الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عزيزتي .. لا تتوقعي من الزوج أن يكون ملاكاً .. ! ( قصة قصيرة )

جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)

2022 / 9 / 26
الادب والفن


إستقبلته برائحة المطبخ ، والمِغرفة لا تزال بيدها .. تتقدمها رائحة الثوم والبصل .. شعرها منكوش ، ووجهها شاحب متعب يتصبب عرقاً .. تنتشر على أجزاء من ثوبها بقع الزيت والخل .. تبدو شاردة مرتبكة ومشوشة ، وفي عجلة دائمة من أمرها .. ممزقة بين صراخ أطفالها التوأم ، وبين واجباتها في المطبخ لاعداد الطعام .. تهتف :
— دقائق ويكون الغداء جاهز …
ينظر اليها زوجها في حنق وتأفف ويقول :
— لماذا تصرين دائماً على الظهور بهذه الهيئة المزرية كأنك خدامة .. ؟
بدا الضيق والتوتر على وجهها .. تجرحها كلماته كأنها مست وتراً حساساً في كرامتها كادت أن تطفر الدمع من عينيها .. تتراجع وتقف أمامه منتصبة كعود القصب وتقول :
— رعاية البيت والاولاد .. رسالة ، وليست تكليف .. إن قامت بها الخادمة فهي مكلفة ومجبرة .. أما الزوجة فتعمل ليل نهار .. تغسل وتنظف وتطبخ وتهتم بالاولاد والزوج عن طيب خاطر .. لا أستطيع ، يا عزيزي مهما بذلت من جهد أن أكون ربة بيت ، وعروس في وقت واحد .. فإن أردتني عروساً ، فوفر لي خادمة ، وسترى مني ما يسرك .. !
يهدهد قليلا من حدته ويصمت .. ثم يستدير ويتركها تتلوى بغيضها ، ويزحف بقدميه الى غرفة النوم ، وشفتاه لا تتوقفان عن الغمغمة بكلمات غير مفهومة .
يدخل الى الغرفة ثم يتهاوى بجسده الضخم على السرير ، وهو بكامل ملابسه .. تمر أمام مخيلته الملتهبة صورتها ، وهي تدخل مكتبه .. سيدة نظيفة أنيقة تجاوزت الأربعين .. قدمت نفسها بأسم ( عواطف ) .. يمد يده ويشد على يدها .. أرملة وحيدة لرجل عجوز توفي ، وترك لها ثروة هائلة .. فجاءت تريد محامي يتولى الاشراف على ثروتها واملاكها ، ويساعدها على حل مشاكلها القانونية مع خصومها .
تتعلق عينيه بها .. يتأملها مبهوراً .. لا يدري ما الذي جذبه الى هذه المرأة رغم انها ليست أجمل من زوجته ، وبالتأكيد ليست أصغر .. كأنها شقت عن صدره وانتزعت قلبه ، فهي كما تبدو تكبره بما لا يقل عن عشر سنوات إن لم يكن أكثر .. ورغم سنها المتقدمة إلا أنها لا تزال تحتفظ بالكثير من جمالها الذي عجز معول الزمن عن الإطاحة به .. ينفذ عطرها المثير فيداعب خياله .. يبدو أن الثراء والترف ، ورغد العيش أبطئوا دبيب الزمن المتسلل نحوها ، فبدت طرية يافعة ، وأصغر سناً .
أحس كل منهما بالانجذاب نحو الاخر ، وأخذت الاحاديث تمتد بينهما كأنها لن تنتهي ، وأصبح التقارب بينهما أسرع مما توقع .. اتفقا على كل التفاصيل التي تخص العمل .. شكرته بكلمات مرتعشة .. ثم تركته وغادرت ولم يبقى خلفها إلا عطرها .. وجد نفسه فجأةً وكأنه سقط في حلم لذيذ تمرح فيه امرأة جاءته من وراء الأفق دون سابق انذار أو تصور ..
ومرت الايام ، وتوالت زيارات عواطف الى المكتب .. حتى جاء يوم اقترحت فيه أن تكون اللقاءات في بيتها درءاً للأعين .. لقد كان خائفا من التمادي في مثل هذه المغامرة المثيرة رغم سهولتها .. فكر بسرعة كأنه يستلهم عقله وقلبه .. فوافق على الفور دون وعي كامل منه كأنه مسحور .. قفزت الى شفتيها ابتسامة انتصار ماكرة ذات معنى ..
وفي يوم اللقاء ارتدى افخر ثيابه وتعطر … قالت له زوجته .. بحب استطلاع الانثى ، وهي تتأمله متفكرةً قلقة ، والافكار تتلاطم في ذهنها :
— لمن كل هذه الاستعدادات ، يا ترى .. ؟
أجابها ، وهو لا يزال واقفا أمام المرآة يدندن بصوت خافت :
— عشاء عمل ..
تُطلق تنهيدة حارة وتصمت ..
و في بيت عواطف .. وبعد تناول العشاء على ضوء الشموع في جو شاعري حالم ، وتناولْ بضعة كؤوس من نبيذ الكمباري .. وجد نفسه كالمحموم يماشي نزوة أرملة متلهفة برد فراشها .. لقد كانت هي البادئة في القبلة الاولى ، وهي من دفعته الى الفراش ، فتحسس كل منهم طريقه الى الآخر .. كانت امرأة مختلفة .. جذوة ملتهبة لا تخمد ، وأرض عطشى .. كلما سقيتها طمعت بالمزيد .. وعندما غادرها كانت ابتسامتها التي تنطق بالشبع والامتنان والرضا معلقة بين شفتيها ..
