الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول تغيير إسم الحزب الشيوعي العراقي

جاسم الحلوائي

2006 / 9 / 29
التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية


كان المؤتمر الوطني الخامس للحزب الشيوعي العراقي الذي إنعقد في عام 1993 محطة تاريخية هامة في مسيرته المجيدة، وقد سمي بحق مؤتمر الديمقراطية والتجديد، حيث جدد المؤتمر نظامه الداخلي وبرنامجه في مسعى جاد لتحرير الحزب من الجمود العقائدي والنصية و"تقديس" مرجعيته الفكرية، وتحويله من حزب شديد المركزية ذي ضبط حديدي الى حزب ديمقراطي من حيث جوهره واهدافه وبنيته وتنظيمه ونشاطه، ومن حيث علاقاته بالقوى الإجتماعية والسياسية الأخرى. هذا فضلا عن إبراز المؤتمر لوجه الحزب الوطني بتأكيده، في وثائقه على إنه حزب وطني مستقل يضع المصالح العليا للشعب و الوطن فوق اي مصلحة اخرى. وجدد المؤتمر قيادته بما في ذلك سكرتير اللجنة المركزية، ولكن لم يغيّر إسم الحزب بما يتلاءم ومضمونه الجديد. لقد إقترحت في المؤتمر المذكورتغيير إسم الحزب إسوة بالكثير من الأحزاب، التي جددت نفسها آنذاك على أثر إنهيار المنظومة الإشتراكية، ولم ينل المقترح سوى أربعة أصوات فقط. وأعتقد إن تجديد الحزب كان سيكتسب مصداقية أكبر لو قام الحزب بتغيير إسمه في حينه، عندها يصبح التجديد مقنعا بالنسبة لأوساط واسعة من الناس، خصوصا اولئك الذين لا يدققون في مفاهيم ومصطلحات وثائق الأحزاب فضلا عن إن الكثيرين لا يقرأونها، ولم يتمكن أعضاء الحزب من الوصول اليهم لشرح ما إستجد في الحزب في ظل النظام الدكتاتوري البائد. ولا استبعد بأن إسماً جديداً للحزب كان بإمكانه أن يمهد أرضية أفضل لتجديد علاقة الحزب بالجماهير في الظروف التي إستجدت بعد سقوط النظام الدكتاتوري،كما يمهد لعلاقات أفضل مع مختلف القوى السياسية محليا وإقليميا وعالميا.

إن الظروف التي إستجدت بعد سقوط النظام الدكتاتوري وضعت الحزب أمام متغيرات واسعة وغير مسبوقة في كل تاريخه، لقد وضعته بمنطلقاته الجديدة على المحك، وأصبح الحزب أمام مهمة كسب الرهان على إبقاء إسمه القديم والتصرف كحزب معاصربمنطلقاته الجديدة، فهل كسب الحزب الرهان ؟ سأسارع بالإجابة : نعم، والى حد بعيد. فلو لم ينطلق الحزب من منطلقه الجديد في وضع المصالح العليا للشعب والوطن فوق اي مصلحة أخرى، ولو وضع الحزب مثلا مصلحة البروليتارية العالمية في النضال ضد الإمبريالية العالمية فوق أي إعتبار آخر، حسب المنطلقات القديمة، لكان الحزب قد إصطف مع الإرهابيين الصداميين والزرقاويين و"المقاومة" المسلحة المسؤولة عن قتل عشرات الآلاف من بنات وأبناء شعبنا الأبرياء وبينهم نسبة كبيرة جدا من الأطفال والشيوخ والنساء، ولكان الحزب يسعى الآن، على الأرجح دون جدوى، كي يعترف به الآخرون بأنه جزء من "المقاومة الشريفة"! ولو لم ينطلق الحزب من منطلقه الجديد بكونه حزب ديمقراطي، من حيث جوهره واهدافه وبنيته وتنظيمه ونشاطه، ومن حيث علاقاته بالقوى الإجتماعية والسياسية الأخرى، وتمسك بنزعاته القديمة المتمثلة في الهيمنة وعدم الإعتراف بالآخر، لما تمكن من الإشترك في مجلس الحكم والمؤسسات الأخرى والدخول في جبهة ديمقراطية (القائمة العراقية) وإقامة علاقة إحترام متبادل مع مختلف القوى السياسية. إذاً يمكن القول أنه لولا تجديد الحزب لنفسه ومواصلة تجديده لما تمكن الحزب من الإنخراط بنشاط في العملية السياسية التي تستهدف إقامة نظام ديمقراطي فدرالي موحد وتحقيق السيادة الوطنية. وأن يجد له موضع قدم قوي في الواقع السياسي العراقي ، بالرغم من إن ما تحقق هو دون الطموح ودون ما كان متوقعا ، ولأسباب جُلـّها موضوعية .

