الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل عمار الحكيم هو الضد النوعي المناسب لمقتدى الصدر؟

عباس منعثر
شاعر وكاتب مسرحي عراقي

(Abbas Amnathar)

2022 / 9 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


في السياسة عموماً أو حتى في الصراع الاجتماعي، حينما يكون هناك طرف قوي يتلاعب بالأوضاع كما يشاء؛ فلا بدّ من إيجاد طرف مكافئ له بالقوة ومعاكس له بالاتجاه، يمتلك العناصر نفسها التي يمتلكها الطرف الأول بحيث يصبح هناك توازن ناتج عن قوتين متعاكستين متساويتين أو متقاربتين على الأقل.

بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، اتخذت العمامة السوداء لآل الصدر موقفاً عنيفاً مضاداً للاحتلال ومن جاء على ظهر الدبابة الامريكية استهدف العراقيين والامريكيين على السواء؛ لكن عمامة سوداء أخرى قد ناقضت هذا التوجه متمثلة بعمامة آل الحكيم.

بعد سنين، اتجهت كل الأطراف الى العمل السياسي المشترك.

في البيت الواحد كان الافراد ينقسمون ما بين صدري وحكيمي. ولأن العراقي متدين بطبعه ويؤمن بالتقليد فأنه يشعر أن السيد صاحب العمامة السوداء مقدس، حفيد رسول الله، مفروض الطاعة. جاءت أول انتخابات بفوز كاسح لآل الحكيم، لكنهم فرطوا بالفوز بإيثار غريب، وتسلّم الوزارة حزب الدعوة. ومن يومها وآل الحكيم يتلقون الهزائم تلو الأخرى حتى وصلوا في انتخابات 2021 الى الحصول على مقعدين. بينما على العكس، توّسع الصدر من عدم المشاركة الى الحصول على 74 مقعداً في الانتخابات نفسها.

قد يذهب بعض المراقبين الى أن آل الحكيم القادمين من الخارج والمهتمين بتوسيع الثراء قد فقدوا شعبيتهم لأنهم دخلوا مضمار السياسة الذي يلطخ سمعة أي شخص يدخله؛ في حين بقي الصدر خارجها شخصياً معتمداً على نوابه التابعين له. فصار الصدر داخل وخارج العملية للحفاظ على تمايزه واختلافه؛ لكن الحكيم انغمس بالسياسة إضافة الى انشطته المجتمعية المقامة في القاعات الفخمة، مبتعداً بذلك عن نبض الشارع تدريجياً.

وكلما ازداد الحكيم برجوازية، اقترب الصدر من المسحوقين والفقراء أكثر. وبينما تزداد القداسة المحيطة بمقتدى الصدر عند اتباعه، يوغل عمار الحكيم بالدنيوية وكلما يصرّ اتباع الصدر بتقديس تجاه صاحبهم، ترى القدسية غائبة عن اتباع الحكيم، حتى ان نكتة اشتهرت تقول أن تظاهرات أتباعه يمكن اجراؤها بوجبة طعام ومبلغ من المال باستئجار العمال من المساطر. بالمقابل، يلبي آلاف من الصدريين النداء، وينسحب الآلاف لمجرد إشارة من الصدر.

أثبت هذا الوضع انه خطير جداً. فالصدر ذو التوجهات الوطنية غير مأمون الجانب، خاصة انه يمتلك الأرض. وكما حارب أمريكا، فلا يُستبعد أن يحارب أي دولة يشعر أنها مسيطرة على الوضع الداخلي العراقي بصرف النظر عن مذهب تلك الدولة. فقد سبق ان عرضت ايران على الصدر المساعدة المادية والعسكرية، لكنه رفضها على اعتبار أن الارتباط عقائدي وليس سياسياً وعسكرياً، ومقتدى، إضافة الى ذلك، ابن عائلة عراقية حوزوية عريقة، ولا يسمح لها تاريخها أن تكون تابعة لأحد أو تتقلى الأوامر من أحد. وهو ما يجعله أكثر استقلالية من الحكيم الذي تأسس مجلسه الأعلى بمساعدة ايران وتلقى التدريب هناك، ولا يمكنه لأي سبب كان أن يخرج عن متطلبات سداد الدَّين والامتنان.

فما هو الحل مع هذه الإشكالية؟

إن اغتيال الصدر هو أحد الاحتمالات الواردة. فالحركة الصدرية الشعبية بدون مقتدى لا قيمة لها، لأنها تستمدّ القوة من وجوده الشخصي وليس من منطلقاتها الفكرية او قوتها العقائدية. انه تيار زخمه محدود بدون مقتدى، وبموته قد تكون هناك فورة مؤقتة تستمر لأشهر معدودة، وبالإمكان إتهام إسرائيل او أمريكا باغتياله، ومع هيمنة مليشيات ايران على السلطة سيتم قمع أيّ تحرّك أو فوضى متوقعة.

