الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا يختلف دور الجيوش فى الشرق عن الغرب ؟

أحمد فاروق عباس

2022 / 9 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


باختلاف التاريخ الاقتصادى والسياسى للدول تختلف طبيعة ودور ومكانة جيوشها فيها ، وتؤثر ظروف نشأة الجيوش على طبيعتها وعلى دورها ، ومن هنا كان الاختلاف الواضح بين دور وطبيعة ومكانة الجيوش فى الشرق عنها في الغرب ..

ففى الغرب فى العصور الوسطى كانت هناك الإقطاعية ، وكان فيها الأمير أو النبيل يملك الأرض وما عليها من بشر ( كانوا يسمون عبيد الأرض أو ألاقنان ) .
وكان سيد الإقطاعية يمتك رجاله الذين يحمون الإقطاعية من هجوم الآخرين عليها ، أى كان لكل أمير أو نبيل جيشه الخاص به ، والذى ينفق عليه من ريع أراضيه ..

وعندما كان الملوك يريدون المال كانوا يأخذونه من الإقطاعيين غصباً أو رضا طبقاً لموازيين القوى بين الطرفين ، وكذلك عندما كانوا يريدون الرجال أو الفرسان للحرب ..

كانت تلك اللبنة الأولى لبناء الجيوش فى الغرب ..
أى الجيش فى خدمة الطبقة المالكة للأرض ..

وحتى عندما اضمحل النظام الإقطاعى ، ونشأت المدن وبها الطبقة الجديدة البازغة وهى طبقة التجار ، التى تحالفت مع الملوك وازاحت طبقة الإقطاعيين ، وحلت هى مكانها باعتبارها الطبقة القائدة في المجتمع ، كان الجيش أيضا خلف التجارة وفى خدمتها ، كما كان من قبل خلف الإقطاعية وفى خدمتها ..

وعلى سبيل المثال كان لكل شركة جيشها الخاص بها ، والمثال الأبرز على ذلك جيش شركة الهند الشرقية وهى شركة بريطانية ( وكان لها نظير في هولندا ايضا وبنفس الإسم ) ، وكان جيشها يجوب البحار ويحارب الدول ويغزوها !!

ومع تحول التجار إلى رأسماليين ، وتحول الرأسمالية من رأسمالية تجارية إلى رأسمالية صناعية ثم - أخيرا - رأسمالية مالية ، كان الجيش أيضا في خدمة سيده الجديد .. الطبقة الرأسمالية .

ومن هنا كانت كل حروب بريطانيا وفرنسا - وأمريكا بعدهما - تلبية لحاجات الطبقة الرأسمالية وضرورات توسعها ، سواء بالاستعمار كما فعلت بريطانيا وفرنسا فى الماضى ، أو فى حروب الولايات المتحدة المتعددة فى عصرنا .. حروب لمصلحة الطبقة القائدة ، ويستخدم الجيش كأداة تعمل في خدمة سادته من أصحاب رؤوس الأموال ..

ومن هنا نفهم تقلب رجال الجيش الأمريكى فى المناصب الكبرى فى الشركات الأمريكية بعد تركهم الخدمة ، ومن هنا نفهم أيضا دور المجمع الصناعى العسكرى فى أمريكا : طبقة قائدة تستخدم رجالها من العسكريين في توسعها وازدهارها ..

والاسم الأهم فى تاريخ الاستراتيجية الأمريكية وعلم الجغرافيا السياسية الأمريكى ألفريد ماهان - وهو ضابط كبير في البحرية الأمريكية - كان يرى أن التجارة هى الأداة الأولى للسياسة ، وعلى الأعمال العسكرية لأمريكا تأمين الشروط الافضل لازدهار التجارة الأمريكية حول العالم .

