الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا تعني ’التعبئة الجزئية‘ الروسية؟

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

2022 / 9 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


إن إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التعبئة الجزئية في 21 سبتمبر ينم عن تصعيد خطير في الحرب أثار قلق العالم ويأتي على خلفية الانتكاسات الروسية مؤخراً في الميدان والحاجة الماسة للمزيد من المقاتلين بعدما نضبت مواردهم الأخرى. يشير المراقبون إلى تحديات في التدريب والمعدات، وهي تحديات حقيقية لكنها مع ذلك غير مستعصية. ويقولون إن التعبئة لن تغير مسار الحرب، لكنها قد تسمح لبوتين بتنفيذ استراتيجيته السياسية المتمثلة في الانتصار بالنفس الطويل على الأوروبيين. يبقى الأمر غير المؤكد هو إن كانت المعارضة الشعبية الروسية ضد التعبئة ستعرقل الخطط العسكرية. في جميع الأحوال، أمام أوكرانيا بصيص أمل لتحقيق نجاحات في الميدان قبل أن تصل هذه القوات المعبأة.

ما تفعله روسيا
في كلمته بتاريخ 21 سبتمبر، أعلن بوتين التعبئة الجزئية:
"اليوم قواتنا المسلحة ... تحارب على خط تماس يزيد طوله عن 1.000 كيلومتر، لا تحارب ضد وحدات النازيين الجدد فحسب بل في الحقيقة ضد الآلة العسكرية للمعسكر الغربي بأسره. ... لهذا أجد من الضروري اعتماد مقترح وزارة الدفاع والأركان العامة بشأن التعبئة الجزئية عبر الاتحاد الروسي للدفاع عن وطننا وسيادته ووحدة ترابه، ولضمان سلامة شعبنا وشعوب المناطق المحررة.... سيُستدعى فقط الاحتياطيين العسكريين، بالأخص هؤلاء الذين خدموا في القوات المسلحة من ذوي تخصصات مهنية عسكرية محددة وخبرة مكافئة. وقبل إرسالهم إلى وحداتهم سيخضع من يُستدعون للخدمة الفعلية لتدريب عسكري إضافي إلزامي يتقرر على أساس متطلبات العملية العسكرية الخاصة."

يضيف المرسوم التنفيذي للتعبئة الجزئية ما أسماه "إيقاف الخسائر" الذي بمقتضاه سيمكث الأفراد في الخدمة الفعلية إلزامياً لحين انتهاء التعبئة الجزئية. وهذه خطوة مفهومة حين تواجه الجيوش نقصاً في الأفراد وأثناء العمليات العسكرية واسعة النطاق، حيث يلزم الاحتفاظ بالأفراد داخل وحداتهم وتدريبهم. جدير بالذكر أنه سبق للولايات المتحدة استعمال الإجراء المسمى "إيقاف الخسائر" وأثار لغطاً لدى تنفيذه خلال الحربين العراقية والأفغانية، ما دفع بالمنتقدين إلى نعته بصفة "الباب الخلفي للتجنيد."

بوتن أعلن أن تعبئته ستقتصر على الأفراد العسكريين السابقين ولن توسع التجنيد أو تضع الأمة في حالة حرب، التي تتطلب تعبئة شاملة. كما تضمن إعلان بوتين طفرة صناعية لزيادة الإنتاج من الأسلحة والذخائر. ثم أضاف وزير الدفاع سيرجي شويغو أن التعبئة ستجري على مراحل، وشرح بالتفصيل عملية التدريب. وأكد كل من شويغو وبوتين على إعفاء الطلاب والعاملين في صناعة الدفاع.

هذا الإجراء يمكن وصفه بالمعادل التقريبي للتعبئة الجزئية الأمريكية (10 USC 12302)، حيث لجأت الولايات المتحدة الأمريكية لهذه الصلاحيات مرات عدة في الماضي فيما يخص عاصفة الصحراء وحربي العراق وأفغانستان، علاوة على عمليات عسكرية أقل حجماً.

