الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في كتاب بول بريمر My ywar in Iraq

هادي الخزاعي

2006 / 9 / 29
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


أن كتاب " سَنَتي في العراق " الصادر هذا العام لكاتبه الأمريكي بول بريمر، يعتبر اهم كتاب يستعرض أصعب سنة في تأريخ العراق المعاصر والتي اسست لسياسة العراق اللاحقة ذات الرتوش الأنكلو امريكية، بغض النظرعمن سيمسك بزمام السلطة فيه من العراقيين.
لقد اصبح اسم بول بريمر بعد تعيينه حاكما امريكيا مطلقا على العراق، اكثر شهرة مما كان، ليس فقط في الأدارة الأمريكية ، وانما ايضا، في جميع انحاء العالم. وقد تأته هذه الشهرة بسبب الخبرة السياسية المتراكمة في الأدارة الدبلوماسية أثناء عمله في دوائر الخارجية الأمريكية مدة عقود اربعة، بمعنى انه خَبَرَمتطلبات السياسة الخارجية الأمريكية بغض النظرعمن يكون الرئيس. وما تعيينه حاكما بأسم ما كان يسمونها بسلطة الأئتلاف المؤقت في العراق خلفا للفريق المتقاعد جاي كارنر الذي لم يدم بهذا التعيين إلا فترة قصيرة تجاوزت الشهر بقليل، انما بسبب خبرته وأمكاناته في الأدارة عكس ضعف خبرة سلفه العسكري جاي كارنر .
أن سنة بريمر في العراق اسست لكل سياسة لاحقة في العراق. وما يجري الآن من فوضى سياسية واحدة من ثمار تلك السياسة التي اريد منها ان يكون العراق ساحة لتجميع القوى التي ارهبت امريكا بحوادث الحادي عشر من سبتمبر من العام 2001، كي تنقل ساحة حربها معهم من امريكا الى ساحة اخرى، فمهدت لذلك بغزو العراق تحت ذريعة اسقاط صدام الذي كان يحكم العراق بالحديد والنار، أذ كانت علاقاته السياسية متازمة مع مواطنيه وجيرانه والمحيط الدولي، فجاء الغزو وحل مؤسسات العراق العسكرية وشرع حدوده بلا حماية او حراسة، مما اغرى الأرهاب الدولي بنقل قاعدة ساحة صراعه مع امريكا من افغانستان الى الأرض العراقية، بعد أن صارالفراغ الأمني والسياسي الذي ترتب عن الغزو، فضفاضا يتسع لتنظيمات ذلك الأرهاب الذي يغطي نفسه بلحاف اسلاموي سلفي، ناهيك عن المائة ألف مجرم من سجناء الجريمة الذين اطلق سراحهم صدام قبيل الغزو، وكذلك بقايا البعثيين المتنفذين والمستفيدين من مخابرات وأمن وعسكريين من شرطة وجيش تغمست اياديهم بدم العراقيين. وكأن الأمريكان وصدام وتابعيه والمجرمين كانوا متفقين على سيناريو واحد لتحطيم العراق .
عند أسقاط صنم صدام محطما في ساحة الفردوس عصر يوم 9/4/2003 لم يكن بريمر سوى سفيرسابق، بعيدا عن بيت امريكا الأبيض ودوائره العديدة، كان يعمل في القطاع الخاص مديرا لقسم ادارة الأزمات في واحدة من كبريات الشركات الأمريكية ( مارش اند ماكلينان ). ولكن بتأريخ 12/5/2003 خَطَتْ اقدامه فوق ارضية مطار بغداد(مطار صدام الدولي) المتربة، كمبعوث شخصي للرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش، منتقلا من واشنطن الى بغداد التي تفصلهما مسافة خمسة عشر الف كيلومتر، وليكون بريمر بذلك صاحب السلطان الوحيد في العراق، ما عدا المائة والسبعون الف جندي من جنود الأحتلال الذين يأتمرون من قبل قياداتهم العسكرية فقط.