لكن الوجه المناوئ لهذا الاحتمال وارد بشدّة، قد لا يكون مواجهته والحدّ من عواقبه ممكناً. فبعد العداء الحاصل بين التيار والإطار المقرّب من ايران، فإن أي مكروه يحصل لمقتدى لن تنأى إيران عن الاتهام، حتى لو طالب مقتدى بالسكوت في حالة اغتياله. عاطفة الصدريين المتوقعة أكبر من أن يلجمها وصية شهيد، وسيحترق العراق. لن تستطيع أيّ بعثة دبلوماسية إيرانية أن تطأ أرض العراق لسنوات وسنوات. ستتوقف مصالح ايران في داخل العراق لسنوات وسنوات أيضاً. وستُحرق السفارات وتُدمر القنصليات وقد يكون أتباع ايران الحاليين في خطر دائم وقد يتركون أماكنهم الحساسة في الدولة العراقية. وهو فراغ ستستغله أمريكا، وستقوم بتغييرات جوهرية لصالحها في الحكومة العراقية. فهل يمكن استيعاب هذه النتائج المحتملة إيرانياً؟

اذا لم تستطع السياسة الإيرانية من استيعاب النتائج السلبية المحتملة عليها جرّاء اغتيال الصدر، فإنها ستستبعده كخيار للتعامل مع القضية العراقية بعد انتخابات 2021. بذلك، يأتي التصادم العسكري كخيار بديل. ومثلما كان لطهران دور معنوي او مادي في التصدي لتظاهرات 2019، كان لها دور ربما اكبر في التصدي لتظاهرات الصدر فيما أسماه ثورة عاشوراء. وحسب تقارير أمريكية قام أمن الحشد بقتل المتظاهرين العزّل فاضطرت مليشيات الصدر للرد وكادت المواجهة أن تتطور لولا أن أمر الصدر أتباعه بالإنسحاب وتمّ تجنب الحرب الاهلية بصعوبة. خيار المواجهة خطر جداً على المصالح الإيرانية. إذن هو خيار محفوف بالمخاطر وليس مثالياً تماماً.

الحل الأخير هو إيجاد ضدّ نوعيّ للصدر. ليس أحداً من المليشيات من الذين كانوا من اتباعه لأنه سيظل أقل قيمة مهما فعل؛ بل يجب ان يكون ضده النوعي من فئة السادة في العراق – أي الذين يرجع نسبهم الى النبي محمد- ويجب ان يكون كذلك من سلالة حوزوية معروفة، وهل مثل سلالة آل الحكيم السادة في الحوزة؟

أن يكون ضد مقتدى النوعي سيداً ومن عائلة حوزوية قد لا يكفي، لكن عليه أن يغير خطابه الذي اعتاد عليه. فخطاب التهدئة ليس مناسباً خاصة مع شخص ذي مزاج ناري مثل مقتدى، يجب استبداله بخطاب التصعيد والتأزم كي ينال اكبر قدر من الاستحسان. من المعروف ان الوقوف في الوسط يجعلك بلا ملامح، فيجب إذن اتخاذ أكثر المواقف تطرفاً وأكثرها تمايزاً عن مواقف الصدر. اذا قال (يُحل ابرلمان) اختلف معه بقولك (وفق الاليات الدستورية)، وإذا دخل اتباعه بسلمية الى البرلمان طالب الحكومة باجراءات صارمة وهكذا. وبما ان بعض الشعب العراقي قد انتخب المالكي لا لان الأخير جهبذ اقتصادي أو صاحب سيرة سياسية حميدة، بل لأنه يماحك مقتدى الصدر ويسخر منه ويقلل من قيمته، فينبغي على الضدّ النوعي أيضاً أن يواجه ويقف مواقف حادة كي يلتفت إليه الشعب وبذلك يسترجع جزءاً من شعبية آل الحكيم المفقودة. هذا ما تؤكده سلوكيات عمار الحكيم الأخيرة وسلوك تيار الحكمة الذي انقلب منطق اتباعه من التهدئة والوسطية الى العدائية والمواجهة والتشنج ضد التيار الصدري.

ربما تنتهي لعبة الضد النوعي بتشكيل جهة جديدة-قديمة هي تيار الحكمة الناري الطباع او قد تؤدي الى تصفية أحد الرجلين، إلا أنه موقف متأخر من طهران لمعالجة التطورات، او هي استشارة سيئة لعمار الحكيم، فبعد سنوات من ترسيخ صورة معينة، لن تكفي المواقف الحادة الجديدة على محو الصورة التاريخية العميقة لآل الحكيم في الذاكرة العراقية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس: تلقينا رد إسرائيل على موقفنا حول وقف إطلاق النار وسندر


.. كارثة غزة بالأرقام.. ورفع الأنقاض سيستغرق 14 عاما | #سوشال_س




.. قوات النيتو تنفذ مناورات عسكرية متعددة الجنسيات في سلوفاكيا


.. طلاب جامعة كاليفورنيا الأمريكية يقيمون مخيم اعتصام داخل حرم




.. رئيس سابق للموساد: حماس متمسكة بمطالبها ومواقفها ?نها تحررت