يقارن البعض الحزب الشيوعي العراقي بالقوى والأحزاب السياسية الدينية، ليحكم عليه بالضعف في قدرته على تعبئة الجماهير في حين لايوجد وجه لمقارنته بتلك الأحزاب. أعتقد أن من الصحيح مقارنته بالأحزاب الديمقراطية العلمانية التي تأبى المتاجرة بمعتقدات الناس المقدسة وتربأ بنفسها عن تضليل الجماهير وإلهائها بالأساطير والخزعبلات والدجل والأوهام. من الصحيح مقارنة الحزب بأحوال الأحزاب الشيوعية أو قوى اليسار الديمقراطي في المنطقة للخروج بحكم عادل، وليس بالأحزاب الدينية أوالقومية.

اوهناك حقيقة يجب الإعتراف بها وهي إن اليسار الديمقراطي يعاني من الإنحسار (جزر) إقليميا وعالميا الى حدما مقابل المد الديني، يإسثناء الوضع في أمريكا اللاتينية حيث تعززت مواقع اليسار الديمقراطي بجناحيه المعتدل والراديكالي في العديد من بلدان القارة، حيث يقود الجناح الأول السلطة السياسية في البرازيل والأرجنتين والأوروغواي وتشيلي وبيرو في حين يقود، الجناح الآخر، السلطة في فنزويلا والأكوادور وبوليفيا، وكاد مرشح الجناح الأخير أن يفوز بالسلطة في المكسيك.

***
يعتز الشيوعيون العراقيون بإسم حزبهم لإعتزازهم بتاريخه المجيد ولا يجدون فيه ما يخجلون منه بل بالعكس فهناك الكثير مما يفتخرون به، بما في ذلك موقفهم الجدي من أخطائهم. ويخشى المتشبثون بالإسم بأن يؤدي تغييره الى التنكر لتاريخه. إن مثل هذه المخاوف مشروعة ومن الممكن تلافي مثل هذه الأضرار المحتملة بأكثر من طريقة، ولكن من السابق لأوانه الخوض في ذلك الآن. ويذهب البعض أبعد من ذلك ويعتبر أن تغيير إسم الحزب ينطوي على عدم الوفاء للقافلة العظيمة من الشهداء الذين ضحوا بحياتهم وهم يهتفون بهذا الإسم. ولكن من الطبيعي إن شهداء الحزب لم يهتفوا بإسم الحزب تقديسا للإسم بحد ذاته، إنما إخلاصا منهم لأهداف الحزب النبيلة. والوفاء لأؤلئك الشهداء يتجسد في سير الحزب قدما لتحقيق برنامجه وصولا الى تحقيق شعاره العتيد وطن حر وشعب سعيد.

لم يدر بخلد أي شيوعي تغيير إسم الحزب خلال ستة عقود من عمره، وقد طرح الموضوع لأول مرة في مؤتمر الحزب الخامس مؤتمر الديمقراطية والتجديد الذي سبق الإشارة اليه. وهناك إعتقاد خاطىء شائع وهو أن الحزب غير إسمه في عهد الزعيم عبد الكريم قاسم من أجل نيله إجازة العمل الشرعي، وهذا غير صحيح. وحقيقة الأمر هو إن الزعيم عبد الكريم قاسم منح إجازة بإسم الحزب الشيوعي العراقي للشيوعي السابق داود الصايغ، كي يحجب الإجازة عن حزبنا فقدم الحزب طلبا ثانيا بنفس الإسم وهو : الحزب الشيوعي العراقي وأضاف إسم جريدته "إتحاد الشعب" بين قوسين بجانب إسمه. ويتطرق الفقيد زكي خيري،الذي وقع الطلب، الى هذا الموضوع بالتفصيل في الصفحتين 231 و232 من كتابه الموسوم " صدى السنين في ذاكرة شيوعي عراقي مخضرم". ولم يحاول الحزب أن ينال شرعية العمل العلني بإسم حزب التحرر الوطني، كبديل عن الحزب الشيوعي، كما يظن البعض. فحزب التحرر كان واجهة للحزب تضم الشيوعيين وأنصارهم وكل من يؤيد برنامج حزب التحرر الوطني. وكانت هذه ثالث محاولة يقدم عليها الرفيق فهد في هذا السياق. وقد أشار الى تفاصيل ذلك الكاتب عزيز سباهي في الصفحة 280 من مؤلفه الموسوم "عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي" الجزء الأول.

