الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رواية للفتيان سراب

طلال حسن عبد الرحمن

2022 / 9 / 22
الادب والفن


رواية للفتيان







سراب







طلال حسن




شخصيات الرواية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـ عامر

2 ـ أروى

3 ـ ريم " 1 "

4 ـ الجدة

5 ـ ريم " 2 "

6 ـ أبو ريم

7 ـ ابن عم ريم






" 1 "
ـــــــــــــــــــ
تعبتُ ، تعبتُ جداً ، لكن ناقتي الفتية ، على ما يبدو ، لم تتعب ، لا بأس أن نتوقف قليلاً ، لا لأرتاح فقط أنا وناقتي ، وإنما لأعرف .. أين أنا ؟
وتلفتُ حولي ، كثبان من الرمال ، لا شيء غير كثبان الرمال ، ماذا دهاني ؟ لعلي سهوت كالعادة ، وتوغلت بعيداً عن الطريق ، فهذه الكثبان ، على ما يخيل إليّ ، لم تمرَ عليّ من قبل .
ورغم تعبي ، وشعوري بالجوع والعطش ، ابتسمتُ مشفقاً ، إذ تراءت لي أروى ، ابنة عمي ، نخلتي ، فقد قالت لي مرة : أنت تتوه أحياناً ، لا أعرف أين ، حتى وأنت جالس إلى جانبي .
وضحكتُ وقتها ، فقالت لي : آه كم أخشى أن تتوه مرة ، وأنت على ناقتك ، في الصحراء .
وها أنا على ناقتي ، ويبدو أنني تهتُ ، وتلفت حولي ثانية ، كثبان .. كثبان ، هل أعود أدراجي ، أم أواصل طريقي ، أم .. آه ..
فلأواصل السير ، لعل الواحة التي على الطريق ، تظهر لي من بين الكثبان ، و .. وسرتُ .. سرتُ بناقتي .. والشمس ورائي تسير .. أريد أن تشرق الواحة .. والشمس تريد أن تغرب .. آه أين الواحة ؟ إنني متعب .. جائع .. عطش .. والشمس تريد أن تغرب وترتاح .. أنا تهت .. يا أروى .. لكن الشمس لم ولن تتيه .
وقبل أن تغرب الشمس ورائي ، وترتاح من عناء السير طوال ساعات النهار ، بدا لعيني المتعبتين ، عند التقاء أفق الرمال ببحر السماء ، واحة تتماوج مع الريح والمساء ، ولمعت عيناي ، الماء قريب ، وقريب الطعام ، والراحة ، هيا يا ناقتي ، هيا إلى الواحة .
ولكزتُ ناقتي الفتية ، أحثها على السير نحو الواحة ـ الحلم ، فالأفق البعيد ليس بعيداً ، وعليّ أن أصل إليه ، بأسرع وقت ممكن ، ومهما كلفني الأمر .
وحثتْ ناقتي الفتية خطاها ، لابدّ أنها هي أيضاً تتوق للماء والطعام والراحة ، لكن ويا للعجب ، كلما أسرعت ناقتي ، وانحدرت الشمس ورائي ، أسرعت الواحة أمام عينيّ ، كأنما تفرّ مني ، ولا تريدني أن أصل إليها ، وغارت الشمس ورائي خلف الأفق ، وأمامي غارت الواحة ـ الحلم في الرمال .
وتوقفت بناقتي الفتية ، وسط كثبان الرمل ، والليل يرخي سدوله ، وتراءت لي أروى .. آه أروى ، أين ابتسامتك ؟ إنني عطش إليها الآن ، و .. وأصخت السمع ، وقلبي يخفق حنيناً إليها ، وابتسمتُ كأني أسمعها تقول لي : كم أخشى من قلبك هذا ..
قلتُ لها : قلبي كبير .. واسع ..
قالت : نعم ، واسع ، وهذا ما أخشاه ..
ضحكتُ ، فقالت : أخشى أن يتسع لغيري أيضاً .
ملتُ عليها ، وقلت : أنتِ مِلأه .
قالت : أنت شاعر ..
قلتُ :أنا لا أقول الشعر .
قالت : أنت تعيشه ، وهذا أخطر .
وسكتت أروى ، لكنها لم تسكت في أعماقي ، أروى ، لا تتركيني ، إنني تائه حقيقة هذه المرة ، تائه وسط هذا الليل والكثبان الرملية ، آه أروى .
ولكزت ناقتي الفتية ، فسارت على مهل ، لنسر بعض الوقت ، يا ناقتي ، فالليل في أوله ، وسيظهر القمر بعد حين ، صحيح إنه ليس بدراً الليلة ، وإنما طفل في اليوم الخامس أو السادس ، لكنه قمر ، والقمر مهما كان قمراً ، وليس سراباً في أفق الكثبان ، و ..
ولاح شعاع من بعيد ، يلمع بين أفق الكثبان وبحر السماء المعتم ، فسرتْ الحياة في أعماقي ، وحثثتُ الناقة الفتية ، هيا .. يا ناقتي ، عسى أن لا يكون هذا الشعاع ، الذي يلمع في الأفق ، سراباً كما الواحة الكاذبة .
وحثتْ ناقتي الفتية خطاها نحو الشعاع ، الذي بدل أن يهرب ، ويغور في الرمال ، راح يكبر ويكبر ، ومعه أطل القمر من الأفق ، يا للمعجزة ، يبدو أن هذا القمر يقترب من يومه العاشر ، من أجلي .
وعلى ضوء القمر الشاحب ، رحت أقترب بناقتي الفتية ، من مصدر الإشعاع ، حتى لاحت نخلة وحيدة ، وإلى جانبها خيمة وحيدة ، مهما يكن ، فهذا حقيقة ، وليس سراباً ، هيا يا ناقتي ، لقد لاح الطعام والشاب و ..
وتوقفت بناقتي الفتية ، على مقربة من الخيمة ، وهممتُ أن أقرأ السلام من في داخلها ، حين أطلت فتاة في رشاقة النخلة ، ربما لم تبلغ العشرين ، ورحبت بي قائلة : أهلاً بالضيف ، أهلاً ومرحباً .
قلتُ ، وكلي دهشة : أهلاً بك .
وابتسمت الفتاة لي ، وقالت بصوت هادىء : يبدو أنك جئت من مكان بعيد .
فهززتُ رأسي ، وقلتُ : نعم .
فقالت لي : أهلاً بك من حيث ما تكون ، كلنا أبناء هذه الصحراء الطيبة .
وسكتت برهة ، ثمّ خاطبتني قائلة : تفضل انزل ، وارتح ، نحن أهلك .
ونزلتُ عن ناقتي الفتية ، وأنا أقول : أشكرك .
فقالت لي ، وهي تدخل الخيمة : اربط ناقتك إلى النخلة ، وتعال إلى داخل الخيمة .
وأخذتُ ناقتي الفتية ، وربطتها إلى النخلة القريبة ، ثمّ عدتُ ودخلتُ الخيمة ، فابتسمت الفتاة لي ، وقالت : تفضل اجلس ، لابدّ أنك جائع ومتعب أيضاً .
وجلستُ على حشية داخل الخيمة ، ورمقت ما حولي بنظرة خاطفة ، يا للعجب ، نخلة واحدة ، وخيمة واحدة ، وفتاة لم تبلغ العشرين ، أهذا معقول ؟
ووضعت الفتاة أمامي ، في صحاف صغيرة ، خبزاً وتمراً ولبن ، وخاطبتني قائلة : أعرف أنك جائع ، تفضل ، كلْ حتى تشبع .
وشربت في البداية ، قليلاً من اللبن ، والغريب أنني شعرت ، بأن هذا القليل أطفأ عطشي ، ورفعت عينيّ إليها ، وقلت : تفضلي نأكل معاً .
فابتسمت الفتاة ، وردت قائلة : هذا الطعام لك ، ربما أنت لم تأكل منذ أيام ، فكل حتى تشبع .
فأكلتُ ، وأنا أتساءل في نفسي ، عمّ يدور حولي ، وحين شبعت ، قالت لي الفتاة : بعد أن أكلت وشربت ، لك أن تنام وترتاح ، فأنت متعب جداً .
وأشارت إلى فراش في جانب الخيمة ، وقالت : هذا فراشك ، فنم فيه ، وارتح .
وامتثلت لما قالته لي الفتاة ، فنهضت من مكاني ، وتمددت في الفراش ، وتدثرت بغطاء جديد ، وسرعان ما استغرقت في نوم عميق .