ولما كان من غير المقبول أمام الشعوب الغربية ظهور الحقيقة عارية بدون أى اصباغ تخدع و تزيف ، كان اللجوء إلى طلاء الحقيقة وتلوينها ، وهنا تم تقديم جهد نظرى كبير يتحدث عن سيطرة المدنيين على العسكريين في الغرب ، ولم يكن ذلك توصيفا أمينا بقدر ما هو سيطرة الرأسماليين على الدولة وأجهزتها ومنها جهاز الجيش !!

وعلى الرغم من أن التطورات أتت ومعها تصعيد العسكريين كشريك كامل - ولكن أصغر - لطبقة الرأسماليين ، فإن الحقيقة هى أن الجيوش فى الغرب تعمل في خدمة الرأسمالية ..
وهو ما أختلف تماما فى تجربة الشرق ..

كانت دول الشرق فى مستهل العصور الحديثة إما دولاً محتلة من الغرب - وهى الأغلبية - أو دول فقيرة منزوية ومنكفئة على نفسها ..

لم تظهر بتلك الدول طبقة رأسمالية تملك الموارد ولديها رؤوس الأموال ولديها االطموح للسيطرة فى الداخل والتوسع في الخارج وتبنى بالتالى جيوشها .. بل كانت أغلب تلك الدول دولا زراعية ، وبعضها كان ما يزال يعيش فى اقتصاد المقايضة !!

ومع نمو الشعور القومى فى تلك الدول ، ومع وجود جيوش أجنبية محتلة على أراضيها ، نشأت جيوشها الصغيرة كجزء من كتلة وطنية تشارك باقى أبناء بلدها في شعورها القومى بالتخلص من الاستعمار ، ثم بناء دولها القومية ..

اى لم تنشأ الجيوش فى الشرق وراء طبقة اقطاعية ، أو من خلف شركة ، أو فى خدمة طبقة ، بل نشات في حركة شعوب الشرق للتخلص من محتليها وبناء دولها القومية على أسس وطنية ..

كان ذلك دور الجيش فى مصر مثلا - منذ أيام الثورة العرابية ونشأة الشعور والوعى القومي فى مصر - أو فى الصين ، ومن يدرس تجربة الجيش الصينى فى " المسيرة الطويلة " التى قادها ماوتسى تونج حتى نجاح الثورة الصينية عام ١٩٤٩ سيفهم كيف كانت جيوش الشرق جزءا من حركات شعبية عارمة للتحرر الوطنى ..

ومن هنا صعوبة الفصل بين جيوش الشرق وبين ممارسة دورها في السياسة ..

وبعد استقلال دول الشرق عن الاستعمار الأوروبى كان البناء الاجتماعى والطبقى والسياسى مشوها إلى حد كبير ..
وكان على السطح بقايا الطبقات التى تعاونت مع الاستعمار واستفادت منه اقتصاديا ، وكان هناك الحركات التى قادت الاستقلال ، وهى فئات متنوعة فكريا وطبقيا ، وأقرب إلى مفهوم الجبهة الوطنية منها إلى أحزاب سياسية حقيقية لها أهدافها المرتبطة بمصالحها ..

وإذا أخذنا تركيا نموذجا ، فحتى نهاية الحرب العالمية الأولى كان هناك جيش الدولة العثمانية ، وهى امبراطورية تنتمى فكريا وسياسيا إلى العصور الوسطى ، وكان جيشها من الانكشاربة متداخلا بشدة فى بناء السلطة ، وكان بمقدوره في بعض الفترات إقالة السلاطين وتنصيب غيرهم ..

وقد نشأ الجيش التركى الحديث - جيش اتاتورك - فى كفاح الأتراك لبناء دولتهم الحديثة ، وكفاحهم ضد احتلال الإنجليز واليونانيين لبلادهم بعد الحرب العالمية الأولى ، وعندما إستطاع الجيش التركى طرد الغزاة ، كانت مهمته التالية بناء الدولة التركية ..

وحتى عندما أراد أتاتورك وخلفاءه اصطناع شكل الديموقراطية ، فقد تم على عجل قيام حزبين يتم التنافس بينهما ، وعندما كانت الفوضى تضرب الحياة السياسية بصورة تؤثر مباشرة على مستقبل الدولة كان الجيش يتدخل ..
حدث ذلك أعوام ١٩٦٠ وعام ١٩٨٠ ..

