الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مخاطر وُجُود حلف شمال الأطلسي (ناتو)

الطاهر المعز

2022 / 9 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


كان الإتحاد السوفييتي يُشكّل الذّريعة الرّسمية التي تُقدّمُها الولايات المتحدة للإبقاء على حلف شمال الأطلسي، وبالتالي كان ينبغي حله وإنهاء وُجود الحِلْف، بنهاية الحرب الباردة، وانهيار الإتحاد السوفيتي. لكن الولايات المتحدة افْتَعَلت الحاجة إلى حروب جديدة لتبرير استمرار وتوسيع حلف الناتو، فكان العُدوان على يوغوسلافيا والعراق وأفغانستان وليبيا، على سبيل الذّكْر، لسحق الشعوب ، وحل جهاز الدولة وفرض الفوضى، باسم فَرْض الحريات وحقوق الإنسان.
بدأت الولايات المتحدة في الالتفاف على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة منذ انهيار الإتحاد السوفيتي، لمهاجمة عدة دول عسكريًا، ونهب مواردها وتغيير نظامها السياسي، وكان (ولا يزال) حلف شمال الأطلسي أحد أدوات هذه السياسة الأمريكية العدوانية التي تستفيد منها الشركات متعددة الجنسيات، ذات المَنْشَأ الأمريكي والمجمع العسكري الصناعي الأمريكي، وفي هذا الإطار يتَنَزَّلُ قرار الولايات المتحدة توسيع نطاق الناتو، مُتَذَرِّعَةً بأمن المستعمرات و 800 قاعدة عسكرية أمريكية في جميع مناطق العالم، ويتمثل دَوْر بريطانيا في تبرير هذا التّوسيع وأي عدوان ينتج عنه، إذ أكّدت وزيرة الخارجية البريطانية (بي بي سي 27 نيسان/ابريل 2022) أن الناتو "يجب أن يكون له منظور عالمي ويجب أن يوسع أنشطته العسكرية الهجومية إلى المحيط الهادئ والمحيط الهندي، لمواجهة التهديدات العالمية".
يبرر الناتو عدوانيته واستفزازاته لروسيا والصين، بالإشارة إلى "الدور السلبي لروسيا وطموحات الصين التي تتحدى مصالحَنا وأمنَنا وقِيَمَنا ... يجب علينا تعزيز أدواتنا السياسية والاقتصادية والعسكرية لِكَسْرِ التحالف بين موسكو وبكين وفرض قِيَمِنا ومَصَالِحِنا"، وفقًا لوثيقة "المفهوم الاستراتيجي"، التي نشرها موقع الناتو على الإنترنت بنهاية شهر حزيران/يونيو 2022، إثر انتهاء أعمل المنتدى العام للتحالف بمدريد (28-29 حزيران/يونيو 2022)، حيث حَثَّ رئيس الوزراء الأسترالي "أنتوني ألبانيز" الشركاءَ على "معاقبة محاولات الصين لبناء تحالفات في المناطق التي كانت تاريخياً معقل القوى الغربية، مثل منطقة المحيطين الهندي والهادئ".
لقد استغل المُجَمَّع الصناعي العسكري الأمريكي والسُّلْطة السياسية للولايات المتحدة هذا المناخ الحربي العدواني (الذي خلقوه) لاستخدام الحرب في أوكرانيا كذريعة لإعادة الناتو إلى الواجهة، وزيادة ميزانيته التي تستفيد منها بشكل مباشر صناعة الأسلحة الأمريكية، وأعلن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي "إن الناتو هو المنظمة الوحيدة القادرة على تشكيل قوة ردع لروسيا".
كان الناتو، عند تأسيسه، منظمة عسكرية إقليمية لمنطقة "شمال الأطلسي" وليس منظمة عالمية، وكان دستوره يقتضي الدّفاع على أعضائه إذا ما تعرّضوا إلى عدوان خارجي ( وليس في حالة المبادرة بالهجوم)، وفقًا لوثيقة التّأسيس، وما حَرْبُ أوكرانيا سوى ذريعة جديدة لإعادة هيكلة الناتو على نطاق واسع، من خلال تفعيل قوة الرد السريع، ووضع 300 ألف جندي في حالة تأهب مستمر، ونقل القوات العسكرية والعتاد الثقيل إلى القسم الشرقي من العالم (انطلاقًا من الولايات المتحدة وأوروبا)، وزيادة عدد الجنود الأمريكيين في أوروبا، من 64 ألفًا سنة 2020، إلى مائة ألف عام 2022، فضلا عن العتاد المُتطوّر، وفضلا عن إرسال آلاف الأطنان من الأسلحة المتطورة أو التي لا تزال في مرحلة التّجارب إلى أوكرانيا، على حدود روسيا. بالإضافة إلى ذلك، يعمل حلف الناتو على التّوسُّعِ، من خلال حث السويد وفنلندا على طلب العضوية، في 18 أيار/مايو 2022، وهما دولتان كانتا تَدّعِيان "الحياد"، رغم مُشاركة جيوشهما ومخابراتهما العسكرية وأسلحتهما في العديد من الاعتداءات العسكرية الأمريكية أو في دعمتها.