" 2 "
ــــــــــــــــــــ
أفقتُ ، فتحتُ عينيّ ، وقد طار النعاس منهما ، يبدو أنني نمتُ ، ربما ليس لفترة طويلة ، وتلفتُ حولي ، القنديل يُضيء الخيمة ، لكن لا وجود للفتاة ، وهل هي موجودة أصلاً ؟
نهضتُ ، وخرجت إلى الليل والصحراء ، ناقتي مربوطة إلى النخلة ، والقمر المعجزة يطل من السماء ، ترى أين الفتاة ؟ وجاءني صوتها من مكان قريب ، تقول لي بصوتها الهادىء : نمت ساعات .
التفتُ إلى مصدر الصوت ، الفتاة موجودة ، وها هي تجلس خارج الخيمة ، تنظر إليّ مبتسمة ، فقلتُ لها : عفواً ، أخذت فراشك ، ولم أدعك تنامي .
تململت في مكانها ، وهي تقول : لا عليك ، يبدو أنك كنت متعباً جداً .
ابتسمت ، وقلت : نعم ، وقد أرحتني أنت كثيراً .
تنحت قليلاٍ ، وقالت لي : تعال اجلس إلى جانبي ، جو الصحراء مريح الآن .
جلست إلى جانبها ، ورمقتها بنظرة سريعة ، ثمّ قلت : لا أظن أنك وحدك هنا .
وابتسمت الفتاة ، وقالت : نعم ، لست وحدي الآن .
وتلفتُ حولي ، ثم حدقت فيها ، وقلت : لا أرى أحداً معك في هذا المكان .
وابتسمت ثانية ، وقالت : أنت معي .
لم أقتنع بما قالته ، ولذت بالصمت لحظة ، ثم قلت : سأرحل مع الصباح ، إن لديّ مهمة ، وعليّ أن أوديها ، في الوقت المناسب .
ورمقتني الفتاة بنظرة خاطفة ، وقالت : مهما يكن ، أظن أنني سأبقى معك ، وأنك ستبقى معي .
وحدقتُ فيها ، دون أن أتكلم ، لم أفهم ما تعنيه ، ولكي لا أبقى صامتاً ، قلت كأنما أحدث نفسي : كنت أعتقد أن ثمة واحة في الجوار .
فنظرت الفتاة إليّ ، وقالت : ظنك في محله ، نعم هناك واحة في الجوار ، ربما على مسافة أقلّ من يوم ، وهي واحة كبيرة وجميلة ، وآهلة بالسكان .
وابتسمتُ ، لم ابتسم للفتاة هذه المرة ، وتمتمتُ بصوت تسكنه الذكرى : هذا أمر مفرح ، لقد وعدت أروى ، أن أصحبها مرة ، إلى واحة كهذه .
ونظرت الفتاة إليّ ، وقالت متسائلة : أروى !
ابتسمت للفتاة وللذكرى معاً ، ثم قلت : ابنة عمي .
ابتسمت الفتاة ، وقالت : جميلة ؟
ولذت بالصمت لحظة ، فلأعترف ، هذه الفتاة أجمل ، لكني قلت : إنها ابنة عمي .
انطفأت ابتسامتها لسبب لا أعرفه ، فتابعت قائلاً بصوت هادىء : إنها لي مذ ولدتْ ، أهدتها لي عمتي ، كانت تحبني ، وكان عمري حوالي خمس سنوات .
ولاذت الفتاة بالصمت لحظة ، ثم قالت دون أن تبتسم : من الأفضل أن لا تحدثها عني .
ونظرت إليها متسائلاً ، فقالت : أنا فتاة ، والفتاة تريد أن تكون الوحيدة في قلب فتاها .
نظرتُ إليها ، ويبدو أنها لم ترتح لنظرتي ، فنهضت من مكانها ، وقالت : الوقت متأخر جداً ، عليك أن تأوي إلى فراشك ، فأنت ستستيقظ مبكراً ، لتواصل رحلتك .
نهضتُ بدوري ، ووقفت على مقربة منها ، وخاطبتها قائلاً : لديّ ما هو أهمّ من النوم ، دعينا نبقى هنا بعض الوقت ، ونتبادل الحديث .
وابتعدت عني قليلاً ، فخطوت نحوها ، وأنا أقول بشيء من الإلحاح : في الحقيقة ، لم أعرفك ، وأريد أن أعرف عنك بعض الشيء .
ولاذت الفتاة بالصمت لحظة ، ثم حدقت فيّ ، وقالت: اذهب ، ونم ، الفجر يكاد يبزغ ، تصبح على خير .
أجبتها بصوت متردد : وأنت من أهله .
واستدرت عنها ، ورحت أتأمل الليل ، والقمر المعجزة ، والنخلة ، وناقتي الفتية ، ثمّ تنهدت ، واتجهت إلى الخيمة ، وأنا أتمتم ، وكأني أتمتم لنفسي : من يدري ، أخشى أنني لن أراك ثانية ، بعد أن أرحل .
ولاذت الفتاة بالصمت ، وهي مازالت جامدة في مكانها ، فدخلتُ الخيمة ، وأويت إلى فراشي ، وسرعان ما غلبني النعاس ونمتُ ، لكن تفكيري فيها لم ينم ، فقد كانت التساؤلات الملحة ، تتدافع في داخلي ، وتبحث عن إجابات واضحة لا لبس فيها ..
من هي هذه الفتاة ؟
وهل هي وحدها فعلاً ، في هذا المكان المنقطع ، الموحش ، من الصحراء ؟
ثم ماذا تفعل هنا ؟
و .. واستغرقتُ في النوم ، وأنا أتمتم في نفسي : إنني لم أعرف حتى اسمها .
أروى ، ترى من ناداها ، أم أنها هي التي تنادي ، في النوم ، من الصعب أن تعرف الحقيقة ، وتناهى إليّ صوتها من بعيد : أيها الشاعر ..
وابتسمت ، إنها أروى ، تأتيني في المنام ، وهي على ما يبدو حزينة ، تخنق صوتها العبرات ، اعتدلت في جلستي ، وهتفت بها : أروى .. أنا هنا .
ووقفتْ بالباب ، وعيناها غارقتان بالدموع ، فابتسمتُ لها ، وقلت : أراك حزينة ، والدموع في عينيك ، أخبريني ، ما الأمر ؟
ولاذت أروى بالصمت لحظة ، ثم قالت بصوت تغرقه الدموع : قلبك ..
ضحكتُ ، فتابعت قائلة : قلتُ لك مرة ، إن ما أخشاه هو قلبك الواسع ..
وابتسمت لها ، وخاطبتها قائلاً : وأنا قلتُ لك وقتها ، وأقول لك الآن ، أنت من تملئينه .
وهزت رأسها ، والدموع تترقرق في عينيها : لا ، أرى أخرى فيه ، وأخشى أن تتمدد فيه ، وتطردني منه ، ولا تبقي لي فيه أثراً .
وصمتت أروى ، فقلتُ لها : لا تخشي شيئاً يا أروى ، أنتِ .. ابنة عمي و ..
وارتفع في الخارج ، وقع أخفاف جمال قوية هائجة ، واختفت أروى ، ولاح رجل ملثم على جمل ، وسرعان ما ترجل الرجل ، وصاح بي : انهض ..