ذكرت تقارير إعلامية أنه يجري تفعيل نحو 300.000 مجند، رغم خلو الخطاب الأصلي من الأرقام فضلاً عن أن المرسوم التنفيذي يترك العدد لتقدير وزارة الدفاع. ورغم ادعاء بعض المدونين الروس أن العدد الفعلي قد يصل إلى المليون، تبقى جميع هذه الأرقام مجرد تكهنات، كما تبقى قدرة روسيا على حشد القوات وتدريبها وتجهيزها وتحريكها إلى الجبهة محدودة. لذا يتوقع أن تكون التعبئة أشبه بالقطرات، لا الغيث. كما يتكهن البعض بأن تتسبب هذه التعبئة في إلحاق ضرر بالغ بالاقتصاد الروسي، وهو أمر غير مرجح لأنه حتى في حال تعبئة 300.000 مقاتل، فهذا الرقم لا يمثل سوى 4 بالمئة فقط من القوة العاملة الروسية.

التقارير الأولية تشير إلى سير التعبئة بشكل سيء
يبدو أن المنظومة البيروقراطية غير جاهزة لتلبية متطلبات هذا المجهود المعقد. إذ يتعين عليها تحديد هوية الأفراد وإخطارهم وتقييمهم طبياً وجلبهم إدارياً إلى الخدمة الفعلية، ثم إرسالهم إلى منشأة التدريب. كما يتعين عليها خلال هذه الفترة الإدارية إطعام الأفراد وإسكانهم. لقد عانت الولايات المتحدة من مشاكل في آلياتها التعبوية عام 1991، وهي أول تعبئة كبرى منذ الحرب العالمية الثانية، ولم تنجح في معالجتها إلا بمرور الوقت. وقد يمر الروس بالتجربة نفسها. ومثل العديد من المهام البيروقراطية في روسيا، تجري التعبئة باستخدام نظام الحصص (الكوتا) المفروض على المقاطعات ويلطف من عيوب المركزية ويبسط عملية التنفيذ لكنه في الوقت نفسه يعطي الحافز للسلطات المحلية لكي تعطي الأولوية للمخرجات على حساب التكاليف، وهو ما يؤدي إلى التعسف وسوء استعمال السلطة عبر المقاطعات المختلفة. علاوة على المشاكل البيروقراطية، يبدو أن الأجهزة الأمنية تتوعد المتظاهرين بالتعبئة، في مخالفة للسياسة المعلنة.

روسيا متعثرة في تحويل القدرة المحتملة إلى قدرة فعلية
يردد المحللون منذ بداية الصراع أن عدد سكان روسيا يصل إلى ثلاثة أضعاف سكان أوكرانيا (146 مليون مقابل 41 مليون)، علاوة على قوات مسلحة ضخمة واقتصاد أكبر كثيراً. فمن الناحية النظرية ينبغي أن تسود روسيا في أي حرب استنزاف طويلة. غير أن مشكلة روسيا تكمن في تحويل القدرة المحتملة إلى قدرات فعلية في الميدان. لقد وصف بوتين الصراع بأنه "عملية عسكرية خاصة" وليس حرباً، الذي أدى إلى الحد بشدة من قدراته. على سبيل المثال، لم يستطع الجيش الروسي الاستفادة من مخزون ضخم من المجندين المحتملين، حتى رغم كونهم يشكلون الحصة الأكبر في القوات البرية. وستحاول التعبئة الجزئية الاستفادة من بعض هذه القدرة المحتملة. في المقابل كانت أوكرانيا منذ البداية قادرة على الاستفادة من جميع عناصر قدرتها الوطنية.

روسيا تعبئ لأن مخزونها من الجنود ينفد
لقد تكبد الجيش الروسي خسائر كبيرة (نحو 80.000 تقريباً) من قوة غزو أولية من نحو 190.000 جندي، منها نحو 140.000 من القوات القتالية البرية. ومنذ البدء ذاق الروس الأمرين للحفاظ على قوام القوات، وفي سبيل ذلك اتخذوا عدة إجراءات سميت أحياناً "تعبئة مستترة." نشروا جنوداً من كل وحدة تقريباً في روسيا، وعبئوا بعض الاحتياطيين، وجلبوا أقليات عرقية (خاصة الشيشانيين)، وعرضوا مكافآت تجنيد سخية على الأفراد الذين سيسجلون أو سيمكثون في الخدمة، واستخدموا المقاول الخاص مجموعة فاغنر، وجندوا حتى من السجون. ورغم أن جودة هؤلاء المجندين البدلاء لم تكن عالية، لكن أعدادهم وجودتهم كانت كافية للمحافظة على قوام القوات الروسية وفاعليتها على أرض المعركة.

