الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاتفاق الأخير حول الفدرالية ومهلة الحكومة

حمزة الجواهري

2006 / 9 / 29
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


كان لابد أن يتفق الفرقاء حول صيغة ترضي جميع الأطراف حول تطبيق النظام الفدرالي في العراق وفق ما جاء بالدستور، وكان لابد أيضا أن يكون أي طرف من الأطراف لينا منذ البداية بطرح رؤياه حول هذه المسألة لا أن تصل الأمور إلى حد الانهيار لكل شيء قبل التوصل إلى اتفاق، حيث من البديهي أن يكون هناك تعارض في المصالح خصوصا وأن الفرقاء في سباق محموم نحو تحقيق الأهداف المتضاربة مستحيلة التحقيق، معظم هذه المشاريع، إن لم يكن كلها، تفضي خواتيمها إلى أنظمة شمولية وعراق مقسم ومجتمع ممزق. لذا كان لابد لأي منهم أن يعرف أنه ليس الوحيد الذي يحمل مشروعا من هذا النوع، وليتها مشاريع سوية، لكنها في العموم الغالب تتعارض مع مشروع العراق الرئيسي، الذي أمسى نكتة مضحكة، وهو إقامة نظام ديمقراطي تعددي فدرالي وليس أنظمة شمولية في مناطق العراق المقسم. وكان الغرض من تأجيل الفدرالية هو الوصول إلى حالة جديدة يسود فيها العدل والأمان، وتكون الطائفية في خبر كان، وهذه أصلا من مهمات الحكومة الحالية بعد أن يكتمل برنامجها العتيد في الحوار الوطني والمصالحة والقضاء على الإرهاب والفساد وأن يشفى العراق من جميع الأمراض المستعصية والمزمنة والموسمية وحتى التي لا اسم لها!
أعتقد إننا قد استفدنا درسا واحدا ومهما جدا من الأيام العصيبة التي مر بها العراق، وهو أن من كان يعتقد أنه الوحيد الذي يفهم بألاعيب السياسة، لابد أنه الآن قد فهم أن الآخرين أيضا على درجة عالية من الذكاء ولديهم الوسائل الكافية لإجهاض البرامج التي تتعارض معهم. لذا لم يكن هناك مبرر للتعنت والوصول بنا، من حين لآخر، إلى نقطة التفجر التي لا رجعة فيها.
كان على الحكومة أن تفهم أنها عاجزة تماما بعد أن تم تكبيلها بكل القيود التي نعرفها ولا نعرفها، وبعد أن زجوا بها كل حملة الفيتو من شيوخ الحرب الذين يتربعون على رأس السلطة المقسمة والممزقة إربا، وكان واضحا منذ اليوم الأول أن ما سمي جزافا بحكومة الوحدة الوطنية من أنها حكومة الخصام الوطني، وأبعد ما تكون عن الوحدة من ناحية القرار والانسجام والرؤى والأهداف، حتى أني أتعجب أن كيف يحك رئيس الوزراء رأسه! لأن كلتا يديه مكتوفتين، ورجليه مكبلتين وفمه مكمم مع أنهم وضعوا على عينيه نظارة معظمة وعلى أذنيه لاقط للأصوات، حتى تلك التي تخرج عن نطاق السمع للإنسان العادي.
يراد من رئيس الوزراء أن يكون رجل العراق القوي، وهو مجرد عضو في المجلس السياسي للأمن الوطني المكون من جميع زعماء الحرب الأعداء، وهو مجرد عضو في حكومة فيها ستة رؤساء، ثلاثة للجمهورية وثلاثة للوزراء، وهو واحد منهم لا يملك أكثر مما يملكون من حقوق، جميعهم يحملون الفيتو وبنفس الدرجة من الصلاحية، والجيش خارج عن إرادته إلا ما يتعلق بالبروتوكولات الرسمية، ووزراة الداخلية ليس له منها سوى السمعة السيئة والمخابرات التي لا عيون لها ولا آذان، والصلاحيات المركزية لم يبقى منها شيء لم يقسم، وما بقي فقد انتهك وهو لا يستطيع أن يفعل شيء، ويسعى لمصالحة بين وحوش الغاب وهو الذي لا يملك سوطا ولا قدرات بهلوان، ويدير حوارا وطنيا أقرب للانتحار منه للحوار، وهو المسؤول عن كل شيء ولا يملك حق القرار، هذا إذا كان للحكومة حق القرار، فهي مجرد تابع لمن لا يريد أن يسمع ويعتقد أنه يفهم حتى بعلم الغيب.
