الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا حياد للميديا

حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)

2006 / 9 / 30
الصحافة والاعلام


لعب الإعلام دائما دورا خطيرا في كل العصور ، وفي مختلف مراحل تطور المجتمعات البشرية ، وقد كان في الماضي أيضا للحكام كتّابهم و مروّجين للدفاع عن سلطتهم ، وسلطة طبقتهم الحاكمة. وحتى رؤساء العشائر والآغوات في منطقتنا كان لهم لسان حال ومن يقوم بدور الإعلامي والدعايات ، عبارة عن شعراء أو أفراد يتقنّون القراءة والكتابة و مهمتهم تدوين سياسة القبيلة ورئيسها ، وتوضيح مطاليبها وعلاقاتها بالسلطات الأكبر في البلد ، أو بسلطات القبائل الأخرى.
فالإعلام كان غالبا ما مصدرا للسلطة ، و قد تكون نفسها سلطات مثلما هي قنوات الجزيرة و بي بي سي و سي إين إين وغيرها.
وللميديا أيضا ارتباط وثيق بالسلطات الحاكمة ، سواء كانت الحكومة ، أو السلطات الدينية و الأبوية و القبائلية.
وغالبا ما أقرأ أن هذا المنبر الإعلامي سواء كان جريدة ، أو موفع الكتروني أو راديو ، أو ذاك هو منبر مستقل ، أو محايد في هذا العصر، وأنه يقوم بتحليل الحدث وتقييمه بموضوعية و باستقلالية. والمقصود بالحياد أو الإستقلال هنا أن المنبر ذاك غير مرتبط بحزب معين أو بالحكومة ، ولا يعبر عن سياسة جهة معينة ما، أو غير ممول من قبل سلطة ، ولا يمثل سياستها.
فالإستقلال أو الحياد له اشكالياته ، وآراء تتفاوت تفاوتا كبيرا في التعريف والمفاهيم. ففي عالم ملئ بالتناقضات و الصراعات ، و تسوده مظاهر الظلم والاستغلال والاستعباد و التفرقة والتمييز والجوع وأكثرية محرومة من أبسط مستلزمات الحياة ، لا يمكن للإعلام أن يكون محايدا. ولو كانت المزاعم باستقلالية أو حيادية الإعلام صحيحة، بحجة أنها مبنية على أن النظام البطريركي السائد في المجتمع ، أو النظرة الدونية للمرأة، أو حقوق العمال والفلاحين ، والأطفال مسائل لا تهمه ، أو لا يتأثر بها ، فتلك المزاعم تؤكد العكس ، أي أن وسائل الإعلام لا يمكن أن تكون محايدة أو موضوعية، وهي تنحاز إلى من يملكون الزمام والسلطات، أو المال الوفير.
ولا يمكن تصور كيانات سياسية و إقتصادية وإجتماعية بدون وسائل إعلام بشكل من الأشكال. فالدولة أحوج ما تكون للإعلام لكي تستمر في الوجود ، مثلما أنها بحاجة إلى الشرطة والجيش والمحاكم والسجون وأجهزة القمع ، سواء كانت تلك الوسائل الإعلامية حكومية أو غير حكومية. ومن لا يعرف أهمية الإذاعة أثناء الانقلابات العسكرية ؟ لقد كانت الإنقلابات العسكرية في العالم الثالث دوما يذكر المرء أن القائمين بالإنقلاب أول ما قاموا به هو السيطرة على محطة الإذاعة ليذيعوا البيان رقم واحد.
أما الإنترنت فقد أصبح يؤدي مهام الإذاعة والتلفزيون والصحافة في آن واحد. و يمكن خلاله الدخول إلى أكبر مكتبة في العالم ، ومطالعة الكتب و المشاركة في الكونفرانسات ، وبامكان المرء كذلك المراسلة و المكاتبة والمكالمة ، أو القيام بالتجارة و عمليات البيع والشراء عبر الإنترنت . أو بامكان أي فرد أن يستمع إلى الإذاعات ، ويشاهد قنوات التلفزيون، أو أفلاما وغيرها. فكل هذه الأمور اختلطت من مسموعات ومرئيات و مقروءات بفضل الإنترنت.

و قد غيّر الإنترنت – كما أسلفت- الكثير في حياة الإنسان المعاصر فيما يتعلق بأساليب الاتصال و أشكاله، لكنه لم يغير شيئا من جوهر المجتمعات الطبقية ، وجوهر الاستغلال، ولم يخفف من معاناة الشرائح المظلومة في المجتمع البشري . فالمرأة ظلت مضطهدة ، والفوارق الطبقية تزداد يوما بعد يوم بين الطبقة الرأسمالية و الطبقة العمالية والفلاحية . وتفاقمت العنصرية ومشاكل البيئة والكوارث الطبيعية .
لقد أتى الإنترنت بأشكال اتصالات حديثة ، ولم يُلغ ِ الأشكال السابقة و القديمة ، التي استمرت تعمل إلى جنب الوسائل الحديثة. وإن ّ الإنترنت لم يغير العلاقات بين السلطات الحاكمة و الطبقات السائدة الرأسمالية وبين الطبقة العاملة والكادحين . و لم يؤد ّ ِ الإنترنت إلى تحسن وضع الفقراء و المحرومين، بل على العكس أصبح وسيلة لتسهيل تجارة الرقيق الأبيض والبورنوغرافي ورواجها بشكل لم يسبق له مثيل، وأمسى وسيلة سهلة وفعالة لبث سموم العنصرية و الضغائن القومية والدينية والطائفية.