كما بَينَّ المحللان الروسيان مايكل كوفمان وروب لي، الجيش الروسي مصمم لغرض الدفاع عن أرض الوطن ضد الغزو، وليس لغزو بلد جار. وهكذا كانت الوحدات في العادة عند حوالي 70 بالمئة من قوة الأفراد وضمت الكثير من المجندين ممن لا يمكن نشرهم خارج الأراضي الروسية. كان استدعاء قوات الاحتياط كاف للدفاع عن أرض الوطن. لكن من أجل عملية عسكرية خاصة، حيث صلاحيات التعبئة محدودة، لم تتوفر القوات الكافية لنشرها ببساطة. هذا جش مختلف تماماً عن الجيش الأمريكي، المصمم لغرض الجهوزية العالية وسرعة الانتشار خارج حدود بلاده.

التوقيت مرده إلى الانتكاسات الروسية مؤخراً في الميدان
قبل يوليو حققت الهجمات الروسية في إقليم الدونباس بعض المكاسب في الأراضي، ولو بتكلفة باهظة. ثم بدأ الهجوم الأوكراني المضاد. في الوقت الراهن يهاجم الأوكرانيون في الجنوب الغربي باتجاه خيرسون ورغم عدم إحراز اختراقات كبيرة، لكنهم يضعون الروس تحت ضغط هائل. وفي المقابل تتخندق القوات الروسية المجهدة بمحاذاة شريط طويل على البر الغربي لنهر دنيبرو. بينما الضربات الدقيقة الأوكرانية تضغط بقوة على خطوط الإمدادات الروسية. ونجح الهجوم الأوكراني المضاد باتجاه الشمال الشرقي في استرداد مساحة كبيرة شرق خاركيف، حتى رغم تباطؤ التقدم حالياً. لذا يرجح أن الجنرالات الروس قالوا لبوتين أنهم لن يستطيعوا المحافظة على مكاسبهم من دون قوات إضافية.

كان أمام بوتين خيارين آخرين: استخدام الأسلحة النووية أو التفاوض على تسوية. لقد تحدث المراقبون بإسهاب حول استخدام الأسلحة النووية، الذي من شأنه المخاطرة بالوجود القومي الروسي ذاته من أجل فتات الأراضي الأوكرانية. وحتى اللحظة تحصر روسيا التهديدات النووية على التدخل المباشر من طرف الناتو أو تحرك أوكراني نحو عمق الأراضي الروسية. وفي الوقت الحالي التسوية عبر التفاوض غير ممكنة بالنظر إلى اتساع الهوة بين الطرفين. إذ لا يستطيع بوتين التخلي عن مكتسباته من دون تعريض نظامه للخطر، بينما تصر أوكرانيا على أن تخلي روسيا كافة الأراضي المحتلة، ومن ضمنها شبه جزيرة القرم.
،،،،،،،،،،،، يتبع ،،،،،،،،،
__________________
ترجمة: عبد المجيد الشهاوي
رابط المقال الأصلي:
What Does Russia’s ‘Partial Mobilization’ Mean? | Center for Strategic and International Studies (csis.org)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الصين تحذّر واشنطن من تزايد وتراكم العوامل السلبية في العلاق


.. شيعة البحرين.. أغلبية في العدد وأقلية في الحقوق؟




.. طلبنا الحوار فأرسلوا لنا الشرطة.. طالب جامعي داعم للقضية الف


.. غزة: تحركات الجامعات الأميركية تحدٍ انتخابي لبايدن وتذكير بح




.. مفاوضات التهدئة.. وفد مصري في تل أبيب وحديث عن مرونة إسرائيل