الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أغلق القاضي كل اللاقطات

جاسم هداد

2006 / 9 / 29
دراسات وابحاث قانونية


تحقق الحلم الذي راود ضحايا الطاغية صدام ونظامه الفاشي ، رؤيته واعوانه في قفص الأتهام ينتظرون حكم العدالة لتقتص منهم جراء الجرائم التي ارتكبوها بحق ابناء الشعب العراقي بكافة مكوناته القومية والدينية ، وكان الآلاف لابل الملايين من ضحايا جرائم الطاغية واعوانه ينتظرون اللحظة التي يرون فيها طاغية العصر قابعا في قفص الأتهام ، وما ان حلت تلك اللحظة ( 19 اكتوبر 2005) ومرت لحظات وساعات وايام حتى تحولت تلك المحكمة الى منبر لخطابات الطاغية السياسية ، والتي لم تختلف ابدا عن الأسلوب الديماغوغي الذي اعتمده طيلة حياته في خطبه السياسية ، فهو لازال رئيسا لجمهورية العراق ومنتخب بنسبة 110% وفق الطريقة البعثية لا بل قائدا عاما للقوات المسلحة العراقية ، ولذلك طالب المحكمة بأن تتذكر ان ( صدام رجل عسكري وفي هذه الحالة الحكم يجب ان يكون رميا بالرصاص لا شنقا ) وهو الذي لم يخدم يوما واحدا في الجيش العراقي .

ولقد لعب القاضي رزكار محمد أمين دورا كبيرا في تحويل المحكمة من محكمة جنائية لمحاكمة متهمين بأرتكاب جرائم الأبادة الجماعية ، الى منبر للطاغية يخطب فيها ويوجه رسائله لأزلامه للقيام بمزيد من الأعمال الأرهابية ، ومتيحا له فرصة الظهور امام عدسات الفضائيات ، والتي ما ان يراها الا ونفش ريشه كالطاووس ، متطاولا على جراحات الضحايا ، غير نادم على ما اقترفه من جرائم ، محاولا حرف اتجاه المحكمة القانوني وجرها الى سجالات سياسية ، وتهاون القاضي رزكار مع المتهمين ومحامي الدفاع والسماح لهم بتجاوز التعريفات القانونية لكل منهم عند المخاطبة شجع محامي الدفاع بالتمادي كثيرا ، حيث اخذوا بالأشارة للطاغية بـ ( السيد الرئيس ) وحتى بدون مفردة ( السابق ) ، في الوقت نفسه استعملوا النعوت القاسية ضد المشتكين والأحزاب السياسية العراقية المناضلة .

وبعد ان ارتفعت صرخات الضحايا وتزايدت احتجاجات ابناء الشعب العراقي ، رأى القاضي رزكار انه لا يستطيع مقاومة هذا السيل من الأحتجاج الشعبي ، فقدم استقالته واعلن انسحابه من رئاسة المحكمة الجنائية الخاصة بقضية الدجيل بكل يسر وادب .

بعد استقالة القاضي رزكار ، تسنم منصب رئيس المحكمة القاضي رؤوف رشيد عبدالرحمن والذي كان حازما ، واعاد المحكمة الى مهمتها الصحيحة القانونية ، ولأول مرة يسمع الطاغية صدام عراقيا يرفض ( العفية ) القادمة منه ، وقال للطاغية ( لقد كنت رئيس الدولة ولكنك الآن متهم ) وذلك ردا على ادعاءات الطاغية بأنه رئيس الدولة . وقال له كذلك ( دافع عن نفسك وتجنب الخطب السياسية ) ومن ( لديه خطب سياسية فعليه ان يلقيها خارج قاعة المحكمة ) ، ومع ذلك فقد حصلت ايضا هنات سمحت للطاغية بالحديث مطولا وخارج موضوع الدعوى التي يحاكم بموجبها ، وقام القاضي رؤوف بأبعاد المتهم صدام من المحكمة لأخلاله بنظام المحكمة ، مطبقا المادة (153) من قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم (23) لسنة 1971 ، والمادة ( 63) من قانون المرافعات المدنية رقم (83) لسنة 1969 .

وفي القضية الثانية التي سميت بقضية الأنفال انيطت رئاسة المحكمة الجنائية الخاصة بها بالقاضي عبدالله علي علوش العامري ، وفي اول جلسة لها اصبح واضحا للعيان تساهل وتهاون القاضي مع الطاغية واعوانه ومع محامي الدفاع ، من خلال توزيع ابتساماته عليهم ومخاطبتهم وكأنهم في دار ضيافته ، وهذا شجع الطاغية للعودة لأسلوب خطاباته السياسية وتعقيباته وهو جالس من مكانه وبدون اذن من رئيس المحكمة ، واسهابه في تقديم المداخلات ، وبنفس الوقت غض القاضي النظر عن المفردات التي يستعملها محامو الدفاع المحابية للمتهمين والمجافية للمشتكين ، والمسيئة لدول الجوار .