لم يعد حلف الناتو "ميتًا دماغيا"، على حد تعبير الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (تشرين الثاني/نوفمبر 2019)، بل تمكن من تعزيز نشاطه في مناطق جديدة ومن تدعيم هياكله ووظفته، ومن الاستعداد لاستقبال دولتين جديدتين لهما موقع استراتيجي هام، نظرًا لقربهما من روسيا.
يقوم الناتو في أوكرانيا بتجربة ما يسمى بعمليات "إدارة الأزمات" التي نفذت منذ العقد الأخير من القرن العشرين في منطقة البلقان أو "القرن الأفريقي" ثم في أفغانستان، في الفترة من 2000 إلى 2020 وفي ليبيا، سنة 2011 (بالإضافة إلى العدوان غير المعلن رسميا على سوريا واليمن) بذريعة "مكافحة الإرهاب" أو "إعادة النظام" في بلد أو منطقة من العالم. نَفَّذَ حلف الناتو (وبالتالي الولايات المتحدة)، منذ العام 2012، وخاصة منذ الانقلاب اليميني المتطرف في أوكرانيا سنة 2014، حملة دعائية ضد الزيادة الإضطرارية لميزانيات الدّفاع الروسية والصينية، وذلك بهدف تبرير إعادة التسلح الرسمي لليابان وألمانيا، فاستفاد الكيان الصهيوني مباشرة من إعادة تأهيل الصناعات العسكرية الألمانية والحصول على أسلحة متطورة قادرة على حمل رؤوس نووية (مثل الغواصات) تسعر تفضيلي يُعادل ثُلُثَيْ السّعر الرّسمي...
زاد الناتو من الاستفزازات والتدريبات العسكرية على حدود روسيا وفي المناطق القريبة من طرق التجارة البحرية الصينية، منذ العام 2012، عندما أعلن الرئيس باراك أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون مُحاصرة القوات البحرية الأمريكية للصين، كما عزز الناتو وجوده العسكري في بولندا وفي دول البلطيق الثلاث الصغيرة (إستونيا ولاتفيا وليتوانيا )، على حدود روسيا، وكذلك في رومانيا وبلغاريا وسلوفاكيا ...
لم يحترم الناتو الإتفاقيات المُوَقَّعة مع روسيا بين سنتَيْ 1990 و 1997، إذ يستبعد الإتفاق الأخير ضمنيًا إقامة هياكل ( أو قواعد) عسكرية دائمة بين الأعضاء المستقبليين، وبدل تطبيق الإتفاق، سارعت الولايات المتحدة إلى نصب قواعد عسكرية أمريكية، نيابة عن الناتو، على أراضي دول البلطيق وبولندا ورومانيا، وأصبحت استراتيجية الناتو، التي تم تبنيها في مدريد (28 و 29 حزيران/يونيو 2022) تتضمّن "نصب الفخاخ" لروسيا، وإطالة أمد الحرب في أوكرانيا، وممارسة حرب الاستنزاف وإغراق أوكرانيا بالأسلحة، فضلا عن تكثيف عمليات استفزاز الصّين على حدودها.
لن نملّ من إعادة التّأكيد أن الحرب جُزْءٌ من استراتيجيات الرأسمالية (خصوصًا خلال المرحلة الإحتكارية، أو الإمبريالية) لتصريف أزماتها، عبر زيادة الإنفاق الحربي، والتّضْيِيق على الحريات السياسية والنقابية، والحريات الفردية، بإقرار قوانين استثنائية تُلغي كافة المكتسبات، بذريعة "إن الوطن في خطر"، وهو ما فعلته الولايات المتحدة بإقرار "باتريوت آكت"، وقوانين "مكافحة الإرهاب"، فيما يُعاني العاملون داخل الولايات المتحدة من انخفاض قيمة الرواتب ومن تدهور ظروف العَمل ومن ارتفاع عدد الفُقراء وفاقدي المأوى، فلا يجدون الوقت والجُهْد للإهتمام بمستقبلهم ومستقبل أبنائهم، هذا إذا ما تَوَفَّر الوَعْي السياسي والطّبقي، في ظل التّضْلِيل الإعلامي والإيديولوجي المُستمر...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران تتحدث عن قواعد اشتباك جديدة مع إسرائيل.. فهل توقف الأم


.. على رأسها أمريكا.. 18 دولة تدعو للإفراج الفوري عن جميع المحت




.. مستوطنون يقتحمون موقعا أثريا ببلدة سبسطية في مدينة نابلس


.. مراسل الجزيرة: معارك ضارية بين فصائل المقاومة وقوات الاحتلال




.. بعد استقالة -غريط- بسبب تصدير الأسلحة لإسرائيل.. باتيل: نواص