" 3 "
ـــــــــــــــــــ
فتحتُ عينيّ ، والألم ينهش جنبي ، وإذا بي أرى رجلاً ضخماً ملثماً ، يقف منتصباً قريباً مني ، يحف به ثلاثة رجال مدججين بالسيوف والخناجر ، وعلى مقربة منهم تقف جمال قوية .
واعتدلتُ جالساً ، وتلفت حولي ، يا للعجب ، لا وجود للخيمة ، ولا للفتاة ، ولا حتى للنخلة ، لم أجد غير ناقتي تقف جانباً ، وقد بدا عليها القلق .
وصاح بي الرجل الضخم الملثم ، ويبدو أنه رئيسهم : انهض ، هيا انهض .
ونهضتُ واقفاً ، ونفضت الرمال عن ثيابي ، وأنا أرمق الرجال الثلاثة بنظرة سريعة ، ثم حملقت في الرجل الضخم الملثم ، الذي يقف في مواجهتي ، وقلتُ له : أنتم جئتم لي نجدة ، نجدة من السماء .
وقهقه الرجال الثلاثة ، يبدو أنهم يسخرون مني ، ولماذا السخرية ؟ هذا ما لم أعرفه ، ونهرهم الرجل الضخم الملثم ، دون أن يلتفت إليهم : كفى ..
وكفّ الرجال الثلاثة عن الضحك ، لكنهم على ما يبدو ، لم يكفوا عن السخرية ، فقال لي واحد منهم بنبرة واضحة السخرية : يقول إننا جئنا نجدة ..
وأضاف الثاني بنفس النبرة الساخرة : من السماء ..
وضحك الثالث ، وقال : أرجو أن لا نكون قد جئنا قبل فوات الأوان .
وحدق الرجل الضخم الملثم فيّ ، ثم قال : يبدو أنك لا تعرف بالضبط من نحن .
فقلتُ له : أنتم رحمة من السماء .
وضحك واحد من الرجال الثلاثة ، وقال : لنرحمه ، ونبقِ عليه ثيابه .
وقال الثاني : إنه لا يحمل حتى سيفاً .
وقال الثالث : وما حاجته إلى السيف ، وليس في الصحراء غير رجال من السماء ؟
وحدقت في الرجل الضخم الملثم ، فقال لي بصوت هادىء : دعك منهم ..
وصمت لحظة ، ثم قال : رأيناك من بعيد ، في هذا المكان المنقطع ، الذي لا يطرقه غير القتلة وقطاع الطرق ، وتعجبنا من وجودك في هذا المكان .
وتلفت حولي مرة أخرى ، وكأني أريد أن أتأكد ، بأن المكان منقطع فعلاً ، رغم أنني البارحة فقط ، رأيت فيه نخلة .. وخيمة .. وفتاة .. و .. وخاطبني الرجل الضخم الملثم قائلاً : أراك تتلفت .
فنظرتُ إليه ملياً ، ثم قلتُ : قد لا تصدقوني ، أنت والرجال الذين معك ، إذا قلت ..
وصمتُ ، فقال الرجل الضخم الملثم : قل ، وسنصدقك ، هيا قل ، ولا تخف .
ورمقت الرجال الثلاثة بنظرة سريعة ، ثم حدقت في الرجل الضخم الملثم ، كلا ، لن يصدقوني ، وقد يظنون أنني مجنون ، فتنهدت ، وقلت بصوت واهن : في الحقيقة .. إنني جائع وعطشان .
وعلى العكس مما توقعتُ ، لم يضحك الرجال الثلاثة ، وقال الرجل الضخم الملثم بصوته الهادىء : قل أولاً ما أردت أن تقوله ، ثم نقدم لك ما تحتاجه من الطعام والشراب والأمان .
وتلفتُ حولي مرة أخرى ، ربما لأتأكد من عدم وجود الخيمة والنخلة والفتاة ، ثم حدقت في الرجل الضخم الملثم ، وقلت : أعرف من أنتم .
وتساءل رجل من الرجال الثلاثة : من نحن ؟
وهزّ الرجل الضخم الملثم رأسه ، فقلت مخاطباً الجميع : أنتم رجال ، رجال من الصحراء ، وقد رأيتموني من بعيد ، وربما ظننتم أنني تائه ، فجئتم لنجدتي .
وغالب الرجال الثلاثة ضحكهم ، وقال لي الرجل الضخم الملثم : نعم ، رأيناك ، وجئنا إليك ، هذا صحيح ، لكنك أردت أن تقول لنا غير هذا ، قله .
ولذت بالصمت لحظات ، ثم قلتُ : لا أدري متى سهوت ، وابتعدت عن الطريق ، ووجدتني في هذا المكان المنقطع ، وعرفت أنني تهتُ ..
وحدقتُ في الرجل الضخم الملثم ، ثم تابعت قائلاً : رأيت من بعيد شعاعاً ، فأسرعت إلى مصدر الشعاع ، وإذا نخلة .. وخيمة .. وقنديل .. وخرجت إليّ من الخيمة فتاة دون العشرين ، فسقتني وأطعمتني وآوتني ..
وصمتُ ، فقال الرجل الضخم الملثم بصوته الهادىء : لكن الماء الذي سقتك إياه تلك الفتاة لم يروك ، والطعام الذي قدمته لك لم يشبعك ، وحين رأيناك كنت بين الموت والحياة ، ملقى على الرمال .
وسكت الرجل الضخم الملثم ، ثم التفت إلى الرجال الثلاثة ، وخاطبهم قائلاً : أعدوا السفرة سريعاً ، سنتناول كلنا معاُ ، طعام الإفطار .
وعلى الفور ، أعدّ الرجال الثلاثة السفرة ، وأقبل أحدهم عليّ ، وقدم لي قربة ماء ، وقال لي : تفضل ، إنه ماء من السماء .
وعلق آخر ، وهو يعد السفرة مع الرجل الآخر : وهذا الطعام من السماء أيضاً .
وأزاح الرجل الضخم ، اللثام عن وجهه الملتحي ، ثم قال لي بصوته الهادىء : بعد أن ارتويت حقيقة ، تعال تناول معنا الطعام حتى تشبع .
وجلسنا حول السفرة ، نأكل خبزاً ولبناً وتمراً ، ونظر إليّ أحد الثلاثة ، وخاطبني قائلاً ، وهو يبتسم : أيها الضيف ، أتعرف حقيقة من نحن ؟
وقبل أن أردّ ، ردّ آخر ضاحكاً : رجال من السماء ، ننجد الجائعين والتائهين في الصحراء .
ونظرت إلى الرجل الضخم ، الذي لم يعد ملثماً ، فقال لي ، وهو يأكل : لا تصدقهم ، لسنا من السماء ، إننا من هذه الصحراء ، نحن قطاع طرق .
ودس أحد الثلاثة لقمة في فمه ، وقال : لديه ناقة فتية .
وابتسم آخر ، وقال : هذا ثمن عادل ، لقد أنقذناه من موت محقق في هذه الصحراء .
لم أنطق بكلمة ، فنهض الرجل الضخم ، وقال : نحن قطاع طرق ، لكننا رجال صحراء ، وهذا الرجل ، الذي أنقذناه من الموت ، ضيفنا .
ولاذ الرجال الثلاثة بالصمت ، فتابع الرجل الضخم قائلاً : سنأخذه معنا إلى أقرب واحة آمنة ، ونودعه هناك معززاً مكرماً .






" 4 "
ـــــــــــــــــــ
بعد أن فرغنا من تناول طعام الإفطار ، ورفع الثلاثة ما تبقى على السفرة ، خاطب الرجل الضخم الجميع قائلاً : لقد تأخرنا ، فلنذهب .
وأسرع الجميع إلى جمالهم ، وقبل أن يعتلي الرجل الضخم جمله ، قال لي : هيا يا صاحبي ، اركب ناقتك ، سنأخذك إلى أقرب واحة .
وركبتُ ناقتي ، وكان الرجل الضخم قد ركب جمله ، وانطلق به ، فأسرع الرجال الثلاثة في أثره ، والتفت أحدهم إليّ ، وهتف بي قائلاً : هيا يا رجل ، حثّ ناقتك ، والحق بنا ، وإلا تهت ثانية في الصحراء .
ولكزتُ ناقتي برفق ، ولحقت بهم ، وسرت إلى جانبهم ، ونظر إليّ واحد منهم ، وقال لي مازحاً : أنت رجل شجاع ، تعال واعمل معنا .
وكتم الثاني ضحكته ، فخاطبني الثالث قائلاً : نحن نعيل الكثير من الأيتام والأرامل والمحتاجين ، فهذا حقهم في أموال التجار والأثرياء وأصحاب العبيد .
وضحك الأول ، وقال : تعال معنا ، وكن ضد الباطل ، ونصيراً للحق .
لذت بالصمت ، وقبل أن يواصل الثلاثة مزاحهم معي ، خاطبني الرجل الضخم ، دون أن يلتفت إلى أحد منهم : دعك منهم ، تعال إلى جانبي .
فلكزت ناقتي ، وحثثتها على السير ، فأسرعت قليلاً ، حتى حاذت جمل الرجل الضخم ، الذي التفت إليّ ، وقال : لم تردّ على ما قالوه .
ورمقت الرجل الضخم بنظرة سريعة ، ثمّ نظرت إلى البعيد ، حيث تلتقي الرمال بالسماء ، وقلت : لي أمي وابنة عمي ، وكذلك حياتي بين قومي .
ولاذ الرجل الضخم بالصمت ، وتنهد من أعماقه ، ثم قال : هذا ما يتمنى كلّ منّا أن يعيشه ، لكن معظمنا لا مكان له في قومه ، فخرجنا محتجين إلى الصحراء ، نقطع الطريق على المستغلين ، ونعيش مما نغنم .
ورمقته بنظرة سريعة ، وقلت له : أنتم الآن شباب ، لكن السنين تمرّ ، وستكبرون ..
وهزّ الرجل الضخم رأسه ، ثمّ قال : معظمنا يُقتل قبل أن يكبر ، وتصيبه الشيخوخة والعجز ..
وسكت لحظة ، ثم تابع قائلاً : مهما يكن ، نحن نعيش يومنا ، يومنا فقط ، ولا نفكر فيما يمكن أن يأتي به الغد ، نحن رجال هذه الصحراء ، أمنا القاسية الظالمة الجميلة ، ماضينا وغدنا هو اليوم الذي نعيشه .
وحوالي العصر ، لاحت في الأفق البعيد ، شعفات نخيل تتمايل في السماء الزرقاء ، فأشار الرجل الضخم بيده إليها ، وقال : انظر ..
ونظرت حيث يشير ، وبدا لي أنني أرى ما رأيته قبل يومين ، واحة خضراء حية ، كلما طاردتها ، وحاولت الوصول إليها ، هربت مني ، ثم غاصت في الرمال ، والتفتُ إليه ، وقلت : لعلها سراب .
فقال الرجل الضخم : لا ، ليست سراباً .
ونظرت إلى البعيد ثانية ، حيث الواحة المزعومة ، وقلت للرجل الضخم : هذا ما رأيته قبل يومين ، ولم يكن حقيقة ، وإنما سراب من ألاعيب الصحراء .
وابتسم الرجل الضخم ، وقال بصوته الهادىء : ما رأيته قبل يومين كان سراباً ، أما ما تراه الآن ، وتظن أنه سراب ، إنما هو حقيقة ، هذه واحة ، ومن أجمل الواحات في الصحراء .
وتطلعت ثانية إلى ما قال الرجل الضخم إنها واحة ، وأنا أظن حقيقة أنها ليست واحة ، وإنما سراب كسراب أول أمس ، وخاطبني الرجل الضخم قائلاً : انطلق بناقتك إليها ، وستعرف بنفسك أنها واحة .
والتفت إلى الرجل الضخم ، ونظرت إليه متردداً ، وقلت له : أخشى أن أذهب ، ولا أجد واحة ، وتكونوا أنتم قد ذهبتم ، فأعود إلى التيه ثانية .
وضحك أحد الرجال الثلاثة ، وقال : لا عليك ، فرجال السماء ليسوا قلة .
وضحك آخر ، وقال : دع ناقتك تقودك ، فهي تعرف الحقيقة ، إنها ابنة الصحراء .
لم أرد عليهما ، فخاطبني الرجل الضخم قائلاً : لا عليك ، اذهب إلى الواحة ، وسننتظرك هنا ، حتى تتأكد من أنها حقيقة ، وليست سراباً .
فقلت للرجل الضخم : أشكرك ..
ثم التفتُ إلى الرجال الثلاثة ، وقلت لهم : أشكركم أيها الإخوة ، أتمنى لكم التوفيق .
فردّ أحدهم ، وهو يلوح له : اذهب يا صاحبي ، وعش حياتك كما تتمنى .
ولوح لي آخر ، وقال بنبرة مازحة : إياك أن تتيه ثانية ، وإلا ستفقد ناقتك وثيابك أيضاً .
وضحك الآخر ، وقال : هيا أسرع ، قبل أن نغير رأينا ، ونتذكر أننا قطاع طرق .
وابتسمت لهم ، ولوحت للرجل الضخم ، وانطلقت بناقتي نحو ما قال الرجل الضخم إنها واحة ، ورحت ألتفت إليهم بين حين وآخر ، لأتأكد بأنهم ظلوا في أماكنهم ، وأنهم لم يذهبوا ، ويتركوني لمصيري .
وكلما تقدمت بي ناقتي على الطريق ، تقلصت مخاوفي من أن يكون ما أراه أمامي مجرد سراب ، وراح ينمو في أعماق شيئاً فشيئاً يقين بأنها حقيقة ، وليس سراباً ، نعم ، إنها واحة ، واحة حقيقية .
وأخيراً ها هي الواحة أمامي ، بأشجارها ومياهها وطيورها وأنعامها ، لقد انتهى التيه ، وبدأت الحقيقة ، فلأنعم بالأمان والاطمئنان .
والتفت إلى الوراء ، ذلك هو الرجل الضخم ، ورجاله الثلاثة ، قطاع الطرق ، الذين أعادوا لي الحياة ، وأوصلوني إلى الواحة ـ الحياة ، فرفعت يديّ إليهم ، وأنا فوق ناقتي الفتية ، ولوحتُ لهم بحرارة ، فلوحوا لي جميعا ، ثم أشرت لهم أن يمضوا في طريقهم ، مصحوبين بالسلامة والتوفيق .
وعلى الفور ، استدار الرجل الضخم بجمله القوي ، وانطلق به نحو عمق الصحراء ، وسرعان ما استدار الرجال الثلاثة بجمالهم ، وانطلقوا في إثره .