وبعد ان تجاوز تهاون القاضي عبدالله العامري الخط الأحمر (14/9/2006) بتبرئة الطاغية من نعت الدكتاتور الذي استحقه بكل جدارة و " اقتدار " . اضطر الناطق الرسمي بأسم المحكمة الجنائية العليا لعقد مؤتمرا صحفيا من اجل سكب الماء على نار الأحتجاجات الشعبية وتهدئة الرأي العام العراقي على فقدان حيادية القاضي وانحيازه للمتهمين ، وحسنا فعلت المحكمة الجنائية العليا بإبعاده عن المحكمة ونقله لمجلس القضاء الأعلى ، وكان الأفضل احالته على التقاعد لعدم اهليته وفشله في اداء المهمة التي تم تكليفه بها .

وبعد تكليف القاضي محمد عريبي مجيد الخليفة برئاسة المحكمة الجنائية الخاصة بقضية الأنفال ،خلفا للقاضي العامري ، ثارت ثائرة محامي الدفاع واعلنوا انسحابهم ، واعلن الطاغية واعوانه عن احتجاجهم لتغيير القاضي ، رغم ان هذا شأن اداري يخص المحكمة الجنائية العليا ، ولكن استفادتهم من تهاون القاضي عبدالله العامري وانحيازه لهم دفع المتهمين ومحاميهم للأحتجاج .

اعاد القاضي محمد عريبي مجيد الخليفة عند ترؤسه المحكمة ، التعريفات القانونية التي تم تمييعها في الجلسات السابقة عند مخاطبته الطاغية بـ ( انت المتهم وانا القاضي ) ، ( انا رئيس المحكمة الذي اقرر احضارك او ابعادك ) ، ونبه المتهمين بعدم استخدام الرتب العسكرية السابقة عند المخاطبة ( انتم الآن متهمون ولا يجوز لكم استخدام القاب فريق ، لواء وغيرها ) ، وابدى الحزم في ادارة جلسات المحكمة ، حيث نبه الطاغية بالقول ( لا تتحدث من مكانك واذا اردت الحديث يجب ان تستأذن اولا ) ، ووضح للطاغية محاولا افهامه انه في قاعة محكمة جنائية ، الفيصل فيها هو القانون وليس في قاعة خطابات سياسية : ( سأساعدك في أي شئ قانوني وانساني اذا التزمت بالقانون ) ، ( يجب عليك عدم الخوض بأمور سياسية لأننا محكمة ليس لها دخل بالسياسة ) ، ( لك الحق ان تتكلم في أي شئ له علاقة بقضية الأنفال ) ، ( التزم بنظام الجلسات وسترى كيف سيكون صدر المحكمة رحبا حتى تظهر للعالم اذا كنت برئ ام لا ) .

وعندما سمح القاضي للطاغية بعد الحاحه المتواصل بقراءة الورقة التي بيده ، اغلق كل اللاقطات واوعز لعدسات الفضائيات بعدم توجيه العدسات على الطاغية وحصرها بالقاضي فقط ، مضيعا الفرصة على الطاغية استغلال ذلك لمآربه الخاصة . وللتذكير فقط فأن انسحاب محامي الدفاع وما قام به المتهمون من الأخلال بنظام جلسات المحاكمة وطلبهم الخروج منها او محاولة امتناعهم من الحضور هي تكرار للمسرحية البائسة التي مثلوها في قضية الدجيل عندما تم استبدال القاضي رزكار بالقاضي رؤوف .

ان غلق اللاقطات عندما يتحدث الطاغية وحجب عدسات الفضائيات عنه وتركيزها على القاضي فقط هو الرد المناسب على الطاغية المهووس بحب الظهور التلفزيوني حتى وان كان في قفص الأتهام ، وعندما يعلم الطاغية ان الفضائيات لا تصوره عندما يتحدث وصوته مسموع فقط داخل المحكمة ، فسيكف عن مناكداته للمحكمة ، لأن همه الوحيد هو الظهور وليس الدفاع عن نفسه وتبيان الحقيقة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاقم معاناة النازحين في رفح بعد سيطرة إسرائيل على المعبر وت


.. أعداد الشهداء الفلسطينيين تتزايد جراء الهجوم على غرب رفح.. و




.. الشاباك يتخلى عن اعتقال المزيد من الفلسطينيين بسبب اكتظاظ ال


.. الأونروا تحذر من استمرار توقف دخول المساعدات من معبر رفح




.. تونس...منظمة مناهضة التعذيب تحذر من تدهور الوضع الصحي داخل ا