الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القضية الفلسطينية ضحية الإحباط العربي

عبدالله عطية شناوة
كاتب صحفي وإذاعي

2022 / 9 / 21
القضية الفلسطينية


يتعين الإعتراف بأن ثمة أوساط، تتسع باستمرار في المجتمعات العربية، تتعامل بموقف يتراوح بين عدم الاهتمام والتفهم والتأييد، لقيام مزيد من الأنطمة العربية، بنقل تعاونها مع إسرائيل من السر إلى العلن، لا بل رأينا أوساطا جرفتها الحماسة حد التشفي بالفلسطينيين على هذه الخلفية.

مسبارنا في تحديد نسبة المتفهمين والمؤيدين والمتحمسين هو وسائل التواصل الأجتماعي، وهو بالتأكيد مسبار لا يمكن الأعتماد بشكل كامل على دقته، أنما ليس في حدود أمكانياتنا وسيلة أخرى سواه في غياب مؤسسات بحثية مستقلة تتمتع بقسط من الكفاءة، كان حريا بها أن تقوم بهذه المهمة في حال وجودها. ومع ذلك فأن أرتفاع النسبة، حسب هذا المسبار، مؤلم غاية الإيلام ويستوجب التأمل.

والتأمل يستدعي تنحية الأدانة لهذه النسبة الكبيرة من الرأي العام، والسعي لمعرفة العوامل التي ولدت هذا التحول الخطير، في ميول قطاع واسع من الرأي العام العربي، تجاه قضية ظلت تطغى على ما عداها، عقودا عديدة من سني الحياة السياسية العربية. ولا ريب بأن هذه التأملات لا يمكن أن تشكل أحكاما قاطعة ونهائية، و لابد أن تحمل أوجها قد لا تغتفر من القصور، أرتباطا بالنواقص المشار إليها.

أول ما يخطر في البال أن المزاج العام في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قد إنكفأ منذ أنطلاق (( الربيع العربي )) نحو المحلية، وخيمت على أوسع أوساط مجتمعاتنا حالة من الجزع، وضيق الصدر بسبب الكوارث العميقة الناجمة عن الكلف المادية والأقتصادية والنفسية الهائلة لمحاولات التغيير المتعثرة، التي أنقلبت إلى حروب أهلية وأقليمة دمرت وقتلت وجرحت وشردت الملايين .

وخلف هذا التعثر تخلخلا عميقا في الثقة بالنفس، على الصعيدين الفردي والجمعي. كما خلف رجة ثقافية إرتباطا بانهيار الثقة في منظومات فكرية وأيديولوجية معاصرة، كان بنظر إليها كبوابات لعصر جديد من الأزدهار والتطور والرقي. هذا في وقت تقف فيه أسرائيل، رغم صراعاتها الداخلية العميقة، قوية بقدراتها الخاصة، وبالدعم الأمريكي اللا محدود لها. متفاخرة بنجاحها في تحويل الأحلام والوعود الدينية الى وقائع على الأرض. القدس عاصمة موحدة لها والمستوطنات المبثوثة في ((يهودا والسامرة)) أي الضفة الغربية تترسخ وهي قاب قوسين أو أدنى من الإنضمام الى إسرائيل. والجولان السورية قد هضمت بالفعل.

في هذا الوضع من تعاظم القوة في إسرائيل، والتفكك في العالم العربي، نمت الى جانب، وبالضد من، السلفية الأسلامية والجهادية الأرهابيية، نمت ميول وتوجهات إنعزالبة، بين المكونات المجتمعية في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ونمت معها ثقافة الأرتداد إلى ماض يجري إعادة رسمه بهالات من العظمة والجلال، لكل مكون صغير من مكونات هذا المجتمات شديدة النوع الأثني والديني. فالعراقيون على سبيل المثال سومريون وبابليون وآشوريون وكلدانيون وسريان، كرد وعرب وتركمان وشبك، شيعة وسنة وكاثوليك وبروتستنانت ونساطرة وعلويون كاكائيون وأيزديون ومندائيون وما لا يحصى غيرهم.

والحال مماثل في سوريا ولبنان، وحتى في مصر والجزائر والمغرب وإن بدرجة أقل، وربما أقل كثيرا في بلدان أخرى. كل مكون من هذه الفسيفساء القومية والدينية وكل فرد من أفراده، أصبح أسير أحساس عميق بالخطر، ومصدره هذه المرة ليس عدوا خارجيا، بل شريكه في الوطن.

كل فرد إرتد الى دائرته الصغيرة، بعد أن تفكك أو أوشك على التفكك، الأطار الكبير الذي كان يجمع كل تلك الدوائر، وهو الدول الوطنية ذات التوجهات القومية العروبية المزعومة. وتسود أجواء من الخوف والإحباط تتجلى تشنجات وتوترات، وتفاخر أجوف، مع المحيط القريب وشركاء الوطن، بالأثنية والطائفة وتأريخها وحضاراتها، مقابل أستلاب واستخذاء، وأستصغار للذات، أمام المحيط البعيد، الذي يبدو قويا ومتماسكا.