" 5 "
ــــــــــــــــــ
توقفت ناقتي الفتية ، عند مشارف الواحة ، بعد أن سحبت زمامها برفق ، وبدا لي من تململها ، وهزها لرأسها ، أنها لم تكن تريد أن تتوقف ، فعلى بعد خطوات منها الماء والكلأ والجو العذب .
نزلتُ عن ناقتي ، وسرت أمامها ، وزمامها في يدي ، وتوقفتُ قرب ساقية ، يجري فيها ماء زلال ، فمدت الناقة عنقها الطويل ، وراحت تعب الماء عباً ، آه هذا عطش الصحراء ، وأخيراً رفعت رأسها ، ورمقتني بنظرة رقيقة ، كأنها تقول لي : أشكرك .
وربتُ على عنقها الطويل ، بكف حانية رقيقة ، وقلتُ لها ، وكأنها تدرك ما أقول : فلنبحث عن كلأ ، تملئين منه معدتك ، وما أكبرها من معدة .
وحانت مني نظرة إلى النبع القريب ، ويبدو أنه أحد مصادر الماء العذب في الواحة ، الذي تخلقت منه هذه الواحة ، وجذبت إحدى القبائل إليها ، فوقع نظري على امرأة تجاوزت السبعين ، تحاول بصعوبة بالغة ، أن ترفع جرتها المليئة بالماء ، لتضعها على كتفها .
وعلى الفور ، سحبت ناقتي الفتية ، واقتربت من المرأة المسنة ، وحييتها قائلاً بصوت هادىء : طاب يومك أيتها الجدة الطيبة .
وتوقفت الجدة عن محاولة رفع الجرة ، ورفعت عينيها الشائختين إليّ ، وقالت : أهلاً ومرحباً بك ، يا بنيّ ، طاب يومك .
فملتُ عليها ، وزمام الناقة الفتية في يدي ، وقلت بنبرة مزاح : يبدو أن ابنك ليس في البيت ، فأنت تملئين الجرة بنفسك ، من هذا النبع ، وتحملينها إلى البيت .
وهزت الجدة رأسها ، وقالت بنبرة حزينة : ليس لي ابن ولا بنت ، وهذا قدري .
واعتدلتُ قليلاً ، وأنا أربت على كتفها ، وقلت لها : لا عليكِ ، أنا ابنك ، دعيني أحمل الجرة عنك .
فحدقت الجدة فيّ ، بعينيها الشائختين ، وقالت بنفس نبرتي المازحة : أدعك ، لكن بشرط ..
فقلتُ لها : أقبل شرطك .
فتابعت الجدة قائلة ، وهي مازالت تحدق فيّ : أن تتناول طعام الغداء معي في خيمتي .
ومددت يدي إلى الجرة ، ووضعتها على كتفي ، وأنا أقول : قبلت ، تقدميني إلى الخيمة .
وبخطواتها الثقيلة البطيئة ، سارت الجدة أمامي ، فتبعتها مجارياً خطواتها العجوز ، والجرة المليئة بالماء على كتفي ، فأدارت رأسها نحوي ، دون أن تتوقف ، وقالت : يبدو لي أنك غريب عن هذه الواحة ، وربما جئت إليها من مكان بعيد .
ولذت بالصمت لحظة ، ماذا أقول لها ؟ لا أدري ، لكني جمعت أشتاتي ، وقلت لها : نعم ، لست من هذه الواحة ، والحقيق إنني جئتها الآن فقط .
وابتسمت الجدة ، وقالت دون أن تتوقف : لابد أنك جئت لزيارة صديق أو قريب .
ونظرت إليها حائراً ، وقلت لها بصوت مضطرب : عفواً ، الحقيقة ، لا قريب لي هذه الدوحة ، ولا حتى صديق ، إنني مررت على مقربة منها ، وأعجبتني مناظرها ، فرأيت أن أرتاح فيها قليلاً ، ثم أواصل رحلتي حيث أريد .
واقتربت الجدة من خيمة متواضعة ، أمامه نخلة عجوز ، فأشارت إليها بيدها ، وقالت ضاحكة : هذا قصري المنيف ، الذي تركه لي زوجي ، بعد أن رحل .
وابتسمت لها ، وقلت ، وقد تمالكت نفسي : السعادة ، يا جدتي ، ليست بالقصور وكثرة المال .
وتوقفت الجدة أمام مدخل الخيمة ، ثم التفت إليّ ، وقالت : أنت ضيفي إذن ، ما دمت في هذه الواحة .
فقلت لها : هذا كرم منك ، أشكرك .
وقبل أن تمضي إلى داخل الخيمة ، قالت لي : اربط ناقتك بالنخلة ، وتعال إلى الداخل .
وربطت ناقتي الفتية بالنخلة العجوز ، ودخلت بالجرة إلى داخل الخيمة ، فأشارت الجدة إلى إحدى الزوايا ، وقالت لي : ضع الجرة هناك .
ووضعتُ الجرة حيث أشارت الجدة ، وحين التفت إليها ، قالت لي مبتسمة : لقد أتعبتك ، وأنت ضيفي ، أرجو أن تكون قد ربطت ناقتك .
فهززت رأسي ، وقلت لها : نعد ، ربطتها إلى النخلة ، القريبة من المدخل .
والتمعت عيناها الشائختان ، وكأنما مسها حلم دافىء ، وقالت بصوت دامع : تلك النخلة ، التي تبدو عجوزاً الآن ، زرعها لي زوجي الراحل ، في الأسبوع الأول من زواجنا ، وقال لي ، فلنعتنِ بهذه النخلة المباركة ، وستثمر يوماً ، وسنأكل منها نحن وأولادنا .
وسكتت الجدة ، وقد تبللت عيناها بالدموع ، وبدا لي بأنها ستنخرط بالبكاء ، فقلت لها : النخلة شجرة مباركة ، ولابد أنها غمرتكم بخيرها الحلو .
ولاذت الجدة بالصمت لحظة ، ثم قالت ، وهي تغالب أحزانها : نعم ، أكلنا منها أنا وزوجي ، وأسعدنا بخيرها الكثير من الأهل والأصدقاء ..
وصمتت لحظة ، ثم أضافت بصوت حزين : لكن أولادنا لم يأكلوا منها ، وهذا ما سبب لزوجي الراحل ألماً كبيرا ، إذ لم يصر لنا أولاد .
ونظرت الجدة إليّ بعينيها الدامعتين ، وأضافت قائلة : قلت له تزوج ، فقد يكون لك أطفال ، تُسعد بهم ، فقال لي ، لن أسعد ، فهذا إذا تحقق قد يحزنك .
وتنهدت الجدة ، وتابعت قائلة : وقد حزنت جداً ، وسأحزن العمر كله ، لقد فقدته حين شارك في إحدى الغزوات ، وسقط فيها قتيلاً .
ولاذت بالصمت لحظة ، ثم راحت تكفكف دموعها ، وهي تبتسم ، وقالت : يا لي من حمقاء ، بدل أن أشغلك بالأحاديث الحزينة ، كان عليّ أن أعدّ طعام العشاء ، فلابدّ أنك جائع جداً ، بعد هذا السفر في الصحراء .
فربت على كتفها برفق ، وقلتُ لها مواسياً : لا عليك ، لكل منا أحزانه ، هذه هي الحياة .
وأشارت الجدة إلى حشية على الأرض ، وقالت : اجلس ، وارتح ، يا بنيّ ، ريثما أعد العشاء .
فتطلعت إلى الخارج ، وقلت لها : الشمس لم تغرب بعد ، سأخرج ، وأتجول قليلاً في الواحة ، لن أتأخر ، سأعود قبل حلول الليل .
فقالت الجدة : اذهب ، يا بنيّ ، وتجول حيث شئت ، فالواحة واسعة وجميلة ، وأهلها طيبون .

