الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاحتفال بالظلم حيا وميتا

ساطع راجي

2022 / 9 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


يقول لنا الحزن والاهتمام بوفاة ملكة بريطانيا ان الاقوياء يحق لهم كل شيء، إنهم قادرون على اعادة صياغة الاخلاق وقلب المعايير ليصير الضحية جلادا والجلاد ضحية، وبوسائل الاقناع التي يمتلكها القوي يقتنع الضحية انه ظالم وإن في رقبته دينا ويخجل المظلوم من إعلان مظلوميته ويذهب ذليلا الى جلاده ليشاركه الحزن على موته بعد 96 عاما قضاها ملكا لإمبراطورية تمتص دماء ملايين البشر منذ ما يزيد على خمسة قرون.
لم تشعر الملكة إليزابيث يوما، لا هي ولا أحد من أفراد عائلتها الطيبين الظرفاء الذين يعانون مآسي الحب الفاشل وفضائح الزوجات الخائنات والحياة المشبوهة للابناء ومشاكل الحماة والكنة إن عليهم الاعتذار لضحاياهم بينما كل حجر وقطعة آثاث ولوحة فنية ووسادة وحذاء في قصورهم وقلاعهم تذكرهم انها مصنوعة من حرمانات ودماء وارواح شعوب كثيرة.
يوميا نجلد أنفسنا لأن أجدادنا الموتى منذ ألف عام كان يبيحون العبودية لكننا لا نسأل عن العائلة اللطيفة التي مازالت حاكمة وقد راكمت ثرواتها من تجارة العبيد ونقلهم من قارة الى أخرى لا علاقة لها ببيئتهم الاصلية، وتمزيق الامم والشعوب وتقطيع أوصال الثقافة الواحدة تبعا لمصالح عائلة تعيش في مدينة الضباب تحكم إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس.
الأقسى في مشاهد العزاء هو ان يذرف الدموع حكام وممثلو الشعوب التي حطمتها حكومات صاحبة الجلالة!!، هؤلاء أنفسهم يشنعون على بعضهم البعض ويشتمون بعضهم البعض ويذبحون بعضهم البعض لكن عندما يصل الأمر الى المتسبب الحقيقي بمآسيهم فإنهم يخفضون رؤوسهم ويلجمون أفواههم، فهذا القوي يحق له ما لايحق لغيره!! وهو فوق العتب والحساب، ولذلك يجب ان يفرحوا لفرحه ويحزنوا لحزنه ويسرقوا من شعوبهم ليقدموا له الهدايا في مناسباته حتى لو استمر بالتعامل معهم كعبيد وقطع شطرنج او في حسن الاحوال ككلاب صيد أو كأسهم في البورصة.
يعتقد العبيد المهزومون انهم يمكن أن يكونوا ملوكا فيما لو إلتقطوا صورا في قصور العائلة البريطانية المالكة التي تعرف هذه العقدة وصارت إليزابيث تفتح جناحا من قصرها للصوص المرضى او حتى لحكام بعض الدول التعيسة وأحيانا يحالف الحظ أحدهم ويصافح الملكة صدفة او بعد دفع مبلغ لشركة علاقات عامة.
يعتقد الرعاع المستغفلون إن لحظات الحزن العابرة على ميت تجعل البشر سواسية وتغريهم مشاهد الحزن المصطنعة بأموال هائلة، بأن الملك والعبد من ذات النوع الانساني، هذه المساواة العاطفية خدعة.
إن آلة إعلامية ضخمة ومحترفة تمكنت من إظهار موت شخص لا عمل له ولا لأحد من إسرته غير انفاق أموال الآخرين كحدث مهم، أكثر أهمية من موت قرى بسبب الجفاف او إبادة شعوب بسبب الحرب، بينما نفس هذه الآلة الإعلامية تسخر من الناس اذا احتفلوا بحزن أو فرح وتطالبهم يوميا بالتقشف والتفكير بالفقراء والمرضى وتوجيه الاموال لرعايتهم طبعا عبر منظمات تديرها العوائل المالكة التي غالبا ما تسرق الاموال وتعبث بالمحتاجين.
كان موت إليزابيث الثانية مناسبة جيدة لنتذكر مجددا إن القوة هي صاحبة الكلمة العليا والقرار النهائي وليس الحق، حتى عندما يتعلق الأمر بالمشاعر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الصين تحذّر واشنطن من تزايد وتراكم العوامل السلبية في العلاق


.. شيعة البحرين.. أغلبية في العدد وأقلية في الحقوق؟




.. طلبنا الحوار فأرسلوا لنا الشرطة.. طالب جامعي داعم للقضية الف


.. غزة: تحركات الجامعات الأميركية تحدٍ انتخابي لبايدن وتذكير بح




.. مفاوضات التهدئة.. وفد مصري في تل أبيب وحديث عن مرونة إسرائيل