وطيلة القسم الأول من الكتاب بفصوله الخمسة التي يسرد فيها بوقائع تفصيلية دقيقة والذي سماها على التوالي بـ (الفوضى، زمام المسؤلية، الترميم، رقصة السياسة، والأمل البعيد) يسجل كل انطباعاته عن تلك المرحلة الأبتدائية لمهمته التي جاءها متطوعا ـ كما يقول! ، بعد ذلك الأبتعاد عن العمل السياسي المباشر وأنكفاءه مديرا في تلك الشركة ومتفرغا لحياته العائلية ولأدارة اعماله . وهذا التسجيل العياني في سَنة بريمر في العراق يبدا من اول دعوة له في البيت الأبيض لترتيب دوره بديلا عن كارنر كحاكم للعراق. و قبل ان تطأ اقدامه الأرض العراقية، داعبت عيونه مشاهد بغداد وهو في الطائرة ، بغداد، لا بمنائرها وقببها كما يصورها التأريخ الوردي، ولكن بغداد التي اباحها الغزاة منذ هولاكو وجنكيزخان، فكان كل شئ معتم حد الظلمة. لم تشهد عيون بريمر غيرلون الغبار الكالح واعمدة دخان الحرائق التي لا تعد، والمتصاعدة من البنايات الحكومية العراقية التي أُحرقتْ اما عمدا من قبل بقايا النظام المنهارـ وهو الغالب ـ، واما من قبل من خرجوا من قمقم السجن الصدامي الكبير ليعبروا عن حنقهم على دولة البعث التي أرتهم الكوابيس في عز الظهر، والتي تراوحت تسميتهم في هذا الكتاب، بين الغوغاء، وبين المتضررين من نظام صدام بآلياته في أركاع الناس له.
ومن نافلة القول أنني لم اجد في سطور توصيفه هذه الفوضى، أي ذكر لاخلص مشهد عراقي سجلته كل عيون الأرض، وأعني به مشهد " ابو تحسين " وهو يلطم وجه صدام بنعاله القديم المتسخ نائحا بذاك الألم الشريف على العراق والعراقيين، غير مباليا للبيوت المفتوحة التي كان بأمكانه ان ينهبها كما فعل الغوغاء والمجرمين، غير انه ترفع عن ذلك كأي عراقي شريف وبقي يصفع بنعاله وجه صدام. ولكن ذاكرة بريمر لم تذكرغير الغوغاء والمجرمين من العراقيين، وكانه يرسخ انطباعا منذ أولى صفحات سيرته في العراق بأن العراقيين هم من دمروا العراق، حتى انه لم يؤشرالى مسؤلية قوات الأحتلال في هذه الفوضى. ولأن ذاكرة الناس لما تزل طرية، فأن الكثير ممن على شاكلة ابو تحسين جزموا بأن هذه القوات كانت تشجع على تلك الفوضى التي ارست اسس التشوه الأجتماعي الجديد على انقاض التشوه السائد الذي نحته النظام السابق في البنية الأجتماعية العراقية وعلى ومختلف الصعد والمستويات، السياسية والأجتماعية والأقتصادية والأخلاقية.
ان واحدة من الأنطباعات المهمة التي يمكن ان تتشكل في ذهن قارئ سَنة بريمر في العراق هو أن بريمر لم يتعامل مع العراق كونه بلدا محتلا من قبل جنود المارينز الأمريكان ، بل انه يتعامل مع العراق كونه بلدا محررا وان العراقيين لا يرون غير ذلك ، غير مستفيدا من ملاحظة ( هيوم ) زميله في المسؤلية الذي اشار اليه في واحد من الأجتماعات بأن الألمان واليابانيون الذين خسروا الحرب ربما لم يرحبوا بالأحتلال، ولكنهم كانوا يعرفون ان الأحتلال هوالنتيجة الحتمية التي تحدث عندما تخسر الحرب . لكن بريمر يصرعلى انه انتصر على نظام مكروه لا على شعب العراق، لكنه يستدرك بما قاله هيوم بأن اكثرية العراقيين كانوا فرحين بسقوط صدام، لكن قليلهم سر لأحتلال جيش اجنبي بلدهم.