لم تكن هناك طبقة رأسمالية قوية في تركيا تُنشئ حزبها ، بل كان هناك مجموعات من رجال الأعمال المرتبطين أساسا بالدولة وأعمالها الإقتصادية ، ولم تكن الطبقة العاملة بالتالى فى وضع يسمح لها باستلام السلطة ..

وفى فراغ وجود طبقات أو طبقة رأسمالية قائدة فى تركيا كما فى التجربة الغربية ، نشأ في ذلك الفراغ أحزاب تبحث عن هوية مجموعات معينة من السكان كأحزاب الأكراد ، أو تستخدم المقدس الدينى في جلب الأنصار ..
ومع الخطط الأمريكية الجديدة للشرق الأوسط أوائل القرن الحالى وتصعيد الإسلام السياسي فى عموم المنطقة ، كان القرار الغربى أن يصل ذلك الفصيل إلى حكم تركيا ، مع اصطناع شكل الديموقراطية فى وصوله إلى السلطة ، لأن المراد أن يمثل ذلك تجربة تحتذى ، وأن يصل ذلك الفصيل إلى حكم أغلب الشرق الأوسط ..

ويحكم الإسلام السياسي تركيا منذ عشرين سنة بدون تداول للسلطة كما تقتضى قواعد الديموقراطية ، وبدعم غربى ظاهر وخفى ، وعندما يقرر الغرب رفع حمايته على اسلامى أنقرة سترجع تركيا فى الغالب إلى فوضاها السياسية المعتادة ..

وفى بلدان الشرق الأخرى لم تختلف الصورة فى الجوهر ، وإن اختلفت فى بعض التفاصيل ..

فلم تنمو الطبقات فى تلك الدول لدرجة ان يكون لها تعبيرها السياسى الخاص بها ، فمازالت الطبقات الرأسمالية فى طورها الجنينى ، وذات طابع طفيلى أكثر منها ذات طابع إنتاجى ، ومثلها الطبقة العاملة ..

وأصبحت ممارسة السياسة فى الشرق لا يقوم بها طبقات تعرف مصالحها ولها أحزابها ، بل مجموعات من الهواة أو المغامرين ، أو حركات قائمة على الهوية العرقية ، وتبحث عن انفصال أقاليم معينة من الدولة كهدف نهائي من قيامها ، أو حركات دينية تستخدم المقدس فى جلب الأنصار والوصول إلى السلطة بدون أساس إنتاجى أو اقتصادى قابل للبقاء والتطور ..

لا ينفى ذلك أن دول الغرب الكبرى قد تشترى ولاء كبار قادة الجيوش - وظهر ذلك بصورة واضحة في أمريكا اللاتينية - وتستخدمتهم فى ضرب كل من يقف في وجه المصالح الأمريكية في تلك البلدان ..
وقد اختلف ذلك مع تجربة الجيوش الوطنية فى الشرق ، ومع دول مثل الصين ومصر وفيتنام مثلا ..

ومن هنا كان سوء الفهم لطبيعة ودور الجيوش فى كل من الشرق والغرب :
جيوش فى خدمة طبقة .. وجيوش في قلب حركة وطنية ..

من هنا كانت النشأة ومن هنا جاء الإختلاف ..
إختلاف التاريخ وظروف النشأة جاء معه باختلاف طبيعة كل منهما ودوره ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انطلاق معرض بكين الدولي للسيارات وسط حرب أسعار في قطاع السيا


.. الجيش الإسرائيلي يعلن شن غارات على بنى تحتية لحزب الله جنوبي




.. حماس تنفي طلبها الانتقال إلى سوريا أو إلى أي بلد آخر


.. بايدن يقول إن المساعدات العسكرية حماية للأمن القومي الأمريكي




.. حماس: مستعدون لإلقاء السلاح والتحول إلى حزب سياسي إذا تم إقا