رئيس الوزراء يحمل مشروعا للقضاء على الإرهاب، وآخرون لا يقلون عنه أهمية في الحكومة يحملون المشاريع التوسعية للخلايا الإرهابية!
ويرغب بحل المليشيات في حين أن الذي يؤمن له الحراسة والحركة مليشيا تعتبر اليوم من أكبر الأهداف لجيوش الحكام الفعليين!
يريد القضاء على العصابات الإرهابية وحل المليشيات التي يعتبر البعض منها حليفا له، لكنه لا يستطيع أن يلقي عليها السلام خشية التأويل!
وقواته المسلحة منقسمة على نفسها، بين مليشيوي وإرهابي من عصابات التفخيخ والخطف والتسليب والتهريب والقتل العشوائي، في حين تحمل هذه القوات رسالة واحدة فقط وهي إعادة الأمن والأمان للناس! وفي الواقع ليس فيهم من يكترث للناس!
ولو اعتقلت العناصر الجيدة من قواته المسلحة إرهابيا، نجد نصف الحكومة ونصف البرلمان وكل الفضائيات العربية وصحفهم ومنظمات كثيرة على رأسها منظمة العفو الدولية، جميعها تقف صفا واحدا بجانب الإرهابي يطالبون بالإفراج عنه فورا!
رئيس وزرائنا لا يملك حتى صلاحية صرف مبلغ بسيط لإقامة محطة كهرباء في قرية نائية ولا سلطة له على مجالس المحافظات، في حين أن المطلوب منه هو إعادة الكهرباء والخدمات بكاملها للناس!
ومطلوب منه أن يعيد تأهيل حقول النفط، المصدر الوحيد لعائدات الدولة وغذاء الشعب، وعليه تطوير حقول جديدة، وهو لا يستطيع أن يعيد هيكلة وزارته الموروثة من الأزمنة الغابرة، والتي لا تسمح بشراء أنبوب صدئ لإصلاح القديم المثقوب!
ومطلوب منه أن يوفر الوقود، وجميع المحيطين به يهربون الوقود إلى خارج الحدود!
ومطلوب منه أن يحمي الحدود لمنع التهريب وتسلل الإرهابيين والأسلحة، ومن يحمي الحدود هو تلك المليشيات التي تهرب وتستقبل الإرهابيين الجدد والسلاح!
ومطلوب منه أن يفعل المستحيل لإنعاش الاقتصاد وهو الذي لا يجد مقاولا واحدا يرصف الطرقات الجانبية في قرية من قرى الجنوب الآمن!
والفساد الذي تجاوز حتى اللامعقول في مدياته، مطلوب منه القضاء عليه! في حين أن قضيتي فساد من الأنواع الموجودة في العراق تكفي لحل كل حكومات الأرض، وتخلق أجيالا من الفاسدين يلوثون أخلاق البشرية لقرون من الزمن!
ما أبلغ المثل الشعبي الذي يقول "باكة لا تفلين، كرصة لا تثلمين، وأكلي لمن تشبعين!"، وعلى رئيس الوزراء أن لا يطمح بما هو أفضل من ذلك! وهذا في أحسن الأحوال طبعا.
