الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشيخ يوسف القرضاوي..إمام التيارات المحافظة والسلفية

أسامة عرابي
(Osama Shehata Orabi Mahmoud)

2022 / 9 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


الشيخ يوسف القرضاوي.. إمام التيارات المحافظة والسلفية
تُوفِّيَ أمس (الاثنين) الشيخ يوسف القرضاوي ( 1926-2022)، عن عمر يُناهز السادسة والتسعين عامًا بعد أن أمضى جُلَّ حياته في صفوف جماعة الإخوان المسلمين، وأصبح من قياداتها والمدافعين عنها، واصفًا إياها بأنها"الجماعة الإسلامية الوسطية المنشودة"، وعدَّ مشروع الشيخ حسن البنا"المشروع السُّني الذي يحتاج إلى تفعيل"، ونعتَ الإخوان المسلمين بأنهم"أفضل مجموعات الشعب المصري بسلوكهم وأخلاقياتهم وفكرهم، وأكثرهم استقامة ونقاء"، وله في ذلك كتاب باسم"الإخوان المسلمون سبعون عامًا في الدعوة والتربية والجهاد"، وكان من شُداة المؤيدين لحكم الرئيس الإخواني محمد مرسي، ثم غادر مصر عام 2013، وعاش حتى وفاته في قطرالتي منحته جنسيتها، لكنه ظلَّ ملاحقًا من قِبل السلطات المصرية التي اتهمته باقتحام السجون، وتشكيل خلايا مسلحة قتلت ضابط شرطة، وحوكمَ غيابيًّا بالإعدام.أسَّس القرضاوي "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين" عام 2004، ورأسَه لأربع عشرة سنة خلت، حتى خلفه الشيخ أحمد الريسوني الذي استقال مؤخرًا على خلفية تصريحات أثارت الجدل. اعتقل القرضاوي ثلاث مرَّات في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. وفي سنة 1977 تولّى تاسيس وعمادة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر حتى عام 1990، ثم أصبح مديرًا لمركز بحوث السُّنَّة والسيرة النبوية بجامعة قطر أيضًا. .
ترك مائة وسبعين كتابًا مثل الحلال والحرام في الإسلام، وفتاوى معاصرة، وفقه الغناء والموسيقى، وفقه اللهو والترويح، ودراسة في فقه المقاصد، وفي فقه الأقليات الإسلامية، وفوائد البنوك هي الربا الحرام، ودور الزكاة في علاج المشكلات الاقتصادية وشروط نجاحها...إلخ.
ومُذ حملت وكالات الأنباء خبر وفاته ودموع جماعة الإخوان المسلمين وأذرعها الإعلامية وحلفائها من النيوليبراليين لا تكفّ عن السيلان والجريان، والإعراب عن أسفها الشديد لموت "العلَّامة النِّحرير الذي أفنى حياته في خدمة العقيدة الإسلامية، وصونها من الغلو والتشدُّد" وفق ما ذهبوا إليه. فهل كان شيخهم هذا حقًّا إمام التسامح ومن أنصار مدرسة الرأي التي تزعَّمها أبو حنيفة النعمان وإبراهيم النخعي وحماد بي أبي سُليمان دعائم قبة الإسلام بتعبير أبي العلاء المعري، أم كان واحدًا من أدوات قطرعرَّاب السياسة الأميركية – الإسرائيلية في المنطقة العربية، وتسخير غازها لخدمة الكِيان العنصري الاستيطاني، ناهيك عن مبادرة رئيس وزرائها ووزير خارجيتها السابق حمد بن جاسم آل ثانٍ العربية للسلام القائمة على تبادل الأراضي الفلسطينية مع إسرائيل، وتبني الأسرة المالكة المذهب الوهَّابي ورعاية السلفيين المعادين للعقل والديمقراطية والحداثة وتبرير سياساتها من موقعهم الديني وأدلتهم الشرعية المستندة إلى عصمة ولي الأمر من الخطأ والولاء المطلق له، وإلغاء الحدّ الفاصل بين العلم والميتافيزيقا؟