" 6 "
ـــــــــــــــــــ
بعد العشاء ، جلسنا أنا والجدة ، نتجاذب أطراف الحديث ، على ضوء قنديل قديم ، شحيح الضوء ، يكاد لا يضيء إلا ما حوله .
ورفعت الجدة عينيها الشائختين ، وتطلعت إليّ ، وقالت بصوتها الواهن : تجولت في الواحة ، فترة ليست قصيرة ، قبل العشاء ، أرجو أن تكون قد أعجبتك ، وأنت تراها لأول مرة .
ونظرتُ إليها مبتسماً ، وقلت لها : أنتم تعيشون في الجنة ، خضرة وماء ووجوه حسنة .
وضحكت الجدة بصوتها الشائخ ، وقالت بصوتها الواهن : وآه من الوجوه الحسنة .
وجاريتها في الضحك ، وقلت : وأي وجوه .
وتوقفت الجدة عن الضحك ، لكنها قالت مبتسمة بصوتها الشائخ : هذا ما يقول زوار واحتنا ، رجالاً ونساء ، وما أكثرهم ، وخاصة في فصل الربيع .
وسكتت الجدة ، وسكتُ معها ، حين ارتفع من الخارج ، صوت فتاة تبدو شابة ، تهتف بصوت ، خيل لي أنني سمعته في مكان ما : أيتها الجدة .
ونهضتْ الجدة متحاملة على نفسها ، واتجهت إلى المدخل بخطواتها البطيئة الثقيلة ، وهي ترد بصوتها الشائخ قائلة : ريم ؟ تعالي ، يا بنيتي ، ادخلي .
وخفق قلبي بشدة ، حين سمعت اسم ريم ، وتذكرت على الفور ، أين سمعت ذلك الصوت ، نعم إنه في الخيمة الوحيدة ، قرب النخلة الوحيدة ، و .. وفتحت الجدة المدخل ، وراحت ترحب بالقادمة بصوتها الشائخ : أهلاً ومرحباً بعزيزتي ريم ، تفضل ، ادخلي .
ودخلت ريم ، فانتفضتُ واقفاً ، وقلبي يزداد خفقانه ، إنها ريم نفسها ، ريم الخيمة ، نفس الوجه والشعر والهيئة ، لا يختلف فيها غير الثياب .
وخاطبت ريم الجدة بنفس صوت ريم الخيمة قائلة : جئتُ أزورك ، يا جدة ، وأتمتع بحكاياتك ، ونوادرك ، وأحاديثك العذبة ..
آه إنها ريم ، ريم الخيمة نفسها ، لكن أهذه حقيقة ؟ كلا ، لا وقت الآن للبحث عن الحقيقة ، ثم ها هي أمامي ، فلا داعي للتردد ، والتساؤل .
وعلى حين غرة ، اقتربت من ريم ، وهتفت بها ، وعيناي ترتشفانها : ريم ..
وتوقف ريم ، حين سمعتني أهتف باسمها ، وما إن نظرت إليّ ، ووجدتني أحدق فيها متلهفاً ، حتى التفتت إلى الجدة ، وقالت لها بصوتها العذب : عفواً أيتها الجدة ، لم أعرف أن لديك ضيفاً .
وتحيرت الجدة بماذا تجيب ، وأخيراً قالت بصوت متحشرج شائخ : إنه شاب غريب ، يا ريم ، يزور الواحة لأول مرة ، وقد استضفته عندي .
ونظرت ريم إليّ ، إنها ريم ، لا يمكن أن لا تكون ريم ، لكن كيف ؟ وقالت بصوتها العذب : أهلاً ومرحباً ، أنت لست ضيف الجدة فقط ، وإنما ضيفنا جميعاً .
فابتسمت ممتناً ، وعيناي المتلهفتان لا تفارقان وجهها الريم ، وقلت لها : أشكرك .
وصمتُ لحظة ، ثم أضفتُ قائلاً : ريم ، أكاد لا أصدق عينيّ ، يبدو أنك جئت إلى الواحة ، بعد أن استغرقتُ في النوم في الخيمة ، التي قرب النخلة ..
وسكتُ ، حين رأيت ريم تنظر مذهولة إلى الجدة ، التي وقفت محرجة حائرة ، ثم قالت ريم بحيرة : لا أعرف عما يتحدث الضيف ..
ورغم هذا تقدمتُ منها خطوة ، وأنا أقول لها : على ضوء ذلك القنديل ، الشحيح الضوء ، جلسنا معاً ، يا ريم ، لا يمكن أن لا تكوني تتذكرين هذا ، لقد حدث ذلك في الأمس فقط .
وتراجعت ريم ، وهي تنظر إليّ بعينيها السوداوين ، وقالت بصوت لا أثر فيه للخوف أو القلق : عفواً ، يبدو أنك تتحدث عن ريم أخرى ، ربما عرفتها في ظروف أخرى ، غريبة غامضة .
واقتربتُ منها ، وحدقت فيها ، وأنا أتحدث إليها بشيء من الحماس : ريم ، إنها أنت ، أنت نفسك ، رغم أن ملابسك تختلف بعض الشيء عن ملابسها .
ووصلت ريم في تراجعها ، قريباً من الباب ، وبدل أن تخاطبني ، راحت تخاطب الجدة قائلة : أيتها الجدة ، عليّ أن أعود إلى البيت ، ارع الضيف ، إنه ضيفنا جميعاً ، وليتك تقنعينه أن يخلد إلى النوم .
وخفت الجدة إليها ، وقالت لها بصوتها الشائخ : اذهبي ، يا بنيتي ، رافقتك السلامة .
وخرجت ريم مسرعة ، وهي ترمق عامر بنظرة سريعة ، وتخاطب الجدة قائلة : لا تخرجي من البيت ، يا جدة ، ابقي معه ، قد أزوركم في أقرب فرصة .
وبقيت الجدة بالباب ، حتى غابت ريم ، ماذا يجري ؟ أيعقل أنها لم تتذكرني ؟ من يدري ، لعلها تتظاهر بأنها لا تعرفني ، لأنها لا تريد للجدة أن تعرف سرنا .
وعادت الجدة مضطربة ، وقد أغلقت المدخل ، وراحت تحدق فيّ ، وخاطبتني قائلة بصوتها الشائخ المرتعش : بنيّ ، ما خطبك ؟ لقد أخفت ريم .
فاقتربت منها ، وقلت لها بحماس : لم أشأ أن أخيفها ، وإنما أردت أن أذكرها ، بموقفها الطيب مني ، عندما استقبلتني في خيمتها ، وسط الصحراء ، و ..
وقاطعتني الجدة قائلة : ريم ابنة عائلة معروفة في هذه الواحة ، يبدو أنك تتحدث فعلاً عن ريم أخرى .
فقلت لها : بل إنها هي ، رغم اختلاف الملابس .
ونظرت الجدة إليّ نظرة مشفقة ، فتابعت قائلاً : صدقيني ، كنت تائهاً في الصحراء ، ورأيتها في خيم قرب نخلة ، وسط الصحراء ..
وسكتُ أمام نظراتها المشفقة ، وقلت لها : أنت لا تصدقينني .
فاقتربت مني ، وأمسكت بيدي ، وخاطبتني بصوت أمومي قائلة : تعال تمدد في فراشك ، يا بني ، وحاول أن تنام ، أنت متعب ، متعب جداً .
وأغمضت عيني المتعبتين ، لكني لم أنم ، وكيف أنام ، وريم الخيمة .. وريم الواحة .. لا تفارقان فضائي المضطرب ؟
وقبل أن يغلبني النوم ، في ساعة متأخرة من الليل ، قررت بيني وبين نفسي ، أن اذهب إلى ريم ، مهما كلفني الأمر ، وأذكرها بكل ما جرى لنا ، في تلك الخيمة الوحيدة ، قرب النخلة الوحيدة ، وسط الصحراء .