السؤال الذي يفرض نفسه بعد هذا العرض السريع للحالة العراقية ورئيس وزرائها، أن كيف يستطيع القضاء على الفساد بكامله، وأن يقدم الخدمات المفقودة بالكامل إلى الشعب بكل تفاصيلها، وأن يعيد الأمن والأمان للناس بعد أن يقضي على العصابات المسلحة الإرهابية ويحل جميع المليشيات، وأن يصالح الفرقاء على بعضهم، وأن يعيد الثقة المفقودة بين أيا كان وأيا كان من الطرف الثاني، وأن يطور حقول نفط جديدة وأن يعيد بناء القديمة وأن يضمن تدفق النفط نحو العالم من دون أن تفجر الأنابيب، وأن وأن وأن..... عليه أن يفعل هذا في ظرف ثلاثة شهور فقط!؟!؟ في حين وصل الأمر إلى حد المطالبة بالإفراج عن صدام! وتركيا تطالب بحصتها من العراق المقسم! وأحمدي نجاد القزم القميء له اليد الأطول في العراق! والعاهات العربية مصرة على تدمير ما يمكن تدميره مما تبقى من العراق! والسعودية تريد أن تقضم جزءا من أراضينا بحجة إقامة جدار أمني على الحدود يبنى من طرف واحد وبمساح واحد سعودي الجنسية!
والله حتى لو جمع رئيس الوزراء كل سحرة الفرعون لما ساعدوه على تحقيق واحدة من هذه الأماني التي وضعها في برنامجه، بل حتى لو كانت عصى موسى بيده لما استطاع أن يحقق واحدة.
عودا لما بدأنا به، وهو موضوع الفدرالية التي تأبى التطبيق، فقد أعطى الفرقاء أنفسهم مهلة سنة ونصف لتطبيقها، وهذا ما أجل التفجر، لكن علينا أن نعرف أن تطبيق الفدرالية لا ولن ولم يحدث ما لم يحقق رئيس وزرائنا كل تلك الأماني المستحيلة، وبعد أن يحدث المستحيل، علينا الانتظار مدة سنة وثلاثة أشهر أخرى لكي يتم تطبيق الفدرالية!!! فهل هذا يعني أن العراق سوف يقسم بعد سنة ونصف من الآن؟
السنة والنصف التي تم الاتفاق عليها ينبغي لها أن تكون مرحلة انتقالية من دولة المليشيات والإرهاب بكل أنواعه إلى دولة الدستور والقانون والقضاء العادل والمؤسسات القوية التي لها ولاء واحد وهو المواطن مهما كان جنسه أو قوميته أو دينه، وليس دولة المليشيات المدعومة من قبل السياسيين الكبار في المراكز العليا من السلطة والتي تتحارب مع بضها بدماء الأبرياء، لكن من مجريات الأحداث، يبدو واضحا أن ما سيحدث خلال هذه السنة والنصف هو العكس، أي المضي قدما بالمشاريع المستحيلة التحقيق وتشكيل المزيد من المليشيات، وأخرى كمليشيات ظل، ومرحلة لتكديس الأسلحة وتحضير المزيد من المعتقلات والمحاكم المليشيوية وأقبية الإعدام والتعذيب والتوسع بمناطق النفوذ والملاذات الآمنة وتطوير وسائل جديدة للاغتيال والخطف ورفع تسعيرة الفدية على المخطوف وخلق المزيد من أسباب التشرذم والتمترس الطائفي والعرقي. والصراع فيما بينهم سيكون على أشده، ليس من أجل العراق طبعا، بل من أجل النفوذ الأوسع، وسيحققون الكثير، لأن واقع العراق والحكومة المكبلة يسمح بمثل هذا النوع من التحدي.
ولنا في المقال القادم ما يكمل الموضوع، أي سيبقى الحديث عن الفدرالية مستمرا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سباق دحرجة الجبن.. حدث سنوي خطير يجتذب الآلاف في بريطانيا


.. ماذا قال النائب الفرنسي الذي رفع العلم الفلسطيني في الجمعية




.. لا التحذيرات ولا القرارات ولا الاحتجاجات قادرة على وقف الهجو


.. تحديات وأمواج عاتية وأضرار.. شاهد ما حل بالرصيف العائم في غز




.. لجنة التاريخ والذاكرة الجزائرية الفرنسية تعقد اجتماعها الخام