخوصه وبالتالي تعدد دلالاته وبمجموع دالة أرادت الشاعرة إيصالها ، فبالرغم من التباين اللفظي للشخوص ( فالمعري برسالته ، وجرير والفرزدق بجدلية صراعهما ، والمسيح ومائدته ) إلا إنك لاتلبث أن تكتشف عن نقاط التقاء وتوافق دلالي .
اإنَّ اِتقان الربط بين الدلالات والمقدرة على توظيفها سمة لازمت شاعرتنا بداية من نصها الأول الى نصها الثاني الذي اتشح ( العمى ، الصراع و الفقد ) وهي سمات واقع نعيشه ، فكل ما فينا وما حولنا آيل نحو العمى والصراع والفقد ، هو الإرث الذي يتناسل مع الأزمنة ، وكانت الشاعرة موفقة الى حد بعيد في اختيارها للعنوان ، فهي قارئة بارعة للواقع .
لا أجمل من اَنْ تجد العذوبة ورقة الوصف في نص تخلله الحزن ، الانسيابية التي إمتاز به أسلوب الشاعرة يدفع بالمتلقي لتقصي كل مفردة ، يقف أمام تساؤلاتها ، ويصطف إلى جانب إجاباتها ، البراعة وحدها من تمنح النص كل هذا الجمال ، فالمولودون من ثقوب الناي وحدهم من يدركون أسرار الحزن ووحدهم من يحسنون البوح ، أفئدتهم التي اعتادت غياب الأحبة عنها يموسق الحزن انتظارهم على وتر من ترقب .

إرثنا
ـّـــــــ
يحل الغبارُ زائراً مضيافاً
لرسالة الغفران
المقعية في أتون النسيان . .
المورق لنا سنديانات و نارنج
.
.
يتوسل جرير كلمة
من فرزدقه
يناجي الأيام الخوالي .. /
كيف لي أن أحملَ نزق الصباح دونك . .؟!
و تسقط عبـ ــر ة
.
.
يتساءل الفؤاد المثقوب
من كثرة الغياب
أتكون رشوة الانتظار
نظرة فيها
جلاء الشك |
و الريب / . .
.
.
على عرش الأرق
يطوقنّا موسيقاره
/
على رسلك يا رجل !
.•°نحن الذين ولدنا من
ثـ
قـ
ـو
ب
الناي .•°
.
.
و أضحينا نضحكُ
ربات البيوت البواكيا
هو إرثنا خبز الكفاف
و العشاء الأخير
.
.
و لقد غدونا
بلا موائد ،
إذ رُفع المسيح . . . /

النصان ( وللأثافي قصائد ) و( إرثنا ) يستحقان الكثير من القراءة الواعية لشاعرة امتلكت كل مقومات التفوق .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزائر.. -سوق أزمان- في تلمسان رحلة عبر التاريخ والفن والأد


.. المخرجة والكاتبة دوروثي مريم كيلو تروي رحلة بحثها عن جذورها




.. هاجر أحمد: بوعد الجمهور إنه هيحب شخصيتى في فيلم أهل الكهف


.. حاول اقتحام المسرح حاملاً علم إسرائيل فسقط بشكل مريع




.. لماذا غنت كارلا شمعون باللهجة الجزائرية؟.. الفنانة اللبنانية