يقول الشيخ يوسف القرضاوي إنه رفض عرضًا لأن يكون مرشدًا عامًّا للإخوان المسلمين، وإنه آثر أن يكون مرشدًا عامًّا للأمة وإمامًا لها.وانطلاقًا من هذا الزعم، ناشد المسلمين في جميع أنحاء العالم، وفي كل بلاد الدنيا، أن ينالوا الشهادة في مصر؛ "فالله سيسألهم – والكلام له - يوم القيامة: هل رأيتم هذه المذابح البشرية، المذابح الوحشية؟ والله إننا حين نقول وحشية نظلم الوحوش". في الوقت الذي تعامى فيه عن قصد عمَّا ارتكبته جماعة الإخوان من إرهاب وترويع للآمنين على نحو ما شاهدناه عند قصر الاتحادية ومقرهم بالمقطم وفي المحلة الكبرى التي أطلق فيها ملتحون الأعيرة النارية على المتظاهرين المعارضين لمرسي، وفي بورسعيد التي قُبضَ فيها على إخواني يُدعى "أحمد محمود متولي" الشهير بـ"كتكوت" بعد أن أطلق النار من طبنجة مسروقة على المتظاهرين في ساحة مسجد التوحيد وكنيسة ماري جرجس وقتل اثنيْن، وأصاب ثمانية وعشرين، وردًّا على تدخل قوات الأمن، قام أنصار مرسي يوم الأربعاء الموافق 14/8/2013بإحراق ثلاث كنائس قبطية في وسط مصر، حتى إن د.محمد البرادعي والقطب الناصري حمدين صباحي ألغيا مشاركتهما في مؤتمر شعبي بإمبابة بعد تسريب خبر عن وجود محاولة قتل مبيَّتة لهما، وعشرات الأمثلة من طراز المهندس الإخواني "أبو الخير" الذي حوَّلَ شقته في شارع ذاكر بمدينة نصر إلى مركز للتدريب على السلاح. فلماذا يكيل الشيخ يوسف القرضاوي بمكياليْن، فيرى القشة التي في عين النظام، ولا يرى الخشبة التي في عينه؟ لماذا يتغافل القرضاوي عن البيان الذي أصدرته "الحركة الشعبية لاستقلال الأزهر" الذي أدانت فيه مشايخ الإخوان الذين طالبوا بإنشاء جيش موازٍ لمقاتلة جيش مصر؛ ومن بينهم وزير الأوقاف الأسبق والأستاذ بجامعة الأزهر ونائب الرئيس العام للجمعية الشرعية للعاملين بتعاون الكتاب والسُّنَّة د.طلعت عفيفي، والأمين العام للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية المنتدب د.صلاح سلطان، والدكتور جمال عبد الستار المنتدب من وزير الأوقاف لشئون الدعوة، والشيخان سلامة عبد القوي وعبده مقلد؟
ويعلم الشيخ يوسف القرضاوي بوصفه من قدامى الإخوان ويعرف عن كثب تكتيكاتهم واستراتيجياتهم، كيف استخدم الإخوان في عهد مرسي المساجد للدعاية السياسية بعد إسناد وزارة الأوقاف إلى الوزير الإخواني الشيخ الدكتور طلعت عفيفي، وبمساندة من الشيخ الدكتور محمد المختار المهدي الرئيس العام للجمعية الشرعية للعاملين بتعاون الكتاب والسُّنَّة وهي كبرى الجمعيات الإسلامية، وإخراجها عن مسارها الدعوي والخيري البعيد عن السياسة لتكون فَرْعًا للإخوان بقيادته، والوزير هو نائبه في "الجمعية الشرعية". والاثنان؛ عفيفي والمهدي، أزهريان وعضوان في مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر؛ وهو ما يُلقي بالشبهات حول الموقف السياسي للمجمع، خاصَّة أنه يضمّ في عضويته إخوانًا صرحاء في "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين" الذي أسَّسه ورأسه القرضاوي وكان ناشطًا يومذاك، طامحًا إلى الحلول محلَّ المجمع والأزهر، بإصداره أي الاتحاد بيانات سياسية تدخَّل عبرها في الشئون الداخلية للبلاد، وتحوَّل إلى طرف في الخصومات السياسية بوقوفه مع الإخوان والرئاسة ضد القوى والأحزاب المعارضة. لهذا دعا وزير الأوقاف الإخواني د.طلعت عفيفي الشيخ القرضاوي لإلقاء خطبة الجمعة في الأزهر كلّ شهر، ولمَّا واجه معارضة تحايلَ على الموقف، وادَّعت وزارة الأوقاف أنها تُخطّط لأن يُلقي الخطبة على التوالي علماء أزهريون، والقرضاوي من الأزهر، وجاء بعده بالدكتور أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر الأسبق، لكن اللعبة انكشفت.