الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أستثمار الأزمات

رؤى الدرويش
باحثة بالشأن الاجتماعي

(Ruaa Al-darweesh)

2022 / 9 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


(من السهل ان تكسر وتدمر , لكن الابطال هم اولئك الذين يبنون ويصنعون السلام)......
بهذه العبارات عبر نيلسون مانديلا عن كفاحه وصبره ورؤيته العميقة لطبيعة التطورات الإجتماعية والسياسية وشروط التحول من طور سياسي إلى طور آخر بكلفٍ إنسانيةٍ وسياسيةٍ قليلة .
كانت تجربة هذا المناضل الأفريقي مليئةً بالدروس والعِبر في كيفية مواجهة نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وكيفية نسيان أو تناسي حجم الفظاعات التي ارتكبها النظام العنصري في جنوب أفريقيا بحق غالبية شعبه من السود وكيف تحكَّم في انفعالات الغضب والثأر، وتبنى مشروع التسامح ورفض كل أشكال الانتقام من ظالميه وظالمي شعبه خلال عقود طويلة من الزمن.
وبالمقاربه مع وضعنا نرى إن النظام السياسي في العراق بُنيّ على مجموعة من الاخطاء الكارثية التي تحولت بمرور الوقت إلى عُرف سياسي لا يمكن المساس به فضلاً عن تغييره كالمحاصصة والفساد وانعدام وجود سياسة اقتصادية واضحة المعالم والمحسوبية وإبعاد الكفاءات وسيطرة الأحزاب ووجود السلاح خارج اطار الدولة والتدخلات الخارجية وغيرها..
وقد انعكست هذه الاخطاء على النظام السياسي برمته في العراق رغم وجود دستور وقوانين ونظام سياسي قائم على تبني الديمقراطية مما ادى الى نظرة تشاؤمية في مدى نجاح هذه التجربة في العراق مستقبلًا.
و نرى ان العراق اليوم يعيش مجموعة من الازمات التي اهمها:
الأزمة الثقافية:التي تتمثل في كون دور النخب المثقفة في العراق ما زال محدودًا جدًا وغير قادر على مجاراة التغيرات والتفاعل معها و وجوب بذل المزيد من الجهد في إثراء المجتمع المدني في العراق للخروج من نفق الأزمات.
الأزمة الاجتماعية: المتمثلة بالطائفية والمذهبية التي تجذرت دون علاج الى ان وصلت الى خلافات مناطقية ونزاعات عشائرية اغمضت الدولة عينها عنها ولا يستبعد تدخل أيادي خارجية معادية للعراق في تأجيجها.
ازمة الهوية: وهي أخطر الأزمات على تأريخ العراق المعاصر, والتي لم نستطع الى الآن من خَلق هوية وطنية و توجيه الفرد العراقي للولاء والانتماء للوطن .
الازمة السياسية: المتمثلة بالصراع والخلاف داخل البرلمان وأروقة الحكومة وبين قادة الاحزاب على المصالح والمكاسب واقتسام النفوذ، وكان هذا النوع باكورة انطلاق الأزمات واخطرها لان لاعبيه كانوا وما زالوا يشكلون قمة الهرم السياسي المتحكم في العراق.
ازمة القيم: وهي الازمة التي تخلى الفرد فيها عن قيمه الأخلاقية والدينية اوتكييفها دون ضوابط ، وفق مصالحه وأهوائه الخاصة، وهذه الأزمة نخرت جسد الدولة وأباحت نهب المال العام واستشراء الفساد والسرقات في السر والعلن.
ازمة الوعي: والتي تجمع كل الأزمات في بوتقة واحدة, فلو كان هناك وعي سياسي لما أختلف الساسة على المصالح وفضلوا مصالهم الخاصة على المصلحة العامة، ولو كان هناك وعي اجتماعي لعرف الجميع بان هذا البلد بعمقه الحضاري الممتد الى الاف السنين لن تهزه رياح التطرف والعنف بل ينبغي ان تسوده أجواء الوئام الاجتماعي والتعايش السلمي، ولو كان هناك وعي قيمي لتحكم الفرد في تصرفاته وفق ضوابط اخلاقية ولصان الدولة ومؤسساتها كونها الإطار المعنوي الذي نعيش داخله ويجمعنا ظله.