فكل ما هو موجود في الواقع ، موجود في الإنترنت. وإن كل اكتشاف جديد تصاحبه أوهام جديدة . فقبل أكثر من 150 عاما تم اختراع التلغراف فصاحبته خرافات تدعي أن حياة البشر ستتغير بشكل خارق لكل القوانين الطبيعية والاجتماعية، مثل أن كل عائلة ستلبى كل مطالبها واحتياجاتها من تدفئة وتغذية و غيرها بلمح البصر. وهكذا حدث مع اكتشاف الإنترنت وتطوره.
وثمة نظريات عديدة في الميديا ، منها النظرية اللبرالية وهي قديمة تعود إلى ما قبل 300 عام، و ظهرت في أوروبا من قبل البرجوازية الصاعدة التي كانت تكافح ضد سلطة الإقطاع . والبرجوازية في الفترة تلك كانت تؤمن بحرية الناس في التعبير عن آرائهم في وسائل إعلام حرة غير مقيّدة وغير حكومية من صحافة وكتب ومجلات ونشرات جدارية وغيرها . وكانت تعتقد أيضا أن كل مواطن له كامل الحق في امتلاك وسائل الإعلام الخاصة به ، وأنْ يعبّر عن رأيه بكل حرية و بدون رقابة ، و لكن بعيدا عن الدعايات والبروباغندة لسلطات معينة ، و بدون دعايات للحكومة القائمة. والبرجوازيون كانوا إذ ذاك يواجهون حكومات مستبدة وإقطاعية وديكتاتورية. وكانوا يرون في الدولة مصدر استبداد وديكتاتورية مثل فرض الرقابة على الرأي و القيام بالدعايات للحكومة، وقد كانت آثار محاكم التفتيش الإجرامية للكنيسة والإقكاع لا تزال باقية .
وإن ّ قضية غاليلو غاليلي وكيف فرضوا عليه أن يتراجع عن رأيه بأن الأرض تدور حول الشمس معروفة للجميع . وقد سمعنا أو قرأنا عن تحالف الكنيسة مع الدولة الإقطاعية و إحراق أصحاب الرأي المخالف للدولة والكنيسة ، بذرائع السحر والشعوذة والكفر . واليوم وصلت البرجوازية إلى مرحلة تفسخها ووسائل اعلامها لا يمكن لها إلا أن تساند جرائمها في العالم ، وتغطي على كم الأفواه حتى في بلدانها، مثلما حدث للكاتب المتحرر جان جلو في السويد ، إذ حكم عليه بالسجن لسنتين لفضحه خروقات المخابرات السويدية " سيبو" وانتهاكها لحقوق الإنسان في كتاب نشره قبل سنوات عديدة.
و ثمة نظرية أخرى تتبناها تيارات عديدة من ماركسية ولبرالية وهي ترى أن وسائل الإعلام لا بد لها أن تتبنى مواقف معينة بشكل من الأشكال ولا اعلاميون أو مفكرون أو كتاب يمكن أن يكونوا عديمي المواقف وخارج طبقات المجتمع وشرائحه وبعيدا عن تأثير الصراعات الدائرة فيه .
وقد أصبحت البرجوازية هي الحكومة بعدما أخذت الزمام في انجلتره في نهاية القرن السابع، و في فرنسا على أثر الثورة الفرنسية في العام 1789 ، وفي أمريكا بعد العام 1776، مما أدى إلى تغيّر الأوضاع بشكل دراماتيكي ، وظهرت الديمقراطية البرجوازية ، و أصبحت وسائل الاعلام الأهلية و الخصوصية متوفرة توفرا واسعا مثل الماء والهواء . و مذ ذاك بات الإعلام الأهلي و الخصوصي مصدر الرقابة و الدعاية لصالح البرجوازية التي أصبحت الحكومات تدار من قبل بعض أجنحتها. لقد تحولت بعض وسائل الإعلام إلى سلطات بذاتها، أو امبراطوريات ، لها ملوكها ومستساروها ووزراؤها، مثل قناة الجزيرة بالنسبة للعالم العربي، وهي تشكل الرأي العام و تغير ذهنية المواطن العربي بفعالية تفوق أية حكومة عربية.
و إن وسائل الإعلام مثل سي أن أن ونيويورك تايمز وبي بي سي في البلدان الرأسمالية هي نفسها تشكل سلطات تشارك الحكومة سلطاتها . وإن ّ انتقاداتها للحكومة الأمريكية و للرأسمالية بناءة وغير هدامة. لا تخرج من دائرة مصالح الحكومة والسلطات . فمثلا وسائل الإعلام الأمريكية حريصة جدا على مصالح أمريكا و على أرواح جنودها و سمعة أمريكا ، وقد كانت جنبا إلى جنب القوات العسكرية والأسلحة الذرية تحارب الشعوب المظلومة ، و تحارب الشيوعية والتقدميين أثناء الحرب الباردة . وإن كانت تنتقد سياسة البيت الأبيض أحيانا ، كان من باب الحرص على انجاح سياسة الولايات المتحدة ، لا انتقاد جرائمها في العالم، أي كان انتقادا بناءً وحرصا على أن لا تخرج أمريكا من الحرب الباردة خاسرة معنويا وأخلاقيا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روسيا ترفع رؤوسها النووية والناتو يرفع المليارات.. | #ملف_ال


.. تباين مواقف الأطراف المعنية بمفاوضات وقف إطلاق النار في غزة




.. القصف التركي شمالي العراق يعطل انتعاش السياحة الداخلية الموس


.. شبكات | هل يعاقب مدافع المنتخب التركي بسبب -الذئاب الرمادية-




.. الجزيرة في أوزبكستان.. ماذا تخفي الدولة الآسيوية العريقة من