الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفصام النفسي الشزروفينيا وتعدد الشخصيات

سامر عساف

2022 / 9 / 15
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


قبل عدة أيام قرأت مقالاً على الجزيرة نت يتحدث عن الخلط الشعبي لمفهوم الفصام النفسي ووضعه في مكان مرض تعدد الشخصيات في الفرد. هذا المقال حفزني لان ادلو بدلوي كاختصاصي.
يفترض المقال ان الفصام النفسي لا علاقة له بانفصام الشخصية او تعدد الشخصيات, بل هذا خطأ شائع, حتى عند المختصين والعاملين في علم النفس.
هذا الكلام منطقي من الناحية الوصفية للمرض, أي من خلال اعراضه ولكنني ادعي عدم دقته بما يخص فهم المرض ووظيفته.
في علم النفس التحليلي هناك قاعدة مهمه لا يمكن تجاوزها إذا أردنا فهم العملية النفسية بكل ارتباطاتها (الدوافع, الأفكار, المشاعر والسلوك...) وهي قاعدة البحث عن معنى العرض المرضي او وظيفة المرض النفسي. فالافتراض هنا ان العرض النفسي او الاضطراب هو ضرورة وهو محاولة للوصول او الحفاظ, على الأقل, على الأمان النفسي في حدود تضمن الاستمرار الفيزيائي ولو كان على حساب الجودة النفسية. لابد من القول, ان الأمان النفسي هو سيال متعلق بعوامل كثيرة وهو غير ثابت ونسبي. إذا سأحاول ان أقدم فهم لوظيفة الفصام وضرورته في أوقات الشدة
في العربية يعني الفصام, الانكسار من دون الانفصال, هو حالة تناقض ذاتي وهو حالة تخلخل وانحلال لنسيج من دون ان يصل هذا الى حد الانفصال الكامل لأجزاء الكل عن بعضها, هذا يتقاطع مع المعنى اللاتيني للشزروفينا. إذا الانفصام هو حالة سابقة لحالة الانفصال. يمكن سحب هذا الفهم ببساطة على الفصام النفسي وتعدد الشخصيات. ففي الفصام النفسي تتعرض التركيبة النفسية لانحلال وتخلخل يظهر بشكل جلي في لغة المريض, افكاره وسلوكه بشكل أساسي. يظهر على شكل هذيان ملاحقة او هذيان العظمة, على شكل تهيؤات وإدراك غير موضوعي ذاتي, في سلوك غريب وغير مفهوم...الخ
المعالج النفسي للمريض: كيف تشعر الآن؟
المريض: اشعر بأن الأفكار متداخلة في راسي كالسلطة..... في الحقيقة انا لا أحب الخيار في السلطة.
هذا التحلل لا يبلغ مستوى تعدد الشخصيات كما في مرض انفصام الشخصية وتعدد الشخصيات. حيث ان التمايز بين الشخصيات لا ينته بالأفكار والمشاعر وبل يبلغ الجسد ايضاً. على سبيل المثال قد تعاني احدى هذه الشخصيات من مرض الربو ويمكن تشخيص المرض سريرياً عند هذه الشخصية بينما لا تعاني الشخصيات الأخرى من نفس المرض.
من المعروف في الوسط النفسي, ان اضطراب تعدد الشخصيات او انفصام الشخصية مرتبط بحوادث نفسية صادمة غابره على الأرجح. تتعدد الشخصيات بتعدد هذه الاحداث الصادمة. اهم هذه الحوادث الصادمة هو الاعتداء والاستغلال الجنسي في مراحل عمرية مبكرة.
لكي نعود الى الفصام النفسي ونربطه بانفصام الشخصية وللدفاع عن فكرة, ان الفرق بين الاثنين هو من حيث الشدة وليس من حيث النوع. إذا اعتمدت المعامل الذي سقته في بداية الحدث على اعتبار ان كلا الظاهرتين هما ارهاصات تخلخل نفسي كضرورة, اسوق المثال التالي.
لنعتبر ان التركيبة النفسية هي عبارة عن خشبة مسرح وان الممثلون يجسدون ادوارهم على هذه الخشبة. لنفترض ان الممثلين رفسوا وضغطوا هذه الحلبة بقوة, بالضرورة ستتصدع هذه الخشبة وقد تنشاْ شقوق او تتكسر. في حال الفصام فان الخشبة فيها شقوق وفي حال انفصام الشخصية تفككت وتباعدت خشباتها. من ناحية أخرى لنفترض ان التجربة الشعورية, على سبيل المثال الصدمة النفسية كما في الاعتداء والاغتصاب هي كتجربة تناول وجبة دسمة, فان الكم الهائل من المشاعر (الخوف, الحزن, الغضب, الخ) لا يمكن هضمه في هذه الحال وهو نفسه هذا الممثل الذي يرفس هذه الخشبة. على المستوى الهضمي فان وجبة كبيره تؤدي الى تلبك معوي, وعلى المستوى الشعوري الى (تلبك شعوري).