" 7 "
ــــــــــــــــــ
أفقتُ وقد تقدم النهار ، والنعاس مازال في عينيّ ، لقد نمت في ساعة متأخرة من الليل ، وتناهت إليّ خطوات الجدة ، آه كم أخشى أن أكون قد أغضبتها البارحة ، وحين دخلت ، رفعتُ عينيّ إليها ، فخاطبتني قائلة بصوتها الشائخ : طاب صباحك .
يا للجدة الطيبة ، إنها ليست غاضبة مني إذن ، كما كنت أخشى ، فرددتّ عليها بصوت ، حرصت أن يكون هادئاً : وصباحك أطيب ، يا جدة .
وتطلعت الجدة إليّ ، وأنا مازلت في فراشي ، وقالت لي : أعددت لك الفطور ، في وقت مبكر ، أرجو أن يعجبك ، انهض ، ولنتناول الطعام معاً .
ونهضتُ من فراشي ، متظاهراً بالنشاط ، وجلستُ قبالتها ، ورحتُ أتناول الطعام صامتاً ، وأنا أرمق الجدة بنظرات خاطفة ، وخاطبتني الجدة ، دون أن تنظر إليّ : أرجو أن نومك البارحة كان مريحاً .
هززتُ رأسي ، دون أن أتفوه بشيء ، فتابعت الجدة قائلة بصوتها الشائخ : الجو مريح في الواحة ليلاً ونهاراً ، وكأنها لا تقع وسط صحراء مترامية الأطراف .
ولذت بالصمت لحظات ، لا أنطق بكلمة واحدة ، ثم رفعت رأسي إلى الجدة ، ونظرتُ إليها ، ثم خاطبتها قائلاً : أيتها الجدة ..
وتوقفت الجدة عن تناول الطعام ، ويبدو أنها أحست بخطورة ، ما أريد أن أقوله لها ، وقالت بصوتها الواهن الشائخ : نعم ، يا بنيّ .
وتابعتُ قائلاً : بخصوص ريم ..
وقاطعتني الجدة قائلة بصوتها الشائخ ، الذي بدا فيه بعض الانفعال : بنيّ ، انسَ ريم ، وآمل أن تكون هي ، قد نسيت من جانبها ، ما قلته البارحة لها ، فهي إنسانة طيبة ، متفهمة ، ومتسامحة .
أصغيتُ إلى الجدة متوتراً ، وما إن انتهت من كلامها ، حتى قلت لها : لن أنساها ، ولا أستطيع أن أنساها ، بل أريد أن أراها ، مهما كلف الأمر .
وقطبت الجدة وجهها المتغضن ، وقالت بصوتها الشائخ ، وقد شابه بعض الانفعال : لا ، لا يا بنيّ ، أنصحك أن لا تحاول أن تراها ، فأسرتها من أكبر الأسر ، وأبوها واحد ما أهم الرجال في الواحة ، وابن عمها ..
وقاطعتها قائلاً : إذا كنت قد أخطأت في حقها ، كما تقولين ، فيجب أن أراها ، وأعتذر منها .
ونهضت الجدة ، ثم نظرت إليّ ، وقالت بصوتها الشائخ : لا عليك ، سأذهب إليها بنفسي ، وأنقل لها اعتذارك عما بدر منك .
ونهضت بدوري ، وقلتُ لها : لا ، أيتها الجدة ، أريد أن أراها ، وأعتذر منها بنفسي .
وردت الجدة قائلة بشيء من نفاد الصبر : كلا ، هذا غير ممكن ، الأفضل أن أذهب أنا إليها ، وأنقل لها ما تريد أن تقوله ، وهذا ينهي الأمر .
ولذتُ بالصمت محبطاً ، لا خيار ، لن أستطيع الآن أن أراها ، وأتحدث إليها ، لكن عليّ أن لا أقنط ، فنظرتُ إلى الجدة ، وقلتُ لها : حسناً ، اذهبي أنت إليها ، وقولي لها ، إنني .. نعم ..إنني ..
وصمت لحظة ، ثم قلتُ : الحقيقة .. إنني .. أتطلع إلى أن أراها .. في وقت قريب ..
وهمت الجدة بالخروج ، لكنها توقفت عند الباب ، والتفتت إليّ ، ثم قالت : لعلي أحدثها عن رغبتك في لقائها ، وتعتذر منها ، إذا كان الجو مناسباً .
ومضت الجدة للقاء ريم ، وتقدم لها الاعتذار باسمي ، أخشى أنها قد لا تتفهم موقفي ، من خلال ما ستقوله الجدة ، وتمنيت أن تنجح الجدة في إقناعها ، فتتيح لي المجال للقائها ، وهذا سيتيح لي الفرصة لتذكيرها بلقائنا العجائبي في الخيمة ، واختفائها الأكثر عجائبية .
وقبيل منتصف النهار ، عادت الجدة متعبة ، لكنها لم تجيء وحدها ، وإنما جاء معها ـ ويا للعجب ـ أبو ريم ، وهو رجل قد تجاوز الخمسين ، وسيم ، يبدو هادئاً ، قوي الشخصية ، ذا عينين ذكيتين .
عرفته ، بعد أن قدمتني الجدة إليه قائلة : هذا هو ضيفي ، يا أبا ريم ، وستتأكد بنفسك ، إذ تعرفه ، أنه إنسان طيب ، جدير بالثقة .
ونظرت إليه متفاجئاً ، وقلبي يخفق بشدة ، فخاطبني بصوت هادىء ، وهو يشد على يدي : أهلاً ومرحباً بك في واحتنا ، أنت ضيفنا جميعاً .
وأشارت الجدة إلى حشية قريبة ، وقالت لأبي ريم : تفضل اجلس ، يا أبا ريم ، واجلس أنت أيضاً ، يا بني ، وتبادلا الحديث على راحتكما .
وابتسم أبو ريم للجدة ، وهو يرمقني بنظرة سريعة ، ثم قال : نشكرك ، أيتها الجدة ، الجو في الخارج لطيف ، أفضل أن نخرج معاً ، ونتمشى في الجوار .
والتفت إليّ مبتسماً ثم قال : أظن أنك توافقني .
فهززتُ رأسي ، وقلت ، وقد تمالكت نفسي بعض الشيء : نعم ، فلنتمشّ في الخارج .
وخرجنا من الخيمة ، وشعرت بالجدة تلحق بنا حتى المدخل ، وسمعتها تقول : بنيّ ، سأعد لك طعام الغداء ، ريثما تعود من جولتك مع أبي ريم .
حقاً كان الجو لطيفاً ، أشجار .. وماء .. وهواء عذب ، و .. وأنا وأبو ريم ، نسير صامتين جنباً إلى جنب ، ورمقني أبو ريم بنظرة سريعة ، ثم قال دون أن يتوقف أو يُبطىء : ابنتي ريم ، حدثتني عن لقائكما ، أنت وهي ، صدفة ، في خيمة الجدة ، يوم أمس ..
وهززتُ رأسي ، وقلت : من يدري ، ربما ليس صدفة ، للقدر ألاعيبه ..
وطفت ابتسامة غريبة على شفتي أبي ريم ، وقال : ما قالته ريم ، عما دار بينكما ، ومن جهتك خاصة ، أمر لا يكاد يصدقه عقل .
فقلت له بشيء من الحماس : ما قلته لها ، كان هو الحقيقة ، كما عشتها لحظة بلحظة .
وتوقف أبو ريم ، والتفت إليّ ، ثم قال : أنت كما قالت الجدة ، وكذلك ابنتي ريم ، إنسان طيب ، جدير بالثقة ، وأنا صراحة ارتحت إليك .
وتمتمت قائلاً : أشكرك .
فتابع قائلاً : أدعوك مساء اليوم على العشاء ، وأرجو أن تشرفني في خيمتي ، أنت والجدة العجوز .