وتمضي الايام وتتواصل بينهما لغة الجسد التي لا يجمعهما شىء سواها ، والزوج مستسلم لحياته الجديدة .. لا يضيق ولا يزهق ، ولا يبالي بغيرها .
اما خارج الفراش فقد صُدم عندما اكتشف أن عواطف لا ترى فيه أكثر من ثور الحقل لاشباع غريزتها النهمة ، وبدأت تعامله معاملة الأجير .. تحاسبه على كل صغيرة وكبيرة ، وتصب الاوامر والنواهي كالحمم فوق رأسه ، وتوقعه على ايصالات بكل المصروفات كأنها لا تثق به ، وأظهرت شخصيتها الحقيقية .. متحكمة مغرورة تتصور أن كل ما تريده يمكنها أن تحصل عليه بالمال ، فتحولت أحاديثهما الى بضع كلمات تافهة يتبادلانها على السرير دون وعي منهما ، وباتت العلاقة جافة ذابلة خالية من المشاعر كأنها مجرد لهو وعبث .
واخيراً حلت النهاية ، وانتهى زمن الحماقات .. لقد شعر بأنه بدأ ينزلق الى طريق رملي خطير لا يعرف نهايته ، فقرر أن يبتعد ، ويقطع كل جسوره معها ، ويحرق كل سفنه على شواطئها ، وأن يجعل جسدها آخر انتصاراته ، ويعود الى بيته وزوجته .. عودة طفل يتيم تائه .. الى السكينة والدفء .. ليعيد ترتيب كل شيء من جديد .. مرَّ بطريقه وهو عائد الى البيت بمكتب تشغيل الخدم ، وفعل ما كان يجب أن يفعله منذ زمن ، فإتفق معهم على خادمة !
يقترب بخطواته نحو الباب .. يفرك يديه ابتهاجاً بالعودة .. يعالج القفل بمفتاحه الخاص .. يدخل وكله حماس في مفاجئة زوجته بخبر الخادمة ، ولدهشته لم تهاجمه روائح البصل والثوم كما كل يوم ، ولم تستقبله زوجته كعادتها والمغرفة ملتصقة بيدها كأنها جزء منها ، والبيت يبدو صامتاً بارداً ساكناً لا أثر فيه لحياة .. أخذ يناديها ، وهو يتنقل كجرادة بين الغرف .. حتى سقطت عيناه على ورقة صغيرة مركونة على المنضدة .. تناولها بسرعة وبلهفة .. فتح طياتها ، وانهمك في قراءة كلماتها المكتوبة بخط نسائي متعجل ومرتعش :
لم أعد أتحمل المزيد من العذاب ، وأنا أعلم أن زوجي تشاركني فيه امرأة أخرى ، وانه لا يعود لي إلا بعد أن يرتوي منها وترتوي منه ، ولم أعد أطيق الناس ، وهم ينظرون اليّ بعين العطف والرثاء وربما السخرية ،
ولم أستطع مقاومة إحساس ثقيل بالفشل يجثم على صدري بأني لم استطع أن أرضيك كأمرأة ، واجنبك الارتماء في أحضان غيري ، وبأنك الآخر عاجز كرجل عن اداء واجبك تجاهي كاملا غير منقوص ، فلم أرى حلاً لمشكلتنا غير الطلاق ، ولا أدري ما مداه من الصواب والخطأ ، وما طلبي للطلاق ، واصراري عليه إلا نتيجة حتمية لما فعلته بنفسك ، وبنا حتى جعلت من سمعتنا مضغة للافواه غير مدرك ولا مبالٍ بألوضع الحرج والمؤلم الذي وضعتني فيه كأنك لم تعد تراني رغم أني موجودة .. أقف أمامك مثلومة الكرامة .. في ذهول الصدمة غير مصدقة ، وحياتك على أي حال ستسير .. بي أو بدوني ، وحياتي ايضا ستتواصل .. بك أو بدونك .. طلقني أرجوك ، وليذهب كل واحد في طريقه .. !
مريم
يتهالك على مقعد قريب .. مبهور الأنفاس .. خائر القوى .. تتدلى يده بالورقة .. يعيد قراءتها ثانية وثالثة .. لقد فجعته الكلمات .. تزايله نشوة الانتصار ، ويحل محلها ذل الانكسار والهزيمة .. كم كان ساذجاً ومغفلاً عندما تصور أن زوجته لطيبتها وانشغالها بالبيت والاولاد لن تعرف بخيانته التي ملأت الآفاق .. لقد تمادى في تجاهلها والاستخفاف بها .. واليوم يجني ما حصدت يداه .. كم يحس لغيابها بالوحشة والضيق والضياع ، وإن خسارته لفقدانها عظيمة .. سيظل يفتقد طبيعتها الصامتة الصابرة ، وتطلعاتها الهادئة الساكنة البسيطة ، وحتى رائحتها ، وهي تصول وتجول في المطبخ - عالمها - وهي تحمل المِغرفة .. لا تسقط من يدها أبداً .. !!

( تمت )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية


.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال




.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي


.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا




.. ياحلاوة شعرها تسلم عيون اللي خطب?? يا أبو اللبايش ياقصب من ف