أحد اهم آليات الدفاع النفسي للحفاظ على الاستمرار الفيزيائي وبشكل أساسي في حالات خطر الموت او الضغوط النفسية الكبيرة او ان المشاكل النفسية جذورها في الأشهر الأولى من العمر, هو التقسيم ( Dissociation طبعاً يعتمد هذا الفهم على فهم المدرسة التحليلية للتركيبة النفسية كما يراها فرويد, ميلاني كلاين وغيرهم ..) , أي ان المريض يلجاُ الى تقسيم هذا المحتوى الكبير بشكل فطري لاواعي الى أجزاء لإمكانية التعامل معه, على سبيل المثال تفقد الضحية الوعي عندما ترى الجاني قادماً وتعود الى وعيها بعد ان اتم المعتدي فعلته, او ينسى من تعرض لحادث سير او إطلاق نار أجزاء مهمه من الحدث الصادم. بنفس السياق يفهم فرويد النسيان ايضاً. آلية التقسيم هذه هي آلية حماية مفطورة عليها الكائنات الحية والارنب او الماعز عندما لا يجد إمكانية للهرب يدعي الموت كآخر وسيلة للنجاة
إذا بالمحصلة فان الفصام النفسي هو نتيجة ضغوط نفسية لم تقو التركيبة النفسية على تحملها فتخلخلت وقد يبلغ هذا التخلل حد الانفصال كما هو الحال في تعدد الشخصيات.
اخيراً لابد من القول ان الأبحاث النفسية تؤكد على البعد الجيني لمرض الفصام وقد اثبتت الأبحاث النفسية ان احتمال الإصابة بالمرض للتوأم الحقيقي قد تصل الى 40% كما ان الوسط العائلي المتميز بالبرودة العاطفية, العدوانية المبطنة والنقد المستمر يزيد من احتمال الإصابة بالفصام.
في الختام سأروي لكم قصة من تجربتي العلاجية قد تقود الى مزيد من الفهم في هذا السياق.
أتت الي امرأة في العقد الثالث من العمر, مهاجرة غير المانية, تعاني من الصرع النفسي, بمعنى انها تعاني من الصرع وتسقط مغشياً عليها وتبدأ بالاختلاج. بعد كل الفحوصات العضوية والعصبية قرر الأطباء ان حالة الصرع لا يمكن فهما عضوياً وربما منبعها نفسي وتم تحويلها الي. كانت المرأة تعاني ايضاً من هذيان, أوهام وتهيؤات, فهي كانت تتخيل اشباحاً وطورت شخصية جديدة وهي عبارة عن فتاة في عمر 13 سنه. هذا الفتاة تأتي اليها يومياً تساعدها في اعمال المنزل وعندما تتحدثان هاتان الشخصيتان في المطبخ يحاول زوجها جاهداً اقناعها, بانها تتوهم وبان لا أحدا هناك.
تعرضت هذه المرأة في الرابعة عشر من عمرها لمحاولة اغتصاب ونجت منها بعد ان سقط مغشياُ عليها في تلك الاثناء فخاف الجاني وتركها وشأنها ومنذئذ عانت المرأة من هذا الصرع النفسي. عندما نجحت في تجاوز الصدمة في نهاية العلاج اختفى الصرع ومعه الشخصية التي اخترعتها. اذاً لم يعد للاضطراب ولهذه العوارض أي وظيفة واختفت من ذاتها.
ما لفت انتباهي ان شخصية الفتاة التي طورتها المريضة هي بعمر تلك الفتاة التي تعرضت للموقف, اذاّ هي ربما حالة تواصل مع شخصية ما قبل الحدث الصادم وربما يطول الحديث لو تحدثنا عن هذه المصادفة ووظيفتها.
في النهاية لابد من القول, ان مرض الفصام من التحديات الكبيرة في علم النفس وبأن جميع المدارس النفسية مازالت غير قادرة على فهم المرض وعلاجه. لذلك يبقى علاجه دوائياً بشكل أساسي, رغم الاثار الجانبية لهذه الادوية.
عالم نفس








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. !ماسك يحذر من حرب أهلية


.. هل تمنح المحكمة العليا الأمريكية الحصانة القضائية لترامب؟




.. رصيف غزة العائم.. المواصفات والمهام | #الظهيرة


.. القوات الأميركية تبدأ تشييد رصيف بحري عائم قبالة ساحل غزة |




.. أمريكا.. ربط طلاب جامعة نورث وسترن أذرعهم لحماية خيامهم من ا