وراح القرضاوي يستخدم الدين لتثبيت مرسي في سُدَّة الحكم، وفرضه فرضًا، على نحو ما صرَّحَ به في خطبة الجمعة بالدوحة القطرية قائلًا:"لا يجوز لأحدٍ أن يرفع صوته بخروج مرسي لأنه منتخب شرعًا، وهو وليّ الأمر المسلم الذي يجب أن يُطاعَ بأمر الله، هذا مرسي وليُّ أمرنا ولا بدَّ أن نطيعه، ولا يجوز الخروج عن طاعته والمطالبة بتغييره قبل انتهاء مدته..أقول: حرام عليكم دعوة الناس إلى هذه الفتنة، والمطالبة بخروج محمد مرسي". وبكى بالدمع الهتون متشنجًا وهو يقول:"هل فسقَ مرسي أو عصى الله أو زنا أو قفَ ضدّ الشعب، ومع ذلك أرادوا قتله في قصره وهو لم يفعل شيئًا، ولم يأمر بقتل بأحد". وهي اللعبة ذاتها التي لعبها الإخوان ليضفوا على حكم مرسي مشروعية دينية، تسوِّغ استمراريته في كرسيه؛ فشبَّهَ د.محمد بديع مرشد عام الجماعة د.محمد مرسي بسيدنا موسى عليه السلام عندما رشَّحه مكتب الإرشاد رئيسًا للجمهورية، ثم تواضعَ مرسي قليلًا فشبَّهَ نفسه بسيدنا عمر بن الخطاب رضيَ الله عنه.إلى أن أتى أحد الإخوانيين ويُدعى "سامي قاسم أمين المليجي" في جريدة حزب الحرية والعدالة وشبَّه مرسي بعليّ بن أبي طالب رضيَ الله عنه، وشبَّه الإخوان بأنصاره.غيرَ أنهم انساقوا وراء لُعبتهم هذه فشبَّهوا بالمرَّة خيرت الشاطر نائب المرشد العام بسيدنا يوسف عليه السلام عندما قدَّموه في البداية مرشحًا للرئاسة إلى أن اعترض عليه المجلس العسكري وأزاحه عن السباق الرئاسي.وأخذ القطريون يستخدمون القرضاوي في خدمة الأدوار الموكولة إليهم أميركيًّا وإسرائيليًّا؛ فدعا أميركا إلى أن "تقف موقف رجولة، وقفة لله، وقفة للحق والخير، وتتدخل للدفاع عن الشعب السوري".وهي دعوة شبيهة بدعوة الأستاذ خالد محمد خالد لجورج بوش الأب إلى ضرب العراق في أثناء غزوها للكويت بقوله له: "أدرِكنا بها يا بوش، وماذا لو مات مليونا عراقي من أجل أن تعمَّ الحرية"! كما لم يتورع القرضاوي عن الإفتاء بجواز الاستعانة بقوات الناتو الإمبريالية لإسقاط القذافي بدلًا من أن يناشد الشعبَ العملَ على تقرير مصيره بنفسه.ولم يَنِ يُفتي بعدم زيارة القدس لوقوعها تحت الاحتلال، بينما سارعَ إلى دخول غزة بموافقة إسرائيلية.وقام إسماعيل هنية رئيس الحكومة المقالة بتقبيل يد القرضاوي، زاعمًا أنه لم يحظَ بإذن إسرائيل، بينما قالت حركة "فتح" إن دخوله إلى القطاع كان بتنسيق مع إسرائيل.وراحَ القرضاوي يُجمِّل وجهه معلنًا في غزة: "إن المعركة مع الصهيونية القاتلة المدمِّرة، وإن الصهيونية بعيدة عن اليهودية"! وهذا كلام ينمّ إما عن جهلٍ وإما عن تلاعبٍ بالعقول لتجيير وحهه.فالدين في التوراة سياسة، والسياسة دين؛ ومن ثمَّ تعتبر الصهيونية معارضتها والتصدي لمشروعها الاستعماري معارضة لليهودية كديانة.ألا يُشكِّل ختام العهد القديم سعيًا محمومًا إلى تملُّك العالم بأسره في ظلِّ صهيون حاكمة الأمم؟ ألم يُفصح سفر التكوين 15: 18عن ماهية نشوء الحركة الصهيونية قائلًا:"في ذلك اليوم قطع الربّ مع إبرام ميثاقًا قائلًا: لنسلِكَ أعطي هذه الأرض، من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات"، ثم أضاف قائلًا:"وكلَّم الربُّ موسى قائلًا: احصِ النهب المسبيَّ من الناس والبهائم..ونصف النهب يكون لمن باشروا القتال"( سفر العدد:31: 25- 27)؟