ان فقر المعلوماتية لبريمر عن الطبيعة الأجتماعية والتأريخ السياسي للعراق قد اوقعه في جملة من التقديرات الخاطئة التي اسست لسياسة خاطئة في العراق. ومن يدري فلعله ـ وهذا الأرجح ـ كان يعرف كل شي عن العراق، ولكنه كان متوائما مع اجندة السياسة الأمريكية في المنطقة التي تقضي بتسليم الحكم في عراق ما بعد صدام الى مجموعة يمسك بزمامها فضل امريكا عليهم في اسقاط صدام ، لاسيما تلك المجموعة المعارضة لصدام التي ضمها مؤتمر لندن بنهاية عام 2002، ذلك المؤتمر الباحث عن خلاص من صدام حتى لو تطلب الأمر غزو العراق من قبل جيش اجنبي شريطة ان يضمن لهم كرسي المسؤولية. وهذا هو الذي فعله بريمر بالضبط . وهم الذين سماهمهم بريمر في سَنته بـ " المنفيين " وليس بأي أسم آخر يليق بهم كمعارضة وطنية قارعت نظام صدام . وكاني به كان يتحاشى في اجندته تلك، بسمارك عراقي يجمع العراق في وحدة واحدة ،حينما يشير الى التجربة الألمانية التي قادها بسمارك في توحيد الأمة الألمانية في القرن التاسع عشربعد شرذمتها بسبب الأختلافات الدينية بين الشمال البروتستانتي والجنوب الكاثولوكي، فيسمع بانتباه شديد ما يقوله هيوم عن العراق الحديث الذي كونته الأمبراطورية البريطانية في اعقاب الحرب العالمية الأولى بتجميع المقاطعات العثمانية الثلاث الموصل وبغداد والبصرة في دولة اسمها العراق منصبتا له ملكا لا يمت للعراقيين بصلة .
ومن توصيف هيوم هذا، تبلورت لدى بريمر خريطة طريق العراق الأجتماعية على نحو ما كان عليه العراق في بداية القرن المنصرم والذي كان على هيئة جنوب شيعي ذو غالبية عربية ترتبط بروابط قوية مع ايران. واقلية عربية سنية تشكل 20%من السكان تتركز في القبائل والعشائرالمستقرة في وسط العراق. اما الشمال فكان من نصيب الأكراد والتركمان، وهم بالغالب من السنة غير العرب. وعلى ضوء ذلك عشعشت في ذهن بريمر الفكرة التي سيطرت على كل انجازاته في السياسة التي اختطها الأحتلال او السَنَة التي حكم فيها، وهي ان العراق قد حُكم من السُنة ابان الدولة العثمانية على مدى قرون عديدة وبعد الأستقلال وتأسيس الدولة العراقية الحديثه كان السُنة هم الحكام لحين الغزو الذي كسر تلك القاعدة.
لقد اقتصرت زاوية الرؤيا عند بريمر للمجتمع العراقي على انه ذا طابع ديني وطائفي وقومي، وانه ظل يراوح عند هذا التفصيل ولم يغادره ، لقد ظل يراوح عند فكرة ان المجتمع العراقي عبارة عن الشيعة والسنة والأكراد وايضا اقليات اخرى مثل المسيحيين واليزيديين، مستبعدابالتمام والكمال الهاجس الوطني للعراقيين الذي يزكيه نضال مديد خاضوه ضد كل اشكال العسف او اجندات فرق تسد البريطانية أبان احتلالها العراق بعد ارهاصات الحرب الكونية الأولى.
من هذا المنطلق الضيق تعاطى بريمر مع القضية العراقية مؤكدا فيه على الدورين الطائفي والقومي في المقام الأول ، ومهمشا الحالة السياسية ذات التأريخ المديد في صناعة الرأي العام العراقي، وغير آبه الى ان المجتمع العراقي مجتمع منجسم ونسيجه الأجتماعي متلاحم منذ مئات السنين ولم تنجح كل المحاولات التي مارست سياسة فرق تسد الأستعمارية من زعزعة هذه اللحمة والوحدة. ان هذا التاسيس الذي قام به بريمر كحاكم امريكي مطلق على العراق قد طوق من سلم اليهم العراق المحكوم بالمحاصصة الطائفية المقيتة والهاجس القومي ذوالأفق الضيق. ومما يؤسف له ان القوى السياسية ذات العلاقة، لاسيما الدينية منها بشقيها السني والشيعي ، وكذلك القومية قد سهلت لبريمر تأكيد هذا النفس الطائفي والقومي في الخيارات اللاحقة للعراق.
حيث يتشضى العراقيون يوميا بالمفخخات والأغتيالات والموت المجاني الذي يحصد الآلاف شهريا ، ذلك الموت المنفلت عقاله من معطف الطائفية البغيض او السلفية الدينية التي يمقتها اغلبية العراقيين بكل ما يملكون من المقت.
