الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرب النظيفة و الحرب القذرة

علي فضيل العربي

2022 / 9 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


ارتبط مفهوم الحرب عند القدماء بمفاهيم عدّة ، فقد ارتبط عند اليونان بمفهوم البطولة ، كما ارتبطت الحرب بالمرويّات الشعرية الملحميّة التراجيدية الكبرى لدى هوميروس ، و التي تحكي عن شجاعة اليونانيين و فدائهم و تضحياتهم . ثم أخذت الحرب في العصر الوسيط ، طابعا دينيّا مقدّسا ، عندما اصبح الملك أو الإمبراطور أو الخليفة ، يعلن بداية الحرب و نهايتها باسم الإله .
لكن بعد العصر الوسيط ، حاول الفلاسفة فصل السياسة عن المسألة الثيولوجية . لنزع صفة القداسة عن القرار السياسي .
و من أوائل الفلاسفة ، الذين أرسوا دعائم الفلسفة السياسية ، توماس هوبز الذي رأى أنّ الطبيعة في حالة حرب دائمة ، و بالتالي فهي فطرة و طبيعة بشريّة . بينا رأى الفيلسوف جان جاك روسو ، عكس ذلك . و من أشهر الفلاسفة الذين برّروا للحرب ، الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه . جاء في مقال للكاتب خليل الناجي ، بموقع الجزيرة ، تحت عنوان " مفهوم الحرب في الفلسفة السياسية - ما يلي : " يمكن أن يكون نيتشه عرّابا لتقديم الحرب كنوع من الانتصار، وشكل من أشكال القوة التي يجب أن يتمتع بها الإنسان ، " . و أضاف الكاتب خليل الناجي : " في المرحلة المعاصرة ، نجد مفكرين من نوع آخر، مفكرين انتقلوا من عملية تحليل الحرب ، ومن محاولة الإجابة عن ، هل هي من الطبيعة البشرية أم هي وليدة تأثير المجتمع ؟ هل هي طريقة لإثبات القوة ودفع تهمة الضعف والعبودية ؟ أم أنها فقط ضرورة وشر لابد منه ؟ بدل التركيز على هذه الأسئلة ومحاولة الإجابة عنها تحت الشروط المعاصرة للتفكير، فقد تحول جزء كبير من النقاش ، إلى البحث عن المبررات السياسية والأخلاقية التي تجعل من الحرب " أمرًا عادلًا ". ويمكن الاستعانة هنا بالعديد من المفكرين المعاصرين منهم مايكل والزر من خلال كتابه الحرب العادلة وغير العادلة ."
و مهما يكن ، فإنّ الحر ب ، هي الحرب ، مصطلح لغوي ، يعبّر عن العنف و التدافع و العدوان و التقاتل بين البشر ، دوافعها عدوانيّة ، ظالمة بيّنة الظلم . سواء أكانت حربا عسكريّة ، ماديّة أو حربا كلاميّة و نفسيّة . هدفها هو تحقيق النصر على العدو بالقوّة و سفك الدماء . و حتى و لو كانت دوافعها و مبرّراتها دفاعيّة ، من أجل تحرير الأرض من العدو الغاصب ، و استعادة حريّة شعب أو أمّة أو قبيلة . فقد خلق الله الإنسان لتعمير الأرض ، و المحافظة على سطحها و باطنها و مياهها و جوّها ، و صون النفس البشريّة ، و خلق شعوبها للتعارف و التعاون و التراحم و التسامح و تبادل المنافع و دفع الأضرار .
إذن ، فالحرب ، سلوك همجيّ ، بربريّ ، وحشيّ ، دمويّ ، عدوانيّ ، ينزع عن الإنسان المعتدي إنسانيته ، و يلحق الضرر الجسدي و النفسي بالمعتدى عليه . فالحرب مهما كانت دوافعها و أهدافها ، فهي تثير في النفس الخوف و الهلع و الفزع و الكراهيّة و البغضاء ، و هي قتال ، تُزهق فيه الأرواح البشريّة ، و تُحدث جراح و عاهات جسديّة و نفسيّة ، و تسيل فيها دماء و دموع و لا ينجو من نارها حيوان أو طائر أو شجر أو حجر ، هي تقاتل أُكره عليه الإنسان ، و لو كان من أجل استرداد الحقّ المسلوب ، و دفع العدّو المتربّص ، الغاصب . قال تعالى : كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) البقرة / 216 .
ما أبشع حروب هذا القرن الذي نعاصره . فقد تجاوزت حدود العقل ، و فاقت الحدس البشري . حروب قذرة ، بأتمّ معنى الكلمة . ليس فيها بقعة نظيفة . فهي لا تميّز بين الأهداف البشريّة و الماديّة . و لنا في الدمار الذي أحدثته الحرب العالمية الأولى ، و نظيرتها الثانيّة ، ثم في مأساتي هيروشيما و نكازاكي ، خير مثال على ذلك . كانت تلك الحروب مجنونة ، قذرة ، لم تميّز بين رجل و امرأة ، و بين كبير و صغير ، و بين صبيّ رضيع و شيخ مقعد ، و لا بين عسكريّ و مدنيّ . حروب حوّلت الشجر و الحجر و الغدران و أسقف جدران إلى رماد و دخان .
و هاهي الحرب في أوكرانيا ، بين الروس و الأوكرانيين ، تعيد المشاهد المأساوية نفسها . تقصف الطائرات المباني السكنيّة الآمنة ، و تدكّ المدافع و الدبابات و راجمات الصواريخ المدن و القرى الآهلة بالسكان ، دون وازع دينيّ أو اخلاقيّ أو إنسانيّ .
و يتساءل الإنسان العاقل - في أوكرانيا و روسيا ، و في بقعة من كوكبنا الأرضي - حائرا ، متحسّرا ، مغتاظا أشدّ الغيظ : لماذا كل هذا الجنون و القذارة ؟ لماذا لم يتعظ دعاة الحرب القذرة من الحروب السابقة ؟ ما الفائدة المرجوة من هذه الحرب المجنونة ؟
و الجواب : لأنّهم حمقى ، و الحمقي تلاميذ أغبياء ، لا يفقهون دروس الحياة . و لأنّهم يجهلون ، انّ جني الحرب خسران ، ما بعده خسران . لا منتصر فيها أبدا ، بل هي هزيمة للروح الإنسانيّة و القيّم الأخلاقيّة .
لقد كانت حروب الأسلاف – و ما أكثرها - أقلّ فظاعة و دمويّة من حروب اليوم . لأنّ وسائلها كانت أقلّ فتكا و دمارا ، و اطماعها كانت محدودة المعالم ، و خسائرها كانت محدّدة ، بالمقارنة مع حروب اليوم و الأمس القريب . كان الجنديّ يقاتل الجندي ، و المقاتل يواجه المقاتل . و لم تكن حروبا لحرق الشجر و الحجر و ردم الآبار و قتل أهل الصوامع و النساء و الشيوخ و الصبيان ، اللهم إلاّ إذا استثنينا ، بعض الحروب التي أحرقت فيها مدن ، كروما و البصرة و عموريّة و القاهرة ..
كانت الحروب – فيما مضى - ذات طابع قبلي و عرقي و دينيّ . فقد اندلعت حروب بين القبائل القبائل العربيّة في جزيرة العرب ، و أشهرها ، حرب البسوس ، و حرب داحس و الغبراء . و حروب بين العرب و الفرس ، و بين العرب و الروم ، و بين الروم و الفرس . و بين العرب و المغول ، و حروب في أسيا و إفريقيا و أمريكا بشمالها و جنوبها ، و حروب بين القوميات الأوربية و المذاهب الدينيّة . و كانت نهاياتها ، الجنوح إلى التصالح و السلام و التعايش ، بعد خسائر فادحة في الأنفس و المال و الأخلاق و الإنسانيّة . لكنّها – رغم ما سببته من مغارم - لم تهدّد كوكبنا بالدمار الشامل ، و إفناء البشريّة ، كما هو الحال في يومنا . فقد بالغ الإنسان المعاصر ، في الدول الصناعية الكبرى ، في صنع الأسلحة الفتّاكة ؛ التقليدية و النووية و البيولوجية و الكيماوية و الجرثوميّة . و كأنّه بصدد التحضير لإفناء نفسه . و الأسئلة المحيّرة ، حقّا ،: ما الهدف من كل هذه الترسانة من الأسلحة الفتّاكة ؟ أهناك عدوّ ، في كوكب آخر، في المريخ أو الزهرة ، أو ما وراء الشمس ، يتربّص به الدوائر ؟ أما ىن للإنسان المعاصر ، في الغرب و الشرق ، أن يستيقظ من كوابيس النرجسيّة ؟

