الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكزينوفوبيا والتمييز العنصري

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)

2022 / 9 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


يمكن لليهودي ، كإنسان أبيض بين البيض، أن ينكر أنه يهودي، ويعلن نفسه إنسانا في مجتمع من البشر. بينما لا يستطيع الزنجي أن ينكر أنه زنجي ولا أن يدعي لنفسه هذه الإنسانية المجردة عديمة اللون: إنه زنجي أسود. وهكذا أصبح محاصرًا في أصالتة: مهانًا، مستعبدًا، لكنه ينهض، يلتقط كلمة "زنجي" التي ألقيت عليه مثل الحجر، ويدعي بإفتخار أنه زنجي أسود، أمام الأبيض.
جان بول سارتر ، أورفيوس الأسود - Jean-Paul Sartre, Orphée Noire

يمكن لليهودي أن يعلن نفسه رجلاً بين الرجال وأن يهرب من رهاب الأجانب العادي Xenophobia، إذا غير اسمه ودينه ونسي تاريخه وأصبح رجلاً أبيض بين البيض.
يمكن للأسود أيضًا والعربي والهندي .. من خلال الاندماج أو الاستيعاب والإنسلاخ مما يسمى هويته والهروب من كراهية الأجانب والغرباء، ويصبحوا جزءا من المجتمع المختلط، بل يمكن بعضهم أن يصبح برلمانيا أو رئيسا للدولة.
من ناحية أخرى ، لا يمكنهم الهروب من العنصرية Racism، لأن العنصريين لا يهتمون بالحقائق النفسية أو الوضع الاجتماعي أو الإداري: أسود أو يهودي أو عربي، حتى لو كان رئيسا، يمثل دائمًا تهديدا للعنصريين الذين يخافون من الإختلاط العرقي، ويخافون من فقدان النقاوة العرقية الأصيلة التي تشكل، في خيالهم المريض تفوقهم على بقية الشعوب.
في الوقت نفسه، يتمتع هؤلاء الناس، الذين يشكلون الأشخاص العنصريين والأشخاص الكارهين للأجانب، بخاصية غريبة تتمثل في كونهم غير متسقين تمامًا وغير عقلانيين. في حين أن العنصري يشعر بالذكاء، والتفوق والجمال والشجاعة، والقوة والفخر، أي بما يجعله مثاليا وكاملا، إلا أنه لا يتزحزح عن حقيقة أن الآخر، باعتباره رثًا ووحشيًا وغبيا وقبيحا وعديم الفائدة، هذا الغريب الأجنبي لديه فقط شيء واحد في ذهنه، الرغبة الشديدة في سرقة وظيفته وشريكه وعاداته وخبزه وأمواله وأجره وأصدقائه وكلبه، ولكن لديه أيضًا القدرة على القيام بكل بذلك. ما قد يبدو بحق غير منطقي هنا، وهذا يعني أن الاعتقاد بأن المرء هو الأفضل والأكثر قوة وكمالا لا يتعارض مع الاعتقاد بأنه مهدد في وجوده في كل لحظة، ومعرض للخطر من قبل الأشخاص الذين تم تعريفهم مسبقًا على أنهم أضعف وأقل ذكاء.
يعتقد العديد أن الخوف من الأجانب والغرباء، أو ما يسمى بـ "الكزينوفوبيا" والعنصرية Racism
مفهومان متشابهان وأن استخدامهما يمكن أن يكون متكافئًا ويمكن أن يحل أحدهما محل الآخر. ومع ذلك، في معظم الأوقات ليس هذا هو الحال، فإن الكلمتين مختلفتين للغاية على الرغم من أن "الموضوع" هو نفسه : الآخر.
كره الأجانب "الكزينوفوبيا" هو خلل نفسي مثل الخوف من الفراغ والعلو والزحام والإنغلاق أو رهاب العناكب والفئران وغير ذلك، ويمكن تصحيح ذلك وعلاجه عن طريق الإقناع والتربية والثقافة والمعلومات ومعرفة الآخر وثقافته وتاريخه إلخ.
