الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
النضال الاقتصادي الاجتماعي أساس تحرر القوى العاملة
خليل اندراوس
2022 / 9 / 24ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
نحن نعيش الآن في عصر يعاني الكثير الكثير من الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية. وهذا الواقع لا يستطيع أي إطار سياسي أو اقتصادي التنكر لأزماته وتناقضاته، فمن جهة استيقظت قوى صناعية تكنولوجية إعلامية وعلمية لم تكن لتخطر في بال الناس في أي من العهود السابقة في تاريخ البشرية، ومن جهة أخرى تتبدى علامات وظواهر الانحطاط والتأزم الاقتصادي والسياسي على مستوى عالمي فحتى الولايات المتحدة أصبحت مكونة من مجتمعين أمريكا الغنية وأمريكا الفقيرة حيث زاد غنى الأغنياء وزاد فقر الفقراء على مستوى عالمي.
كل المجتمعات الرأسمالية تعاني في العقود الأخيرة من ازدياد وتعمق واشتداد التناحر بين طبقة العمال وطبقة رأس المال إلى جانب تطور الموارد الصناعية والثورة التكنولوجية والعلمية. لذلك مهم جدًا العمل من اجل تثوير الطور الحالي تثوير المجتمع خلال هذه المرحلة من التطور التاريخي.
فالنضال بين الرأسمال والعمل هو نضال عام، يجري في كل مكان، ويتسم بطابع عالمي، ولذا خلال الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها بشكل دوري الدول الرأسمالية يتعمق التناقض والنضال بين الطبقة العاملة وطبقة رأس المال في مختلف البلدان، وهذا التناقض، بسبب استئجار العمال من قبل الرأسماليين على مستوى عابر للقارات يكتسب في عصرنا الحالي سمات أكثر كوسموبوليتية (عالمي)، وفي العقود الأخيرة يجري تحريض وإثارة النزاعات بين العمال الأجانب والعمال المحليين في كل دول رأس المال، بالإضافة إلى تصدير رأس المال إلى الدول غير الرأسمالية من اجل زيادة أرباح الاحتكارات العالمية على حساب عمل وإنتاج الطبقات المسحوقة في تلك الدول.
وتصدير رأس المال يؤدي إلى زيادة الفجوات بين الدول الرأسمالية والدول الفقيرة والتي تعاني من أزمات اقتصادية شبه دائمة، ومن الفقر والجوع والبطالة وضعف النمو الاقتصادي وسوء الخدمات الصحية والاجتماعية وغيرها من أزمات البناء الفوقي لتلك المجتمعات.
وهذه العلاقات الاقتصادية العالمية تخلق علاقات عالمية بين عمال مختلف البلدان، فلذلك على الأحزاب الماركسية توضيح هذه الحركة وهذه التطورات للطبقة العاملة ووضع أهداف مرحلية ونهائية لنضال الطبقة العاملة في كل بلد وبلد وعلى مستوى عالمي، من خلال أحزاب واتحادات الطبقة العاملة من اجل ان يصبح هذا النضال الاقتصادي المباشر مثابرًا ودائمًا ومن اجل خلق علاقات اجتماعية ارفع وأرقى من الناحية التنظيمية.
وعلى الأحزاب الماركسية ونقابات العمال نزع الثقة وسحب البساط من تحت أرجل رجال السياسة النفعيين خدمة الطبقة الحاكمة طبقة رأس المال. ففي دول رأس المال وخاصة في العقود الأخيرة، استطاعت عصابات رجال الأعمال والاحتكارات وأصحاب رأس المال السيطرة على مؤسسات الدول وخاصة الهيئات التشريعية وحولت السياسة إلى سلعة للمتاجرة وزيادة الإرباح. وما يجري في أمريكا من هيمنة اليمين الاقتصادي السياسي على مؤسسات الدولة لأكبر دليل على ذلك.