و أعود إلى الحرب الدائرة حاليا بين شعبين أو لنقل نظامين ، كانا بالأمس القريب – قبل سقوط جدار برلين 1989 – ضمن منظومة اتحاديّة ، سياسية و إيديولوجيّة و ثقافيّة واحدة ، ( الاتحاد السوفييتي ) . أعود ، و أتساءل : ما جدوى هذه الحرب ؟ ما الفائدة الماديّة و الأخلاقيّة ، التي سيجنيها المتحاربون ، و العالم أجمع ؟ ألم يكن ، من الأجدر و الأنفع ، للإنسانيّة ، أن تُنفق تلك الأموال الطائلة ، المهدرة في معارك السلاح و الاقتصاد والإعلام و الدعاية المغرضة ، لفائدة المعذبين على الأرض ؟
لم تكن نيران الحرب لتندلع بين الإخوة الأعداد في شرق أوربا ، لو لا موت الضمير الإنساني ، و عودة الحرب الباردة ، و غلبة فلسفة البراغماتيّة و اللذة الساديّة على نفوس الساسة ، بعد جائحة الكوفيد 19 .
و في رأيي – و ليخالفني من شاء الرأي – إن هذه الحرب القذرة ، تتحمّل مسؤوليتها المنظمات العالمية ؛ كمنظمة الأمم المتحدة ، و مجلس الأمن ، و الاتحاد الأوروبي ، و منظمة المؤتمر الإسلامي ، و الفاتيكان ، و الاتحاد الإفريقي ، و جامعة الدول العربيّة ، و غيرها من الهيئات الحقوقيّة و الثقافيّة و السياسيّة . فإذا كانت ، هذه المنظمات و الهيئات ، عاجزة عن المحافظة على السلام العالمي ، و التعايش السلمي بين الأمم و الشعوب ، فلا جدوى من وجودها البتة . إنّ منع إضرام النار خير من السعي لإطفائها و أسهل .
و بعد ...
أيّها الساسة الكبار و الصغار ، اطفئوا نيران الحروب يرحمكم الله . و استمعوا ، بقلوبكم و عقولكم ، إلى أنّات الأطفال و الشيوخ و النساء و الأيامى و اليتامى و الثكالى و الجرحى .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -عفوا أوروبا-.. سيارة الأحلام أصبحت صينية!! • فرانس 24


.. فيديو صادم التقط في شوارع نيويورك.. شاهد تعرض نساء للكم والص




.. رمى المقص من يده وركض خارجًا.. حلاق ينقذ طفلة صغيرة من الدهس


.. انقلاب سيارة وزير الأمن القومي إيتمار #بن_غفير في حادث مروري




.. مولدوفا: عين بوتين علينا بعد أوكرانيا. فهل تفتح روسيا جبهة أ