الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


باب البعث الدوّار

تقي الوزان

2006 / 9 / 29
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


قانون "تحرير العراق" الذي اصدره الكونكرس الأمريكي عام 1998 في فترة رئاسة الرئيس الأمريكي السابق بيل كلنتون , كان يراد به " تحرير " العراق ليس من ايدي صدام وطغمته كما كان يصوّر , بل " تحرير " العراق من مجموعة القيّم التي تتحكم فيه , والتي جعلته عصيا على الكسر , وابرز هذه القيّم, الوطنية ,الاخوة القومية , الدين , التاريخ , الجغرافية ,النفط , الثروة , التمرد , رفض الظلم ..الخ . ولم يتيسر لصدام الدخول في هذا المشروع الأمريكي بعد ان ابدى استعداده وتوسل الأمريكان لذلك , لأنه لم يكن مثل القذافي في طموحاته المحدودة حتى تقبل استدارته , فقد اراد الدخول في نادي الكبار من خلال اجتياحه للكويت والتحكم بربع مخزون النفط العالمي , فأسقطت عنه الثقة بالكامل .
الحصار الذي فرض على العراق في بداية التسعينات كان البداية الحقيقية ل " تحرير" العراق على الطريقة الأمريكية . وتظافر الحصار مع الأساليب الدموية للنظام المقبور في تفكيك هذه القيم . ومنذ الأجتياح وسقوط النظام ازدادت سرعة وسائل " التحرير " وتنوعت اكثر , وكان ابرزها تنشيط الصراع الطائفي وايصاله للمشهد الدموي الحالي , وغض النظر عن جرائمه التي فاقت كل تصور . ولاشك ان العنف الشيعي جاء كرد فعل على العنف السني الذي يقف خلفه بهذه القوة والأستمرارية العنف البعثي الذي بدء يكشف عن نفسه في الفترة الاخيرة بشكل اوضح .
ولعل اخطر وسائل " التحرير " هذه هو وصول بعض قيادات الأحزاب السياسية الشيعية والكردية الى قناعة التمترس داخل منجزهم الطائفي والقومي , وتجردهم من الهم الوطني . في نفس الوقت الذي يجري فيه اعادة تأهيل البعث على رافعة المحافظة على وحدة العراق . ولا شئ اخطر من ان يكون للبعثيين برنامج عمل سياسي يستطيع ان يستحوذ على بعض التأييد , رغم معرفة العراقيين بدمويتهم , ومسؤوليتهم في وصول العراق الى هذا الدرك .
الفشل الذي رافق هذه القيادات طيلة الثلاث سنوات الماضية في الأنتشار على مجموع المساحة الوطنية مكن جلاوزة النظام المقبور من الحصول على هذه الفرصة في اعادة تسويق انفسهم . وهم يعرفون جيداً ان العناصر الديمقراطية والعلمانية التي تتبنى المشروع الوطني الحقيقي حوربوا وحجموا من قبل نفس الأطراف التي خلقت لهم هذه الفرصة " الذهبية ". ومثلما تمكن صدام من انهاء احزاب المعارضة وقياداتها , وحول الحركة السياسية العراقية الى حركة كسيحة .تعاد دورة الحياة وتعوّق هذه القيادات في رؤيتها الوطنية , وتفقد الجماهير مرةً أخرى البوصلة التي ترشدها للطريق الأسلم , بعكس البعثيين الذين وجدوا طريقهم بعمى الآخرين .
الأمريكان من جانبهم مستمرين في اساليب " تحريرهم " للعراق , وتحقيق رؤيتهم بجعل العراق القاعدة التي يتحركون منها للسيطرة الكاملة على الشرق الأوسط " الجديد " . ولا يوجد افضل من اشغال هذه الشعوب بصراعات دينية واثنية ومذهبية تبعدهم عن الصراع الحقيقي " الطبقي " , والفقر الذي اخذ برقاب الشعوب اكثر من اية فترة سابقة نتيجة السياسات الجديدة للعولمة . وحالهم حال اغلب شعوب الأرض التي انطلت عليهم هذه الأساليب بعد انتهاء الحرب الباردة وتفردهم " الأمريكان " بالساحة السياسية العالمية .
لم يخطر ببالي ولا واحد بالمليون ان يكون ظافر العاني احد الناطقين بأسم النظام المقبور حتى بعد التاسع من نيسان , ويتحول الى هارب مرعوب , ثم يتحول مرة اخرى وبهذه السرعة الى نائب في اول برلمان عراقي دائم , وناطق رسمي بأسم جبهة التوافق السنية " البعثية " , ويتحدث بأسم الوطنية العراقية التي " ترعرع " في ظلالها , و "رضع " حليب امومتها , و " تشمس " بشعاع عينيها , و " تدفأ " بنار شوقها وأمل العودة لأنسانيتها المفقودة طيلة الأربعين سنة الماضية , ونحن الذين ولغنا بدم العراق والعراقيين , وثكلنا النساء , ويتمنا الأطفال , وسممنا الماء والهواء , وجعلنا من العسل زقوماً لأبناء المقابر الجماعية , والأنفال , وضحايا الكيمياوي , وكل شهداء العراق بمن فيهم البعثيين الذين سقطوا على عتبة مقاومتهم لفاشية المنبوذ والمطرود يومياً حتى من قفص الأتهام . فشكراً لزعامات بعض الأحزاب , وكل من تموضع في كرسيه وزكى القتلة .
المحنة كبيرة , وكبيرة جداً , وليس الوقت وقت ملامة , ولكن أرونا حياً واحداً وليس مدينةً واحدة حالها أفضل مما كان عليه قبل سقوط النظام في كل الوسط والجنوب الذي تريدون اقامة الفيدرالية الطائفية عليه , وهو تحت سيطرتكم منذ سقوط النظام ولحد الآن .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة : ما جدوى الهدنة في جنوب القطاع؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. حتى يتخلص من ضغط بن غفير وسموترتش.. نتنياهو يحل مجلس الحرب |




.. كابوس نتنياهو.. أعمدة البيت الإسرائيلي تتداعى! | #التاسعة


.. أم نائل الكحلوت سيدة نازحة وأم شهيد.. تعرف على قصتها




.. السياحة الإسرائيلية تزدهر في جورجيا