وكما كتب ماركس: "وفي زمننا يبدو كأن كل شيء ينطوي على نقيضه. فنحن نرى الآلات التي تملك قوة عجيبة لتقصير مدة العمل البشري وجعله أوفر ثمارًا تجلب للناس الجوع والإعياء. ومصادر الثروة الجديدة، غير المعرفة حتى الآن تتحول، بفضل سحر ما غريب وغير مفهوم إلى مصادر للفقر وانتصارات التكتيك تبدو كأن الانحطاط الأخلاقي كان ثمنها. ويخيل ان الإنسان يمسي إما عبدًا لغيره من الناس وإما عبدًا لسفالته بالذات بقدر ما تُخضع البشرية الطبيعة لنفسها. وحتى نور العلم الصافي لا يمكنه، حسبما يبدو، ان يشع إلا في خلفية الجهل الحالكة. وكأن جميع اكتشافاتنا وكل تقدمنا يؤدي إلى هذا الواقع، وهو ان القوى المادية تكتسب حياة فكرية بينما تفقد البشرية جانبها الفكري وتنحط إلى درجة مجرد قوة مادية. إن هذا التناحر بين الصناعة المعاصرة والعلم المعاصر من جهة، والإملاق المعاصر والانحطاط المعاصر من جهة أخرى، هذا التناحر بين القوى المنتجة والعلاقات الاجتماعية في عهدنا هو واقع محسوس ومحتم ولا جدال فيه".
ولذلك وعلى هذا الأساس أكد كارل ماركس أهمية البحث عن تفسير المجتمع المدني في الاقتصاد السياسي. فنجده يكتب في مقدمة الطبعة الأولى لكتاب "مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي" ما يلي:
"وساقتني أبحاثي إلى النتيجة التالية وهي ان العلاقات الحقوقية شأنها بالضبط شأن أشكال الدولة، لا يمكن فهمها لا بحكم ذاتها، ولا بحكم ما يسمى التطور العام للروح البشرية، وانها على العكس، تمد جذورها في العلاقات الحياتية المادية التي يسمى هيغل مجموعها "بالمجتمع المدني"، على غرار ما فعل الكتّاب الانجليز والفرنسيون من القرن الثامن عشر، وانه ينبغي البحث عن تفسير المجتمع المدني في الاقتصاد السياسي. وقد بدأت دراسة الاقتصاد السياسي في باريس وواصلتها في بروكسل التي انتقلت إليها اثر أمر السيد غيزو بإبعادي من باريس. إن النتيجة العامة التي توصلت إليها والتي أصبحت فيما بعد بمثابة خيط هاد في أبحاثي اللاحقة، إنما تكمن صياغتها بإيجاز على النحو التالي: تقوم بين الناس أثناء الإنتاج الاجتماعي لحياتهم، علاقات معينة ضرورية، مستقلة عن إرادتهم، هي علاقات الإنتاج التي تطابق درجة معينة من تطور قواهم المنتجة المادية. ومجموع علاقات الإنتاج هذا يؤلف البناء الاقتصادي للمجتمع، أي الأساس الواقعي الذي يقوم عليه بناء فوقي حقوقي وسياسي وتطابقه أشكال معينة من الوعي الاجتماعي.
إن أسلوب إنتاج الحياة المادية يشترط تفاعل الحياة الاجتماعي والسياسي والفكري، بصورة عامة، فليس إدراك الناس هو الذي يعين معيشتهم، بل على العكس من ذلك، معيشتهم الاجتماعية هي التي تعين إدراكهم. وعندما تبلغ قوى المجتمع المنتجة المادية درجة معينة من تطورها، تدخل في تناقض مع علاقات الإنتاج الموجودة أو مع علاقات الملكية وليست هذه سوى التعبير الحقوقي لتلك التي كانت إلى ذلك الحين تتطور ضمنها. فبعد ما كانت هذه العلاقات أشكالا لتطور القوى المنتجة، تصبح قيودًا لهذه القوى. وعندئذ ينفتح عهد الثورة الاجتماعية. ومع تغير الأساس الاقتصادي يحدث انقلاب في البناء الفوقي الهائل، بهذا الحد أو ذاك من السرعة، وعند دراسة هذه الانقلابات، ينبغي دائمًا التمييز بين الانقلاب المادي لشروط الإنتاج الاقتصادية – هذا الانقلاب الذي يحدَّد بدقة العلوم الطبيعية - وبين الأشكال الحقوقية والسياسية والدينية والفنية أو الفلسفية، أو بكلمة مختصرة، الأشكال الايديولوجية التي يُدرك فيها الناس هذا النزاع ويكافحون لأجل حله. فكما انه لا يمكن الحكم على فرد وفقًا للفكرة التي لديه عن نفسه، كذلك لا يمكن الحكم على عهد انقلاب كهذا وفقًا لوعيه. بل بالعكس ينبغي تفسير هذا الوعي بتناقضات الحياة المادية، وبالنزاع القائم بين قوى المجتمع المنتجة (قوى الإنتاج) وعلاقات الإنتاج.