" 8 "
ـــــــــــــــــــ
في اليوم التالي ، وقبيل منتصف النهار ، نظرت الجدة إليّ ، وخاطبتني بصوتها الشائخ : بنيّ ..
فنظرت إليها ، وقلتُ : نعم .
فقالت لي بصوتها الشائخ : لقد حان الموعد ، لا أريد أن ينتظرنا أبو ريم طويلاً .
فنهضتُ عن الحشية ، وقلت لها : أنت محقة ، لابد أن ريم تنتظرنا أيضاً ، فلنذهب الآن .
وهزت الجدة رأسها ، ثم تقدمتني ووقفت عند المدخل ، وهي تقول لي : تفضل .
خرجتُ من الخيمة ، وخرجت الجدة بعدي ، فقلتُ لها بصوت هادىء : تقدميني أيتها الجدة ، أنت تعرفين الطريق إلى خيمة أبي ريم .
لكن الجدة ردت قائلة ، وهي تسير بخطواتها الثقيلة إلى جانبي : لنسر جنباً إلى جنب ، الخيمة ليست بعيدة ، وسأدلك عليها حين نصلها .
ومشينا معاً صامتين ، وحاولت أن أبطىء ، مراعاة لعمر الجدة ، وسيرها البطيء ، ولم يطل الصمت بيننا ، فقد رمقتني الجدة بنظرة خاطفة ، وقالت : بنيّ ، نحن نقترب من خيمة أبي ريم .
وتطلعتُ حولي ، وكأني أحاول أن أخمن خيمة أبي ريم ، من بين خيام عديدة جميلة ، تحيط بها الأشجار ، فتابعت الجدة قائلة بصوتها الشائخ : أبو ريم واحد من كبار رجالات الواحة ، وهو ـ كما رأيته ـ إنسان هادىء ، متفهم ، على العكس من ابن عمها ، فهو شاب طائش فائر الدم ، متسرع ، له أصحاب يشبهونه .
وتطلعت الجدة إلى خيمة قريبة ، وقالت بصوتها الشائخ : هذه هي الخيمة ، انظر ، وتلك هي ريم تقف أمام المدخل ، ولعلها تقف هنا في انتظارنا .
ونظرت إلى حيث تنظر الجدة ، وإذا ريم تقف قرب المدخل فعلاً ، وهي تسترق النظر إلينا ، فقلت للجدة : نعم ، أنت محقة ، إنها .. ريم .
وحاولت أن أحث خطاي ، لأصل إلى ريم ، وأتحدث إليها ، لكني انتبهت إلى خطوات الجدة الثقيلة البطيئة ، فتوقفت عن محاولتي ، ورحت أجاري سيرها .
وأخيراً صرنا على بعد خطوات قليلة من ريم ، التي ظلت واقفة في مكانها ، فتوقفت الجدة على مقربة منها ، وخاطبتها بصوتها اللاهث الشائخ : طاب يومك ، يا بنيتي العزيزة ريم .
ورمقتني ريم بنظرة سريعة ، ثمّ ردت على الجدة قائلة : أهلاً ومرحباً بالجدة ، طاب يومك .
وظلت عيناي المشدوهتان تحدقان في ريم ، دون أن ينطق لساني بكلمة واحدة ، فنظرت ريم إليّ بعينيها السوداوين ، وخاطبتني بصوت ريم الخيمة قائلة : أهلاً ومرحباً بك ، أهلاً بك في خيمتنا .
وملتُ عليها ، وتمتمت : ريم ..
وقاطعتني ريم قائلة : للأسف ، خرج أبي من الخيمة لأمر هام وعاجل ، وسيعود بعد قليل .
وهممتُ أن أخاطبها ، لكنها قاطعتني ، وذلك بأن التفتت إلى الجدة ، وقالت لها بصوت رقيق : تفضلي بالدخول ، أيتها الجدة ، أمي تنتظرك في الداخل ، وسأبقى هنا مع عامر ، ريثما يعود أبي من الخارج .
وأسرعت الجدة إلى الداخل ، بقدر ما تسعفها أقدامها الثقيلة الشائخة ، وهي تقول بصوتها الشائخ : كما تشائين ، أنا مشتاقة إلى أمك ، وأريد أن أسلم عليها .
وحين دخلت الجدة الخيمة ، نظرت ريم إليّ ، وقالت : نحن وحدنا الآن .. يا عامر .
وحدقت فيها ملياً ، وعيناي القلقتان تستعيدان النخلة .. والخيمة .. والقنديل الشحيح .. وريم ، وقلت لها : هذا ما كنت أريده ، يا ريم .
وحدقت ريم فيّ ، وشبح ابتسامة ترفرف على شفتيها ، وقالت بصوت ريم الخيمة : لم أنم ليلة البارحة ، حتى ساعة متأخرة من الليل ، كنت أفكر فيك .
وبدل أن أردّ عليها ، ردّ قلبي بخفقانه الشديد ، فتابعت ريم قائلة : عامر ، ما قلته لي البارحة ، أثار قلقي ، وشغلني عما حولي ، آه .
فملتُ عليها ، وقلت : ما قلته ، يا ريم ، هو الحقيقة .
فرفعت عينيها السوداوين إليً ، وقالت : حقيقة ! أذاك كان حقيقة ؟ لكني أخشى أنه سراب .
وبحماس قلتُ : كلا ، بل حقيقة ..
فهزت رأسها ، وقالت : صحيح أن اسمي ريم ، وصحيح أنني أشعر بأني أعرفك ، لكن هذا محال ، أتمنى لو أنني ريم التي تتخيلها ، لكني لست هي .
ومددتُ يديّ ، وأمسكت كتفيها النابضين بالحياة ، وقلتُ لها : أنت هي ، أنت ريم ، هذا اسمها ، وهذه ملامحها ، وهذا صوتها ، أنت ريم يا ريم .
وهمت ريم أن تردّ عليّ ، لكنها توقفت ، ثم تراجعت إلى الوراء ، وقالت : لا .. لا ..
وخطوت نحوها ، وأنا أحاول أن أتمالك نفس ، وأن أقول لها : مهلاً .. يا ريم .. مهلاً ..
وتراجعت أكثر ، وهي تقول : لست ريم .. التي رأيتها .. انس الأمر .. ما رأيته .. سراب ..
وواصلت التقدم نحوها ، وأنا أقول : ريم ، أنت ريم ، لقد وجدتك ، ولن أتخلى عنك مهما كلف الأمر .
وتوقفت ريم ، وهي تتلفت حولها ، وحين اقتربت منها ، حدقت فيّ ، وقالت : من حسن الحظ ، يا عامر ، أن ابن عمي لا يرانا ، إنه مجنون .
وتقدمتُ منها ، وأنا أمدّ يدي إليها قائلاً : ريم .. اسمعيني
ونظرت ريم لما ورائي ، وقالت : توقف ..
لم أتوقف ، فتراجعت خائفة ، وهي تقول : عامر .. هذا أبي .. إنه قادم .
وتوقفت ، وأنا أحاول أن أتمالك نفسي ، وسرعان ما أقبل أبو ريم ، وتقدم مني ، وخاطبني وهو يبتسم قائلاً : عفواً ، يا بنيّ ، أخشى أن أكون قد تأخرت عليك .
حاولت أن أردّ عليه ، دون جدوى ، فسارعت ريم إلى القول : جاء عامر مع الجدة ، منذ قليل ، ورأيت أن ننتظرك هنا ، وها أنت قد أتيت .
ومدّ أبو ريم يده ، وأخذ بيدي ، وسار بي إلى داخل البيت ، وهو يقول : تعال إلى الداخل ، لابد أن أم ريم قد أعدت لنا طعاماً شهياً .
وسكت لحظة ، ثم أضاف قائلاً : سنتناول طعام الغداء أولاً ، ثم نرتح قليلاً ، وبعدها نتبادل أطراف الحديث ، أهلاً ومرحباً بك .




" 9 "
ـــــــــــــــــــ
قبيل المساء بقليل ، خرجنا أنا والجدة ، من بيت أبي ريم ، وسرنا جنباً إلى جنب ، عائدين إلى الخيمة ، وفي الطريق ، خاطبتني الجدة بصوتها الشائخ ، قائلة : بنيّ عامر ، ريم امتدحتك كثيراً ..
لم أردّ عليها ، فرمقتني بنظرة سريعة ، ثم أضافت قائلة بصوتها الشائخ : قالت إنك إنسان طيب ..
وثانية لم أردّ عليها بكلمة واحدة ، لكني كنت أصغي إلى ما تقول ، ونظرت إليّ هذه المرة ، وقالت : وحدثتني عن أبيها ، وقالت إنه ارتاح كثيراً إليك ، ولهذا دعاك إلى العشاء عنده في الخيمة .
وسكتت مرة أخرى ، ثم قالت وكأنها تحدث نفسها : إنه رجل طيب وكريم .
وهذه المرة لم أتكلم أيضاً ، فحدقت فيّ مندهشة ، ثم قالت : بنيّ عامر ، أراك مقطباً وحزيناً ، أرجو أن لا يكون قد دار بينك وبيت أبي ريم ، ما عكر مزاجك .
فرمقتها بنظرة سريعة ، وقلت لها : أبو ريم حدثني عن ريم وقال إنها امتدحتني ، وقالت ، إنني إنسان مريح جداً وطيب القلب ، لكنه حذرني من ابن عمها ، وقال إنه على ما يبدو قد سمع بلقائك معها ، ويخشى أن هذا قد يثير جنونه ، فهو عصبي المزاج ومتهور .
وتوقفت الجدة ، ونظرت إليّ ، وقالت بصوتها الشائخ : وله أصحاب أكثر تهوراً منه ، وهم يأتمرون بأوامره مهما كانت عواقبها .
وأشحتُ بعينيّ عنها ، دون أن أتفوه بكلمة ، واستأنفتُ سيري صامتاً ، وسمعتها تدب في أثري بخطواتها الثقيلة البطيئة ، وهي تلهث بصوت مسموع .
وحين اقتربنا من الخيمة ، لاحت لي ناقتي ، وهي مربوطة إلى النخلة العجوز ، فخاطبت الجدة ، دون أن ألتفت إليها : ادخلي أنت إلى الخيمة ، وارتاحي قليلاً ، إن ناقتي بحاجة إلى بعض الرعاية .
وتلفتت الجدة حولها ، ثم قالت لي بصوتها الشائخ ، وقد شابه شيء من الخوف والقلق : بني ، سأنتظرك في الخيمة ، لا تبقى طويلاً في الخارج .
وتوقفت لحظة ، ونظرت إليها دون أن أتفوه بكلمة ، فقالت لي بصوتها الخائف الشائخ : الشمس ستغيب بعد قليل ، وأريدك إلى جانبي ، عندما يخيم الظلام .
واستدرتُ دون أن أردّ بكلمة واحدة ، ، ومضيت إلى ناقتي ، بينما دخلت الجدة إلى الخيمة ، وسمعت وقع أقدامها الثقيلة ، وهي تدلف إلى الداخل .
ونظرت إليّ ناقتي ، حين اقتربت منها ، كأنها تعاتبني على إهمالي لها ، في الفترة الأخيرة ، فحللتُ وثاقها ، وقدتها إلى ترعة يجري فيها ماء رقرق ، فمدت عنقها الطويل إلى الماء ، وشربت حتى ارتوت .
ثم تجولت بها ، في مواقع عديدة ، غنية بالحشائش الريانة ، وتركتها تأكل وتأكل ، حتى غابت الشمس ، فقفلت بها عائداً ، وربطتها إلى النخلة العجوز .
واتجهت إلى الخيمة ، وقد حلّ الظلام ، ومضيت إلى الداخل ، وإذا الجدة تقف قرب المصباح ، وقد أشعلته ، وقالت لي : لقد تأخرت ، يا بنيّ .
فرمقتها بنظرة خاطفة ، وقلت لها : ناقتي كانت جائعة وعطشانة ، فأطعمتها ورويتها ، ثم أعدتها إلى مكانها قرب النخلة .
ونظرت الجدة العجوز إليّ برهة صامتة ، ثم قالت لي بصوتها الشائخ المتعب : سأعدّ لك شيئاً من الطعام ، فقد حان وقت العشاء .
وأبعدت عينيّ الغائمتين عنها ، وجلست في فراشي ، مسنداً ظهري إلى الحائط ، وقلت لها : أشكرك ، لا أشتهي أي شيء من الطعام .
وجلست هي الأخرى في فراشها ، ثم نظرت إليّ ، وقالت بصوته الشائخ المتعب : بنيّ عامر ، أريد أن أقول لك شيئاً ، وأرجو أن تتفهمني .
ونظرت إليها ، على ضوء القنديل الخافت ، وبدت لي وكأنها شاخت أكثر وأكثر ، فقلتُ لها : أنت بمثابة جدتي ، وكانت عزيزة عندي ، قولي ما تشائين .
فقالت لي الجدة بصوتها الشائخ الحنون : صدقني ، يا بني ، إنني أتمنى أن تبقى معي العمر كله ، فأنا امرأة عجوز وحيدة في هذه الحياة ، وبحاجة إلى إنسان مثلك أرعاه ويرعاني .
وهززتُ رأسي متأثراً ، وقلت لها : أنا أعرف ذلك ، وستبقين قريبة مني ، أينما كنت .
وغالبت الجدة دموعها ، وتابعت قائلة بصوتها الشائخ : لأنك ابني ، ولأني أحبك ، أقول لك ، وأرجو أن تتفهمني ، عد إلى عالمك ، هذه الواحة خطرة عليك .
ولذت بالصمت لحظات ، ثم قلتُ وكأني أحدث نفسي : ريم ترتاح إليّ ، وأنا أرتاح إليها ، لا أستطيع أن أبتعد عنها ، ولن أبتعد عنها ، مهما كلف الأمر .
ونظرت الجدة إليّ نظرة حزينة ، ثم قالت لي : لا يا بتيّ ، أنت واهم ، ريم ليست كما تتصورها ، ثم إنك لا تعرف ابن عمها ، وهو يريدها ، إنه مجنون .
لذت بالصمت ، فقالت لي الجدة : نم الآن ، يا بنيّ ، وأرجو أن تفكر فيما قلته لك ، وأتمنى أن تأخذ ناقتك غداً ، وتعود من حيث أتيت .
تمددتُ في فراشي ، وأغمضتُ عينيّ المتعبتين ، لا أريد أن أنام ، ولن أنام ، سأبقى في هذه الواحة ، سأبقى إلى جانب ريم ، مهما كلف الأمر ، لكني .. نمت .
تناهى إلى صوت ريم ، تهتف بي : عامر ..
فتحتُ عينيّ ، لعله حلم ، نحن في منتصف الليل ، لابد أن هذا الصوت من داخلي ، ونظرت إلى الجدة ، كانت تغط في نوم عميق ، وجاءني الصوت ثانية : عامر ..
إنها هي ريم ، هذا صوتها ، ونهضت من فراشي ، وتسللت إلى الخارج ، وإذا شاب يمسك بريم ، ويجرها بعيداً ، وهي تهتف بي : عامر .. اهرب .. اهرب ..
وبدل أن أهرب ، اندفعت نحو الشاب ، الذي يجر ريم ، لكني فوجئت بثلاثة رجال ملثمين ، ينقضون عليّ من الظلام ، وينهالون علي ضرباً بهراوات ثقيلة ، حتى ألقوني أرضاً ، مضرجاً بالدماء ، وسرعان ما أغمي عليّ ، ولم أعد أعي بما يدور حولي .