واخيرا أزمة الفواعل الإقليمية التي تستخدم العراق لتنفيذ استراتيجياتها الكبرى في الهيمنة والسيطرة على مجاله الاستراتيجي ولتأكيد قوتها، وفرض إرادتها على المجتمع العراقي وبسط نفوذها، بشكل يعزز قوة أصدقائها ويحيد اعدائها وتدمير مصالحهم، وفي الوقت ذاته تقوي تحالفاتها التقليدية.
إذن فان النظم السياسية القائمة على خلق الأزمات والتمييز بين أبناء الشعب الواحد ، مهما كانت قوتها وقدراتها الذاتية والموضوعية إلا أنها بحكم التاريخ لا مستقبل لها. فالنظام السياسي القائم آنذاك في جنوب أفريقيا والذي يمارس الفصل العنصري بين شعبه،كان يمتلك كل مقومات وأسباب القوة الذاتية، كما أن أغلب الدول الكبرى في العالم كانت تدعمه وتغطي جرائمه العنصرية. لكن هذه الأوضاع لم تصمد أمام حركة التأريخ المتجهة دوماً صوب المساواة بين أبناء المجتمع وبناء أوضاع سياسية تبتعد عن نزاعات الظلم الفاحش وتقترب من قيم العدالة والمساواة.
إن الاستقرار السياسي والاجتماعي العميق مرتبط بشكل دائم بالتطوير المستمر لنظام الرضا والقبول بين الشعوب وأنظمتها السياسية. فمهما كانت القوة العسكرية المتوفرة، إلا أنها لا تجلب الاستقرار على نحو عميق لأي مجتمع ودولة إذا لم تستند إلى دعم شعبي يمكنها من الصمود والمواجهة , ستكون محدودة الإمكانيات.
فدولة جنوب أفريقيا كانت تمتلك كل أسباب القوة العسكرية والاقتصادية إلا أن غياب حالة الرضا العميق بين نظامها السياسي وشعبها بسبب سياسات التمييز العنصري، هو الذي أفضى إلى إخفاق التجربة والانخراط في مشروع التحول.
وهنا تعلمنا تجربة نلسون مانديلا الإنسانية والسياسية، أن البعد الإنساني و الأخلاقي هو الغالب في المحصلة النهائية على البعد الوحشي والعدواني لدى الانسان.. فمهما تعاظمت وحشية الإنسان وعدوانيته، نجد ان من الضروري أن يتشبث الجميع بإنسانيتهم وأخلاقهم.
فحجم الظلم الذي تعرض إليه السود في جنوب أفريقيا وما تعرض إليه شخصيا نلسون مانديلا من الظلم ,لم يخرجه وهو الزعيم المدرك لحقائق التاريخ وحركته المستقبلية عن بعده الإنساني في النظر إلى مختلف الأمور والقضايا. فنلسون مانديلا أجبر الجميع على احترامه بإصراره على رفض العدوان والانتقام.. ومن خلال الصبر والتحمل والنضال السلمي تمكن السود في جنوب أفريقيا من الوصول إلى أهدافهم الوطنية وأنهوا حكم الفصل العنصري.
وكذا تعلمنا تجربة الزعيم مانديلا أنه في لحظات التحول والانتقال الديمقراطي، تكون الشعوب في احوج حالاتها إلى منطق العفو وسياسات التسامح ونسيان الماضي بكل آهاته وآلامه.
ان من يعمل من أجل بناء المستقبل على أسس جديدة، عليه أن يتخلى عن خيار الانتقام ونبذ سياسات الاستئصال وممارسة العنف. فالعفو والصفح والتسامح والعدالة، هي القيم القادرة على هزيمة كل مشروعات الفصل والتمييز بين الأنسان وأخيه الإنسان.. هذا ما تؤكده تجربة مانديلا، وهذا ما وصل إليه في السياسة وإدارة النزاعات ذات الطابع العميق والمؤثر.
وهو القائل في مذكراته ( عندما خرجت من السجن كانت مهمتي تتمثل في تحرير الظالم والمظلوم معًا)!!!!!!؟؟؟؟؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشيف عمر.. طريقة أشهى ا?كلات يوم الجمعة من كبسة ومندي وبريا


.. المغرب.. تطبيق -المعقول- للزواج يثير جدلا واسعا




.. حزب الله ينفي تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي بالقضاء على نصف


.. بودكاست بداية الحكاية: قصة التوقيت الصيفي وحب الحشرات




.. وزارة الدفاع الأميركية تعلن بدء تشييد رصيف بحري قبالة قطاع غ