إن أي تشكيلة اجتماعية لا تموت قبل ان تتطور جميع القوى المنتجة التي تفسح لها ما يكفي من المجال، ولا تظهر أبدًا علاقات إنتاج جديدة أرقى قبل ان تنضج شروط وجودها المادية في قلب المجتمع القديم بالذات. ولهذا لا تضع الإنسانية أبدًا أمامها إلا المسائل التي تستطيع حلها إذ انه يتضح دائمًا عند البحث عن كثب، ان المسألة نفسها لا تبرز الا عندما تكون الشروط المادية لحلها موجودة، أو على الأقل، آخذة في التكون.
لذلك نشاهد في العقود الأخيرة وفي العديد من دول العالم زيادة ظاهرة النضال الاقتصادي المختلفة وهذا يجعلنا نتوقع قيام نضال اقتصادي جماهيري عام سيجذب أكثر فأكثر فئات واسعة من الطبقة العاملة وشرائح المجتمع المختلفة. وكل تاريخ الحركات الثورية لم ينبثق الا على أساس مثل هذه الحركات الاقتصادية الجماهيرية. لذلك ينبغي على الأحزاب اليسارية وخاصة الأحزاب الشيوعية ان تولي هذه الظاهرة، أي ظاهرة النضال الاقتصادي الجماهيري اهتمامًا جديًا للغاية، وان تجمع دراسات اقتصادية اجتماعية حول تركز رأس المال ورأس المال الطفيلي ودراسات عن البورصة وهيمنة رجال رأس المال على رجال السياسة والدولة هنا وهناك وحول البطالة والفقر وحقوق المرأة وغيرها من المواضيع الاجتماعية والاقتصادية وطرحها على جدول أعمال الأحزاب اليسارية والشيوعية خاصة، والعمل على تعميم ونشر هذه الدراسات للجماهير الشعبية الواسعة وتركيز أكثر ما يمكن من القوى الحزبية على التحريض الاقتصادي والسياسي بين الجماهير.
وينبغي اعتبار النضالات الاقتصادية مصدرًا جذريًا والأساس الأهم لكل النضالات الثورية المتنامية في شتى أنحاء العالم، وإلا تحولت الأحزاب اليسارية، ومن ضمنها الأحزاب الشيوعية، إلى فئات ومجموعات وحلقات وكتل معزولة تغطي بالجمل الثورية ورفع الشعارات عجزها عن العمل بين الجماهير وخاصة إذا تواجد داخل هذه الأحزاب حلقات غير ملتزمة بالتنظيم الحزبي، وتعمل بإصرار على مدى سنوات إما من خلال غرف عمليات التجسس والتخريب المخابراتي في هذا البلد أو ذاك.
فعلى الطبقة العاملة وأحزابها اليسارية وخاصة الشيوعية، معرفة عناصر النجاح في هذا النضال الثوري ألا وهو جمهور يقوده التنظيم وتقوده المعرفة.
فواجب الطبقة العاملة وأحزابها امتلاك ومعرفة أسرار السياسة الداخلية والخارجية، وتتبع نشاط حكوماتها الاقتصادي والسياسي، ومقاومته عند الضرورة، بجميع الوسائل الموجودة وان تتحد. وان تبذل جهودها لكي تصبح القوانين البسيطة للأخلاق والعدالة والمساواة، التي يجب ان يسترشد بها الأفراد في علاقات بعضهم ببعض، القوانين العليا للطبقة العاملة وبقية شرائح المجتمع وللعلاقات بين الشعوب أيضًا.
إن النضال من اجل مثل هذه السياسة الداخلية والخارجية هو جزء من النضال العام، من اجل تحرير الطبقة العاملة.
يا عمال العالم.. اتحدوا.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. تصريح الأمين العام عقب المجلس الوطني الثاني لحزب النهج الديم
.. رسالة بيرني ساندرز لمعارضي هاريس بسبب موقفها حول غزة
.. نقاش فلسفي حول فيلم المعطي The Giver - نور شبيطة.
.. ندوة تحت عنوان: اليسار ومهام المرحلة
.. كلمة الأمين العام لحزب النهج الديمقراطي العمالي الرفيق جمال