وبذلك أتت زيارة القرضاوي إلى غزة في سياق تكريس سيطرة حماس الإخوانية على غزة، وانفرادها بمقاليد الأمور فيها دونًا عن سائر الفصائل الفلسطينية الأخرى.وهي دعوة رتَّبتها قطر بالاتفاق مع إسرائيل مثل نظيرتها التي قام بها أمير قطر السابق وعقيلته الشيخة موزة؛ بغية توحيد الحركة الإسلامية وتوجيهها.لهذا لم يكن غريبًا أن يرفض رئيس حزب النهضة راشد الغنوشي النصّ على تجريم التطبيع مع إسرائيل في الدستور التونسي الجديد.وبذلك يُجيد القرضاوي لعبة التنكُّر والتخفي من خلال توزيع الأدوار حتى لا يُفتضح أمره، كما فعل في مؤتمر الدوحة العاشر لحوار الأديان الذي عُقد تحت شعار" تجارب ناجحة في حوار الأديان" في 23/4/2013، بحضور 500 مشارك من 75 دولة يمثِّلون أتباع الديانات السماوية الثلاث، ودار حوارهم حول محاور أربعة هي: المحور الأكاديمي ومحور العدالة ومحور السلام وحل النزاعات أي الاعتراف بالعدو الصهيوني والتطبيع معه ومحور الثقافة ووسائل الإعلام، وقاطعه القرضاوي احتجاجًا على الحضور اليهودي مؤكدًا " قررتُ ألَّا أشارك فيه حتى لا أجلس مع اليهود على منصة واحدة؛ ما دام اليهود يغتصبون فلسطين والمسجد الأقصى ويدمِّرون بيوت الله، وما دامت قضية فلسطين معلَّقة لم تُحلَّ".وبصرف النظر عن خطيئته في إسباغ مضمون ديني على الصراع مع عدونا التاريخي، وتجريده من أي محتوى سياسي، مختزلًا القضية الفلسطينية في تحرير القدس فقط، لا الأراضي الفلسطينية المغتصبة، ولا قطع العلاقات مع دولة الجيش العبري، فإنه لم يعترض على مشاركة الشيخ "علي محيي الدين القرة داغي" الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي أسَّسه ويرأسه القرضاوي، بما يُذكِّرنا بموقفه المخزي من احتجاج إسرائيل على مقال نشر بالموقع الإلكتروني للاتحاد هوجم فيه اليهود بضراوة، فقام أمير قطر السابق بإغلاقه إرضاء لها، وصمت القرضاوي ولم يفتح فمه بكلمة، واستمرَّت علاقته القوية بالأمير الوالد، وكان شيئًا لم يحدث.
كذلك قام القرضاوي بدور كبير في تعميق الفُرقة بين الشيعة والسُّنَّة في الخليج العربي؛ تعزيزًا للمحاولات الأميركية الرامية إلى ضرب المنشآت النووية الإيرانية.وبلغ من التزام القرضاوي وإخلاصه في تنفيذ التعليمات الصادرة إليه أنْ دعا في خطبة صلاة الجمعة بقطر إلى أن يخرج كلّ مسلم سُنيّ قادر على حمل السلاح لمحاربة الشيعة في سورية، مسهمًا بذلك في إشعال الحرب الطائفية بين السُّنَّة والشيعة العرب، ومرسِّخًا مبدأ المحاصرة وفرض الرأي بالقوة، وإحياء الخلافات المذهبية بدلًا من التقريب بين المذاهب، على نحو ما فعلته جماعته الإخوانية حين دفعت أهالي زاوية أبي مسلم التابعة لمحافظة الجيزة إلى إطلاق النارعلى فيلَّا اعتقدوا أنها تابعة للقياديّ الشيعيّ حسن شحاتة بعدما توقَّعوا أنها حُسينية، وقد قُتل فيها شيعيٌّ وأصيب ثمانية.وبذلك يعمد القرضاوي وجماعته إلى إنماء الاتجاهات المحافظة والسلفية وإذكاء جذوة الصراع الديني الذي هو في جوهره صراع استئصالي يدفع كل طرف إلى محو الطرف الآخر من الوجود، حتى وصف أحد قيادات الحركة السلفية المناصرة للإخوان المسلمين الشيخ محمد عبد المقصود الشيعة بالأنجاس! وقام الجهاديّ السلفيّ أحمد فريد بتأسيس جماعة مهمتها جمع أسماء الشيعة في مصر وتعقبهم حتى كثُرت الأحزاب السلفية في مصر مع مجيء الإخوان مثل حزب النور الذي يرأسه يونس مخيون، وحزب الوطن الذي أسسه د.