للوهلة الأولى ، فإن كراهية الأجانب هي ظاهرة تطفو في الهواء وبلا جذور، ولا علاقة لها بالسياسة أو الاعتبارات الاجتماعية والثقافية: يمكن لأي شخص أن يخاف من الأشخاص الذين لا يعرفهم أو العادات التي لا يعرفها ولم يمارسها أبدًا، ويتقزز من مجرد فكرة أكل لحم الضفادع أو الكلاب إلخ. لكن في الواقع، كره الأجانب والغرباء مبني، مثل كل الظواهر الإجتماعية على الخطاب السائد في المحيط لوسائل التربية والإعلام والسينما وألعاب الفيديو، بتشجيع من خطاب سياسي أو صحفي أو فكري معين، مدعوم بقوانين تمييزية وعنصرية تسنها المؤسسات السياسية ... "الكزينوفوبيا" هي الخوف وكره الأجانب، أي النفور أو الخوف من المجهول أو من أي شيء يختلف عما أعتاد عليه الإنسان، فهو نفور فردي من الأجانب والغرباء بشكل عام. ولكل مجتمع أجانبه وغربائه، وذلك يعتمد على الأجنبي الأكثر حضوراً وظاهراً في مجتمع معين، وفقاً لتاريخ كل مجتمع وعلاقته بالشعوب الأخرى. في الولايات المتحدة مثلا، مظاهر الكزينوفوبيا تتركز ضد السود واللاتينيين، في فرنسا ضد السود والعرب من المستعمرات السابقة، في ألمانيا ضد الأتراك، في إنجلترا ضد الهنود والباكستانيين .. إلخ، وفي الدول العربية والإسلامية تتركز الكزينوفوبيا ضد كل الأوروبيين والمسيحيين بالذات.
من ناحية أخرى، لا علاقة للعنصرية Racism أو التمييز العنصري بعلم نفس السلوك أو أي أعذار أخرى من هذا النمط: العنصرية هي أيديولوجية وسياسة جماعية ومعتقد فردي وجماعي مع برنامج سياسي، ومنظرين، ومفكرين، ووسائل إعلام، وأحزاب سياسية تعمل على نشر هذا الفكر الهدام للعلاقات الإنسانية. العنصرية هي أيديولوجية طورت مبادئ ومفاهيم واضحة المعالم منذ القرن التاسع، العنصرية هي أيديولوجية تهدف إلى القضاء على الأجنبي، لتطهير العرق المعني وحمايته من أي تلوث من قبل الآخرين. لأن العنصرية تفترض وجود اختلافات عرقية، وحتى وراثية، وأن أي عرق يحدد السمات والسلوك وحتى القدرات الجسدية والفكرية للفرد والمجتمع ككل وقدرته على الهيمنة والحق في الاستغلال وإستعباد الآخر واستخدامه، مما يجعلهم متفوقين على أي عرق آخر. في جميع أنحاء العالم، يوجد تمييز عنصري بين الأشخاص الذين ينتمون إلى مجموعات مختلفة، يتعرضون للتمييز بسبب اللون أو اللغة أو المعتقدات الثقافية أو العرقية.
على سبيل المثال ، يمكن للأشخاص الذين لديهم ممارسات جنسية مختلفة أو عادات مختلفة تتعلق بالأكل أو الشرب أو الملابس، يمكن أن يصبحوا بسهولة هدفًا لكراهية الأجانب بينما لن يكونوا بالضرورة هدفًا لبعض العنصريين. وقد حاول بعض العنصريين إثبات أن العرق الأوروبي الأبيض متفوق على الأجناس الأخرى، مما أدى إلى تطور العبودية والاستعمار حيث يتم التعامل مع السود والهنود والعرب على أنهم كائنات قابلة للاستغلال حسب الرغبة، مما أدى إلى الحملات الإستعمارية المتعددة التي أنتهت بمحرقة اليهود من قبل النازيين ثم بإحتلال فلسطين من قبل الصهيونية العالمية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تنظر الحكومة الإسرائيلية لانتهاء مفاوضات القاهرة دون اتف


.. نتانياهو: إسرائيل مستعدة -للوقوف وحدها- بعد تعهد واشنطن وقف




.. إطلاق مشروع المدرسة الإلكترونية في العراق للتقليل من الاعتما


.. نتنياهو: خسرنا مئات الجنود بغزة.. وآمل تجاوز الخلاف مع بايدن




.. طلاب إسبان يدعمون غزة خلال مظاهرات في غرناطة