الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طفل البحر

علوان حسين

2022 / 9 / 25
الادب والفن


اللاجيء والمهرب يجلسان على مصطبة يرقبان البحر ويتفاوضان على صفقة صغيرة يحاولان أن تتم بسرية ونجاح بعيدا ً عن أعين الشرطة والمخبرين . المخبر سعره محدد لا يقبل التنازل عن ليرة واحدة واللاجيء لا يملك المبلغ كاملا ً لكن لديه زوجة صغيرة شابة وجميلة والمهرب بعينيه الذئبيتين أراد أن يستغله من اليد التي توجعه , هو يعرف في سره نقطة ضعف الرجل ويود أن ينفذ من تلك الثغرة تصيبه بمقتل . كان اللاجيء يستعرض ضعفه وقلة حيلته وأيضا ً حاجته الماسة لهذه الرحلة تنقذه من العذاب ومن الذل ورعب الترحيل فقد أغلقت بوجهه كل الأبواب . وبينما هو مسترسل بعرض حاله فاجأه المهرب بفكرته الشيطانية قائلا ً :
_ لم لا تأخذ الطفل معك وتترك زوجتك هنا ريثما تدبر أمورك المالية هناك ؟
_ لا لا أستطع تركها لوحدها في مدينة كبيرة لا أحد لها فيها ..
_ صدقني ستكون بخير هنا . أستطيع تدبير عملا ً لها وتستطيع أنت والطفل أن تنجوا بحياتكما أنا أخشى عليكما من الترحيل , لا نعلم ماذا ينتظركما هناك ؟
_ ليس سوى الموت . لكن الموت أهون من ترك زوجتي وحيدة ً في مدينة غريبة ..
_ في الحالة هذه عليك تدبير المبلغ كاملا ً خلال ساعات ٍ محدودة ٍ ليس أكثر ..
_ يا معلم ألست مسلما ً ؟ الأسلام يوصي بالرحمة وأنا كما ترى مغلول اليدين ..
_ الأسلام دين الدولة الرسمي , ديني أنا هو الدولار . أيضا ً عليك أن تعلم بأن نصف هذا المبلغ يذهب على شكل رشاوى لخفر السواحل .
_ طيب أعطيني فرصة أتفاوض فيها مع زوجتي , هل حقا ً ستجد لها عملا ً تحصل منه على قوت يومها ؟
_ لا تقلق سنجد لها عملا ً يناسبها ..
_ أتيت بها من صف الدراسة لا تتقن أي مهنة , كيف تتدبر أمرها وهي بهذه السن ولا خبرة لديها ؟
_ لدي عائلة ثرية جدا ً أرسلها لهم تعتني بسيدة البيت المسنة ولسوف تحصل على مرتب جيد إضافة إلى المبيت والأكل وثوبا ً يسترها من العوز ماذا تقول ؟
_ سآتي بها غدا ً توكلنا على الله ..
عاد الرجل إلى زوجته يود أن يخبرها بما جرى بينه وبين المهرب من إتفاق . إنتظرته أن يقول شيئا ً لكن الكلمات تموت حالما يود الكلام . كأنه عاد من المقبرة جسدا ً فارق الروح ونسي عادة الكلام . كيف تبخر كل الكلام الذي ود قوله ؟ فكرة ترك زوجته بعهدة المهرب والرحيل نحو مصير ٍ غامض بدت له أقسى من أن يسلم نفسه لسلطات بلده ليس سوى أن يتفسخ في سجن قذر ٍ أو الموت تحت التعذيب . إلهي أعني ماذا أفعل ؟
_ ما بك لماذا لم تقل شيئا ً هل إتفقت مع المهرب ؟
أرجوك قل لي شيئا ً ..
_ يازوجتي الحبيبة أنا في مأزق , وضعنا انا وأنت ِ والطفل في وضع ٍ حرج ٍ للغاية . ليس معي المبلغ المطلوب ولا حل لنا سوى أن تظلي هنا لوحدك ِ بضعة شهور ٍ وننفذ أنا والولد بجلدنا حتى حين ..
_ ماذا تقول يارجل ؟ تتركني وحدي في مدينة غريبة ليس لي فيها أحد . دعني أعود لبلدي على الأقل لي هناك أهل ..
_ بقاؤك هنا مؤقت ثم أني وجدت لك عملا ً يسترك ِ عند عائلة محترمة . الحياة تتطلب تضحية عزيزتي ونحن في ظرف ٍ حرج ٍ للغاية ..
في اليوم التالي أسلم الرجل زوجته بعهدة المهرب وذهب إلى المجهول . كانت الزوجة التعسة في شقة المهرب يحاول إقناعها أن تشاركه كأس الويسكي كي تسترخي أعصابها وتنسى مصيبتها . هي كانت تبحلق بعينين ملؤهما الأسى والدهشة جثثا ً طافية ً فوق الماء . كانت تحدق بالكارثة المحدقة بها وهي تبصر جثث الغرقى طافية ً تتقاذف بها الأمواج بينها جسد طفلها الصغير وزوجها اللذين إستسلما للبحر غرقى مع آخرين لقوا المصير ذاته ثم صاروا خبرا ً تتناقله شاشات التلفزة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرباط تستضيف مهرجان موسيقى الجاز بمشاركة فنانين عالميين


.. فيلم السرب لأحمد السقا يحصد 22.4 مليون جنيه خلال 10 أيام عرض




.. ريم بسيوني: الرواية التاريخية تحررني والصوفية ساهمت بانتشار


.. قبل انطلاق نهائيات اليوروفيجن.. الآلاف يتظاهرون ضد المشاركة




.. سكرين شوت | الـAI في الإنتاج الموسيقي والقانون: تنظيم وتوازن