لقد قدم بريمرالى بغداد وفي جعبته مذكرة اوامر التكليف كونه حاكما مطلقا على العراق والمسلمة اليه من وزير الدفاع دونالد رامسفيلد، وفيها ايضا اوامر تشدد على وجوب محاربة اركان نظام صدام ومسلحوه غير النظاميين بشدة حتى يتم القضاء على بقايا ذلك النظام تماما.
وكان اول اجراء اتخذه بريمركحاكم للأئتلاف المؤقت في العراق هو الأمر رقم (1) الصادر في 16/5/2003، القاضي بأجتثاث البعث في العراق، الذي اعد سلفا في البنتاغون. وكان هذا القانون واحد من بين ما تضمنته اوامر المذكرة التي استلمها بريمر من رامسفيلد . لقد ارادت الخارجية الأمريكية من هذا الأجتثاث وآلياته أن يكون بنفس مواصفات آليات اجتثاث النازية بعد سقوط ألمانيا النازية وأوامر ماك آرثر في اليابان المحتلة من حيث ازالة اي مظهر للنظام العسكري وحظر تعليق الصور ورموز الفاشية. وقد حظيت الفقرات التي جاءت في قانون اجتثاث البعث المشابهة لقانون اجتثاث النازية في ألمانيا واليابان برعاية واهتمام الأدارة الأمريكية.وقد ترك بريمر هامشا له في هذا الأمر يتمثل في حقه بان ينظر الى كل حالة يتعامل معها القانون منفصلة عن الأخرى. حيث يمكن ان تكون هناك أستثناءات لا يشملها الأجتثاث، كأولئك البعثيين الذين التحقوا بحزب البعث لكي يتمكنوا من ان يمارسوا مهنهم كي يعيشوا . هذه المرونه التي وقف عندها بريمر في تشريعه لم يلتفت اليها السيد احمد الجلبي منفذ هذا القانون المكلف من بريمر شخصيا .هل تعمد الجلبي الأغفال؟! ام هو اتفاق غير معلن بينه وبين بريمرـ بالمناسبة فأن بريمر مؤمن بان العراقيين قاطبة من الذين يعتقدون بروح المؤامرة، ولكن مبعث تشكيكي بأن هناك اتفاق بين الجلبي وبريمرلا يتاتى من مبدا المؤامرة الراسخ في عقليتنا العراقية حسب ايمان بريمر ، ولكن من منطلق قراءة ما يحدث الآن من انفلات وفوضى لم تستطع الحكومات المكونة على الأساس الطائفي من لجمها او معالجة اسبابها ـ ولكن ها هو رئيس الوزراء المالكي، القيادي الكبير في حزب الدعوة، يسعى الى تفعيل مشروع المصالحة الذي يقوم على ما سعى اليه بريمر بطريقته، وهو ذات المشروع الذي جرت الدعوة اليه في آذار من العام 2004 من قبل السيد مسعود البارزاني في اربيل، ولكن الأقطاب التي تمسك الآن بزمام الأمور هي التي عرقلت ذلك المسعى بما فيهم السيد المالكي باستثناء الشهيد عز الدين رسول عليه الرحمة، وربما كان ذلك سببا في هذا الأحتقان الطائفي الذي ينتج يوميا مئات المغدورين الأبرياء الذين ليس لهم لا ناقة ولا جمل في هذيانات حمى الجاه والسلطان والكسب الغير شريف الذي نخر صدقية الكثيرين التي يتشدقون بها .
لبريمر في " سَنتي في العراق " كثير من الحكايا التى تدمي القلب، وفيها ايضا الكثير من الاسئلة التي تطالب بايضاحات وايجابات مفصلة عن اداء الكثيرين ممن احتواهم كتاب بريمر، فرغم مرور فترة غير قليلة على صدوره، إلا ان احد لم يعقب، إلا اذا كان السكوت علامة الرضا!
الى لقاء أخر ونحن مستمرين في القراءة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مدير المخابرات الأمريكية يتوجه إلى الدوحة وهنية يؤكد حرص الم


.. ليفربول يستعيد انتصاراته بفوز عريض على توتنهام




.. دلالات استهداف جنود الاحتلال داخل موقع كرم أبو سالم غلاف غزة


.. مسارات الاحتجاجات الطلابية في التاريخ الأمريكي.. ما وزنها ال




.. بعد مقتل جنودها.. إسرائيل تغلق معبر كرم أبو سالم أمام المساع