عماد عبد الغفور المنشق عن حزب النور، وحزب الأصالة، وحزب الشعب الذي أنشأته الجبهة السلفية، وحزب الراية السلفي الذي أسَّسه حازم صلاح أبو إسماعيل عصا الإخوان الغيظة، والذي يصفه إعلاميُّ قناة الشرق المملوكة لأيمن نور عماد البحيري بالمفكِّر الرباني، وهو في فكره ومبناه معادٍ للحضارة الإنسانية ولكل ما ينتمي للبشرية بصلة، وهكذا دواليْك.ومن نافل القول إن الغرض من إنشاء ورعاية هذه الأحزاب المتخلّفة المعادية لحركة التاريخ هو إثارة النزاعات والتوترات الدينية لدى كلّ فريق تجاه الفرق الأخرى، وتجييشها الدائم لتكون احتياطيًّا للفاشية، وتحميل الدين بمضامين جهادية مقدسة تستنفر أحط الغرائز بدائية في الإنسان وتدعوه للتكفير والقتل.الأمر الذي دعا يومًا رئيس تحرير الأهرام الأسبق عبد الناصر سلامة الذي تأخونَ لاحقًا إلى الهجوم على القرضاوي بسبب خطبة له في الجامع الأزهر، واتهمه بالعمل لحساب قطر وإثارة الفتنة في سورية، وهدَّده بأن لدى أجهزة الأمن المعلومات الكافية عن تحرُّكاته وطالبه بأن يصمت، وردَّ على سلامة في الأهرام أيضًا في صفحتها الثالثة الإخواني الدكتور صلاح الدين سلطان الأمين العام للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية مدافعًا عن إمامه.
ومن الطرائف الملازمة لاسم القرضاوي أنه لم يؤثر عنه الهجوم على الرئيس المخلوع مبارك أو نظامه؛ فكافأه مبارك وإدارة مباحث أمن الدولة يومها بدعوته إلى المشاركة في مؤتمر إسلامي عن طريق الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر الأسبق، وتعيينه عضوًا في مجمع البحوث الإسلامية.هذه التناقضات وغيرها في مواقف القرضاوي ونهجه العام أصيلة وثابتة، ولا غرو في ذلك، فقد اعترف في مذكراته التي نشرتها له دار الشروق أنه كتب تقريرًا عن الإخوان المسلمين في قطر ليسلِّمه للرائد أحمد راسخ المشرف على نشاط الإخوان في جهاز مباحث أمن الدولة كما طلبه منه. وبأنه عمل في عام 1995ضمن خلية من الإخوان تحت رئاسة مدير جهاز المباحث بوزارة الداخلية السعودية الأمير نايف بن عبد العزيز، وكان مسئولًا وقتها عن اليمن، ثم تولّى وزارة الداخلية وولاية العهد.ولعلنا نذكر كتابه "الشيخ الغزالي كما عرفته" الذي شرح فيه وأفاضَ عن خلافاته – خلافات الغزالي- مع المرشد الثاني للإخوان المسلمين حسن إسماعيل الهضيبي، وكيف أن بعض أولي الهوس من الإخوان رأوْا في نقد الشيخ الغزالي له ورفضه لقرار فصله من دعوة الإخوان ما يستوجب عقابه، ثم أصدر القرضاوي طبعة ثانية من كتابه هذا ليمحو من سطوره ما سلف؛ حتى لا يُغضب مرسي وأهله وأولياء نعمته في قطر وتركيا.
وهنا تتضح ماهية الشيخ يوسف القرضاوي، وطبيعة الأدوار الخطيرة التي نهض بها، بما يؤدي لا ريب إلى تقسيم الدول العربية على أساس مذهبي، وتدمير وحدتها القومية العربية، ودعم الإسلام الأصولي السياسي الذي يُشكّل كابوسًا دمويًّا كانت ولا تزال له آثاره السلبية على الواقع الاجتماعي العربي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما مدى أهمية تأثير أصوات أصحاب البشرة السمراء في نتائج الانت


.. سعيد زياد: إسرائيل خلقت نمطا جديدا في علم الحروب والمجازر وا




.. ماذا لو تعادلت الأصوات في المجمع الانتخابي بين دونالد ترمب و


.. الدفاعات الجوية الإسرائيلية تعترض 3 مسيّرات في سماء إيلات جن




.. فوضى عارمة وسيارات مكدسة بعد فيضانات كارثية في منطقة فالنسيا