لم تعد الأصوات الداعية لتغيير إسم الحزب الشيوعي في السنوات الأخيرة مجرد بضعة أصوات كما كان الأمر في المؤتمر الخامس للحزب. فقد إزدادت تلك الأصوات بالإرتباط مع مواصلة الحزب في تجديد نفسه وذلك بالتخلي عن الكثير من المفاهيم القديمة وتبني مفاهيم ومبادئ ديمقراطية ومعاصرة. فعلى سبيل المثال تبنى الحزب التداول السلمي للسلطة الذي ينفي أي شكل من أشكال دكتاتورية البروليتارية (سلطة الطبقة العاملة) التي كانت القضية الأساسية التي إنقسم عليها الأشتراكيون الديمقراطيون رسميا بين مؤيد ومعارض في نهاية العقد الثاني وبداية العقد الثالث من القرن الماضي، وأسس مؤيدوها الأممية الثالثة، والتي نأت بنفسها عن الأممية الثانية بإعتبارها إصلاحية ووصفتها بأبشع النعوت السياسية. وأصبحت دكتاتورية البروليتارية شرطا للقبول في الكومنترن (الأممية الشيوعية) وفيصلا حاسما لفرز الأحزاب الشيوعية عن الأحزاب الإشتراكية الديمقراطية.

إن الكثير من المبادئ والمفاهيم الواردة في مشروعي برنامج الحزب الشيوعي ونظامه الداخلي تبعده عن إسمه، ولم يعد إسمه معبرا عن هويته ، ومن المفضل أن يعبر الأسم عن هوية الحزب وأن يكون جذاباً ليس للشيوعيين، الذين لايجد غالبيتهم إسما أكثر جاذبية منه، بل أن يكون جذابا للجماهير الشعبية الواسعة كي يتمكن الحزب من تحقيق برنامجه. إن أحد الدوافع الأخرى لتغيير إسم الحزب هو تبرئة ذمة الشيوعيين العراقيين من الأخطاء التي أرتكبت من قبل الأنظمة الشمولية بإسم الشيوعية ولقطع الصلة بالجمود العقائدي والمركزية المشددة والبيروقراطية التي كانت سمة الحركة الشيوعية، ونحن من ضمنها، لعقود طويلة . إلا أنه ينبغي الحرص على عدم تحويل الحزب الى حزب ديمقراطي ليبرالي والمحافظة على هويته الفكرية الإشتراكية العلمية . ولكن هل إن الظرف الحالي ملائم للقيام بذلك في المؤتمر القادم للحزب ، كما يطالب البعض؟ لا أعتقد ذلك للأسباب التالية :

** إن الوضع السياسي مضطرب ومتوتر بشدة والناس مشغولة بتوفير أمنها المفقود وتسعى الى توفير الحد الأدنى من متطلبات حياتها المعيشية ولا يمكن أن يهمها أو يجلب إنتباهها خبرا كهذا.

** منذ سقوط النظام الدكتاتوري وفي الإنتخابات النيابية إنهمر سيل من مختلف أسماء الأحزاب، وبينها الكثير من الأسماء الجذابة، على رؤوس العراقيين وإختفى بعضها بسرعة ولا يزال بعضها مستمرا بشكل من الأشكال. وهذه الأسماء لاتزال تجول، دون أن تستقر في ذاكرة الناس. وأخشى أن يدخل الأسم الجديد للحزب، لو تغير الآن، في القا ئمة المتجولة.

** تغيير إسم الحزب الآن سيفسر كممالأة للقوى السياسية المهيمنة على الساحة وتراجعا أمام الجو الإرهابي السائد في البلد، وهذا ليس من مصلحة الحزب لا في حاضره ولا في مستقبله.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مواجهات بين الشرطة ومتظاهرين في باريس خلال عيد العمال.. وفلس


.. على خلفية احتجاجات داعمة لفلسطين.. مواجهات بين الشرطة وطلاب




.. الاحتجاجات ضد -القانون الروسي-.. بوريل ينتقد عنف الشرطة ضد ا


.. قصة مبنى هاميلتون التاريخي الذي سيطر عليه الطلبة المحتجون في




.. الشرطة تمنع متظاهرين من الوصول إلى تقسيم في تركيا.. ما القصة