ولتبرير هذا الإرتكاس تساق تبريرات منها أن القضية الفلسطينية قد أستنزفت المجتمعات العربية ماديا وروحيا وعرقلت تقدمها على دروب النمو والإزدهار. وهنا لا يلقى اللوم على سياسة العدوان والتوسع الأسرائيلية، أنما توجه سهام النقد للفلسطينيين، لأسباب شتى منها: أصطباغ مقاومتهم للأحتلال الأسرائيلي في العقدين الأخيرين بصبغة إسلاموية، وفساد هياكلهم السياسية الهزيلة في رام الله وغزة.

بعض تلك الأتهامات صحيح للأسف، حين يتعلق الأمر بفساد القيادات، وبالنفوذ الواسع لقوى التأسلم الفلسطينية، ونجاحها في صبغ القضية الفلسطينية بصبغة الصراع الديني الإسلامي ـ اليهودي. ولكن الكثير من تلك الأتهامات ظالم ومفبرك، خاصة أتهام الفلسطينيين بأنهم قد أضاعوا باستمرار، عديدا من فرص السلام. ولا ريب أن مصدر هذا الإتهام هو مكاتب الموساد الإسرائيلي، لأنه يوحي بأن إسرائيل قد ألتزمت القانون الدولي، وانصاعت لقرارات الشرعية الدولية بالأنسحاب من الأراضي التي احتلتها في عدوان 1967 وأن الفلسطينيين قد جابهوها بالرفض.

وتوهم فرية إهدار الفلسطينيين لفرص السلام، بأن إسرائيل قد تجاوبت مع العقلانية الفلسطينية، التي بدأت منذ تشرين الثاني نوفمبر عام 1988 حين أصدرت منظمة التحرير الفلسطينية أعلان أستقلال دولة فلسطين في الضفة الغربية وقطاع غزة، متخلية عن شعارها الثابت عبر أجيال، بتحرير فلسطين من النهر الى البحر. وتوهم بأن أسرائيل التزمت ببنود أتفاق أوسلو الذي أبرمته مع القيادة الفلسطينية، ولم تحاصر القائد الفلسطيني ياسر عرفات وتقتله مسموما بعد محاصرته في رام الله ومنع حتى الماء الطعام عنه، وهو الحائز على جائزة نوبل للسلام، بعد أتفاق أوسلو، وأعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بأسرائيل.

فرية إضاعة الفلسطينيين لفرص السلام توهم بأن الفلسطينيين هم من رفضوا مبادرة الأرض مقابل السلام، التي تبنتها القمة العربية التي عقدت في بيروت عام 2002، وليس إسرائيل. هذه الفرية تموه على حقيقة إن أسرائيل قد دمرت كل فرص السلام، من خلال إعلانها القدس العربية التي احتلتها في عدوان حزيران ـ يونيو جزءا من عاصمتها الأبدية، ومن خلال الجدار الذي عزل القدس العربية عن باقي المناطق الفسطينية، وتقطيع أوصال الضفة الغربية، وزرعها بمستوطنات تحميها أسيجة يحرسها الجيش الأسرائيلي، لدعم اعتداءات المستوطنين المتطرفين على الفلسطينيين، مقابل الاستمرارفي تطبيق نظام العقوبات الجماعي، الذي يتم بمقتضاه هدم منزل كل أسرة فلسطينية، ينشط فرد منها في مقاومة الأحتلال. وتشريع نظام الحبس الأحتياطي، بلا تهمة وبدون محاكمة ولمدد غير محددة ليكون سيفا مسلطا على كل فلسطيني، وإعتقال وتعذيب وقتل الأطفال الفلسطينيين، بما فيهم الرضع في أحضان أمهاتهم.

هذه هي شروط السلام التي تعرضها إسرائيل وتطبقها على الفلسطينيين، مؤكدة أن ((يهودا والسامرة))، أي الضفة الغربية بالتعبير التوراتي الأسرائيلي، جزءأ من أرض إسرائيل، فأين هي فرص السلام التي يزعم أن الفلسطينيين قد أهدروها؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أميركية جديدة على إيران تستهدف قطاع الطائرات المسيرة


.. ماكرون يدعو لبناء قدرات دفاعية أوروبية في المجالين العسكري و




.. البيت الأبيض: نرعب في رؤية تحقيق بشأن المقابر الجماعية في قط


.. متظاهرون يقتحمون معهد التكنلوجيا في نيويورك تضامنا مع جامعة




.. إصابة 11 جنديا إسرائيليا في معارك قطاع غزة خلال الـ24 ساعة ا