" 10 "
ــــــــــــــــــــــــ
فتحتُ عينيّ ، أحقيقة هذا أم خيال ؟ فبعد ما جرى لي ، ظننت أنني لن أفتح عينيّ ثانية ، ولن أرى لا ريم ، ولا أروى ، ولا حتى ناقتي الفتية .
وقبل أن أفتح عينيّ ، وأعود من الظلام ، تناهى إليّ من مكان قريب ، صوت أعرفه ، لكن بدا لي ، وكأني لا أعرفه إلا من مدة بعيدة جداً .
وفوجئت بوجه أعرفه ، يطل عليّ مبتسماً ، وربما فرحاً أيضاً ، إنها فتاة ، فتاة جميلة ، أهي ريم الخيمة ، أم ريم الواحة ، أم .. ؟ يا للحيرة .
وبصوتي المبعثر، قلت لها : من أنتِ ؟
ردت عليّ قائلة ، وقد اتسعت ابتسامتها : قدرك .
ومن أعماقي المضببة ، قلت : آه ..
ومالت عليّ الفتاة وهي مازالت تبتسم ، وهمست في أذني : لعلك توقعت أنني .. ريم ..
وحدقت فيها ، وقلبي يخفق بشدة ، وتساءلت : ريم !
فاعتدلت الفتاة ، وهي تتغامز ، ثم قالت مبتسمة : نعم .. ريم .. لقد كررت اسمها مرات .. وأنا .. القدر .. لبثتُ أعتني بك .. حتى انتشلتك من نعيمك .. الذي كنت فيه .. وأعدتك إلى قدرك .
ولذتُ بالصمت ، وأنا أحدق في الفتاة ، التي كانت تطل عليّ ، ثم قلت متسائلاً : أروى !
وهزت رأسها ، وفالت : نعم ، أروى .
هذه أروى إذن ، ابنة عمي ، وليست ريم ، لا ريم الخيمة ، ولا ريم الواحة ، ولا .. ، وحاولت أن أبتسم لها ، رغم ضعفي وآلامي ، وقلت لها بصوتي المبعثر : لو تعرفين .. يا أروى .. كم عانيت .. طوال هذه المدة .. التي رحلت فيها .. وغبت ..
وسكتّ حين سمعت أروى تكتم ضحكها ، وتضع كفها على فمها ، فقلت لها بصوتي المبعثر : أروى .. يبدو أنك لا تصدقينني ..
فرفعت يدها عن فمها ، وقالت لي ، وهي تبتسم : أنت لم ترحل للصيد في الصحراء إلا البارحة صباحاً ، وعند المساء وجدك أحد الصيادين ، وقد سقطت لسبب ما من فوق ناقتك الفتية .
ماذا تقول هذه الأروى ، لابد أنها جنت ، وهممت أن أحدثها عن ضياعي في الصحراء ، والنخلة الوحيدة ، والخيمة الوحيدة ، وسط الصحراء ، وعن ريم ، ريم الخيمة ، وريم الواحة ، و ..
وتوقفت ، حين مالت عليّ أروى ، وقالت : لقد وعدتني أن تصطاد لي غزالة ، من غزلان الصحراء ، التي تشبهني بها ، لكنك عدت مهشماً ، وأنت في الرمق الأخير ، بعد أن سقطت عن الناقة .
حدقتُ فيها مذهولاً ، وتساءلت : ماذا تقولين !
وتابعت أروى قائلة : ومنذ أكثر من عشرة أيام ، وأنا أرممك ، لأعيدك كما كنت ، قبل أن تقوم برحلتك الأخيرة ، وأرجعك إليّ ..
ومالت عليّ ، وهمست لي : عامر ، كما أنني قدرك ، فأنت كذلك .. قدري .
ومددت يدي ، التي رممتها أروى ، وأمسكت بيدها ، وقلت بصوت دافىء : أروى ..
ابتسمت بحنان ، وقالت : نعم .
وتابعت كلامي الدافىء قائلاً : لا تدعيني أرحل إلى الصحراء ثانية .
واتسعت ابتسامتها ، وهي تقول لي مازحة : لكنك وعدتني بغزالة تشبهني .
فقتُ لها : إنني أخاف الغزلان .
وغمزتني متسائلة : تخاف الغزلان ، أم الريم ؟
والتمعت عيناي المضببتين ، وتراءت لي النخلة .. والخيمة .. وريم .. وكذلك الواحة .. وريم أيضاً آه .. ريم .. ريم .. ريم .. آه .
وحاولت أن أهرب ، فوجدتني في الواحة ، وأمامي ريم نفسها ، فتحاملت على نفسي ، واعتدلت في مكاني ، وصحت مستغيثاً مستنجداً : أروى .. أروى .
وتلقتني أروى بين ذراعيها المحبين ، وكأنها تحميني من الضياع ، وهمست لي : قالت لي أمك ، اسمعي يا أروى ، لكي لا يتيه عامر منك في الصحراء وراء الريم ، تزوجيه بسرعة ، وأغرقيه بالبنين والبنات .
وهذا ما فعلته أروى ، فتزوجتني على جناح السرعة ، وعلى جناح السرعة أغرقتني بخمسة بنين ، وبنت واحدة ، وآه منها ، إنها غزالة .
وتناهى إليّ من خارج الخيمة ، صوت غزالتي الأثيرة ، التي صارت في الثالثة عشرة من عمرها ، تناديني بصوتها العذب : أبتي ..
فخفق قلبي فرحاً ، واعتدلت في مكاني من الخيمة ، حيث أجلس دائناً ، وقد اشتعل الرأس شيباً ، وهتفت : تعالي ، أنا هنا ، يا ريم .
ودخلت ريم ، وهي تضج ريماً ، ها هي ريم الخيمة .. وريم الواحة .. وريم الريم ، آه .. يبدو .. ويا لفرحي .. أنني سأبقى .. ومعي ريمي .. حتى النهاية .
وارتمت ريم بين ذراعي ، وهي تهتف مكركرة كالأطفال : أبي .. حبيبي ..
وضحكت بدوري ، وقلت : ستراك أمك .
فقالت ، وهي تطوقني بذراعيها : تغار مني .
وجاريتها قائلاً : إنها تغار من ريم .
فقالت ريم : هي أيضاً ريم .
ولذت بالصمت مهمهماً ، فقالت ريم : أبي ..
وطبعت قبلة على خدها ، وقلت : مريني ..
فقالت : أريد غزالة من الصحراء .
ولذت بالصمت ، وقد لمعت جمرتا عيني ، اللتان غطاهما رماد السنين ، فهزتني ريم بيديها الفتيتين ، وقالت لي : أبي ، إنني أكلمك .
فابتسمت لها ، وقلت : بنيتي ، لم أعد فتياً ، لأذهب إلى الصحراء ، وأتيك بغزالة .
وبدا الحزن على ريم ، وتعكر الألق في عينيها السواداوين ، فاحتضنتها ، وقلت لها : أعرف صياداً ماهراً ، خبيراً بالصيد في الصحراء ، سأطلب منه أن يأتيك ، بأسرع وقت ممكن ، غزالة تشبهك .


8 / 9 / 2022








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - الناقد الفني طارق الشناوي يحلل مسلسلات ونجوم رمضان


.. كل يوم - طارق الشناوي: أحمد مكي من أكثر الممثلين ثقافة ونجاح




.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي لـ خالد أبو بكر: مسلسل إمبراطور


.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي: أحمد العوضي كان داخل تحدي وأثب




.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي : جودر مسلسل عجبني جدًا وكنت بق